الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عمرو بن عبسة: (كنت امرأً ممن يعبد الحجارة، فينزل الحي ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم، فيأتي بأربعة أحجار، فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلهًا يعبده، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره).
فهذا مثال دل على سذاجة اعتقاداتتهم تجاه هذه المعبودات، من ضمن أمثلة عديدة.
ثانياً: وهن العقيدة:
كما سبق أن بينا أن اعتقادهم تجاه هذه المعبودات كان متصفًا بالبساطة والسذاجة، هكذا يمكن اتصافه بوهن الأساس وضعف البنيان؛ لأنه يصدر عن عاطفة عديمة الثبات، وقلما يتغلغل في الأعماق أو يرسخ في الأذهان، بل تراه عاطفة متقلبة تحركها الأهواء السانحة وتسيرها المصالح وتقتضيها الضرورة والحاجة، فليس ثمة عند الجاهلي رسوخ في العقيدة، ولا خلوص في النية، ولا تفكر بما وراء المظهر والمادة.
وهو في عقيدته تلك إنما يصدر عن تمسك بالعادة وعن جري في التقليد، واقتفاء بأثر من سبقه إليه، فهو لا يتورع عن سب آلهته وشتمها وضربها، وهذا ما فعله امرؤ القيس مع صنمه، كما لا يتورع أيضًا عن أكلها ـ كما في حادثة بني حنيفة ـ خصوصًا إذا ما كانت هذه الأصنام مصنوعة من التمر والزبيب وقد أضر الجوع بعابدها، كما وإنه لا يحجم أبدًا عن سرقتها، وأخذ اللبن المخصص
لها، وهذا ما فعله مالك بن حارثة الأجداري يوم أن شرب اللبن المخصص لسقاية الصنم ود.
وسأسوق هنا جملة من القصص تدل على ما قلناه، فمنها:
1 -
حادثة (ذو الخلصة): وهي حينما جاءه امرؤ القيس ليستقسم عنده بالأزلام، كان ذلك لما قتلت بنو أسد أباه حجراً، وخرج السهم الذي ينهاه عن الأخذ بالثأر لأبيه، فما كان من الشاعر إلا أن كسر القداح وضرب بها وجه الصنم متهددًا متوعدًا، وقال:(عضضت بأير أبيك! لو كان أبوك قتل ما عوقتني)، ثم غزا بني أسد، فظفر بهم، قال ابن الكلبي:(فلم يستقسم عنده بشيء حتى جاء الله بالإسلام، فكان امرؤ القيس أول من أخفره).
2 -
حادثة (فلس): وهي؛ حينما جاءه مالك بن كلثوم حيث أقدم على حل عقال ناقة جارة له، تلك الناقة التي وقفت للصنم وأودعت بفنائه فلا يحل لأحد أخذها، ولا التصرف بها، لكن ابن كلثوم أقدم على حل الناقة وسوقها أمامه ذاهبًا بها، دون أن يحرك الصنم لإله ساكنًا، ولا أن يقدر على الانتقام ممن اجترأ على حرمته، ونال من قداسته، واستلب ما كان موقوفاً له، وهذه الحادثة ـ كما يقولون ـ حملت الشاعر الجاهلي عدي بن حاتم على تخليه عن عبادة فلس، لأن فلسًا بزعمه (أهين على يد مالك، فلم يثأر الإله لكرامته وقداسته).
3 -
حادثة (سعد): وهي؛ حينما قدم إليه رجل من المشركين لينال البركة ولينيخ إبله بفنائها، لكن سرعان ما نفرت هذه الناقة، لدى رؤيتها الدم
المهراق، فضربت في الأرض بعيدًا، الأمر الذي دفع بالرجل إلى القول متبرئًا من سعد وممن يعبد سعدًا:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا
…
فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة بتنوفة
…
من الأرض لا يدعى لغي ولا رشد
4 -
حادثة صنم بني حنيفة: وهي؛ أن هذا الصنم كان مصنوعًا من الحيس، فعبدوه حينًا من الدهر، فأصابت بنو حنيفة سنة من الجوع، فلم يتورعوا عن أكله فيما أكلوه ذلك العام، فقال قائل:
أكلت بنو حنيفة ربها
…
زمن التقحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم
…
سوء العقاب ولا البشاعة
فهذه الحوادث كلها إن دلت على شيء فهو أن حرارة العقيدة ما كانت تتغلغل في أعماق هؤلاء الجاهليين، بل هي ظلت عقيدة واهية الأساس، خاضعة للأهواء، متقلبة سرعان، ما تضعف وتزول عندما تصادم بشيء يستطيع أن يزيلها.
فهؤلاء العرب في جاهليتهم كانوا يتبعون هواهم، تجاه عبادة هذه المعبودات، وقد ورد الإنكار الشديد في كتاب الله تعالى لمن جعل إلهه هواه فيتبعه في كل ما يملي عليه.
قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا).
قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ).
قال ابن عباس رضي الله عنه: (ذلك الكافر؛ اتخذ دينه بغير هدى من الله