المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: الشرك بالنية والإرادة والقصد - الشرك في القديم والحديث - جـ ٢

[أبو بكر محمد زكريا]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثاني: الشرك بالله جل وعلا في الربوبية في صفته العلم المحيط ومظاهره في العصر الحديث

- ‌المطلب الثالث: الشرك بالله جل شأنه في الربوبية بالأنداد في صفته الحكم والتشريع المطلقين بإثباتهما لغيره سبحانه

- ‌أما الجانب الثاني: ففي الشرك في الربوبية بالأنداد إثبات صفة المخلوق للخالق سبحانه

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية بالأنداد بإثبات صفة المخلوق للخالق لدى القاديانية

- ‌المطلب الثاني: الشرك بالله في الربوبية بالأنداد بإثبات صفة المخلوق للخالق لدى المتصوفة والمتكلمين

- ‌المطلب الثالث: الشرك بالله في الربوبية بالأنداد بإثبات صفة المخلوقات لله جل شأنه لدى الحداثيين

- ‌الفصل الثاني مظاهر الشرك بالله جل وعلا في العصر الحديث فيما يتعلق بعبادته

- ‌المبحث الأول: في بيان مظاهر الشرك بالله فيما يتعلق بعبادته بأعمال القلوب

- ‌المطلب الأول: الشرك بالله فيما يتعلق بعبادته بالمحبة

- ‌المطلب الثاني: الشرك بالله فيما يتعلق بعبادته بالخوف

- ‌المطلب الثالث: الشرك بالله فيما يتعلق بعبادته بالرجاء

- ‌المطلب الرابع: الشرك بالله في عبادته بالتوكل

- ‌المطلب الخامس: الشرك بالله في عبادته بالطاعة

- ‌المطلب السادس: الشرك بالنية والإرادة والقصد

- ‌المبحث الثاني: في بيان مظاهر الشرك بالله في عبادته بالأعمال القلبية مع الجوارح (شرك التقرب والنسك)

- ‌المطلب الأول: في بيان شرك التقرب والنسك بالركوع والسجود والقيام وغيرها لغير الله

- ‌المطلب الثاني: في بيان شرك التقرب والنسك بالذبح والنذر لغير الله

- ‌المبحث الثالث مظاهر الشرك بالله في عبادته بالأقوال القلبية (شرك الدعوة)

- ‌المبحث الرابع أهم شبهات القبوريين وردها

- ‌الفصل الثالث وجوب الإخلاص والحذر من الشرك

- ‌المبحث الأول في معنى الإخلاص لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثاني وجوب الإخلاص في الدين

- ‌المبحث الثالث موانع الإخلاص والحذر من الشرك

- ‌الباب الخامس المقارنة بين شرك القديم والحديث

- ‌الفصل الأول مقارنة الشرك بين القديم والحديث من حيث أنواعه

- ‌الفصل الثاني مقارنة الشرك بين القديم والحديث من حيث توافق الأسباب

- ‌الباب السادس في بيان بطلان الشرك بأوضح الأدلة

- ‌الفصل الأول تنوع دلالات القرآن على قبح الشرك

- ‌المبحث الأول في بيان تقرير الله عز وجل في القرآن الأدلة الكونية على قبح الشرك

- ‌المطلب الأول: في بيان اشتمال الآيات القرآنية على دليلي الخلق والعناية الدالين على قبح الشرك

- ‌المطلب الثاني: في بيان آية السموات والأرض الدالة على قبح الشرك بالله

- ‌المطلب الثالث: آية الشمس والقمر والليل والنهار الدالة على قبح الشرك

- ‌المطلب الرابع: آية الرياح والمطر والنبات الدالة على قبح الشرك

- ‌المبحث الثاني تقرير القرآن قبح الشرك بضرب الأمثال

- ‌المطلب الأول: الأمثال المضروبة لله وحده ولما يعبد من دونه

- ‌المطلب الثاني: المثل المضروب لكلمة التوحيد وكلمة الشرك

- ‌المطلب الثالث: مثل للحق والباطل

- ‌المطلب الرابع: أمثلة عجز آلهة المشركين

- ‌المطلب الخامس: الأمثال المضروبة لوصف حال المشرك وحالة الموحد

- ‌المطلب السادس: مثل قلب الموحد وقلب المشرك

- ‌المطلب السابع: أمثلة وصف حواس الموحد وحواس المشرك

- ‌المطلب الثامن: مثلان لبيان فساد أعمال المشركين وهما يدلان على قبح الشرك وبطلانه

- ‌المبحث الثالث تقرير الله عز وجل قبح الشرك وبطلانه ببعض القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني تنوع دلالات السنة على قبح الشرك وبطلانه

- ‌الفصل الثالث تنوع دلالات الفطرة والعقل على قبح الشرك وبطلانه

- ‌المبحث الأول في بيان معنى الفطرة والعقل

- ‌المطلب الأول: في بيان معنى الفطرة

- ‌المطلب الثاني: في معنى العقل

- ‌المبحث الثاني في إثبات كون الشرك مخالفاً للفطرة والعقل

- ‌المطلب الأول: في إثبات كون الشرك مخالفًا للفطرة

- ‌المطلب الثاني: في أن الشرك مخالف للعقل

- ‌المبحث الثالث الاستدلال بالأدلة العقلية القرآنية على قبح الشرك وبطلانه

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية القرآنية المتعلقة بالله الدالة على قبح الشرك بالله عز وجل وبطلانه

- ‌المطلب الثاني: الأدلة العقلية القرآنية المتعلقة بالأصنام الدالة على قبح الشرك بالله عز وجل، وبطلانه

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب السادس: الشرك بالنية والإرادة والقصد

‌المطلب السادس: الشرك بالنية والإرادة والقصد

النية في اللغة: القصد والعزم والإرادة.

وفي الشرع: تستعمل على معنيين:

الأول: تمييز العبادات بعضها عن بعض؛ كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر مثلاً، وتمييز صيام رمضان عن صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات؛ كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيرًا في كلام الفقهاء في كتبهم. وهذا غير مقصود عندنا هاهنا.

الثاني: تمييز المقصود بالعمل وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله ولغيره؟ ، وهذه النية هي المقصودة عندنا هاهنا. وهي التي حث الشرع في العبادة أن تكون لله جل شأنه.

أما الشرك في النية والإرادة والقصد: فالمقصود به: أن ينوي ويقصد العبد بعمله جملة وتفصيلاً غير الله. وهو الشرك في الاعتقاد. ودليل ذلك قوله سبحانه: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

فبين سبحانه أن من كان غرضه الدنيا لا غير لا يريد إلا إياها ولا يحب إلا

ص: 1119

من أجلها، فليس له من الدنيا إلا ما قدر له، وهو في الآخرة من أهل النار، وما كان من الأعمال الحسنة التي أراد بها تحصيل الدنيا باطلة لا قيمة لها؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم:((إنما الأعمال بالنيات))، فلما كانت أعماله كلها للدنيا لم تنفعه في الآخرة، إذ كل عمل لا يكون لله لا خير فيه ألبتة، ولذا فإن المؤمن دومًا يلحظ في أعماله ابتغاء رضا ربه وثوابه وجنته والنجاة من النار. قال تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

فهذا الشرك في مقابل الإخلاص، فمن لا يكون مخلصاً يكون مشركًا، وهذا الشرك يكون من وجهين:

1 -

أن يراد بعمله غير وجه الله.

وذلك بأن يعمل العمل لا يريد به وجه الله، بل يريد به غيره من صنم أو وثن أو قبر أو ميت أو قائد أو راية ونحو ذلك. وهو أعظم أنواع الشرك.

2 -

نوى شيئًا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه.

يقول الإمام ابن القيم: (وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئًا غير التقرب إليه، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته، والإخلاص: أن يخلص لله في أفعاله وأقواله، وإرادته ونيته، وهذه هي الحنفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ

ص: 1120

الْخَاسِرِينَ). وهي ملة إبراهيم التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء).

قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)؛ أي كما أنه إله واحد، ولا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة، وكان عمر رضي الله عنه من دعائه:(اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا).

لكن الشرك في النية والإرادة له درجات: قد يكون شركًا أكبر، وقد يكون دون ذلك. ويكاد يكون محصورًا في شيئين:

الأول: الرياء. فالرياء كله شرك، فإن كان يسيرًا فهو شرك أصغر، كما سبق معنا في التمهيد. وإن كان كثيرًا فهو من الشرك الأكبر. قال تعالى في بيان خصال الكفار والمشركين والمنافقين:(وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً)، وقال:(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ).

وفي السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا: ((أنا أغنى الشركاء

ص: 1121

عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)).

قال ابن رجب رحمه الله موضحًا ذلك: (اعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياءً محضًا، بحيث لا يراد سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي؛ كحال المنافقين في صلاتهم

وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت والعقوبة

).

الثاني: إرادة الإنسان بعمله الدنيا (هذا أعم من الرياء): قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ). قال قتادة: (من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء).

ويدل عليه حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار قبل كل واحد يوم القيامة.

وجود هذا النوع من الشرك في العصر الحديث:

هذا النوع من الشرك ـ كما قال ابن القيم ـ (بحر لا ساحل له)، وله وجود بصفة عامة في جميع الديار، وقلّ من ينجو منه، فكم من الناس تراه يعمل أعمالاً صالحة من صلاة وصوم وصدقة وإحسان إلى الناس وترك ظلمهم ونحو ذلك لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، وإنما يريد أشياء دنيوية بحتة.

ص: 1122

وكم من الناس يعمل أعمالاً كثيرة ولا يريدون إلا حطام الدنيا، كالمال يأخذه، أو امرأة يتزوجها.

وكم من الناس يقوم بالتدريس أو يقوم بالإمامة وليس من نيته إلا الحفاظ على الوظيفة.

وكم من الناس يقوم بتهمة القتال، وليس من نيته إلا الدفاع عن اللغة أو الدولة أو الجنس مثلاً.

ولكن لا يعرف هذه الأمور لكونها مخفية في قرارة نفسه، فليحذر الإنسان ربه وليخلص نيته.

* * *

ص: 1123