الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين.
والموحد لمّا كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه، مع رأفه مالكه به ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه، فهل ييستوي هذان العبدان؟ وهذا من أبلغ الأمثال، فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه وإلتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتشاكسين، الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون).
المطلب السادس: مثل قلب الموحد وقلب المشرك
وهما مثلان:
أ- ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً لقلب المؤمن الموحد بالبلد الطيب، ومثلاً لقلب المشرك الكافر بالبلد الخبيث، فقال تعالى:(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).
بين سبحانه وتعالى في هذا المثل أن البلد الطيب تربته العذبة مشاربه فيخرج نباته إذا أنزل الله الغيب طيبًا ثمره في حينه ووقته، والبلد الذي خبث فتربته رديئة، ومشاربه مالحة، يخرج نباته بعسر وشدة، فعن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي قالوا: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر؛ لأن قلبا لمؤمن لما دخله
القرآن آمن به وثبت الإيمان فيه وفاض بالخير، وقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه ولم يثبت فيه الإيمان، ففاض بالنكد والشر والفساد.
وقد سمى الله في كتابه المؤمن بالطيب والكافر بالخبيث، فقال تعالى:(لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، فالخبيث في هذه الآية هم الكفار والطيب هم المؤمنون، كذا قاله السدي.
وقد ورد مثل هذا المثل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)).
وهذا الحديث يبين مثل قلب المؤمن ومثل قلب الكافر بما يوافق المثل القرآني الذي بيناه.
ب- وضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً آخر للقلب الذي يريد أن يهديه
وللقلب الذي يريد أن يضله فقال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
يبين تعالى أن من اراد الله هدايته إلى الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند ربه ويوفقه لذلك، يفسح صدره للإيمان ويهونه ويسهله له بلطفه ومعونته حتى يستنير الإيمان في قلبه فيضيء له ويتلقاه صدره بالقبول.
ومن أراد إضلاله عن سبيل الهدى يجعل صدره حرجًا بخذلانه وغلبة الكفر عليه، والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذ إليه شيء من شدة ضيقه، وهو هنا القلب الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لرين الشرك عليه، وضيق مشاربه فلا يدخل الإيمان، وهو في ذلك كالحرجة: وهي الشجرة الملتف بها الأشجار الكثيفة فلا يدخل إليها شيء لشدة التفاف الأشجار بها.
وقوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء): الصعود هو الطلوع إلى أعلى، فشب الله تعالى الكفار في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه كما أن صعود السماء لا يطاق؛ لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع على بني آدم ويبعد عن الاسطاعة وتضيق عنه المقدرة.
قال ابن جريج: (حرجًا بلا إله إلا الله لا يجد لها في صدره مساغاً)، وقال الطبري: (وهذا مثل من الله ـ تعالى ذكره ـ ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه؛ لأن ذلك ليس في