المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقارنة بين نتائج عظة جبل الزيتون، ودعوة جبل الصفا: - الرسالة المحمدية

[سليمان الندوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌ترجمة العلّامة سيّد سليمان الندوي

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌المحاضرة الأولى سيرة الأنبياء هي الأسوة الحسنة للبشر

- ‌مسؤولية الإنسان بقدر مواهبه:

- ‌حكمة إرسال الله الرسل للبشر:

- ‌الفرق بين دعوة الرسل ودعاوى غيرهم:

- ‌خلود دعوة الرسل واضمحلال دعاوى غيرهم:

- ‌ما من طائفة من الناس أصلحت فساد المجتمع إلا الأنبياء:

- ‌إنّ الهداية والدّعوة لا تثمر ولا تبقى إلا بالقدوة والأسوة:

- ‌السيرة المحمّدية هي السيرة التاريخيّة:

- ‌سيرة متبوعي الهنادك ليست تاريخيّة:

- ‌سيرة بوذا ليست تاريخيّة:

- ‌الذي نعلمه عن كونفوشيوس أقلّ من الّذي نعلمه عن بوذا:

- ‌شكوك العلماء المحقّقين في كثير من سير أنبياء بني إسرائيل:

- ‌الكلام على الأناجيل من ناحية التّاريخ:

- ‌ليس في أصحاب الدّعوات من يمكن التأسّي به إلا محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌ما يمكن معرفته من أسفار التوراة عن موسى:

- ‌شؤون حياة المسيح أخفى من غيره وأغمض:

- ‌الحياة المثالية هي التي يبدأ صاحب دعوتها بنفسه فيعمل بما يدعو إليه:

- ‌اشتراط أن تكون سيرة المتبوع تاريخية وجامعة وكاملة وعمليّة:

- ‌امتياز الإسلام بحفظ السيرة النبويّة وتراجم الصّحابة والتابعين والأئمة والمتبوعين:

- ‌عناية الصّحابة بحفظ الحديث النّبويّ وعناية التابعين والأئمة والمتبوعين:

- ‌آخر الصحابة موتا المدن التي توفوا فيها سنة الوفاة

- ‌الكلام على التابعين وأساتذتهم من الصحابة:

- ‌أسماء الرواة من الصحابة عدد مروياتهم سنة وفاتهم

- ‌المستشرقون وتشكيكهم في رواية الحديث، والكلام على الحفظ والكتابة:

- ‌كتابة الحديث في العهد النّبوي:

- ‌التابعون الّذين دوّنوا الحديث:

- ‌جمع الحديث له ثلاثة أطوار:

- ‌علم نقد الحديث من جهة الدراية والفهم:

- ‌ستة مصادر لسيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم وهديه:

- ‌[المصدر الأول من مصادر السيرة النبوية: ما اقتبس من القرآن الحكيم]

- ‌والمصدر الثالث: كتب المغازي

- ‌والمصدر الرابع: كتب التاريخ الإسلامي

- ‌والمصدر الخامس: [كتب الدلائل]

- ‌والمصدر السادس: كتب الشمائل

- ‌كتب السيرة النّبوية تعدّ بالألوف:

- ‌مرجليوث أشدّ المستشرقين تحاملا على الإسلام:

- ‌اعترافات كبار المستشرقين حول السيرة النبوية:

- ‌السيرة النبوية أوثق رواية وأكثر صحة من كل ما كتب في سيرة النبيين:

- ‌مثال من كتب الشمائل لتفاصيل ما يعرفه التاريخ عن محمد صلى الله عليه وسلم من جليل ودقيق:

- ‌كلمات المستشرقين الكبيرين عما يعرفه التاريخ من دخائل محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفاصيل أخرى عما يعرفه التاريخ عنه صلى الله عليه وسلم:

- ‌استقصاء ابن القيم في «زاد المعاد» كلّ أحوال النبي صلى الله عليه وسلم الخاصّة وشؤونه اليومية:

- ‌إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يذكروا عنه كل ما يعرفونه بلا تحفّظ:

