الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول سدّه جميع أبواب الشرك الذي يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: سده جميع أبواب شرك التعطيل
لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الشرك، وحذّر منه، ونهى عنه، وبيّن أنواعه، وخطورته على الناس وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة، وذلك: لما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الوقوع فيه ـ كما سبق بيانه في الفصل الأول ـ كما بيّن عليه الصلاة والسلام ونهى عن كل ما يقارب الشرك أو يكون ذريعة للشرك بالله سبحانه وتعالى، حماية لجناب التوحيد، وسدًّا لجميع أبواب الشرك بكافة أنواعه.
ومن هذا الوجه نرى أنه عليه الصلاة والسلام سدّ جميع أبواب شرك التعطيل، سواء كان ذلك في أسمائه ـ سبحانه ـ أو صفاته، أو كان في أفعاله. ولعلّ من أهم الأدلة على هذا: بيان النبي صلى الله عليه وسلم توحيد الربوبية، واحتجاجه به على توحيد الألوهية، وإثارة هذه الحقيقة الكامنة في نفوس الناس كي يلبّوا نداء الفطرة والعقل في هذا الباب.
فإن الشرك في هذا النوع وإن لم يكن منتشرًا على نطاق واسع في زمانه صلى الله عليه وسلم إلا أنه بيّن ذلك ليكون نبراسًا لأمته، ولئلا يقعوا فيه، أو يواجهوا المبتلين به، فإنه قد يأتي زمان يقع بعض الأمة في مثل ذلك، كما هو الحال في زماننا الذي انتشر فيه الإلحاد وإنكار ربوبية الله عز وجل كما هو عند الشيوعيين، والوجوديين،
والعلمانيين الملحدين، وهكذا المادّيون الذين ينكرون كل ما لا يشاهدونه، فكان من الضروري، العناية بهذا النوع من التوحيد، وسأضرب هنا بعض الأمثلة لحماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسدّه جميع أبواب شرك التعطيل في الربوبية.
1 -
ذكره الآيات القرآنية الدالة على ذلك، فقال:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)، وقال:(أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
2 -
ذكره صلى الله عليه وسلم الوساوس التي تعتري أنفس المكلفين، وإرشاده إلى كيفية التخلص من هذا الداء العضال، وذلك بعدم إعطائها فرصة التمكن في القلب، وردّها إلى الوسوسة المحضة التي لا تؤاخذ عليها هذه الأمة، فمن ذلك:
أ- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله، فقولوا آمنا بالله ورسوله)).
وفي روايةٍ: ((فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله)).
وفي روايةٍ: ((فإذا بلغ من ذلك فليسعذ بالله ولينته)).
وفي روايةٍ: ((فإذا قالوا ذلك: فقل: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، ثم ليتفل عن يساره وليستعذ بالله من الشيطان)).
انظر ـ رحمك الله ـ كيف سدّ النبي صلى الله عليه وسلم باب التعطيل، والشك في جانب
رب البرية سبحانه جل وعلا.
ب- عن ابن عباس قال: ((إن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني لأجد في صدري الشيء لأن أكون حممًا أحب إليّ من أتكلم به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ أمره إلى الوسوسة)).
انظر كيف عالج الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشك في الربوبية، حيث أمره بردّه إلى الوسوسة حتى لا يتمكن في القلب، وبها سدّ باب الشرك في الله سبحانه.
ومن أمثلة عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بجانب توحيد الأسماء والصفات وسدّه جميع أنواع شرك التعطيل فيه: بيانه صلى الله عليه وسلم بيانًا كافيًا شافيًا لهذا الأمر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الحموية الكبرى: (فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد
…
محال مع هذا وغيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله، والعلم به ملتبسًا مشتبهًا، ولم يميّز ما يجب لله في الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وما يجوز عليه، وما يمتنع عليه، فإن معرفة هذا أصل الدين، وأساس الهداية
…
ومن المحال أيضًا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علّم أمته كل شيء، حتى الخِراءة
…
أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في ربّهم، ومعبودهم، ربّ العالمين، الذي معرفته غاية المعارف
…
بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزبدة الرسالة الإلهية
…
).
وإليك أمثلة يسيرة لهذا البيان:
1 -
قال الله تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
2 -
وقال: (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى).
3 -
وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن لله تسعًا وتسعين اسمًا مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة
…
)).
4 -
وفي الحديث: ((ما أصاب مسلمًا قط همّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري، وجلاء حزني وذهاب همّي؛ إلاّ أذهب الله همّه، وحزنه، وأبدله مكانه فرحًا
…
)).
فقد جاءت الأسماء الحسنى والصفات العُلى في الكتاب والسنة غير مشتبهة ولا مؤدية إلى التعطيل والإلحاد. وكل هذا بيان لهذا النوع من التوحيد، وسد لجميع نوافذ الشرك فيه.