الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحديد النسل (Berth Control) بجميع طرقه المعروفة في هذه الأيام ليس إلا ضربا من ضروب قتل الأولاد، ووأد البنات، وقد نادى الإسلام في الناس أنه ما من أحد يرزق أحدا، وإنما الرزّاق هو الله المتكفل بحاجات خلقه، قال تعالى: * وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: 6] وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الإسراء: 31] .
قضاء الإسلام على نظام الطبقات، وعلى التفاضل بالمال والنسب واللون:
ومن أكبر الجرائم التي اقترفتها الأمم ولا تزال باقية في بلاد لم تبلغها دعوة الإسلام، ولم تشرق أنواره في أرضها، أنهم جعلوا ثراء المال، ونقاء الدّم، وشرف النّسب، وكرم المحتد، ولون البشرة أساس الكرامة، ورأس ما يتفاضلون به ويتفاخرون. وقد جعلوا لثراء المال، ونقاء الدم، وبياض اللون أصولا يرجعون إليها في هذا التفاضل بين أفراد الأمة، وبين الطوائف من الأمم، وسنّوا لذلك من القوانين والآداب في المعاشرة، والمجتمع ما يلائم أهواءهم ومذاهبهم في النّسب. أما الهند فقد عدّ الهنادك من أهلها كلّ من خرج عنهم من الأمم والناس أنجاسا مناكيد، فإن لمسهم لامس من غيرهم، أو صحافهم، أو مسّ أجسامهم رأوا أنهم قد تنجّسوا، ووجب عليهم أن يغتسلوا؛ لأن من سواهم رجس يجب أن يتطهّروا منه.
وقسّم الهنادك أنفسهم أقساما ووزعوا بين هذه الأقسام حظوظا متفاوتة من الشّرف، فرفعوا بعضهم على بعض درجات، لا في الفضائل، والأخلاق، بل في أمور المعيشة، وشؤون الحياة، وأحكام الحكومة. فالشودر (وهم الطبقة السفلى منهم) يعدّون أنجاسا، وعبيدا، وخدّاما، وهم أصحاب المهن الحقيرة، ويرون أنّهم لاحظّ لهم في الدّين أيضا، وكذلك قدماء الفرس تفرقوا إلى أربع طوائف، وهكذا فعل أهل أوربا فخصّوا أنفسهم بأمر الحكومة والسّلطان على الأمم، ولم يتركوا لمن سواهم إلا أن يستعبدوا، ويخضعوا لحكمهم، وبنو إسرائيل عدّوا أنفسهم أبناء الله (تعالى الله عمّا يقولون) ومن سواهم من الأمم أذلة صاغرين. ثم فرقوا بين بني إسرائيل
أنفسهم، فأنزلوا طوائفهم منازل مختلفة، وجعلوا بعضهم فوق بعض، وهذه أوربا الرّاقية التي تدّعي دعاوى عريضة في الإخاء، والمساواة، والمدنية، ألسنا نرى أن الرّجل الأبيض قد أثقل كاهله بأعباء الحكم في العالم، ويرى أن غير الأوربي لا يستأهل السيادة والحكم، فالأبيض المثقف هو الذي اختص بالحضارة والاستعلاء، أما السّود- وكل من عداهم يعدونه من السود- فإنّهم لا يعدلونهم، ولا يساوونهم، بل إنّ بعض البيض يربؤون بأنفسهم أن يركبوا في أسفارهم مع الآسيوي في عربة واحدة من القطار، وترفعوا عن مجالسته، ومساكنته، وقد عزلوا الجنس الأسود (Negro) في إفريقية الجنوبية وأمريكا المتحضرة، فبنوا لهم أحياء منعزلة عن البيض؛ لأنهم لا حقّ لهم بأن يجاوروا البيض، فالأمريكيون الذين يدعون العدالة التامة، والإخاء العظيم يعاملون السود من سكان أمريكا نفسها أسوأ معاملة، ويضيقون عليهم حياتهم، كأنّهم ليسوا من البشر، أو من خلق الله، وفي جنوبي إفريقية وشرقيها ليس للسود، ولا للهنود، ولا للآسيويين عامّة من الحقوق المدنية والإنسانية مثل ما للإنسان في بلاد أخرى، ولم يقصروا جورهم هذا على الأمور الدنيوية، بل إنّهم عدوا طورهم، وجاوزوا الحقّ إلى الأمور الدينية، فبنوا الكنائس للبيض خاصّة وجعلوها بمعزل عن السود، فلا يأذنون للسود بدخول تلك الكنائس، وإنّ الأبيض يشمخ بأنفه، ويربأ بنفسه أن يدخل كنيسة يغشاها السود، أو الآسيويون، والإفريقيون، فليس للأسود أن يركع لله مع الغربي الأبيض أبدا.
أمّا الإسلام؛ فقد محا هذه الفوارق والعصبيات الذميمة كلّها، وأنكر أن يكون التفاضل باللون، والدم، والنسب وسوّى بين بني آدم كلهم، وهدم كلّ ما كان يحول بين المرء وأخيه من ثراء المال، ونقاء الدم، ولون البشرة، والجاه العريض، والنسب الأصيل، والمجد الأثيل. وكانت قريش تعتزّ بابائها، وتباهي بأنسابها، فخاطبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم وقف فيهم خطيبا في فناء المسجد الحرام يوم فتح مكة، فقال لهم: «يا معشر قريش! إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتعظمها بالآباء، النّاس من آدم وآدم
من تراب» «1» . ثم أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم في جمع عظيم، وحفل هائل يوم حجّة الوداع: أنّ لا فضل لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ إلا بالتّقوى. كلّكم أبناء آدم، وآدم من تراب. فملاك الشرف والمجد التقوى، والعمل هو الذي يرفع صاحبه أو يضعه. وإنّ الله قد أذهب عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء، فالمرء إما مؤمن تقيّ، أو فاجر شقيّ «2» ، وقد خاطب الرسول فيها عامة الناس بلسان الوحي: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] وقال سبحانه: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا [سبأ: 37] ثم آخى بين المسلمين وجعلهم إخوة، فقال عزّ من قائل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] وقد نادى الرسول يوم حجة الوداع في جمع من المسلمين عظيم يبلغ عددهم مئة ألف أو يزيدون: «المسلم أخو المسلم» «3» . فهذه المساواة والمؤاخاة قد محتا الفوارق بين الهنديّ، والأفغانيّ، والصينيّ، والتركيّ، والإيرانيّ، والأندنوسيّ، والعربيّ، وبين الشرقي والغربي، بل ذهبتا بكل ما يفرّق بين الأسود والأبيض من فوارق الجنسية، واللون، والدم، وأعلن الله إحسانه إليهم بقوله: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً [آل عمران: 103] .
إنّ أبواب بيوت الله مفتوحة في الإسلام لكلّ مسلم بلا تفريق بينهم في
(1) ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13] . (زاد المعاد، الجزء الأول، ص 424) .
(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله قد أذهب عنكم عبيّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النّتن» . [رواه أبو داود (5116) ] .
(3)
رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» . [البخاري (2442) ] .