الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبنو إسرائيل يظنّون أنّ رسالات الله خاصّة ببعض أسباطهم، وأنها حقّهم الموروث.
أما الإسلام؛ فقد وسّع على الإنسانية ما ضيّقه الآخرون، وأعلن أنّ الناس كلّهم سواسية، وأنّ دعوة الله غير مخصوصة ببلاد دون أخرى، فمشرق الدّنيا، ومغربها، وشمالها، وجنوبها، وفلسطين، وفارس، والهند، كلّ قد خلا فيها رسول أو نبيّ، وأنّ الله تعالى تستوي عنده الأمم، واللّغات في بعثة الأنبياء، فشمس النبوة أشرقت على البشر جميعا، وتلألأت فيهم أنوار الرسالة وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: 24] .
وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ
[الروم: 47] فاليهود لا يؤمنون بنبيّ ليس منهم، والنّصارى لا يوجبون على أنفسهم الإيمان بنبيّ من بني إسرائيل أو غيرهم، ولا يرون إذا لم يؤمنوا ببعض الأنبياء أنّ ذلك يخلّ بشيء من دينهم، وكذلك الهنادك لا يعتقدون بأنّ الإلهام الإلهيّ، والوحي الربّانيّ نزل على بلاد غير بلادهم، وهكذا شأن المجوس أتباع زردشت فإنّهم يذهبون إلى أنّ الدّنيا كلّها مظلمة سوداء، فلا نور إلا ببلادهم بلاد النّار.
وأنّ سكانها أجمعين من خلق الله، وأنّ الأقوام على اختلافها سواسية في نعمه وآلائه، وكلّهم نالوا نصيبا من دعوته وحظا من رحمته، وما من بلاد عمرتها أمة إلا وقد أضاء فيها نور من هداية الله، وبعث فيها نبيّ دعاها إلى الحق، وبلّغها أوامر الله، ونواهيه.
الإسلام سوّى بين جميع الأنبياء ودعا إلى الإيمان بهم جميعا:
وقد علمت مما سلف أنّ الإسلام فرض على كلّ من دخل فيه أن يؤمن بجميع أنبياء الله، ورسله، وبالكتب السّماوية؛ التي أوحى الله بها من قديم الزمان، وليس بمسلم من لم يؤمن بالأنبياء كلّهم، وبالكتب المنزلة على الرسل المبعوثين من قبل، فالرّسل الذين سمّاهم الله في القرآن يجب على المسلم أن يؤمن بهم إيمان تفصيل، والذين لم تذكر أسماؤهم يؤمن المسلم بهم إيمان إجمال بأنهم كانوا صادقين، هداة للبشر، وكانوا ينابيع الخير
والحكمة، وقد وصف الله المسلمين بأنّهم وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة: 4] ، وفي موضع آخر من البقرة وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة: 177] ، وفي سورة البقرة أيضا: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285] فليس للمسلم أن يؤمن ببعض الرسل، ويكفر ببعض، وقد خاطب الله المسلمين جميعا بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء: 136] .
سادتي! هل تعلمون أحدا علّم مثل هذا التعليم فسوّى بين الهداة من جميع الملل والنحل في إعظامهم، وإكرامهم، والأدب معهم، والاعتراف بجميلهم، وتصديقهم فيما دعوا إليه من حق؟ وأين ترون مثل هذه الرّوحانية العامّة، والإخاء الشامل؟ أجيبوني بصدق: أليس رسول الإسلام رحمة للعالمين، حيث علّم الناس كيف يرعون شرف الهداة، وعظمة حملة الرّسالات الإلهية، فعمّت دعوته، واتّسعت رحمته حتى نال كلّ شعب من شعوب البشر، وكلّ أسرة من أسرهم نصيبا من ذلك، ولقد اتخذ المتدينون بجميع الدّيانات وسائط ووسائل بينهم وبين الله، معتقدين أنّهم لا يصلون إلى الله المعبود إلا أن يتوسط بينهم من زعموه أهلا لذلك، فكانت السّدنة وخدمة المعابد وسائط الناس إلى الله في قديم الزّمان، وحتى اليهود اتخذوا من سبط لاوي، ومن تناسل منه شفعاء بينهم وبين ربهم، والنصارى جعلوا بعض الحواريين، وخلفائهم من الرّهبان والقسيسين وسائل يتوسلون بهم إلى الله، وقد غلوا في رفع مراتبهم، حتى بلغوا بهم مبلغا لم يبلغه مقرّب عند الله، فزعموا أن ما يربطه هؤلاء الشفعاء في الأرض؛ فهو مربوط في السّماء، وما حلّوه في الأرض؛ فهو محلول في السماء، وأنّ لهم أن يغفروا للناس خطاياهم، ويسقطوا عنهم آثامهم، وأنّ العبادة لا تقبل عند الله إلا بوساطتهم، وكذلك براهمة الهند زعموا أنّهم مخلوقون من يمين الله، وأنهم الوسائط بين الخلق والخالق، وأنّ العبادة الهندوكية لا تقبل إلا بهم، وعلى أيديهم، أما الإسلام فلا يعترف بطائفة