الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على نبي الرحمات، المؤيد بالمعجزات الباهرات، وعلى آله وصحبه أفضل البريات، وبعد:
فحيث استكملت هذه الرسالة أبوابها وفصولها، ومباحثها، ومطالبها،
وفروعها، عبر خطة علمية مرسومة ومنهج علمي مدروس، فإنه من المناسب أن أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها، على النحو التالي:
أ- أن حقيقة التوحيد: إفراد الله تعالى بإثبات ذاته، وأسمائه، وصفاته، وإفراد الله تعالى بالعبادة، والألوهية.
2 -
أن التوحيد له أجزاء ثلاثة: توحيد في الربوبية، وتوحيد في الأسماء والصفات، وتوحيد في عبادته وألوهيته.
3 -
أن لكل جزء من التوحيد ما يقابله مما يضاده.
4 -
أن أصل شُبَه من حاد عن التوحيد هو عدم تصور التوحيد الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وطلب من عباده تحقيقه.
5 -
أن الرب والإله كلمتان متغايرتان في اللغة، وفي مفهوم السلف، وفي لغة القرآن والسنة، وإن كان المقصود بهما واحد عند الجميع وهو الله سبحانه. ولكن بينهما فروق من حيث المعنى، ومن حيث اعتراف أغلب الناس بالأول دون الثاني، والخطأ في حقيقة التوحيد ناتج أيضًا من عدم تصور حقيقة الرب وحقيقة الإله ومدلول الكلمتين، ومن ثم جعلهما شيئًا واحدًا.
6 -
اْن الشرك هو الذي يقابل التوحيد من جميع النواحي.
7 -
أن حقيقة الشرك: إثبات الند لله تعالى سواء كان في ربوبيته أو كان في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، أو كان في عبادته.
8 -
أن الشرك في الربوبية له ناحيتان: الناحية الأولى: تعطيل ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله؛ والناحية الثانية: تنديد وتمثيل ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله؛ إما بإثبات ذات مماثل له سبحانه من مخلوقاته، أو أسماء مماثلة للآخرين، أو صفات مماثلة للمخلوقات، أو أفعال مماثلة للمخلوقات، وإما بتمثيل ذاته بذات المخلوقات، أو صفاته بصفات المخلوقات، أو أفعاله بأفعال المخلوقات.
9 -
أن الشرك في الألوهية هو الشرك في العبادة.
10 -
أغلب الأخطاء في الشرك إنما هي ناتجة عن عدم تصور حقيقة العبادة.
11 -
أن العبادة لها إطلاقان: الأول: باعتبار المصدر (التعبد، أو فعل العابد): وبهذا الإطلاق معناها: ما يجتمع فيه الذل والخضوع مع الحب.
والإطلاق الثاني: باعتبار الاسم (المتعبد به): وبهذا الإطلاق هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والأعمال الباطنة، كما قال به شيخ الإسلام.
12 -
أن العبادة بهذين الإطلاقين تشمل كيان الإنسان كله وجميع حياته أيضًا، فكل ما هو محبوب عند الله عز وجل من أعمال العباد، وقد عمل بالحب والخضوع والذل فهي عبادة، سواء فعله لله عز وجل أو فعله لغيره سبحانه.
13 -
إذا تصور أحدنا حقيقة العبادة يتصور حقيقة الشرك في العبادة بسهولة، ويعرف أبعادها، وأغوارها، ويعرف المبتلين بها في كل عصر
ومصر، وفي كل زمان ومكان.
14 -
أن الشرك باعتبار أحكامه ينقسم إلى قسمين: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، فالأول مخرج من الملة، وأما الثاني: فلا يخرج عن الملة، ولكن هل هو تحت المشيئة أم لا؟ يبدو من كلام المحققين أنه تحت المشيئة. والمسألة خلافية، وترجح لدي أنه تحت المشيئة.
15 -
أن الأصل في بني آدم التوحيد دون الشرك، بل كل ما يخالفه من الأقوال هراء صرف، ولغو مثير لا ينظر ولا يعول إليه مطلقًا، يدل عليه القرآن، والسنة، والفطرة، والعقل الصحيح، والأدلة الكونية، والأدلة العلمية الحديثة، وغيرها.
16 -
أول شرك مطلقًا، هو شرك إبليس اللعين.
17 -
أول شرك في بني آدم هو شرك قوم نوح على القول الصحيح. وآدم عليه السلام بريء من الشرك، وكل ما نسب إليه فهو غير صحيح.
18 -
أول شرك في بني آدم حصل بسب الغلو في الصالحين، وبعبادة الصور والتماثيل والقبور.
