الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في سدّه صلى الله عليه وسلم جميع أبواب الشرك الذي يتعلق بعبادة الله ومعاملته
ومن ملامح هذا السدّ ما يلي:
أولاً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو في مدحه بما قد يفضي إلى عبادته، فقال:((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)). إذ الغلو في تعظيمه يؤدّي إلى استشعار القلب بالخوف والرهبة منه والرجاء فيه، فيصرف إليه عندئذٍ شيئًا من حقوق الله تعالى.
ثانياً: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء في القبور وعن اتخاذها عبدًا، وعن اتخاذها مساجد، فقال لما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها أنها رأت كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور. قال:((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ليال: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً،
ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ إنّي أنهاكم عن ذلك)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)).
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور، كما قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه)).
وكذلك نهى عن الصلاة عند القبور سواء بنى عليه مسجد أو لا، لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها)). فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك الأمور كلها الدالة على تعظيم القبر؛ لئلاّ يفضي ذلك إلى عبادتها وطلب قضاء الحوائج من الموتى، ويدل على أن هذا هو المراد ما أشار به إلى صنيع الأمم السابقة، وكذلك، لأن هذا هو أصل ابتداء الشرك في الناس كما تقدم، وقد قال ابن قدامة معللاً للنهي عن اتخاذ القبور مساجد ومصلّى: (لأن تخصيص القبور
بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام: تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها).
ثالثاً: النهي عن الوفاء بالنذر بالذبح لله تعالى في مكان يذبح فيه لغير الله، أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال:(نذر رجل أن ينحر إيلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((هل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: ((فهل كان فيه عيد من أعيادهم؟ )) قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أوف بنذرك، فإنّه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم)). فقوله في آخر الحديث: ((فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله)) يفيد أن الوفاء بالنذر في المكان الذي فيه أمر من أمور الجاهلية معصية لله، ففي هذا سدّ لذريعة الشرك وإبعاد المسلمين عن التشبه بالمشركين في تعظيم أوثانهم.
رابعًا: النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ صيانة للصلاة والمصلّين المسلمين أن يشبهوا الكفار في سجودهم لها وعبادتهم لها وللشيطان، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار
…
ـ إلى أن قال ـ حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار)).
خامساً: النهي عن الصلاة إلى ما قد عُبد من دون الله، (وأحبّ لمن صلّى إلى عمود أو عودٍ، أو شجرةٍ، أن يجعله على أحد جانبيه، ولا يصمد له صمدًا، سدًّا لذريعة التشبه بالسجود لغير الله تعالى).
سادساً: الأمر بهدم بناء القبب والمساجد على القبور والأمر بتسويتها: فمن ذلك ما قال أبو الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ((ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألَاّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلاّ سويته)).
سابعًا: التحذير الشديد من زيارة القبور للصلاة في المساجد المبنية عليها، أو الدعاء عندها، على ظن أن هذا أسرع إجابة، أو للتبرك بها، أو جعلها عيدًا، أو للحج إليها بشد الرّحال إليها، أو زيارتها لعبادة الله تعالى عندها أيّ نوع كان من أنواع العبادات، من ذبح، أو نذر أو اعتكاف، أو قراءة القرآن، إلى غير ذلك؛ فإن كل هذا لمن أعظم أسباب الوثنية.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)).
ودخل في النهي شدّها لزيارة القبور والمشاهد، فإمّا أن يكون نهيًا، وإمّا أن يكون نفيًا، وجاء في روايةٍ: بصيغة النهي، فتعيّن أن يكون للنهي، ولهذا فهم منه الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ المنع، كما في الموطأ والمسند والسنن عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة ـ وقد أقبل من الطور ـ: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجتَ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا
تعمل المطي إلاّ إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)).