الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث تقرير الله عز وجل قبح الشرك وبطلانه ببعض القصص القرآني
لقد ذكر الله عز وجل ما جرى لكل رسول مع قومه، وكيف كانت دعوة الرسل إلى الله عز وجل لأقوامهم وذلك بالدعوة إلى التوحيد وبيان قبح الشرك وبطلانه، وأخبرنا عن إهلاك الأمم السابقة لمّا ردوا أمر الله وتمردوا على الشرك به سبحانه، كل هذا يعتبر بيانًا من الله سبحانه لقبح الشرك وبطلانه.
وقد سبق ذكر بعض هذه القصص عند بيان شرك الأمم السابقة مفضلاً، وفيما يلي بعض أوجه دلالة هذه القصص على قبح الشرك وبطلانه.
فمثلاً في قصة نوح صلى الله عليه وسلم نرى أن الله عز وجل أهلكهم بطوفان من عنده نتيجة شركهم بالله بعد ما دعاهم نبيهم بسبل شتى وطرق مختلفة ولكن دون جدوى، فلما جاءهم أمر الله لم ينفعهم أصنامهم شيئًا ولم ينقذوهم مما حل بهم من العذاب والنكال، وفيه دلالة واضحة على قبح الشرك بالله سبحانه وعلى كونه من أبطل الباطل.
يقول الطبري: (إن فيما فعلنا بقوم نوح من إهلاكنا لهم إذ كذبوا رسلنا وجحدوا وحدانيتنا وعبدوا الآلهة والأصنام لعبرًا لقومك من مشركي قريش وعظات، وحججًا لنا يستدلون بها على سنتنا في أمثالهم فينزجروا عن كفرهم ويرتدوا عن تكذيبك حذرًا أن يصيبهم مثل الذي أصابهم من العذاب، وكنا مختبريهم بتذكيرنا إياهم بآياتنا لننظر ما هم عاملون قبل نزول عقوبتنا بهم).
ومثل هذا في قصة قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ حيث بين عليه السلام حجته أمام
طاغوت زمانه الذي ادّعى الربوبية وعطل المصنوع عن صانعه، وادّعى خصائص الربوبية لنفسه بقوله:(فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). هكذا بهت الذي أشرك بالله وكفر به؛ لأن الإله الحق لابد أن يتصرف في ملكه كما يشاء، فإذا لم يستطع على ذلك دل على أن دعواه باطل، وأن الشرك بالله سبحانه باطل وقبيح.
وهكذا لما أراد إبراهيم عليه السلام إظهار شناعة الشرك وقبحه به سبحانه أمام قومه جميعًا ذهب يحمل الفأس فكسر الأصنام وأبقى الصنم الكبير، وهذا فيه وجهان لقبح الشرك وبطلانه:
أولهما: أن هذه الأصنام إن كانت آلهة فلم لم تدافع عن نفسها عند تكسيرها؟ والإله الحق حي لا يموت، وهذه قد اندثرت وصارت حطامًا.
ثانيهما: أنها إذ لم تدافع عن نفسها فلما لا تجيبكم عمن كسرها؟ فإن أجابتكم عمن كسرها فهي بحاجة إلى الحماية ولذا هي ليست آلهة؛ لأن الإله الحق غني عن حماية غيره له، فالشرك مع الله سبحانه بهذه الآلهة المزعومة قبيح لا شك فيه.
فهذا مثلان من جملة مئات الأمثلة في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أوردتهما كالنموذج لدلالة القصص القرآني على قبح الشرك وبطلانه، وقد سبق بيان أخبارهم مفصلاً في الباب الأول. وكل من تفكر في هذا القصص القرآني يدرك حقيقة ما ذكرناه لا محالة، ولعلنا نكتفي بهذا
القدر، مكتفيًا بما سبق معنا في الباب الأول، فإن المقصود هو الإشارة بإيجاز، وإلا لو بدأنا هذه القصص وما تدل عليه من العبر والعظات لخرجنا عن موضوعنا ولعملنا بعض التكرار في عملنا.
الفصل الثاني
تنوع دلالات السنة على قبح الشرك وبطلانه