الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول خوف الرسول صلى الله عليه وسلم من وقوع الشرك على أمته والتحذير منه
إن إفراد الله بالعبادة واعتقاد أنه سبحانه لا شريك له ولا ند له ولا مثيل له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، حق واجب له تعالى على عباده، بل أول الواجبات وأعظمها وأساسها.
وهو دين الله عز وجل الذي أرسل به جميع رسله من نوح إلى محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).
وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
وقال سبحانه: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).
فجميعهم جاءوا يدعون إلى عبادة الله جل وعلا وحده، ونبذ عبادة غيره منذ أن ظهر أول شرك في الأرض حتى بعث الله خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فالأنبياء
كلهم كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إخوة علات؛ أمهاتهم شتى ودينهم واحد)).
وقد أدى جميع الأنبياء هذه الفريضة، إذ إنهم أرسلوا لطرد الشرك عن أهل الأرض الذين أرسلوا إليهم، فهو واجبهم الأول. كما أدى هذا الواجب ـ كما ينبغي ـ نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أشهد علينا يوم عرفة بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، فنصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وفتح الله به قلوبًا عميًا وآذانًا صمًا، وقد وصفه الله عز وجل في كتابه بقوله:(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
فحرصًا منه صلى الله عليه وسلم على حمايتنا مما يوقعنا في العنت ـ وأي عنت فوق عنت الوقوع في الشرك؟ ـ خاف الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته أن يقعوا في الشرك فحذرهم منه تحذيرًا بليغًا.
كما أن هناك سببين آخرين لخوفه صلى الله عليه وسلم على أمته من الوقوع في الشرك، وهما:
أ- أن الشرك في أغلب الأمم السابقة كان بحيث يظهر لكل واحد بأنه شرك فلا يخفى على الناس ويمكن الاحتراز منه بسهولة، بخلاف الشرك في هذه الأمة فإنه كما يكون ظاهرًا يكون خفيًا أيضًا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:((أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول:
وكيف نتقيه يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه)).
فلما كان الشرك بهذه المثابة من الخفاء خاف الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته من أن يقعوا فيه، فصدر التحذير منه بكافة أنواعه، كما صدر التحذير من جميع دواعيه.
ب- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما علم أن الأمم السابقة كاليهود والنصارى والفرس قد ابتلوا بالابتداع في الدين والوقوع في الشرك خاف أن تقع أمته في مثل ما وقع فيه الأمم الماضية، فحذر أمته عن اتباع سنن الأمم السابقة، فقال:
1 -
((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)). قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:((فمن؟ )).
2 -
((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)).
3 -
((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)).
4 -
((قاتل الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، قالت عائشة: يحرم ذلك على أمته.
5 -
((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). قالت عائشة: يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشيء أن يتخذ مسجدًا.
6 -
((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم ((أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها))، كما نهى عن ((تجصيص القبر وأن يبنى عليه بناء)). لأن الأمم السابقة قد وقعوا فيه فحذر أمته كي لا يقعوا فيما وقع فيه الأمم السابقة، فإن هذه الأمة ستتبع سنن الأمم السابقة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه قال:
7 -
((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرًا بشبر،
وذراعًا بذراع))، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال:((ومن الناس إلا أولئك)).
8 -
((ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل
…
)).
والمقصود: بيان خوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في الوقوع في الشرك الذي وقع فيه الأمم السابقة، ولما كان أغلب شرك الأمم السابقة بالقبور وعبادة الصالحين حذر أمته من الوقوع فيها، بل أمر بتسوية القبور، وعدم كتابة الاسم عليها، ولعن من ذبح لغير الله؛ خشية أن يقعوا فيما وقع فيه الأمم السابقة.
والأمم السابقة وقعوا في ألوان من الشرك نتيجة الغلو في الأنبياء والصالحين، فلهذا سبق التحذير منه صلى الله عليه وسلم في ذلك حيث قال:
1 -
((إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)).
2 -
وقال أيضًا: ((هلك المتنطعون)).
كما أن بعض الأمم السابقة كان لديهم الشرك بالهوى، فسبق الإنذار من الوقوع في مثل ما وقعوا فيه، فقال:
1 -
((إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط)). وقد سبق بيان كونه شركًا في الباب الأول.
وهذا كله تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك بأنواعه؛ حماية لجناب التوحيد.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من الوقوع في ألوان من الشرك سأذكر فيما يلي نماذج من التحذيرات النبوية في هذا المجال.