- ‌كان الرسول صلى الله عليه وسلم معروف الدخائل لأعدائه أيضا فلم ينقلوا عنه إلا خيرا:

- ‌شهادة أبي سفيان (قبل إسلامه) للنبي صلى الله عليه وسلم عند هرقل:

- ‌رجاحة عقول العرب تجعلهم لا ينخدعون في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتبعوه وهم على بينة:

- ‌لو كتم الرسول شيئا لكتم ما في القرآن من مؤاخذته:

- ‌كلمات كبار المستشرقين في المقارنة بين محمد صلى الله عليه وسلم والذين قبله:

- ‌سنن الأمم السالفة في الأخلاق بادت ولم يبق إلا سنن الإسلام:

- ‌المسلمون لا يحتاجون من خارج دينهم إلى أصول وضوابط:

- ‌الأديان الآخرى تتحرى أقوال أنبيائها والمسلمون يتحرّون أعمال نبيّهم:

- ‌حياة محمد صلى الله عليه وسلم جمعت ما تفرق في الأنبياء مما امتازوا به:

- ‌انتباه أحد البراهمة لهذه الناحية من الحياة المحمّديّة:

- ‌ما أعطى الله الرسل جميعا متفرقين قد أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم وحده:

- ‌مقارنات بين النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه الأنبياء:

- ‌مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم كانت جامعة للطوائف وعامة للأمم:

- ‌استعراض نماذج من تلاميذ مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌إنّ العالم لا تتمّ هدايته إلا بالمصلح الأخير للدّنيا:

- ‌كيف نتّبع الرّسول صلى الله عليه وسلم وفيم نتبعه

- ‌مقارنة بين نتائج عظة جبل الزّيتون، ودعوة جبل الصّفا:

- ‌ما شهد به لمحمد صلى الله عليه وسلم أقرب الناس إليه وأعرفهم به:

- ‌كان صلى الله عليه وسلم أول من يعمل بما يأمر الناس به:

- ‌مقارنة بين عظة أحبوا أعداءكم ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌مقارنة بينه صلى الله عليه وسلم وبين الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام:

- ‌ما هي السّيرة الكاملة الجامعة في الرّسول، وماذا بلغ عن ربّه

- ‌كفالة الله حفظ الرسالة المحمّديّة لأنها رسالة الحاضر والمستقبل:

- ‌الإسلام أول رسالة عامّة في تاريخ الإنسانية:

- ‌الدّين إيمان وعمل، ولم يجتمعا إلا في الإسلام:

- ‌مقارنات بما في رسالة الإسلام والرسالات الآخرى:

- ‌مقارنات بين الوصايا العشر والآيات من سورة الإسراء:

- ‌عناية الشّرع المحمديّ بكرامة الجنس البشريّ ومكانته من سائر المخلوقات:

- ‌الرسالة المحمدية عرفت الناس بأقدارهم وأنزلتهم منازلهم:

- ‌الإسلام وعقيدة التّوحيد:

- ‌فطرة الإنسان في الإسلام بريئة في الأصل ولم يولد آثما:

- ‌الدين والفطرة كلمتان لمدلول واحد:

- ‌الناس سواسية في الإسلام والدنيا كلّها لله وحده:

- ‌الإسلام سوّى بين جميع الأنبياء ودعا إلى الإيمان بهم جميعا:

- ‌دين الله بين الذين غلوا في الأنبياء والّذين فرّطوا فيهم:

- ‌فساد الأديان السابقة بسبب التشبيه وتجسيم الصّفات الإلهية:

- ‌فساد الأديان بسبب فصل الصفات الإلهية عن الذات:

- ‌فساد الأديان بسبب تعديد أهلها للفاعل بتعدّد أفعاله:

- ‌منشأ الخير والشرّ حسن استعمال الأمور أو سوء استعمالها:

- ‌الهدى والضّلال بما كسبت أيدي الناس:

- ‌تعبّد الضّالين بتعذيبهم أنفسهم:

- ‌التضحية والأضاحي والقربان:

- ‌النفوس ملك لله، فليس للإنسان أن ينتحر أو يحدّد النّسل:

