الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في بيان الشرك في الربوبية بالتعطيل
مدخل في بيان وجه دخول التعطيل في الشرك:
لا شكأن الشرك هو الذي يقابل التوحيد، فكما أن التوحيد يتناول إثبات الربوبية والأسماء والصفات والأفعال، ويتناول عدم اتخاذ الأنداد في الربوبية والأسماء والصفات والأفعال، وعدم صرف نوع من العبادة لغير الله؛ إن الشرك يتناول إنكار الربوبية وإنكار الأسماء والصفات والأفعال، ويتناول اتخاذ الأنداد في الربوبية والأسماء والصفات والأفعال، وصرف نوع من العبادة لغير الله.
ومن هذا المنطلق نرى أن كثيرًا من أنواع وإن كان يبدو في أول وهلة أنها من أنواع الكفر، إلا أن من أمعن النظر في مدلولات التوحيد ومدلولات الشرك يتضح له أنها من أنواع الشرك. وليس في دخولها تحت مسمى الشرك أي تناقض بين الشرك والكفر، فإن الكفر خصال عديدة، والشرك ما هو إلا بعض تلك الخصال التي تضاد التوحيد. ثم أصل الشرك كما سبق بيانه إنما هو التشبيه، والمعطل قد شبه ربه بالمعدومات أو ـ على الصحيح ـ جعله من جملة المعدومات، فيصح أن يقال له: إنه مشرك بالله جل شأنه.
فإن قيل: إن الشرك لابد أن يكون بين شيئين بحيث يشرك أحدهما مع الآخر، يقال: إن الشرك بالتعطيل فيه أيضًا ما يشرك به، وهو إما بالاستكبار،
وإما بطلب النفس أن يكون شريكًا لله وذلك باتباع هواه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمة الله عليه ـ: (وكل مستكبر فهو مشرك، ولهذا كان فرعون من أعظم الخلق استكبارًا عن عبادة الله، وكان مشركًا
…
بل الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكباراً عن عبادة الله كان أعظم إشراكًا بالله؛ لأنه كلما استكبر عن عبادة الله ازداد فقره وحاجته إلى المراد المحبوب الذي هو المقصود ـ مقصود القلب ـ بالقصد الأول، فيكون مشركًا بما استعبده من ذلك
…
).
وقال ابن القيم ـ رحمة الله عليه ـ: (أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون
…
والشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقرًا بالخالق سبحانه وصفاته، ولكنه عطل حق التوحيد، وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها: هو التعطيل
…
).
وقال في موضع آخر:
واعلم بأن الشرك والتعطيل مذ
…
كانا هما لا شك مصطحبان
أبدا فكل معطل هو مشرك
…
حتمًا وهذا واضح التبيان
فالعبد مضطر إلى من يكشف الـ
…
ـبلوى ويغني فاقة الإنسان
وإليه يصمد في الحوائج كلها
…
وإليه يفزع طالب الأمان
فإذا انتفت أوصافه وفعاله
…
وعلوه من فوق كل مكان
فزع العباد إلى سواه وكان ذا
…
من جانب التعطيل والنكران
فمعطل الأوصاف ذاك معطل الـ
…
ـتوحيد حقًا ذان تعطيلان
قد عطلا بلسان كل الرسل من
…
نوح إلى المبعوث بالقرآن
والناس في هذا ثلاث طوائف
…
ما رابع أبدًا بذي إمكان
إحدى الطوائف مشرك بإلهه
…
فإذا عاه دعا إلهًا ثان
هذا وثاني هذه الأقسام
…
ذاك جاحد يدعو سوى الرحمن
هو جاحد للرب يدعو غيره
…
شركًا وتعطيلاً له قدمان
يقول الشارح لهذه الأبيات: (يثبت المؤلف في هذه الأبيان أن التعطيل ونفي الصفات أخو الإشراك وعبادة الأوثان، وأنهما مذ وجدا أخوان لا يفترقان، وأن أولهما وهو التعطيل مفض إلى الشرك ومقتض له، كما تقتضي العلة معلولها، فكل معطل وجاحد للصفات فهو مشرك عابد للطاغوت.
