الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها إلى الإسلام، وبلّغهم رسالة الله التي بعث بها إلى الأمم. فبعث صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي «1» إلى هرقل قيصر الروم، وعبد الله بن حذافة السهمي «2» إلى خسرو برويز ملك الفرس، وحاطب بن أبي بلتعة «3» إلى المقوقس عزيز مصر، وعمرو بن أمية «4» إلى النجاشي ملك الحبشة، وشجاع بن وهب الأسدي»
إلى الحارث الغساني سيد قومه في الشام، وسليط بن عمرو «6» إلى رؤساء اليمامة. أرسلهم صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الملوك والأقيال بكتب يدعوهم فيها إلى الإسلام، ويبلغهم أنّه أرسل إلى جميع الناس بالهداية العامة الشّاملة.
استعراض نماذج من تلاميذ مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم:
سادتي! لقد تبين لكم أنّ مدرسة محمّد رسول الله كانت جامعة للناس من جميع الطوائف، وكانت عامّة للأمم على اختلاف ألسنتهم، وألوانهم،
(1) هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبى، صحابي جليل، بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى «قيصر» يدعوه للإسلام، كان يضرب به المثل في حسن الصورة، شهد معظم المشاهد، نزل دمشق وتوفي بها سنة 45 هـ.
(2)
هو عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي القرشي، صحابي من الّذين أسلموا قديما، بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى «كسرى» يدعوه للإسلام، هاجر إلى الحبشة، شهد فتح مصر، وتوفي بها في عهد عثمان رضي الله عنه، سنة 33 هـ.
(3)
هو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، أحد الصحابة- رضوان الله عليهم- شهد الوقائع كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مقوقس صاحب الإسكندرية، توفي بالمدينة سنة 30 هـ.
(4)
هو عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله الضمري، صحابي، شهد مع المشركين بدرا وأحدا، ثم أسلم، شهد وقائع كثيرة، توفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة 55 هـ، وله 20 حديثا مرويا.
(5)
هو شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي، صحابيّ قديم الإسلام، حضر المشاهد كلها. بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني (في الشام) يدعوه للإسلام، قتل يوم اليمامة سنة 12 هـ.
(6)
هو سليط بن عمرو العامري، هو فيمن هاجر إلى الحبشة مرتين، أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رؤساء اليمامة سنة 7 هـ، قتل باليمامة سنة 12 هـ.
وطبقاتهم في الثقافة والمجتمع، وأنه لم يكن هناك أيّ قيد يمنع أيّ إنسان من الالتحاق بها، فكأنها مأدبة كريم يدعو الجفلى. فتعالوا نلق نظرة أخرى على هذه المدرسة؛ لنصدر حكمنا الصحيح على حقيقتها، ومكانتها، ومنزلتها من معاهد الهداية والحكمة. ولنر إن كانت خاصّة بعلم دون غيره من العلوم، أم هي جامعة كبرى يجد فيها طلاب المعارف أجمعون كلّ ما ينشدون، ويتعطشون إلى معرفته من حقائق الوجود، ليختاروا منها ما يوافق أذواقهم، ويلائم طباعهم، ويروي ظمأهم. انظر إلى مدرسة موسى عليه السلام؛ تجدوا فيها عددا من قادة الجيش، أو قضاة المحاكم، أو طائفة قليلة من ذوي المناصب الدّينية، وابحثوا عن تلاميذ عيسى سلام الله عليه؛ تجدوا فيهم طائفة من الزهّاد والنساك، يتنقلون بين سكك فلسطين، ويتجوّلون في شوارع مدنها. أما الذين دخلوا في الإسلام، واتّبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم؛ فتجدون فيهم أصحمة النجاشي «1» ملك الحبشة، وفروة عظيم معان، وذا الكلاع «2» رئيس حمير، وفيروزا الديلمي، ومركبود من سادة اليمن ورؤسائها، وعبيدا وجيفرا من ولاة عمان. انظروا مرّة أخرى تجدوا يما يقابل هؤلاء الملوك والولاة والرؤساء بلالا، وياسرا «3» ، وصهيبا، وخبّابا، وعمارا «4» ، وأبا فكيهة «5» من العبيد
(1) هو أصحمة بن أبجر الملقب بالنجاشي ملك الحبشة، هو ممن لم ير النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
هو ذو الكلاع الحميري، كان حاكما على بعض مناطق اليمن والطائف، وكان ملكا على قبيلة حمير القوية، وكان يدّعي أنه إله ويأمر الناس بالسجود له، ولما أسلم أعتق في يوم واحد ثمانية عشر ألفا من العبيد، وفي عهد عمر الفاروق تخلّى من نفسه عن الحكم، وقدم إلى المدينة المنورة حيث عاش فيها حياة كلها زهد، وتقوى.
