الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في بيان معنى الفطرة والعقل
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في بيان معنى الفطرة
الفطرة في اللغة فعلها ثلاثي وهو فطر، والحالة منه الفطرة كالجلسة، وهي بمعنى الخلقة. قال ابن فارس عن أصل هذه الكلمة:(أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه، ومنه الفطرة: وهي الخلقة). وأتى بالفتح قبل الإبراز؛ لأنه سبب من أسبابه.
وقال ابن منظور: الفطرة تعني: (الابتداء والاختراع).
والأمر ظاهر في أنه لا خلاف بين هذه المعاني الثلاثة: الخلقة، والابتداء، والاختراع.
وقد عرف العلماء الراسخون الفطرة الواردة في القرآن والسنة بالإسلام،
فلعله من لوازم المعنى، فإن الفطرة هي:(الخلقة التي خلق الله العباد عليها وجعلهم مفطورين على محبة الخير وإيثاره وكراهية الشر ودفعه، وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله والتقرب إليه).
فمعنى الفطرة تؤول إلى الإسلام وعليه إجماع السلف، فلا شك إذا كان معنى الفطرة هو الإسلام أنه مخالف للشرك، فالشرك مخالف للفطرة كما ستأتي أدلته على ذلك، ولكن إذا كان الأصل في الإنسان أنهم فطروا على الإيمان هل يعني ذلك أن الإنسان إذا ترك بدون أي توجيه أنه يهتدي للإسلام؟ .
أجاب شيخ الإسلام عن هذا السؤال بقوله: (وليس المراد أن الإنسان حين يخرج من بطن أمه يعلم هذا الدين موحدًا لله، فإن الله تعالى يقول: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)، وإنما المراد: أن فطرته مقتضية وموجبة لدين الإسلام، ولمعرفة الخالق، والإقرار به، ومحبته، ومقتضيات هذه الفطرة وموجباتها تحصل شيئًا بعد شيء، وذلك بحسب كمال الفطرة وسلامتها من الموانع).
وسئل مرة أخرى عن هذه الآيات والأحاديث فأجاب: (الصواب: أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها يوم قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)؛ وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة، فإن حقيقة
(الإسلام) أن يستسلم لله، لا لغيره وهي معنى (لا إله إلا الله)، ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن سلامة القلب، وقبوله وإرادته للحق ـ الذي هو الإسلام ـ بحيث لو ترك بغير مغير لما كان إلا مسلمًا، وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع هي: فطرة الله التي فطر الناس عليها).
وذكر الإمام ابن القيم محاورة بين: الإمام محمد بن نصر، وبين الإمام ابن قتيبة في مقتضى آية الميثاق، قال:(قال محمد بن نصر: واحتج ابن قتيبة بقوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) فأجابوا ـ بكلام ـ شاهدين مقرين على أنفسهم بأن الله ربهم، ثم ولدوا على ذلك.
قال محمد بن نصر: فقوله: (ثم ولدوا على ذلك) زيادة منه ليست في الكتاب، ولا جاءت في شيء من الأخبار.
قلت ـ أي ابن القيم ـ: قوله: (ثم ولدوا على ذلك) إن أراد به أنهم ولدوا حال سقوطهم وخروجهم من بطون أمهاتهم عالمين: بالله وبتوحيده وأسمائه وصفاته فقد أصاب ـ أي محمد بن نصر ـ في الرد عليه. وإن أراد أنهم: على