الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخصيص الجمعة للصوم، هديه في الاعتكاف، هديه في الحجّ والعمرة، اعتماره مرتين في سنة واحدة، أداؤه الحج، وهديه في التضحية بيده، هديه في تضحية البدنة، هديه في العقيقة، أذانه في أذن المولود، وتسميته، وختانه، هديه في تسمية الناس، وتكنيتهم، احتياطه في الكلام، وتخيّر الألفاظ، هديه في الذكر والدعاء، هديه في دخول البيت، هديه في لبس الثياب، هديه في الذهاب إلى الخلاء والرجوع منه، هديه في الدعاء عند الوضوء، هديه في ترديد كلمات الأذان، هديه في الدّعاء لرؤية الهلال، والدّعاء قبل الطعام وبعده، هديه في الطعام، وفي السلام، وألايدخل أحد على الناس في بيوتهم إلا بعد الاستئذان، هديه في الدعاء في السفر، وعند النكاح، هديه في كراهية بعض الكلمات، هديه في الغزو والجهاد، معاملته لأسرى الحرب والعبيد، وهديه في معاملة الجواسيس إذا أسروا، هديه في عقد الصلح، وتأمين المحارب، وضرب الجزية، ومعاملته أهل الكتاب والمنافقين.
لقد أجملت لكم فيما تقدّم ما جاء في أحوال النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة، ليتبين لكم أنه إذا كانت هذه الأمور الدقيقة قد عني المسلمون بحفظها، فما ظنكم بالأمور الجليلة العظيمة الخطر، وكم بذل رواة الشريعة من عنايتهم في إحصاء أمهات السنن، وأصول الرسالة، وإحصائها، وضبطها مفصلة، ويظهر لكم من ذلك: أنّ جميع وجوه الحياة النبوية، ومناحيها، وألوانها قد صينت، وحفظت من أن تعبث بها أيدي الدّهر.
إخواني! حسبكم الآن أنكم قد علمتم ما أوردته في أول هذه المحاضرة من وصف السيرة المحمدية بالكمال، والتمام، والإحاطة، وقد تبيّن لكم صدق ما ادعيته لها من أنه ما من أحد من الرسل قد حفظت سيرته، وأحصيت أخباره، وأحواله كما حفظت سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وأحصيت أخباره وأحواله.
إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يذكروا عنه كل ما يعرفونه بلا تحفّظ:
إنّ الوقت ضيق، والذي أريد أن أفضي به إليكم متنوع، ومترامي
الأطراف، وكثير المناحي، فأنا أجمل لكم في القول ما استطعت، وأرجو منكم أن تستمعوا له. إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه ولمن يحضر مجالسه أن يبلغوا عنه لمن غاب عنها، وهذا الإذن عامّ لما يكون عنه في بيته، وبين أهله وعياله، أو ما يصدر عنه في حلقته مع أصحابه، أو ما يقفون عليه من أعماله، وأقواله عند تعبده في مسجده، أو قيامه على منبره خطيبا، أو جهاده في ساحة الحرب تجاه أعدائه، وهو يسوّي صفوف المجاهدين في سبيل الله، أو إذا خلا إلى ربه في حجرة منعزلة في بيته يعبد الله ويتضرّع إليه، فكان أزواجه وأصحابه يتحدثون جميعا بكلّ ما يصدر عنه من قول أو عمل. ثم إنّه كان تجاه مسجده صفّة يأوي إليها فقراء الصحابة الذين لم تكن لهم بيوت يأوون إليها، فكانوا يتناوبون الخروج إلى ما بعد بنيان المدينة يحتطبون من أشجار الصحراء والجبل، ويبيعون ما يأتون به ليقتاتوا جميعا بثمنه، ولم يكن لسائرهم عمل غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم مجالسه؛ ليحافظوا عنه ما يقول، وما يعمل، ثم يروونه للناس بعناية، وأمانة، وقد بلغ عدد أهل الصفة هؤلاء سبعين رجلا، كان منهم أبو هريرة الذي لم يكن صحابيّ أكثر منه حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء السبعون كانوا كأنهم جواسيس الحكومة وعيونها في نشاطهم وإخلاصهم لما يسّرهم الله له من حفظ كلّ ما يستطيعون حفظه مما يدخل في موضوع الحديث النبوي، ولا يفترون عن ذلك آناء الليل وأطراف النهار، وقد استمرّ الحال بهم على ذلك يوميا مدّة عشر سنوات متوالية، وإذا ارتحل عن المدينة في غزو، أو حجّ كانوا معه، وكذلك غيرهم من الصحابة، حتى لم تخف عنهم خافية من أمره، ولم يغب عنهم معنى من معاني رسالته، ولما كان فتح مكة كان معه من أصحابه عشرة آلاف، ولما سار إلى تبوك كان في معسكره ثلاثون ألفا، ولما حجّ حجّة الوداع حجّ معه في تلك السنة مئة ألف مسلم ينطبق عليهم عنوان الصحابة، وما منهم إلا من يحرص على الوقوف على شيء من هداية نبيه صلى الله عليه وسلم، أو أيّ أمر من أموره، فيتحدّث عنه. بل هو الذي أمرهم أن يبلغوا عنه ما يسمعون منه، أو يرون من تصرفاته، فما ظنّكم به بعد ذلك؛ هل يخفى عن التاريخ وجه من وجوه حياته، أو ناحية من نواحيها.