الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس في بيان الشرك في قوم يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام وقومه:
ثم جاء دور أبناء إبراهيم عليه السلام وهم على التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، فقد مضى عهد إسحاق وإسماعيل ويعقوب عليه السلام وهم أنبياء ورسل من الله عز وجل، ولم يأت لدينا ما يدل على وجود أي نوع من أنواع الشرك في أقوامهم، حتى جاء الله عز وجل في القرآن بقصة يوسف عليه السلام عندما كان في مصر، وفيما يلي ذكر نبذة من تعريفه، وإلى من أُرسل؟ وما كان طبيعة الشرك فيمن أرسل إليهم.
أما نسبه: فهو: يوسف الصديق ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام).
وكما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((
…
قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)).
وهو الذي أنزل الله في شأنه سورة طويلة تقص علينا حياته الكريمة
ومراحلها من طفولته إلى موته، وكيف تقلبت به الأحوال، وما واجه من صعاب، فتلقاها بقوة النبوة وصبرها، وحكمتها، وحلمها، ولا يستغرب ذلك عنه؛ فإنه سليل هؤلاء الأنبياء الكبار، فلا عجب إن كان على غرارهم في الصدق والإخلاص وشدة الحماس في الدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشرك، وانتهاز كل فرصة لبثِّ هذه الدعوة وتبليغها والوقوف ضد الشرك والوثنية.
أما موضع إرساله: فبظهور يوسف عليه السلام تبدأ مرحلة جديدة في الدعوة إلى عبادة الله الواحد، ونبذ الشرك والوثنية، يكون مركزها مصر بدلاً من فلسطين، فقد جاء يوسف عليه السلام إلى مصر وهو غلام صغير حين كاد له إخوته وألقوه في غيابة الجب، وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم ليستقي لهم من البئر، فتعلق يوسف برشاء الدلو وخرج، وما إن رآه الرجل حتى هتف: يا بشرى هذا غلام! ، وأسرّوه بضاعة وعرضوه للبيع في أسواق مصر، فبيع بثمن بخس؛ دراهم معدودة.
وكان الذي اشتراه هو عزيز مصر الذي أوصى به امرأته خيرًا، وقد امتُحن الصديق في بيت هذا الرجل امتحانًا رهيبًا؛ حيث راودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلَّقت الأبواب، وقال: هيت لك، ولكن الصديق يجيبها بجواب حاسم يقطع طمعها فيه، ويرجع إليها ما عزب من ضميرها فيقول:(مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
وكان بعد ذلك ما كان من إيداعه السجن بعد ظهور براءته ودخول فتيين
معه السجن، وطلبهما منه أن يعبر لهما عن رؤياهما، وتحدثه إليهما بما أنعم الله به عليه من علم تعبير الرؤيا، وهجر الملل الباطلة، والتمسك بدين الله آبائه وأجداده في التوحيد والإيمان، ووعظه لهم بأن يسلكا سبيله في ذلك تاركين عبادة هذه الأرباب المتفرقة التي لا حقيقة لها، وإنما هي أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان.
هذا ما حدث في حياة يؤسف عليه السلام، ولكن إذا كان مما لا شك فيه أنه كان نبياً ورسولاً فينبغي ألا يُشك أيضًا في أن مجال رسالته كان في مصر؛ فإنه لم يُعرف فيما نقل إلينا من أخباره أنه خرج منها، بل الثابت أنه ظل بها إلى أن مات ودفن بها.
ولقد جاءت آية صريحة من سورة غافر تدل على أن رسالته كانت في أهل مصر، وهي قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون يخاطب قومه ويحضهم على الإيمان بموسى عليه السلام:(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ).
ولكن متى أرسل يوسف عليه السلام؟ ليس هناك في الواقع نص يحدد لنا بدء إرساله، والذي يُرجَّح أن يكون يوسف عليه السلام قد أُرسل في الفترة التي قضاها في السجن؛ لأن كلامه مع صاحبي السجن اللذين دخلا معه؛ من تعبيره لرؤيا كل منهما، ودعوته إياهما إلى التوحيد، وقوله لهما:(ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)، يكاد يكون صريحًا في الدلالة على
حصول النبوة له آنذاك.
الشرك في قوم يوسف:
لقد قصَّ الله عز وجل شرك هؤلاء القوم من خلال دعوة يوسف عليه السلام لصاحبي السجن؛ حيث قال عن يوسف بأنه قال للفتيان: (لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَاّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
يُفهم من هذا النص القرآني أن يوسف عليه الصلاة والسلام رأى فساد قصور الفراعنة في مصر وظلمها، وعرف عقائد الأمة التي عاش فيها، عرف ما فيها من فساد ووثنية؛ تتخذ الأصنام والأبقار آلهة مع الله، ومما يفهم من هذا النص:
1 -
أنهم كانوا يشركون بالله في عبادته، لقوله تعالى:(مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً).
2 -
أنهم كانوا يحكمون حسب أهوائهم، فذكَّرهم بأن الحكم لا يكون إلا من الله، وأن هذا يُعد من العبادة، لقوله تعالى:(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
3 -
أنهم كانوا يسمون معبوداتهم أربابًا، دون أن يشركوا بالله في الربوبية، كما قاله البعض في تفسير قوله تعالى:(أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
4 -
قيل: وجد عند بعضهم الشرك في الربوبية أيضًا، بدليل قوله تعالى:(أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، وقوله تعالى:(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، ولكن ما كانت هذه عقيدة الجماهير، بل الجماهير كانوا يعترفون بالإله الواحد الخالق لهذا الكون، كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عن هذه النسوة:(وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ).
وسيأتي مزيد من البسط في عقيدة المصريين عندما تأتي قصة موسى وفرعون، ويكفي هنا أن يقال بأنهم كانوا أهل أوثان وقد اتخذوا آلهة معبودة، فقام نبي الله يوسف عليه السلام بالدعوة فيهم، فآمن به فرعون ذلك
الزمان، ثم هلك وجاء ملك آخر الذي غير الدين الحنيف المسيطر على الناس.