(3)
هو ياسر بن عامر المذحجي: صحابي، من السابقين إلى الإسلام. آمن هو وزوجته وابنه عمار، وعذّبهم مشركو قريش، وقتل أبو جهل سمية (زوجة ياسر) . ومات ياسر في العذاب سنة (7) ق هـ. الإصابة (ت 9209) .
(4)
هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني، هو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقبه «الطيب المطيّب» شهد معظم الوقائع، شهد وقعة الجمل وصفين مع علي رضي الله عنه، وقتل في الثانية سنة 37 هـ. وله 62 حديثا مرويا.
(5)
هو أبو فكيهة مولى بني عبد الدار، أسلم قديما بمكة، وكان يعذّب ليرجع عن دينه فيمتنع، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، توفي قبل بدر.
والرقيق والضعفاء، وسميّة، ولسنة، وزنيرة، ونهدية، وأم عبيس من الإماء والضعيفات. وترون كذلك في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ذوي العقول الرّاجحة، والفكر الثاقب، والرأي الحصيف، وأهل الحنكة والتجربة ممّن عرفوا دخائل الأمور، وجربوا شؤون العالم، ووقفوا على أسرار الدنيا، وأداروا شؤون الملك، وساسوا البلاد، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، فهؤلاء حكموا الأمم، فأحسنوا، وأقاموا شرع الله في أرض الله بين مشرقها ومغربها، فاتسعت دائرة حكومتهم إلى شمال إفريقية وثغور الهند، ونسخوا بعدلهم ورحمتهم سلطان عظاماء الملوك، وقوانين الروم والفرس، ونزلوا من قلوب الناس أكرم منزلة بعدلهم، وإنصافهم، ومن صفحات التاريخ الصّادق المرتبة التي لم يبلغها فيه أحد غيرهم، لا قبلهم، ولا بعدهم.
وإلى جانب الخلفاء الراشدين، والملوك العادلين، والسلاطين المنصفين من أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ترى طائفة غير قليلة من رؤساء الجند، وقادة الجيوش من أصحاب الرسول كخالد بن الوليد «1» ، وسعد بن أبي وقاص «2» ، وأبي عبيدة بن الجراح «3» ، وعمرو بن العاص «4» ممّن
(1) هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، سيف الله الفاتح الكبير، كان من بين من آمنوا من المشركين، وكان على رأس جيش الكفار في غزوة أحد، فألحق بالمسلمين خسائر فادحة، وخالد بن الوليد هو الّذي بعد إسلامه قاد جيش المسلمين، فهزم مسيلمة الكذاب وفتح بلاد العراق كلها تقريبا ونصف بلاد الشام، توفي بحمص سنة 21 هـ، وله 18 حديثا مرويا.
(2)
هو سعد بن أبي وقاص، الصحابي الجليل، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم وهو ابن 17 سنة، شهد بدرا، وافتتح القادسية، توفي بالعقيق والواقع على عشرة أميال من المدينة؛ سنة 55 هـ، وله 271 حديثا مرويا في كتب الحديث.
(3)
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي، صحابيّ كبير، فاتح الديار الشامية، وأحد المبشرين بالجنة، وفي الحديث «لكل نبي أمين وأميني أبو عبيدة بن الجراح» شهد المشاهد كلها، توفي بطاعون عمواس سنة 18 هـ، وله 14 حديثا مرويا.
(4)
هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، فاتح مصر، وأحد عظاماء العرب، -
دوّخوا الشرق والغرب، وقوّضوا دولتين عظيمتين كانتا سبّة على الإنسانية ووصمة في جبينها بحكمهما الجائر، واضطهادهما لرعاياهما، فكان هؤلاء القواد من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم من أكبر الفاتحين في العالم، ومن أصلب المحاربين عودا، وأشجعهم قلوبا، وأعلمهم بأمر القتال، وتعبئة الجيوش، وإدارة رحى الحروب، وإن أسماءهم لا تزال رمزا للمهابة والجلال في التاريخ العسكري. فسعد بن أبي وقاص هو الذي فتح العراق، واقتحم مملكة فارس، وانتزع فيها التاج عن مفرق كسرى الظالم، وألقى به تحت قدمي الإسلام. وخالد وأبو عبيدة هما اللذان أخرجا دولة الروم وجيوشها من ديار الشام، وطهّرا منهم أرض إبراهيم، وجعلاها في أيدي الوارثين لها من المسلمين، وعمرو بن العاص الذي انتزع مصر وأرض النيل من أيدي الروم الظالمين، وقذف بهم إلى البحر، وسار على أثره عبد الله بن الزبير «1» ، وعبد الله بن أبي سرح «2» متوغلين في شمال إفريقية فتحا، وهداية، وإصلاحا. هؤلاء هم فاتحو الممالك، وقادة الجيوش الذين اعترف بهم بالكفاءة أعداؤهم، وشهد التاريخ بعظمتهم، وعلو كعبهم، وجلال مجدهم.
- ودهاتهم، وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم، كان في الجاهلية من الأشداء على الإسلام، وهو الّذي أرسلته قريش رئيسا لوفد المشركين إلى الحبشة، وذلك لعدائه الشديد للمسلمين، وكفاءته العالية في المعاملات الخارجية. وبعد إسلامه فتح مصر، كان إسلام مثل هذا السياسي القدير والفاتح العظيم من معجزات الإسلام، توفي بالقاهرة سنة 43 هـ، وله 39 حديثا مرويا في كتب الحديث.
(1)
هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، شهد فتح إفريقية زمن عثمان رضي الله عنه، وبويع له بالخلافة عقيب موت يزيد بن معاوية، كانت له مع الأمويين وقائع هائلة، قتل سنة 73 هـ، كان من خطباء قريش المعدودين، وله 33 حديثا مرويا في كتب الحديث.
(2)
هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري، فاتح إفريقية، كان من أبطال الصحابة، وكان من كتّاب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، افتتح ما بين طرابلس الغرب وطنجة، ودانت له إفريقية كلّها، وغزا الروم بحرا، وظفر بهم في معركة «ذات الصواري» ، وعاد إلى المشرق، توفي بعسقلان فجأة سنة 37 هـ، وهو يصلّي.
وبجانب هؤلاء القادة الفاتحين الباسلين ترى طائفة أخرى من ولاة المدن، وحكام الأقطار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: باذان بن ساسان «1» في اليمن، وخالد بن سعيد «2» في صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية «3» في كندة، وزياد بن لبيد «4» في حضرموت، وعمرو بن حزم «5» في نجران، ويزيد بن أبي سفيان «6» في تيماء، والعلاء بن الحضرمي «7» في
(1) هو باذان الفارسي من الأبناء، وهم من أولاد الفرس الّذين سيرهم كسرى أنوشروان إلى اليمن لقتال الحبشة، فأقاموا باليمن، وكان باذان بصنعاء فأسلم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وله أثر كبير في قتل الأسود العنسي.
(2)
هو خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، صحابي قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة، وعاد منها سنة 7 هـ، فغزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وحضر فتح مكة، ثم وقعة تبوك، بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم عاملا على اليمن، فأقام إلى أن استخلف أبو بكر رضي الله عنه، فعزله عن اليمن، ودعاه إليه، فجاءه، قتل في وقعة مرج الصفر (قرب دمشق) سنة 14 هـ.
(3)
هو المهاجر بن أبي أمية سهيل بن المغيرة المخزومي القرشي، صحابي، شهد بدرا مع المشركين، ولما أسلم كان اسمه «الوليد» فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم:«المهاجر» ، تخلّف المهاجر عن وقعة «تبوك» سنة 9 هـ فعتب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رضي عنه بشفاعة أخته، واستعمله أميرا على صدقات كندة والصدف. بعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى اليمن لقتال من بقي من المرتدّين بعد قتل «الأسود العنسي» فتولّى إمارة «صنعاء» سنة 11 هـ، توفي سنة 12 هـ.
(4)
هو زياد بن لبيد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام معه بمكة حتى هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، شهد جميع المشاهد، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على «حضرموت» ، توفي في أول عهد معاوية- رضي الله عنه.
(5)
هو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري، صحابي، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد، استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على نجران، وكتب له عهدا مطوّلا، فيه توجيه وتشريع، توفي سنة 53 هـ.
(6)
هو يزيد بن صخر (أبي سفيان) بن حرب الأموي، صحابي، أسلم يوم فتح مكة، واستعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على صدقات بني فراس في تيماء، له وقائع كثيرة، وأثر محمود في فتوح البلاد الشامية، توفي بالطاعون في دمشق سنة 18 هـ.
(7)
هو العلاء بن عبد الله الحضرمي، صحابي، من رجال الفتوح في فجر الإسلام، ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم البحرين سنة 8 هـ، وجعل له جباية «الصدقة» وأعطاه كتابا فيه-
البحرين وغيرهم من أتباع الرسول حكموا الأمصار، وتولوا الولايات، فسعد بهم الناس، وذاقوا حلاوة عدلهم، وانتشر بهم السلام، وساد بفضلهم الوئام بين الناس.