- ‌قضاء الإسلام على نظام الطبقات، وعلى التفاضل بالمال والنسب واللون:

- ‌من أعظم الجرائم فصل الدين عن الدّنيا:

- ‌الإسلام إيمان بالحقّ وعمل به:

الفصل: ‌مقارنة بين نتائج عظة جبل الزيتون، ودعوة جبل الصفا:

هاتين الجملتين معطوفة على الآخرى فإنهما مربوطتان ربط العلّة بالمعلول، فالثانية علّة للأولى، فأجر الرسول لا ينقطع وثوابه من الله لا ينفد؛ إذ الرسول ذو خلق عظيم، وأعماله وأخلاقه بلغت من العلو والسّمو المبلغ الذي لا ينقطع معه أجر صاحبها، ولا يقلّ ثوابه؛ لأنّ معين خلقه فياض لا ينضب، ونبع حسناته فوار لا يغيض، وقد حقّ للنّبيّ الأميّ العربي أن يؤنب الناس بقول الله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ [الصف: 2] .

‌مقارنة بين نتائج عظة جبل الزّيتون، ودعوة جبل الصّفا:

ادرسوا سيرة الواعظ العظيم عيسى ابن مريم عليه السلام، وصعوده جبل الزيتون؛ ليعظ الناس، وقارنوا ذلك بسيرة الدّاعي الهادي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعوده جبل الصفا يدعو أمته، فإن رأيتم أحدهما لم يقدر له العمل بما قال للناس ولم يتمّ ذلك له؛ فإنكم سترون سيرة الآخر عامرة بكلّ ما أمر به الناس، وحثّهم عليه. فالذي يعفو ويصفح مع المقدرة يعدّ حليما حقا، وغفورا صدقا، ويكون عمله هذا من أمثل أخلاق البشر، وأفضلها، أما الذي يسكت عن غيظ لضعف وعجز فلا يعدّ سكوته عفوا، ولا حلما؛ لأنّ العفو ينبغي أن يكون مع القدرة، والذي لا يقتل أحدا، ولا يسيء إلى الغير، ولا يضرب إنسانا، ولا يسلب مالا، ولا ينهب متاعا، ولا يا بني لنفسه بيتا، ولا يدّخر أموالا تعدّ فضائله هذه سلبية، أما إذا كان ينقذ المظلوم من القتل ظلما، وينصر الضعيف، ويدفع عن أموال الناس أيدي السّلب والنّهب، ويؤوي الذين لا بيت لهم، ويتصدّق بالمال على المحتاجين إليه، فإنّ فضائله تعدّ إيجابية، وتسمّى أعمالا صالحة، والدّنيا تحتاج إلى هذه الفضائل الإيجابية، والقرآن يذيع عن النّبيّ الكريم أنه رؤوف رقيق القلب فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] وهذه أكبر شهادة على رقة قلب الرسول ورأفته ورحمته، ومن زعم أنّها دعوى؛ فإنه يرى الدلائل السّاطعة تدعمها، والبراهين الواضحة تؤيدها، ولو لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم لينا، دمث الأخلاق، عفوا، حليما؛ لتفرقت عنه هذه الجماهير من العرب الذين

ص: 148

نشؤوا على العنجهية والإباء والشمم إلى حدّ الإسراف في الصلابة، ولرأفته بهم وحدبه «1» عليهم قال الله عز وجل فيه لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] «2» فمنّ الله على العرب بهذا الرسول، وقال لهم:

إنه يعزّ عليه أن تبقوا في ضلال، ويشقّ عليه أن تعمهوا في ظلمات الكفر والشرك، وأن تعرضوا عن الحقّ وتلجّوا في عتوّ ونفور، وهو يبغي صلاحكم، ويودّ خيركم، ويحب فلاحكم، وهذا هو الذي يدعوه إلى نصحكم، ويحفزه لهدايتكم، وإبلاغ الرسالة إليكم، فمن لبّى دعوته، وقبل رسالته، وأقبل على ما عند الرسول من الحق البيّن، والخير الكثير؛ كان أهلا لأن يرعى الرسول جانبه، ويخصه بعنايته، ورحمته، والرسول وإن يكن مبعوثا إلى البشر كافة؛ فإنّ من آمن به، وصدّق بما جاء به؛ فإن له من رأفة الرّسول، ورحمته، وشفقته أوفر حظّ، وأكبر نصيب.