19 -
أول شرك كان في بني آدم كان في العبادة دون الربوبية.
20 -
الشرك في الأمم السابقة في أغلب الأوقات كان في العبادة دون الربوبية.
21 -
وجد الشرك في الربوبية بالتعطيل في بعض الأمم السالفة، من أبرزها: شرك فرعون حيث قال بالتعطيل المطلق.
وأما تعطيل الرب عن أوصافه، وصفاته، فقد وقع فيه قوم عاد لما قالوا:{مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} .
وهكذا يتضمنه شرك فرعون وشرك نمرود. ولكن الشرك بتعطيل الأفعال فحدِّث عنه ولا حرج، فقد وقع فيه جل الأمم السابقة بإنكار البعث، والرسل، والحشر، والنثر، والشرع، وغيرها.
وأما تعطيل الصانع عما يجب على العبد من حقيقة توحيده، فقد وقع فيه فرعون على القول الصحيح، كما وقع فيه اليهود والنصارى.
22 -
وجد في شذوذ من الناس في الأمم السابقة: الشرك في الربوبية بإثبات الأنداد في الذات والصفات.
أما في الذات: فلعل من قال به أولًا هو نمرود بن كوش، وآخرهم فرعون ذي الأوتاد. وأما في أسماء الله عز وجل: فلم أجد من وقع فيه غير اليهود، والنصارى. وأما في الصفات: فقد وقع فيه جملة من الأمم الذين رأوا التطير والسحر واعتراء آلهتهم على أحد بالسوء، فإن هذه كلها مما تضمنته صفة القدرة الكاملة لله سبحانه. وأشهر من صرح بالشرك في الصفات قوم عاد. ووقع فيه اليهود والنصارى من جهتين؛ من جهة إثبات صفات الباري للآخرين، ومن جهة إثبات صفات الخلق لله جل شأنه.
وأما الشرك في الأفعال: فجلّ الأمم كان يشرك بالله في اتخاذ الشرائع -الذي هو محض حق الله جل وعلا وفعله- من الأصنام والصناديد، والملأ، والأحبار والرهبان في اليهود والنصارى. فهؤلاء كلهم وقعوا في الشرك في الربوبية في الأفعال بالأنداد.
23 -
شرك العبادة في الأمم السابقة كان بالمعبودات الحسية غالبا، وذلك بالأصنام والأوثان، وربما كان بالأجرام السماوية، وربما كان بالأشياء الغير
وفيما يلي بيان ذلك:
الشرك بعبادة الصور والصالحين: وكان هذا مبدأ الشرك في البشرية، وكان في قوم نوح. والشرك بالعطوف على القبور: وأيضًا كان في قوم نوح، كما كان هذا في قوم إلياس عليهما السلام.
والشرك بعبادة الأصنام: فهذا أيضًا كان في قوم نوح عليه السلام، وقوم هود عليه السلام، وقوم صالح عليه السلام، ولدى بعض قوم إبراهيم عليه السلام، وفي قوم يوسف عليه السلام، وقوم شعيب عليه السلام، وقوم إلياس عليه السلام، وقوم موسى عليه السلام بعد موته.
والشرك بعبادة الكواكب: كان في قوم إبراهيم عليه السلام. والشرك بعبادة الهوى، وكان ذلك قي قوم لوط عليه السلام، والشرك بعبادة الرؤساء والحيوانات: مثل ما وقع في قوم موسى عليه السلام في حياته وبعد مماته، وما حكى الله عز وجل عن الملأ في جميع الأمم. والشرك بعبادة الأحبار والرهبان: ومظاهره في قوم موسى عليه السلام، وقوم عيسى عليه السلام، والشرك بعبادة الأنبياء والرسل: ومثال ذلك ما وقع في قوم موسى عليه السلام بعبادة عزير، وفي قوم عيسى بعبادة المسيح عليه السلام.
24 -
أما بالنسبة للشرك في العرب، فالصحيح الذي لا مرية فيه أن العرب كانوا على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. ثم حدث فيهم الشرك.
25 -
إن أول شرك في العرب كان -على القول الصحيح- بيد عمرو بن لحي، وهو الذي سن عبادة الأصنام للعرب، ونصب الأوثان في أماكن كثيرة، وأمر الناس بعبادتها.
26 -
وجد في العرب أنواع من الشرك في الربوبية والألوهية.
