الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة المثالية، (Idial Life) وأيّ عمل يعمله المتأسّي إن لم ير لمن يأتسي به أعمالا إيجابية تتمّ بها الحياة الصالحة في شتى أطوارها. إنّ الإنسان ينشد مثالا يقتدي به في كلّ عمل يقدم عليه في غناه وفقره، وفي سلمه وحربه، ويتحرّى السبيل الذي يسلكه إذا تزوّج، أو بقي عازبا، ويريد أنموذجا عاليا يأتمّ به إذا عبد ربّه، أو عاشر الناس، ويحاول أن يلمّ بالقوانين التي ينبغي العمل بها بالنسبة إلى الرّاعي والرعية، والحكام والمحكومين. جميع هذه الأمور ينبغي للمرء أن يتّخذ لنفسه القدوة فيها؛ لأنّ الأمم قد التوت عليها هذه المسألة، فأهمّها التماس الطريق الموصل إلى حلّ هذه المعضلات، وتذليل هذه المصاعب. ومعظم الشعوب تشعر بالحاجة الشديدة إلى المثل العليا في ذلك؛ لتخفّف عن الإنسانية آلامها، وتأسو جراحها: وهي متلهفة على مثال لذلك من الأعمال، لا على مثال عليه من الأقوال.
ولست بمبالغ إذا قلت: إنّ التاريخ أصدق شاهد على أنّه ليس في الدّنيا أحد يصحّ أن تكون للإنسانية أسوة من سيرته وحياته غير سيرة محمّد صلى الله عليه وسلم، وحياته.
اشتراط أن تكون سيرة المتبوع تاريخية وجامعة وكاملة وعمليّة:
وليكن على ذكر منكم ما تحدثت به إليكم من قبل، وهو أنّ حياة العظيم التي يجدر بالناس أن يتّخذوا منها قدوة لهم في الحياة. ينبغي أن تتوفر فيها أربع خصال:
1-
أن تكون «تاريخيّة» ، أي: أنّ التاريخ الصحيح الممحص يصدّقها، ويشهد لها.
2-
أن تكون «جامعة» أي: محيطة بأطوار الحياة، ومناحيها، وجميع شؤونها.
3-
أن تكون «كاملة» أي: أن تكون متسلسلة، لا تنقص شيئا من حلقات الحياة.
4-
أن تكون «عملية» أي: أن تكون الدّعوة إلى المبادىء، والفضائل، والواجبات بعمل الدّاعي وأخلاقه، وأن يكون كلّ ما دعا إليه بلسانه قد حقّقه بسيرته، وعمل به في حياته الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، فأصبحت أعماله مثلا عليا للناس يأتسون بها. وأنا لا أقول: إنّ الأنبياء صفرت صحائف حياتهم من هذه الميزة مدّة وجودهم في الحياة الدّنيا، بل أقول: إن سيرتهم التي توجد الآن بين أيدي الناس لا تنصّ على هذه الأمور، ويخيّل إليّ أنّ الحكمة الإلهية في ذلك ترجع إلى أن أولئك الأنبياء إنما بعثوا لأزمانهم، وشعوبهم، فكان الموفقون للخير من شعوبهم في أزمانهم يرون سيرتهم فيأتسون بها، ولم يكن هنالك حاجة إلى أن تبقى سيرتهم معلومة للأجيال التالية بعدهم؛ لأنّ النبوّات ستختم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الكاملة إلى الناس كافّة في كلّ زمان ومكان، فمسّت الحاجة إلى أن تكون سيرته صلى الله عليه وسلم معلومة على حقيقتها في كلّ زمان ومكان إلى يوم القيامة؛ ليتيسّر التأسّي بها لجميع أمم الأرض. وهذا من أصدق البراهين على كون محمّد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولا نبيّ بعده ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] .
المحاضرة الثّالثة السّيرة المحمّديّة من النّاحية التّاريخيّة