هذه هي شهادة القرآن، والقرآن أحكام، وتوجيهات أنزلت على رسول الله محمد ليبلغها للناس، وسيرة الرسول هي تفسير ما في القرآن من تلك الأحكام والتوجيهات، وحياته كلّها، وما صدر عنه فيها من أقوال، وأفعال هي تفصيل لما جاء في القرآن، فكلّ حكم جاء به القرآن قد امتثله الرسول، ومثّله للناس بفعله، وبيّنه بقوله، فما من شيء أمر به الرسول من الإيمان بالله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء نسك الحج، وبذل الصدقة، والجهاد، والإيثار، وتوجيه العزيمة، واحتمال الصبر على النوائب، وشكر الله على النعم، والتعامل مع الناس بالفضائل ومكارم الأخلاق- إلا وهو مستمدّ من القرآن، أو من الوحي الإلهي وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 3- 4] ، ومامن حكم أو توجيه في

(1) حدبه: عطفه.

(2)

(من أنفسكم) أي: منكم حسبا ونسبا، فكلّ ما يحصل له من العزّ والشّرف فهو عائد إليكم، أو هو بشر مثلكم جعله الله من جنسكم رحمة بكم، ولو جعله ملكا؛ لشقّ ذلك عليكم، كما قال جلّ شأنه في سورة الأنعام وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ [الأنعام: 8] .

ص: 149

القرآن إلا وقد بينه الرسول للناس بقوله، وعمله، وخلقه هديا وسمتا.

جاء بعض الصحابة إلى أم المؤمنين عائشة يسألونها أن تصف لهم أخلاق الرسول، وتصرفاته، فأجابتهم: ألم تقرؤوا القرآن الكريم؟ لقد كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن «1» .

فايات القرآن، وسوره أصوات وكلمات، وعمل الرسول وخلقه معانيها وتفسيرها، وليس في الدنيا إنسان أكثر علما بالرّجل من حليلته، فهي التي تعلم من فضائل زوجها، وأخلاقه، وعاداته ما لا يعلمه أحد غيره، ولما ادّعى الرسول النبوة كان قد مضى على زواجه بخديجة خمسة عشر عاما، وهذه مدّة تكفي المرء أن يعرف أحوال صاحبه، وأخلاقه، وعاداته معرفة تامّة، فحين سمعت خديجة أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي؛ بادرت بتصديقه، وآمنت به، بل إنّ الرسول حين فزع من نزول الوحي عليه، ومجيء الملك إليه- لأنه لم يعهد ذلك من قبل- هدّأت خديجة جأشه، وربطت على قلبه، وخففت عنه ما يلقاه، وقالت له:

كلّا، والله! ما يخزيك الله أبدا، فإنّك تصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتنصر المظلوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ «2» ، وهذا الذي ذكرته خديجة هو الذي يتحلّى به الرّسول من مكارم الأخلاق، وفضائل النفس قبل أن يوحى إليه.

(1) أخرج مسلم عن سعد بن هشام- رضي الله عنه قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقالت: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى، فقالت:«كان خلقه القرآن» [مسلم (1739) ] . أرادت بذلك على ما قيل: إنّ ما في القرآن من المكارم كلّه كان فيه صلى الله عليه وسلم، وما فيه من الزجر عن سفساف الأخلاق كان منزجرا به عليه الصلاة والسلام، لأنه المقصود بالخطاب بالقصد الأول كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ الآية، قال المرصفي: أرادت بقولها: كان خلقه القرآن: تخلّقه بأخلاق الله تعالى لكنّها لم تصرّح بها تأدّبا منها. (شرح حياة الصحابة، للشيخ محمد إلياس الباره بنكوي، ص 6، الجزء الثالث) .

(2)

رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، وهذا بعض الحديث.

ص: 150