الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسعه).
المطلب السابع: أمثلة وصف حواس الموحد وحواس المشرك
ضرب الله سبحانه وتعالى مثل المؤمن الموحد بالحي، والسميع، والبصير، وهو في النور، والظل وبمن يمشي سويًا، وضرب مثل الكافر بالميت، والأصم، والأبكم، والأعمى، وهو في الظلمات والحرور، وبمن يمشي مكبًا على وجهه وهو كالأنعام.
وهذه في الحقيقة عدة أمثال لكن لارتباط بعضها ببعض وصعوبة تمييزها عن بعضها ولورودها في القرآن متداخلة، أحببت أن أتكلم عنها مجتمعة، وسأذكر أولاً كل الآيات التي وردت في هذا حسب ترتيب السور:
يقول تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، ويقول تعالى:(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، ويقول تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)، ويقول تعالى:(أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)، ويقول تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، ويقول تعالى:(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، ويقول تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)، ويقول تعالى:(أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، ويقول تعالى:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)، يقول تعالى:(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، ويقول تعالى:(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)، ويقول تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى
أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، ويقول تعالى:(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ).
لقد شبه الله سبحانه وتعالى المؤمن بالحي، وشبه الكافر بالميت من حيث إن الميت جسده خال من الروح فيظهر منه النتن والصديد والقيح وسائر أنواع العفونات وأصلح أحواله دفنه تحت التراب، والكافر كذلك يظهر منه الجهل
بالله تعالى ومخالفاته لأمره وعدم قبوله لمعجزات الرسل لأنه ميت القلب، وهذا من باب التهكم والازدراء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه روح الإسلام ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة وهو من الأموات، قال الله تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ..... )؛ فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وسمى الله رسالته روحًا والروح إذا عدم فقد فقدت الحياة).
وشبه الله سبحانه وتعالى الكافر بالأنعام التي لا تفقه ما يقال لها وهمها الأكل والشرب، وهو في شدة نفوره من الإيمان وفراره عن سماع القرآن كالحمر التي رأت الأسد ففرت مسرعة في كل اتجاه، فبين سبحانه أن الكفار أضل من البهائم؛ لأنها تبصر منافعها ومضارها وتتبع مالكها، قال عطاء: الأنعام تعرف الله والكافر لا يعرفه. ولهذا جعل الأكثرين أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنها تتفع قائدها وتهتدي الطريق، وأما الكفار فدعاهم الرسل للطريق والهداية فلم يتبعوهم، بل لم يفرقوا بين ما يضرها من النبات أو الطريق وبين ما ينفعها منه، فتجتنب الأول وتؤثر الثاني، والله تعالى لم يعط البهائم قلوبًا تفقه بها، ولا ألسنة تنطق بها وأعطى ذلك للكفار ثم لم ينتفعوا به فصاروا أضل من البهائم لأنهم لم يهتدوا مع وجود الأدلة.
يقول ابن القيم رحمه الله: (شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد أو الرمات ففرت منه، وهذا من بديع القياس والتمثيل؛ فإن القوم في جهلهم بما بعث الله به رسوله كالحمر وهي لا تعقل شيئًا، فإذا سمعت صوت الأسد أو الرمي نفرت منه أشد النفور، وهذا غاية الذم لهؤلاء، فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضًا وحضه على النفور، فإن في الاستفعال من الطلب قدرًا زائدًا على الفعل المجرد، فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه).
وكذلك شبه الله تعالى: المؤمن الموحد بالسميع والبصير، وشبه الكافر بالأصم والأبكم والأعمى وذلك لتعطيل حواسه وعدم الاستفادة منها.
فعن ابن عباس ومجاهدك أن الأعمى الأصم الأبكم هو الكافر وأن السميع البصير هو المؤمن؛ لعدم إيصار الكافر للحق والهدى واستماعه له، وإبصار المؤمن ذلك واستماعه له، قال قتادة:(هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن، فأما الكافر فصم عن الحق فلا يسمعه وعمي عنه فلا يبصره، وأما المؤمن فسمع الحق وانتفع به وأبصره).
وقال ابن القيم رحمه الله: (وجعل أحد الفريقين كالأعمى والبصير من حيث كان قلبه أعمى عن رؤية الحق أصم عن سماعه فشبهه بمن بصره أعمى عن رؤية الأشياء وسمعه أصم عن سماع الأصوات. والفريق الآخر بصير القلب سميعه، كبصير العين وسميع الأذن، فتضمنت الآية قياسين وتمثيلين للفريقين، ثم نفى التسوية عن الفريقين بقوله: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا).