الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمات المستشرقين الكبيرين عما يعرفه التاريخ من دخائل محمد صلى الله عليه وسلم:
إخواني! إنّ أعظم الناس وأجلّهم إذا انقلب إلى بيته كان فيه رجلا من الرجال، وواحدا كاحاد الناس، ولقد صدق فولتير «1» في كلمته المشهورة:
«إنّ الرجل لا يكون عظيما في داخل بيته، ولا بطلا في أسرته» يريد أنّ عظمة المرء لا يعترف بها من هو أقرب الناس إليه، لاطّلاعه على دخيلته في مباذله. وهذا الحكم يشذّ عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فيقول باسورت سمث: إن ما قيل عن العظماء في مباذلهم لا يصحّ- على الأقل- في محمد رسول الإسلام، واستشهد بقول كبن «2» :«لم يمتحن رسول من الرسل أصحابه كما امتحن محمد أصحابه، إنه قبل أن يتقدّم إلى الناس جميعا، تقدم إلى الذين عرفوه إنسانا المعرفة الكاملة، فطلب من زوجته، وغلامه، وأخيه، وأقرب أصدقائه إليه وأحبّ خلانه أن يؤمنوا به نبيا مرسلا، فكلّ منهم صدّق دعواه، وآمن بنبوّته. وإنّ حليلة المرء أكثر الناس علما بباطن أمره، ودخيلة نفسه، وألصقهم به، فلا يوجد من هو أعرف منها بهناته، ونقائصه، أليس أول من آمن بمحمد رسول الله زوجه الكريمة التي عاشرته خمسة عشر عاما، واطّلعت على دخائله في جميع أموره، وأحاطت به علما ومعرفة، فلما ادّعى النبوّة كانت أول من صدّقه في نبوّته» .
تفاصيل أخرى عما يعرفه التاريخ عنه صلى الله عليه وسلم:
إنّ أعظم الناس لا يأذن لزوجه- وإن كانت له زوج واحدة- بأن تحدّث الناس عن جميع ما تراه من حليلها، وأن تعلن كلّ ما شاهدته من أحواله، لكنّ رسول الله كانت له في وقت واحد تسع زوجات، وكانت كلّ منهن في
(1) فولتير، (Voltaire) من كبار المؤلفين الفرنسيين، كتب في الشعر، والتاريخ، والمسرح، والمراسلة، والفلسفة، وأجاد في أكثرها، ومن مؤلفاته المشهورة «محمّد» و «زئير» و «كنديد» و «شارك 12» . مات سنة 1778 م.
(2)
أحد كبار المستشرقين، وله كتب قيمة في التاريخ، ومن أشهرها The History of Decline and Fall of the Roman Empire.:
إذن من الرسول بأن تقول عنه للناس كلّ ما تراه منه في خلواته، وهن في حلّ من أن يخبرن الناس في وضح النهار كلّ ما رأين منه في ظلمة الليل، وأن يتحدّثن في الساحات، والمجامع بما يشاهدن منه في الحجرات، فهل عرفت الدّنيا رجلا كهذا الرجل يثق بنفسه كلّ هذه الثقة، ويعتمد عليها إلى هذا الحد، ولا يخاف قالة السّوء عنه من أحد؛ لأنه أبعد الناس عن السوء.
هذا ما يتعلق بذات الرسول، وأما ما تحلّت به نفسه من دماثة الخلق، ورجاحة العقل، وحصافة الرأي، وكرم النفس، وعلوّ الهمّة، ورحابة الصدر، فإنّ كتب الحديث ملأى بتفاصيله. وأحسن كتاب في ذلك كتاب (الشفا) للقاضي عياض الأندلسي. وقد قال لي يوما وأنا في فرنسا مستشرق اسمه ماسنيون «1» : يكفي لتعرف أوربا محاسن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومحامده أن ينقل كتاب (الشفا) للقاضي عياض إلى إحدى اللغات الأوربية.
إنني بوّبت في الجزء الثاني من السيرة «2» عند ذكر شمائله صلى الله عليه وسلم هذه الأمور: خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحليته، وخاتم النبوة، وشعره، ومشيته، وكلامه، وضحكه، وتبسمه، ولباسه، وخاتمه، ومغفره، ودرعه، وطعامه، وصفة أكله، وسنن طعامه، وشارته، واللون المحبب إليه، واللون الذي كان يرغب عنه، وتعطره، وحبه للنظافة والطهارة، وركوبه.
وذكرت في أشغاله: ما كان يعمله في نهاره من الصباح إلى المساء، ثم نومه، وتهجّده، ووظائفه في الصلوات، وأسلوب خطبته، وأعماله في السفر، وأعماله في الجهاد، وسنته في عيادة المرضى، وتعزيته أهل الميت، وسنته في لقاء الناس، وعامة أشغاله. وإليكم ما ذكرت عن مجلسه صلى الله عليه وسلم: مجالس الإرشاد، آداب المجلس، أوقات جلوسه مع الناس، مجالسه الخاصة بالنساء، طريقة هديه وإرشاده، لقاؤه الناس بالبشاشة والبشر، تأثير صحبته فيمن يصحبه، وأسلوب كلامه معهم،
(1) ماسنيون (Massignon) مستشرق فرنسي، عني بالصّوفية، واهتمّ بنشر مؤلفات الحلّاج، وله مؤلفات في الشؤون الإسلاميّة، مات سنة 1962 م.
(2)
أراد المحاضر كتابه في السيرة النبوية بالأردوية.