وبجانب هؤلاء الولاة العادلين الأبرار، والحكام المنصفين الأخيار ترى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلة من العلماء الربّانيين، والفقهاء المتألهين، كعمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس «1» ، وعبد الله بن مسعود «2» ، وعبد الله بن عمرو بن العاص «3» ، وأمهات المؤمنين: عائشة، وأم سلمة «4» ، وأبي بن كعب «5» ومعاذ بن جبل،
- فرائض الصدقة، وأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم ويردّها على فقرائهم، توفي سنة 21 هـ.
(1)
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، صحابي جليل، نشأ في بدء عصر النبوة، فلازم الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الأحاديث، سكن الطائف وتوفي بها سنة 68 هـ، وله 1660 حديثا مرويا في كتب الحديث.
(2)
هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، من كبار الصحابة، فضلا، وعقلا، وقربا من الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وكان خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولّي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في عهد عثمان رضي الله عنه، توفي فيها سنة 32 هـ، وله 848 حديثا مرويا في كتب الحديث.
(3)
هو عبد الله بن عمرو بن العاص، صحابي من أهل مكة، كان يكتب في الجاهلية، أسلم قبل أبيه، استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يكتب ما يسمع منه، فأذن له. شهد معظم المشاهد، كان كثير العبادة حتى قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا» . عمي في آخر حياته، توفي عام 65 هـ، وله 700 حديث مرويّ.
(4)
هي هند بنت سهيل المعروفة بأم سلمة، من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت من أكمل النساء عقلا وخلقا، هاجرت مع زوجها الأول «أبي سلمة بن عبد الأسد» إلى الحبشة، وولدت له ابنه «سلمة» ، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها، توفيت سنة 62 هـ (وفي سنة وفاتها اختلاف) ولها 378 حديثا مرويا.
(5)
هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد، صحابي من الأنصار، كان قبل إسلامه حبرا من أحبار اليهود، ولما أسلم كان من كتاب الوحي، شهد جميع المشاهد مع-
وزيد بن ثابت «1» ، وابن الزبير رضي الله عنهم، الذين وضعوا فقه الإسلام، وسنّوا للناس قوانين أنزلتهم من واضعي القوانين للعالم منزلة سامية.
وهناك جماعة خامسة ممن اعتنوا بالرواية، وحفظ الوقائع والحوادث كأبي هريرة، وأبي موسى الأشعري «2» ، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وعبادة بن الصامت «3» ، وجابر بن عبد الله، والبراء بن عازب «4» ، وغيرهم من أصحاب الرسول الذين رووا سنن الإسلام، وأحكامه، وحافظوا أوامره ونواهيه، وأحصوا الوقائع والأخبار.
وبجانب أولئك جماعة سادسة يبلغ عددها سبعين صحابيا من أصحاب الصّفّة الذين لم يكن لهم بيت يأوون إليه إلا فناء المسجد، ولم يكن لهم من متاع الدّنيا إلا ما على أجسادهم من أسمال بالية، فكانوا يخرجون إلى الصحراء يحتطبون منها، ويبيعون ما يجمعونه في السوق، ويقتاتون
- الرسول صلى الله عليه وسلم، أمره عثمان رضي الله عنه بجمع القرآن، فاشترك في جمعه، توفي بالمدينة سنة 21 هـ، وله 164 حديثا مرويا.
(1)
هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، من أكابر الصحابة، ومن كتاب الوحي، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وعرضه عليه، وهو الّذي كتبه في المصحف لأبي بكر رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه حين جهّز المصاحف إلى الأمصار، توفي سنة 45 هـ، وله 92 حديثا مرويا.
(2)
هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، أبو موسى، من قبيلة الأشعر، صحابي كبير، استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، توفي بالكوفة سنة 44 هـ، وله 355 حديثا مرويا.
(3)
هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، صحابي، شهد العقبة وسائر المشاهد، ثم حضر فتح مصر، توفي ببيت المقدس سنة 34 هـ، ومنه 181 حديثا مرويا، منها 6 ستة متفق عليها عند البخاري ومسلم.
(4)
هو البراء بن عازب بن الحارث الخزرجي، صحابي من أصحاب الفتوح، أسلم صغيرا وغزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة، توفي سنة 71 هـ، وله 305 أحاديث مروية في الصحيحين.
بثمنه، وإذا بقي في يدهم شيء أنفقوه في سبيل الله، وفرغوا للدّين، وانقطعوا لتعلم أحكامه وعبادة ربهم.
