الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: أمثلة عجز آلهة المشركين
وفيه ثلاثة أمثله:
أ- عجزها عن سماع الدعاء وعن إجابته كذلك:
يقول تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)، وقال تعالى:(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ).
هذان مثلان في عدم نفع دعاء الكفا لأصنامهم؛ لأنها لا تسمع دعاءهم.
وهذا هو المثل الأول: حيث شبه الله ـ تعالى ـ المشركين بدعائهم لآلهتهم وطلبهم منها قضاء حاجاتهم كالراعي الذي يصوت بالغنم والبهائم وهي لا تعي ما يقول غير أنها تسمع صوته. يقول ابن القيم في هذا: (فتضمن هذا المثل ناعقًا أي مصوتًا بالغنم وغيرها، ومنعوقًا به وهو الدواب، فقيل: الناعق: العباد وهو الداعي للصنم، والصنم هو المنعوق به المدعو، وأن حال الكافر في دعائه كحال من ينعق بما لا يسمعه، وهذا قول طائفة منهم عبد الرحمن بن زيد وغيره).
وأما المثل الثاني: فقد شبه سبحانه وتعالى المشركين في دعائهم لأصنامهم وأنها لا تستجيب لهم بالعطشان الذي جلس على شفير بئر وبسط
كفيه إلى الماء وأخذ يدعوه إلى فيه من بعيد مشيرًا إليه بيده ليبل غلته، فلا هو نزل إلى البئر فشرب، ولا الماء ترتفع إليه لأنه جماد لا يحس بعطشه ولا يسمع دعاءه، وهكذا الأوثان لا تحس بدعاء عابديها لها، ولا تستجيب لهم؛ لأنها جمادات منحوتة على هيئة الأحياء، والعرب تضرب مثلاً لمن سعى فيها لا يدركه: القابض على الماء.
ب- عجزها على الخلق وعن استعادة ما يسلب منها:
وضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً لبيان عجز آلهة المشركين عن خلق أضعف وأصغر المخلوقات، بل لو سلب هذا المخلوق الضعيف من الأصنام شيئًا ما استطاعت استرداده، يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
والمعنى بأن المشركين جعلوا لله شبهًا من الأصنام والأنداد التي عبدوها فاستمعوا لحال ما مثلوه وجعلوه شبهًا لله بعبادتهم إياه: إن كل ما تعبدون من دون الله لو اجتمعوا وتعاونوا ما خلقوا ذباباً في صغره وقلته وضعفه، بل لو سلبهم هذا الذباب شيئًا مما تجعلونه عليها من العسل والطيب، فإنهم لا يستخلصوه منه، ضعف الطالب وهو آلهة المشركين، والمطلوب وهو الذباب.
وفي هذا المثل غاية التحقير، والمهانة لآلهتهم، وفيه التقريع الشديد كذلك لعابديها مع علمهم بضعفها ومهانتها ومع ذلك يجعلونها مثلاً لله، وهذا
المثل من أبلغ المثال في تجهيل عابدي الأصنام وتقبيحهم واستركاك عقولهم والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه حيث وصفوا بالإلهية ـ التي تتضمن القدرة على الخلق، والإحاطة بالكائنات كلها ـ صوراً وتماثيل لو سلبها الذباب مما دهنت به من العسل، والزعفران ما ردته عن نفسها ولا استنقذته منه.
والظاهر أن ضارب المثل هو الله ـ تعالى ـ ضرب مثلاً لما يعبد من دونه، فاستمعوا لحال هذا المثل.
وقد ذكر ابن القيم كلاماً موسعًا حول هذا المثل نقتطف منه قوله: (حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل ويتدبره حق تدبره فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه، وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه فكيف ما هو أكبر منه؟ ولا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئًا مما عليهم من طيب ونحوه فيستنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه واسترجاع ما سلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟ ).
جـ - مثل عجزها عن حماية غيرها:
وضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً لبيان عجز آلهة المشركين عن حماية
عابديها وقلة غنائها، مشبهًا إياها ببيت العنكبوت، فيقول تعالى:(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
يبين ـ تعالى ذكره ـ أن الذين اتخذوا الآلهة والأوثان من دون الله، ويرجون نفعها عند حاجتهم إليها فهم في ضعف عقولهم وسوء اختيارهم لأنفسهم كمثل العنكبوت في ضعفها وقلة احتيالها لنفسها تتخذ بيتًا لنفسها ليحميها فلم يغن عنها شيئًا عند حاجتها إليه، وهؤلاء المشركون إذا حل بهم سخط الله لن يغني عنهم أولياؤهم شيئًا ولن يدفعوا عنهم بأس الله، فشبه الأصنام ببيت العنكبوت لبيتها الواهن الضعيف، فكما لا يغني العنكبوت بيتها هكذا لا تغني أصنامهم عنهم من الله شيئًا، وبه قال ابن عباس وقتادة، وابن زيد، والضحاك.
يقول ابن القيم في هذا المثل: (فذكر سبحانه أنهم ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياءهم أضعف منهم، فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت اتخذت بيتًا وهو أوهن البيوت، وأضعفها، وتحت هذا المثل أن هؤلاء المشركين أضعف ما كانوا حين اتخذوا من دون الله أولياء فلم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعفًا كما قال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا).