الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فارقليطا آخر ليبقى معكم إلى الأبد» «1» وفيه: «إنّ لي أمورا كثيرة أيضا لا أقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما حتى جاء ذاك روح الحق؛ فهو يرشدكم إلى جميع الحقّ، لأنه لا يتكلم من نفسه» «2» . فهذه الآيات من الإنجيل دالة دلالة ليس فيها إيهام على أنّ ما في الإنجيل ليس آخر رسالات الله، ولم تتمّ به رسالات الله، بل سيأتي بعده نبيّ آخر تكمل به رسالة عيسى ابن مريم، أما الرسالة المحمّدية فلا تنبىء بنبيّ آخر يأتي بعدها، ولا بأنها ناقصة ستكمل بشيء يتلوها، إنّ الرسالة المحمدية تنادي بأنّها كاملة، وأنّها تامّة لا نقص فيها الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3] .
ومحمد صلى الله عليه وسلم هو القائل «ختم بي النّبيّون» ، «ألا لا نبيّ بعدي» «3» ، وأنّه آخر لبنة في بناء النّبوة «4» . كلّ هذا من الدلائل الساطعة على أنّ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخالدة من ربّ العالمين لجميع العالمين إلى يوم الدّين.
ولذلك تولى الله حفظها، وصيانتها، وعصمتها، فقال عزّ من قائل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] .
الإسلام أول رسالة عامّة في تاريخ الإنسانية:
إخواني! بقي سؤال آخر لا بدّ من الجواب عليه: هل أتى نبيّ آخر غير محمد صلى الله عليه وسلم برسالة عامّة لجميع البشر، وهل جاءت من الله رسالة غير الإسلام شملت دعوتها الناس جميعا؟ إن بني إسرائيل قصروا الدّنيا على
(1) التوراة (14: 16) .
(2)
التوراة (16: 12- 13) .
(3)
والحديث كما رواه الله أحمد: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون في أمتي كذّابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبيّ، وأنا خاتم النبيّين، لا نبيّ بعدي» [مسند الإمام أحمد: 5/ 278] .
(4)
والحديث كما رواه البخاري في صحيحه: عن أبي هريرة رضي الله عنه «إنّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلّا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلّا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» [البخاري (3535) ] .
أنفسهم فجعلوها محدودة بحدود بلادهم، بل زعموا أنّ إله العالمين هو إله أمّتهم وحدها، وخصّوه تعالى بأنفسهم من دون الناس. لذلك نرى أنبياء بني إسرائيل وأسفارهم لم تعمّم دعوتها لغيرهم من الأمم، ولا تزال الشريعة الموسوية والدّين اليهوديّ مقصورين على الإسرائيليين، لا يتجاوزونهم إلى غيرهم، وأسفارهم لا تخاطب غيرهم، ولا تدعو لآلهتهم إلا أسباطهم، بل إنّ عيسى المسيح لم يرع إلا غنم بني إسرائيل الضّالة، ولم يبلغ رسالته إلا في قراهم، وأرضهم، والمنسوبين إليهم؟
ولم يرغب في إعطاء خبز الأولاد للكلاب.
وكذلك صحائف «ويدا» «1» الهندية، لا تطرق نبرات تلاوتها آذانا غير آذان الأمة الآرية، وجميع النّاس من غير الآريين أنجاس مناكيد، وآذان الشودر «2» (أي الأنجاس) إذا سمعت آيات (ويدا) فليصب فيها الرّصاص المذاب!
أما الرسالة المحمّدية فهي الأولى، والأخيرة من رسالات الله التي جعلها الله للناس كافة، أحمرهم، وأصفرهم، وأبيضهم، وأسودهم، عربا كانوا أو عجما، من الصين شرقا إلى أقصى الجزائر البريطانية شمالا،
(1) ويدا: هي الكتب المقدسة التي يدعي الهنادك أنها منزلة على أنبيائهم من السماء، وتجمع مجموعة كتب «ويدا» مبادىء الهندوكية، وهي الكتب الأربعة، منها «ريجي ويدا (Rigveda) «و «ياجورويدا (Yajur veda) «و «ساماويدا (Sama Veda) «و «أترويدا، (Athar Veda) «وكل من هذه الويدات الأربعة يشتمل على أربعة أجزاء هي: «سمهيتا (Samhita) «و «برهمان (Brahman) «و «آرانياك (Aranyaka) «و «أوبانيشاد (Upanis had) «وقد كتبت هذه الويدات الأربعة في لغة سنسكريتية بالأناشيد والأغاني، التي اعتاد الآريون القدماء أن يتغنوا بها، ومن المرجّح أنّ تاريخ تأليفها يرجع إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. (Hinduism p. 7 by:Lowis Renon) .
(2)
الشودر: ومعنى الكلمة هذه في اللغة السنسكريتية وغيرها في كثير من اللغات الهندية القديمة: المنبوذ، المتروك، المهمل، وتعرف هذه الطبقة في اللغة الهندية الحديثة اليوم، وكذلك في اللغة الأردوية باسم «أجهوت» أي:«المنبوذون» .