ثم ارجعوا البصر إلى هؤلاء الأصحاب تروا فيهم زاهدا ناسكا متوكلا على الله كأبي ذر الغفاري الذي لم تظلّ السماء، ولم تقلّ الأرض مثله في صدق اللهجة، وكلمة الحق، وكان لا يدّخر الطعام لغده، ويعدّ ادخاره منافيا للتوكل على الله، ولذلك لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بمسيح الإسلام. وفيهم سلمان الفارسيّ، الزاهد، الورع، والتقيّ الصّالح. وفيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قضى ثلاثين حولا كاملا في عبادة الله، وعرضت عليه الخلافة، فأباها قائلا: لا أتولى خلافة تسفك فيها قطرة من دم المسلمين. وفيهم مصعب بن عمير «1» الذي كان يلبس قبل إسلامه الديباج الثّمين، والحرير الفاخر، ونشأ في حجر النعيم والشرف، وتقلب في بحبوحة العيش ورغده، ثم لبس في الإسلام المسوح، والخشن من الثياب المرقعة، ولما استشهد في سبيل الله لم يكن له ثوب ضاف يستر جسده كلّه، فاضطروا عند دفنه إلى أن يغطوا قدمية بالحشيش. وفيهم عثمان بن مظعون «2» الذي دعي فيما بعد بأنّه أول ناسك في الإسلام. وفيهم محمد بن مسلمة «3» الذي قال أيام الفتن: لو دخل علي مسلم بيده سيف مسلول يريد قتلي لم أكن لأقتله دفعا عن نفسي. وأما أبو الدرداء، وما أدراك من أبو الدرداء! فهو القاضي العالم الذي كان يقضي نهاره صائما وليله قائما.
إنّ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصصت عليك، ومنهم من لم
(1) هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي: صحابي من السابقين إلى الإسلام، شهد بدرا، وحمل اللواء يوم أحد، فاستشهد، وكان في الجاهلية فتى مكة شبابا، وجمالا، ونعمة، ولما ظهر الإسلام زهد بالنعيم، استشهد في أحد سنة 3 هـ.
(2)
هو عثمان بن مظعون، صحابي من الشجعان، وذوي الرأي والتقدّم، وممّن هاجر إلى الحبشة، شهد بدرا، توفي سنة 30 هـ.
(3)
هو محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري، صحابي من الأمراء، شهد سائر المشاهد إلا تبوك، استخلفة الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، توفي بالمدينة سنة 43 هـ.
أقصص عليك. ومن ذا الذي يستطيع أن يوفي البيان حقه؟! فتعال أرك منهم جماعة من مديري أمور الأمة وساستها المحنكين، كطلحة «1» ، والزبير «2» ، والمغيرة «3» ، والمقداد «4» ، وسعد بن معاذ «5» ، وسعد بن عبادة «6» ، وأسيد بن حضير «7» ، وأسعد بن زرارة «8» ، وعبد الرحمن بن عوف «9» ، وفيهم من التجار أصحاب المال الدثر، والثراء الوافر من أهل مكة، أو من أصحاب الحقول والحدائق الغلب من أهل المدينة.
(1) مرت ترجمته.
(2)
هو الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي (مرت ترجمته) .
(3)
هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم، يقال له:«مغيرة الرأي» شهد الحديبية، واليمامة، وفتوح الشام، ولاه معاوية الكوفة فلم يزل فيها إلى أن توفي بها سنة 50 هـ، وله 136 حديثا مرويا.
(4)
هو المقداد بن عمرو، ويعرف بابن الأسود، صحابي من الأبطال، وهو أحد السبعة الّذين كانوا أول من أظهر الإسلام، وهو أول من قاتل على فرس في سبيل الله، شهد بدرا وغيرهما من المشاهد. توفي قريبا من المدينة سنة 33 هـ، وله 48 حديثا مرويا.
(5)
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس الأوسي الأنصاري صحابي من الأبطال، كانت له سيادة الأوس، شهد أحدا، فكان ممّن ثبت فيها، ورمي بسهم يوم الخندق، فمات من أثر جرحه وعمره سبع وثلاثون سنة، وحزن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث:«اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» دفن بالبقيع.
(6)
هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي، صحابي، كان واحدا من الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام، شهد العقبة وأحدا، والخندق، لمّا توفي الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في الخلافة، ولم يبايع أبا بكر- رضي الله عنه خرج إلى الشام مهاجرا، وتوفي بحوران سنة 14 هـ.
(7)
هو أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك الأوسي، صحابي، يعدّ من عقلاء العرب وذوي الرأي فيهم، شهد جميع المشاهد، وفي الحديث:«نعم الرجل أسيد بن الحضير» ، توفي بالمدينة سنة 20 هـ، وله 18 حديثا مرويا.