وذلك لأن العبد في هذه الحياة الدنيا عرضة لنوائب الخير والشر، وهو لا يستطيع أن يستقل بتحصيل الخير لنفسه ولا يدفع الشر عنها، فهو محتاج إلى من يدفع عنه ضره ويغنيه عن عيله، وإليه يقصد في كل حوائجه ليقضيها له، ويفزع من مخاوفه ليوفر له الأمان، فإذا نفينا صفات هذا الإله المقصود وأفعاله، ونفينا وجوده فوق عرشه لم يجده العباد أهلاً لأن يفزعوا إليه، بل لم يجدوه شيئًا؛ فيفزعون حينئذ إلى غيره، والذي جرهم إلى هذا الشرك هو التعطيل والإنكار.
فمن عطل أوصافه سبحانه فقد عطل توحيده، فهما تعطيلان قد بعث جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم نوح إلى خاتمهم محمد
لإنكارهما وإبطالهما، والناس بالنسبة لهذا الأمر ثلاث فرق لا رابع لها.
فأما إحداها: فهو من يشرك بإلهه في العبادة فيدعو معه إلهًا آخر، وهو شرك أكثر المشركين، فإنهم يقرون بوجود الله وبأنه المنفرد بالربوبية في الخلق والرزق والتدبير والملك، ولكنهم يعبدون معه غيره.
وأما ثانيتهما: فهو من يجحد الرب جل شأنه فينكر وجوده وصفات كماله، فهذا لا يدعوه وإنما يدعو غيره، فهو قد جمع بين الشرك والتعطيل، واتخذ منهما قدمين يقوم عليهما كفره وإلحاده، وهذا شر الفريقين، فإن من يدعو مع الله غيره مع دعائه إياه أهون ممن لا يدعوه، بل يدعو سواه).
وقال ابن القيم بعد هذا:
فمعطل الأوصاف ذو شرك كذا
…
ذو الشرك فهو معطل الرحمن
أو بعض أوصاف الكمال له فحقق
…
ذا ولا تسرع إلى نكران
يقول الشارح: (فمعطل الأوصاف كلها أو بعضها فهو مشرك، وكذلك المشرك فهو معطل، فتأمل هذا الأمر جيدًا وتدبره، ولا تسرع إلى إنكار لعدم فهمك له).
ثم قال ابن القيم:
لكن أخو التعطيل شر من
…
أخي الإشراك بالمعقول والبرهان
إن المعطل جاحد للذات أو
…
لكمالها هذان تعطيلان
يقول الشارح: (وإذا كان التعطيل كما بيَّنا أخا للشرك وملازمًا له، فإن
المعطل شر من المشرك وأسوأ منه عقيدة في ربه عز وجل. وليست هذه دعوى ثقال باللسان ولكنها مدعمة بالدليل والبرهان، إن التعطيل نوعان، أحدهما: جحد الذات وعدم الإقرار بوجودها، وهو تعطيل الدهرية الذين ينكرون الصانع ويقولون ما حكاه القرآن عنهم:(إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
والثاني: تعطيل الذات عن صفات الكمال الثابتة لها، فهذا تعطيلان يتضمنان الطعن في حقيقة الألوهية والتنقيص من شأنها
…
).
ولهذا لما تكلم ابن القيم في أنواع الشرك قال: (الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود، وأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته ولا في أفعاله) ـ إلى أن قال ـ: (والشرك الأول نوعان: أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك،
…
وهو ثلاثة أقسام: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه، وتعطيل الصانع عن كماله المقدس: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه، وتعطيل الصانع عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله، وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد. والشرك الثاني: شرك الأنداد من غير تعطيل
…
).
كما قال المقريزي: (الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته
…
أما الشرك الأول: فهو نوعان: أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون
…
وهو ثلاثة أقسام: أحدها: تعطيل المصنوع عن صانعه. الثاني: تعطيل