الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الاستدلال بالأدلة العقلية القرآنية على قبح الشرك وبطلانه
والكلام على هذا المبحث سيكون في مطلبين:
المطلب الأول: الأدلة العقلية القرآنية المتعلقة بالله الدالة على قبح الشرك بالله عز وجل وبطلانه
لقد ذكر الله عز وجل أدلة متنوعة عقلية على قبح الشرك وبطلانه في كتابه العزيز، وفيما يلي بعض هذه الأدلة على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر.
أ- دليل الخلق والملك:
وفيه نقطتان:
الأول: خلق جميع المخلوقات وملكها.
الثاني: خلق الإنسان.
فهذان الدليلان ذكرهما الله عز وجل للاستدلال على أن من يخلق ومن لا يخلق لا يكون سواسية في نظرا لعقلاء، فإذا لم يكونوا سواسية فلابد ألا يسوى ولا يشرك بينهما.
أما الأول: فهو خلق جميع المخلوقات ومالكها.
قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)، وقال تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ
وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
وقال تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ). وقال تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، وقال تعالى:(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)، وقال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)، وقال تعالى:(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).
وقال تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، وقال
تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)، وقال تعالى:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وقال تعالى:(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
هذا الدليل الذي ذكر في هذه الآيات يسمى دليل الخلق والملك، وقد جمعت بين كلمتي الخلق والملك؛ لأن الملك لازم للخلق والإيجاد، وكثيراً ما يرد في آيات القرآن الإشارة إلى أن الله هو الخالق المالك بنفس الآية.
وهذا الدليل مفاده أن كل شيء مخلوق مملوك له، وهذه الأصنام لم تخلق شيئًا ولا تملكه، فلا تصح إذن عبادتها من دون الله؛ لأن الخالق المالك هو الذي يجب أن يفرد بالعبادة، إن آلهتكم أيها المشركون لم تخلق شيئًا ولا تملك ذرة في السموات والأرض ولا قشرة نواة، وليس لكم حجة على عبادتها، فاعبدوا الخالق المالك لا المخلوق المملوك إن كانت لكم عقول تعقلون بها.
أما الثاني: فهو دليل خلق الإنسان:
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا
الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ)، وقال تعالى:(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وقال تعالى:(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، وقال تعالى:(إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ)، وقال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)، وقال تعالى:(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، وقال تعالى:(خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)، وقال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وقال تعالى:(نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ)، وقال تعالى:(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ).
قال الطبري: (قد بينا الحجج وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها لقوم يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر، ويفهمون الآيات والذكر، فإنهم إذا اعتبروا بما نبهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عينوا من البشر، وخلقي
ما خلقت منها من عجائب الألوان والصور، علموا أن ذلك من فعل من ليس له مثل ولا شريك فيشركوه في عبادتهم إياه).
والآيات المنبهة لخلق الإنسان نفسه كثيرة، كقوله تعالى:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)، وقوله تعالى:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ، وقوله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)؛ لأن أقرب شيء إلى الإنسان نفسه، ولو فكر الكافر بأحوال نفسه وعجائبها وتنقله في بطن أمه أطواراً وخروجه من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، وأكله وشربه ونموه وحركات مفاصله لأوقعه ذلك على عظيم خطئه وشركه بعبادته غير الله تعالى.
وقد وردت مسألة خلق الإنسان بدليل آخر يأخذ بالألباب في قوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ)؛ لأن البشر لم يخرجوا عن أحد احتمالات ثلاثة:
أ- إما أن يكونوا مخلوقين من غير خالق؛ أي وجدوا بطريق الصدفة.
ب- وإما أن يكونوا خلقوا السموات والأرض وخلقوا أنفسهم.
جـ - وإما أن يكونوا مخلوقين لخالق واحد.
والاحتمال الأول: وهو كونهم غير مخلوقين لخالق احتمال باطل؛ لبطلان أن يكون الخلق جاء بطريق الصدفة، لارتباط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها واستحالة صدور أثر بلا مؤثر وفعل بلا فاعل وخلق بلا
خالق وتنظيم بلا منظم.
والصدفة لا ينبثق عنها هذا التركيب العجيب في جسم الإنسان ولا هذا التأليف العجيب بين الذكر والأنثى لاستمرار النوع الإنسان كما سبق بيانه.
وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكونوا خلقوا أنفسهم، فهو أشد بطلاناً ـ كما مرمعنا في بطلان شبهة أن تكون الطبيعة هي الخالقة ـ؛ لأن معنى ذلك أن كل شيء خلق نفسه وهذا مستحيل لأنه يوجب اجتماع الضدين، بنفس الوقت: الوجود والعدم، فيكونوا موجودين معدومين خالقين مخلوقين، وهم لم يزعموا قط أنهم خلقوا أنفسهم، فعجزهم عن خلق السموات والأرض أظهر وأبين، لقوله تعالى:(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).
وقد نبّه سبحانه وتعالى المشركين على حقيقة وهي: أنهم لم يخلقوا أنفسهم بقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ). فلم يجيبوا بنعم لعلمهم وعجزهم وقصورهم التام عن ذلك، ولتمنيهم أن تكون النطفة ذكرًا فلا يأتي، وكراهتهم الأنثى فتأتي بغير إرادتهم.
وعلى التقرير السابق فلم يبق إلا الاحتمال السابق وهو كونهم مخلوقين لخالق واحد هو الله رب العالمين، فيجب إذن إفراده بالألوهية وإخلاص العبادة له، ولذلك يقول في نهاية آيات سورة الطور:(أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام من دون الله وهو خالقهم، بعد أن بين لهم بطلان كل احتمال يرد على الخاطر،
ولم يبق إلا أنهم مخلوقون لخالق واحد متفرد بالألوهية، لذلك نزّه سبحانه نفسه عما يفترون ويشركون معه في العبادة آلهتهم، فقال:(سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وقد روى ابن كثير قصة جبير بن مطعم عندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء الأسرى، وكان إذ ذاك مشركًا، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآيات كاد قلبه أن يطير كما يروي عن نفسه، فكان سماعه لهذه الآيات من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام ونبذ الشرك والأوثان.
وقد تكلم ابن القيم كلاماً موسعاً عن خلق الإنسان وعجائبه ودلالة ذلك على وحدانية الله، وقبح الشرك عقلاً، تركنا ذكره اختصاراً.
ب- دليل عدم فساد الكون:
ينبه الله في القرآن الكريم على أن من الدلائل العقلية على قبح الشرك بانتظام أمر الكون بما فيه؛ لأنه لو كان يحكم هذا الكون أكثر من إله لم ينتظم أمره ولدخله الفساد والخلل، يقول تعالى مبيناً هذه الحقيقة:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، ويقول تعالى: (وَمَا
كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
وقد تكلم ابن القيم رحمه الله على الآيتين السابقتين مبينًا قطعيتهما على الدلالة على وحدانية الإله المعبود وقبح الشرك به سبحانه، ويقول في نهاية كلامه: (وإنه لوكان في السموات والأرض إله غير الله لفسد أمرهما واختل نظامها وتعطلت مصالحهما
…
فهذان برهانان يعجز الأولون والآخرون أن يقدحوا فيهما بقدح صحيح أو يأتوا بأحسن منهما، ولا يعترض عليهما إلا من لم يفهم المراد منهم).
جـ - دليل الرزق:
ينبه الله في القرآن الكريم على أن من الدلائل العقلية على قبح الشرك أن أصنامهم لا يملكون الرزق حتى باعترافهم، ومن كان لا يملك الرزق لعابديه يقبح عبادته عقلاً. فقال تعالى:(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، وقال تعالى:(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا
مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
إن مسألة الرزق من خصائص الربوبية، والمشركون كلهم معترفون بأن الرازق هو الله، وأن أصنامهم لا تملك رزقاً، واعترافهم بتفرد الله بالرزق يوجب عليهم إفراده بالألوهية والعبادة وعدم الشرك به سبحانه.
د- دليل النوائب:
ينبه الله في القرآن الكريم على أن من الدلائل العقلية على قبح الشرك أنهم لا يدعون غير الله من الأصنام والأوثان في البلاء والكرب والمصائب بل يخلصون لله بالدعاء والاستغاثة، فلو كان عندهم عقل صريح لعرفوا أن من لا قدرة له على إنقاذه من الشر لا يكون إلهاً، بل الإله هو الذي يكون قادراً على دفع الضر والشرور عن المألوه، ولا يملك هذا إلا الله سبحانه عز وجل حتى باعترافهم ـ فكان مقتضى العقل الصحيح ألا يشرك به شيئًا.
قال تعالى في بيان هذه الحقيقة: (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ)، وقال تعالى:(قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)، وقال: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