(8)
هو أسعد بن زرارة بن عدس النجاري الخزرجي، صحابي من الشجعان والأشراف، توفي بالمدينة سنة 1 هـ.
(9)
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث، من أكابر الصحابة، ومن المبشرين بالجنّة، ومن السابقين إلى الإسلام، كان من الأجواد الشجعان العقلاء، شهد جميع المشاهد، توفي بالمدينة سنة 32 هـ، وله 65 حديثا مرويا.
ولا نتقدم في البيان قبل أن نحيي ذكرى الذين قتلوا منهم في سبيل الله لا لجرم ارتكبوه سوى أن قالوا: «ربنا الله» ثم استقاموا، وما نقموا منهم إلا أن آمنوا بالعزيز الحميد. وفيهم من لم يقتل قتلة يستريح بها، بل قطعت لحومه، وكسرت عظامه، وأوذي في سبيل الله، وهذا ما وقع لهالة «1» ابن أم المؤمنين خديجة من زوجها الأول الذي مزق جسمه تمزيقا، وقطعت أوصاله تقطيعا. وسمية أم عمار التي قتلها أبو جهل بالرّمح. وأما ياسر فقد أوذي بأيدي الكفار إيذاء شديدا إلى أن لحق بربه. وخباب الذي صلبه المشركون.
وزيد «2» الذي طأطأ رأسه أمام السيف لينال منه كيف يشاء، ويعمل فيه عمله.
وكذلك حرام بن ملحان «3» ، وأصحابه التسعة والستون الذين قتلوا في ديار الغربة عند بئر معونة بأيدي أعراب من بني عصية، ورعل، وذكوان. وإن مئة رام من بني لحيان جرحوا عاصما «4» وأصحابه السبعة في يوم الرجيع حتى أثخنتهم الجروح. وقتل أصحاب ابن أبي العوجاء «5» ، وكان عددهم تسعة وأربعين بأيدي بني سليم في السنة السابعة للهجرة. واستشهد كعب بن عمير الغفاري «6» وأصحابه بذات أطلاح. فانظروا كم صلب لذات الله من أبناء هذا الدين الأولين، وكم قتل لوجهه الكريم، وكم سفك من دمائهم
(1) هو هالة بن أبي هالة التميمي الأسدي، أمه خديجة بنت خويلد بن أسد، وفي الحديث أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو راقد، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فضمّ هالة إلى صدره، فقال:«هالة! هالة! هالة» [الطبراني في المعجم الصغير (1/ 195) ] .
(2)
هو زيد بن الدثنة بن معاوية بن عبيد البياضي الخزرجي، من فقهاء الصحابة، شهد بدرا، وأحدا، قتله مشركو قريش وصلبوه بالتنعيم (الواقع على مسافة من مكة) سنة 5 هـ.
(3)
هو حرام بن ملحان الأنصاري النجاري، خال أنس بن مالك- رضي الله عنه، شهد بدرا، وأحدا، وقتل يوم بئر معونة.
(4)
هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري الأوسي، صحابي من السابقين الأولين من الأنصار، شهد بدرا، وأحدا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم الرجيع سنة 4 هـ.
(5)
انظر الحديث عنه في كتب السيرة النبوية، أحداث سنة (7 هـ) .
(6)
هو كعب بن عمير الغفاري، من كبار الصحابة، بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية، نحو «ذات أطلاح» في البلقاء، فقتل فيها سنة 8 هـ.
في سبيله! فإذا كان من الفخر عند غيرنا أن يصلب واحد في سبيل الله ونجاة خلقه، فنحن قد صلب وقتل مئات من سلفنا الأولين لذات الله تعالى وحده، ولنجاة الإنسانية كلّها من الوثنية، والضلال، والشرك.
إنّ النفس إذا ماتت استراحت، سواء في ذلك أقتلت بحدّ السيف أم بسنان الرّمح، أو صلبت، فهي تذوق سكرة الموت لمحة، وتتألّم ببطش المنية، وزهوق النفس، ثم تستريح، وأكبر من ذلك وأشدّ منه عذابا حياة المكابدين للبغي والظلم أعواما، والصابرين على الأذى في سبيل الله صبرا جميلا، فمنهم من ذاق أنواع العذاب لثباته على قول الحق، ومنهم من وضعت الحجارة المحماة على صدورهم، وصرعوا في الرمضاء وحرّ الهاجرة، وكانوا يتقلبون على ذلك، ويتململون، ويسحبون على وجوههم؛ لينصرفوا عن قول الحق، ويصبؤوا عن عقيدة الإسلام فلا يبالون بذلك، ويصرون على توحيد الله والشهادة بالرسالة المحمدية.
