الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في بيان الشرك في قوم صالح عليه السلام
قوم صالح عليه السلام:
يجيء قوم صالح في الترتيب القرآني عقيب قصة هود في جميع المواضع التي ذكرت القصتان، ففي سورة الأعراف جاءت القصص على هذا الترتيب: نوح، ثم هود، ثم صالح. بل جاء على لسان صالح عليه السلام في تلك السورة أنه قال لقومه:(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا).
وفي سورة (براءة) يقول سبحانه في صدد تذكير المنافقين بما حصل للمكذبين قبلهم: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
وكذلك الشأن في سورة هود والحجر والشعراء والقمر وغيرها، مما يدل على أن الأمتين (عاد وثمود) كانتا متقارنتين ومتقاربتين في الزمان، وأن ثمودًا كانت على علم بما جرى لأسلافهم ـ عاد ـ من العذاب والنكال، ولعل من المناسب أن نلمح بشيء من التعريف عن ثمود، من حيث نسبهم وديارهم، ومعتقدهم قبل بعثة صالح عليه السلام، فنقول:
1 -
نسبهم ومساكنهم:
ثمود: قبيلة نسبت إلى جدها (ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح).
وقيل: (ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح).
وقيل: (ثمود بن جاثر بن إرم بن بسام بن نوح).
وعلى كلٍ: هم أول الأقوام بعد عاد، كما قال تعالى:(ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ)، قال ابن كثير: هم (ثمود؛ لقوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ).
2 -
منازلهم:
الحجر، كما أخبر الله عز وجل في القرآن في قوله:(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ).
قال ابن كثير: (وأصحاب الحجر: هم ثمود الذين كذبوا صالحًا نبيهم عليه السلام. جاء في كتاب معجم معالم الحجاز: (والحجر: اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام، وتسمى اليوم بـ (مدائن صالح)، وتقع شمال المدينة النبوية، وتبعد عن المدينة بحوالي 347 كم، وبالقرب منها تقع مدينة (العلا)، وتبعد شمال (العلا) بـ 25 كم).
شرك قوم ثمود:
كانت قبيلة ثمود تدين بعبادة الأصنام، يشركونها مع الله في العبادة، كما هو شأن أهل الكفر والوثنية، لقد كانت أرضهم جنات وعيون، ومنازلهم بيوتًا فارهة وقصورًا شامخة، وكانوا سادة الناس وملوك الأرض، لكنهم لم يشكروا الله على نعمه، بل زادوا فسادًا وبعدًا عن الحق؛ أشرًا وبطرًا، وعبدوا الأصنام من دون الله جلت قدرته، وزيادة على ذلك كان هناك لون آخر من ألوان الشرك ورد ذكره عن قوم صالح وهو التطير، وأصله مأخوذ من التطير بالسوانح، والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم.
وقد دل كونه شركًا حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك ـ ثلاثًاـ)) الحديث.
والطيرة تعد من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أنها تجلب لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًا، إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوا بالله عز وجل.
وحديث القرآن عن تطير قوم صالح ورد في قوله تعالى: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)، فهذا كان شركهم بالله بالتطير من غيره سبحانه، مع شركهم بالله بعبادة غيره.
فبعث الله فيهم أخاهم صالحًا (وهو صالح بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن نوح) أو (هو صالح بن عبيد بن آسف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر بن ثمود)، فنهاهم نبي الله صالح عليه السلام عن عبادة الأوثان، ودعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى:(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)، وقال تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ).
والملأ من قوم ثمود كعادة الملأ في كل عصر ومصر، كذبوا نبيهم، واستغربوا كيف ينهاهم صالح عليه السلام عن آلهتهم التي ورثوا عبادتها عن آبائهم وأجدادهم، قال تعالى:(قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، وقال:(قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ)، فأعطى الله الناقة لثمود آية مبصرة؛ قال تعالى:(وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا)، وقال:(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
وقد كان الله لثمود بالمرصاد، لقد أخذهم بالصيحة أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى:(فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ).
هكذا أضافت ثمود إلى سجل المشركين من بني آدم صفحة ملطخة بالظلم والوثنية والطغيان الكبير.