ثم ألم يأتك نبأ الذين حصروا في شعب أبي طالب جياعا كيف كانوا يبيتون الليالي، ويقضون الأيام وهم يقتاتون بأوراق الطّلح بعد أن فني زادهم، وصفر وطابهم، وأعوزهم القوت. إنّ سعد بن أبي وقاص مسّه ألم الجوع في ليلة شديدة من تلك الليالي، فخرج من شعب أبي طالب يطلب شيئا يتبلّغ به ليذهب بعض ما به من ألم السّغب، فلم يجد إلا قطعة جافة من إهاب، فغسلها، وشواها، وأكلها بالماء.
وعتبة بن غزوان «1» أيضا كان من الذين امتحنوا في شعب أبي طالب بأيدي المشركين، وهو يقول: إني وأصحابي السبعة قد دميت أفواهنا من أكل هذه الأوراق والأشياء التي نقتات بها.
وخبّاب لما أسلم وعلم بإسلامه المشركون ألقوه على الجمر الملتهب، وأمسكوه عليه حتى انطفأ الجمر بالصّديد والقيح الذي سال من ظهر خباب.
(1) هو عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب الحارثي المازني، صحابي قديم الإسلام، باني مدينة البصرة، هاجر إلى الحبشة، شهد بدرا، وشهد القادسية. بعثه عمر رضي الله عنه إلى البصرة واليا عليها، توفي سنة 17 هـ، وله 4 أحاديث مروية.
وبلال كان يذهب به سيده إلى أرض ذات حجارة تلهبها أشعة الشمس في وسط الهاجرة، فيلقيه عليها، ثم يضع على صدره جندلا ثقيلا حارا، وربما شدّ عنقه بالحبل، فيجره جرّا أليما في سكك مكّة.
وكذلك فعل بأبي فكيهة: ربطت رجله بالحبل، وسحب على الأرض، وخنق، وقد وضع مرّة على صدره حجر ثقيل حتى ضاقت أنفاسه، واندلع لسانه.
وكذلك عمّار أوذي إيذاء شديدا، فكان يجندل على الرّمضاء، ويضرب ضربا مبرّحا. بل إن الزبير كان عمه يلفه بالحصير، ويدخّن عليه من أسفل. وسعيد بن زيد كان أهله يضربونه فيصبر. وعثمان كان عمه يضربه. فقابل هؤلاء كلهم البلايا والمحن، وذاقوا العذاب الشديد برباطة جأش، وثبات قلب، وقوة إيمان، فأشربت دماؤهم من هذا الرّحيق الإلهي الذي تناولوه من كأس الإسلام، فلا يتحولون عنه مدى الحياة.
إخواني! تأملوا! أليس هؤلاء هم العرب الذين كانوا في معزل عن العمران يعبدون الأوثان، ويعكفون على الأصنام، وكانوا في جاهلية ضاربين فيها بجرانهم، فما بالهم انقلبت أحوالهم، وتغيّرت شؤونهم؟ إنّ أرضهم لا تزال هي الأرض، وسماؤهم كما كانت، وبلادهم لم تتغير.
فكيف انجلى عنهم ظلام الجهل؟ وكيف نفخ فيهم ذلك الأميّ روح الدّين الحقّ، فأصبح جاهلهم صالحا، ومحاربهم مسالما؟ وماذا علّمهم حتى انقلب الفاسد صالحا، والمفسد مصلحا، والذي لم يكن يحسن شيئا لم يلبث أن صار يدير الملك، ويصرّف شؤون الحكومة، ويسوس أمور الرعايا؟ وكيف نبغ منهم ذوو العقول الراجحة، والآراء السديدة، والأفكار الثاقبة؟ إنّ الرسول الأميّ الأعزل الذي لم يحمل في شبابه سلاحا، ولم يملك من قبل بلادا كيف أقام للأمة العربية- التي لم تكن الأمم تقيم لها في كفّة السياسة العالمية وزنا- دولة ذات عظمة وجلال، واكتشف في نفوس رجالها كنزا من القوة لا ينفد، وكيف جعل هذا الأميّ
من هذه الأمّة- التي لم تكن تعرف الله، ولا تعلم توحيد ربوبيته- عبّادا ناسكين يحيون الليل بذكر الله، ويبلغون رسالاته في النهار.
لقد أخذت بأيديكم، فأريتكم مسجد هذا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وزرتم معي جامعته النبوية الكبرى زيارة كاملة، فاجتمعتم بأصناف من تلاميذه، ولقيتم من أصحابه العلماء، والفقهاء، وواضعي النظم والأحكام، وتعرفتم بالجندي الباسل، والقاضي العادل، وتشرفتم بزيارة العظماء من ولاته، وحكامه، وتعرفتم بالفقراء، والمساكين، والملوك، والسلاطين، وقابلتم السادة الأحرار، والعبيد الأبرار. وعرضت عليكم نماذج ممّن استشهدوا في سبيل الله، وماتوا ابتغاء مرضاة الله، من الغزاة والمجاهدين، فما هو رأيكم في كلّ ذلك، وبماذا تحكمون؟ إنّ أكبر ظني فيكم أنّكم حكمتم وقطعتم في حكمكم بأنّ محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جامعا للكمال البشري، ومثلا أعلى للمحامد الإنسانيّة، والصفات العليا، و:
ليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم في واحد
كيف لا وهي المحاسن المحمّدية المتنوعة، والمحامد النبوية المختلفة، تراءت في أصحابه جميعا، وظهرت في رفقائه، وتجلّت في جلسائه. فبنوره استنار فؤاد الصدّيق الأعظم، وبحكمته امتلأ قلب الفاروق الأكبر وعقله حكمة، وثقوب فكر، وسداد رأي، ومنه اكتسب ذو النورين عثمان الأنور رحمته، وخيريته، وفضائله، ومن بلاغته تفجّر البيان على لسان عليّ كرّم الله وجهه.
وكلّ ما ترى في خالد، وأبي عبيدة، وسعد، وجعفر «1» من تدبير الحرب، وإحكام الرأي في تعبئة الجيوش وزحفها، وما ترى في الصدّيق من العزيمة، والأمانة، وحرية الرأي، وغنى النفس، والزهد في
(1) هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، صحابي من الشجعان، يقال له:«جعفر الطيار» وهو أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وهو من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، حضر وقعة مؤتة بالبلقاء، واستشهد فيها سنة 8 هـ.
الأموال والإعراض عن زينة الدنيا وزخارفها، وما تراه من التبتّل إلى الله، والانقطاع له في ابن عمر، وأبي ذرّ، وسلمان، وأبي الدرداء «1» ، وما تجد في ابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود من علم جمّ، وفقه عميق في الدّين، ورأي في الأحكام سديد، وما تلاحظه على بلال، وصهيب، وعمار، وخبيب من السكينة، والسّلوى، والطمأنينة، وقويّ الإيمان، والحنين إلى لقاء الله، كل أولئك مقتبس من أنوار محمّد نبيّ الله، ومهبط الوحي، ومحط القرآن، صلاة الله وسلامه عليه، فهو كأنّه الشمس المضيئة تشرق، فتنير بأشعتها قلل الجبال، وبطون الأودية، وصحارى الأرض، ووهادها، وبطاحها، وتتلألأ بضوئها لجج الأنهار الجارية ونباتات الحقول السندسية، كما تلمع بها البقاع القاحلة، والرمال التي لا آخر لها، فيأخذ كلّ منها نصيبه من الضوء على قدره، بل كأنه صلى الله عليه وسلم غيث يهطل من سحابة درور، فيصيب الجبال الشماء، والغابات اللفاء، والصحارى القاحلة، والساحات الواسعة، والبطاح العريضة، والحدائق الزاهية، فيسقي جميع ذلك فينبت نباتات شتّى بالأوراق الجميلة، والأزهار المنعشة، والأشجار المتنوعة.
نعم، كان الصحابة- كسائر البشر- متفاوتين في طباعهم، ومواهبهم، وجبلاتهم، لكنهم ائتلفوا جميعا بالإسلام، واتّحدوا، واشتركوا في غاية واحدة، فكانوا يعملون لوجه الله، ويبتغون بعملهم مرضاته عز وجل.
سواء في ذلك قضاتهم، وولاتهم، وفقراؤهم، وأغنياؤهم، ورعاتهم، ورعاياهم، وغزاتهم، وشهداؤهم، وجنودهم، وقوادهم، والمعلمون منهم، والمتعلمون، والتجار، والعبّاد، والنّاسكون، فكان الإخلاص رائدهم، وهداية الخلق أملهم، وإصلاح البشر غرضهم، فالصّحابة هداة حيثما حلّوا، وعاملون لإصلاح المجتمع البشري أينما ذهبوا. فإذا اختلفت
(1) هو عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي، المعروف «أبو الدرداء» صحابي من الحكماء الفرسان القضاة، وفي الحديث:«عويمر حكيم أمتي» و «نعم الفارس عويمر» وهو أحد الّذين جمعوا القرآن حفظا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، توفي بالشام سنة 32 هـ، وله 179 حديثا مرويا.