27 -
الشرك في الربوبية بالتعطيل المطلق كان في شذاذ من الناس في العرب. وهكذا الشرك في الأسماء والصفات كان في بعض الناس، وكان الغالب فيهم من أنواع شرك التعطيل شرك تعطيل الله عن أفعاله من الحشر والنشر، والبعث، والقضاء والقدر، والرسل، والشرع، وغيرها من أفعال الله الخالصة.
ولم يوجد على الصحيح شرك تعطيل الله عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.
28 -
الشرك في الربوبية بالأنداد وجد في العرب بصفة عامة، أما الأنداد في الذات فإنه وإن لم يوجد من يثبت لله شريكا مساويًا له، إلا أنه وجد من أثبت آلهة متعددة.
وأما الشرك في الأسماء والصفات، فقد وقع فيه كثير من العرب من ناحيتين: من ناحية إثبات أسماء الله وصفاته وأفعاله لغير الله، ومن ناحية إثبات أسماء المخلوقات وصفاتهم وأفعالهم لله سبحانه. أما في إثبات أسماء الله وصفاته وأفعاله، ففي الأسماء وجد من العرب من كان يسمي بالرحمن غير الله سبحانه.
وأما في الصفات فحدِّث عنه ولا حرج، ففي العرب من كان يثبت صفة القدرة الكاملة والعلم المحيط لكل شيء لغير الله، ومن مظاهر ذلك التطير والسحر، والتنجيم، والاستسقاء بالأنواء، والاستقسام بالأزلام، والتحكيم إلى الأصنام، والكهان، وأخذ التشريع من الرؤساء والصناديد والملأ، وغيرها، وأما في الأفعال، فقد كانت العرب تثبت حق التشريع للكهان والملأ، والصناديد، وغيرها.
29 -
الشرك في العبادة هو السمة الغالبة لدى العرب. فقد كانوا يشركون بالله في العبادة بعبادة أشياء حسية وأشياء غير حسية، أما الأشياء الحسية فمنها ما هي سماوية ومنها ما هو أرضية، ومن الأشياء الأرضية منها ما هو عاقل، ومنها ما هو غير عاقل. وأما الأشياء الغير الحسية فمن مظاهره في العرب عبادة الهوى، وأما بالنسبة لأنواع العبادات التي كانوا يوجهونها إلى معبوداتهم فقد كانوا يوجهون جميع أنواع العبادات سواء كانت من الأعمال القلبية أو كانت من الأقوال القلبية.
30 -
أما الشرك في هذه الأمة وفي العصر الحاضر: فقد وجد في هذه الأمة وفي العصر الحاضر ألوان من الشرك في الربوبية وفي الألوهية.
31 -
أما الشرك في الربوبية بالتعطيل: فقد وقع في التعطيل المطلق كثير من أبناء المسلمين باعتناق المبادئ الهدامة من الشيوعية والوجودية والداروينية والقومية والعلمانية.
وأما في تعطيل الصفات: فقد وقع فيه كثير من الفرق من الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة (الموجودين في العصر الحاضر)، وكثير من الشيعة والفرق الخارجة عن الإسلام من فرق الباطنية. وأما في تعطيل الأفعال: فقد وقع فيه جملة من الفرق كالباطنية بجميع فرقها ونحلها، والروحية الحديثة وبعض الصوفية وبعض العلمانيين.
وأما الشرك بتعطيل الله عمّا يجب على العبد من حقيقة التوحيد: فقد وقع فيه كثير من المتصوفة ومن تأثر بهم من الجهلة والعوام.
32 -
وأما الشرك في الربوبية بالأنداد: فقد وقع في الشرك في الربوبية بالأنداد في الذات كثير من الفرق الباطنية، وكثير من الشيعة الغلاة.
وأما في الأسماء: فلم أجد من تسمى باسم الإله إلا لدى بعض الباطنية. واْما في الصفات: فهذا الشرك هو الذي لا ساحل له في العصر الحاضر، فقد وقع فيه الشيعة عمومًا، ووقع فيه المتصوفة عمومًا، والجهلة من الناس، والمنادون بالعلمانية والقومية والوطنية والمتأثرين بهم.
فمثلًا: الشرك في صفة القدرة الكاملة: وقع فيه الشيعة الإمامية بإثبات القدرة الكاملة لأئمتهم، ووقع فيه المتصوفة بإثبات جميع أنواع التصرفات العامة والخاصة لأوليائهم، والمتورطون بالسحر، والتطير، والاستسقاء بالأنواء، وغيرهم. وهكذا الشرك في صفة العلم المحيط وقع فيه الشيعة الإمامية عمومًا بإثبات علم الغيب لأئمتهم، ووقع فيه المتصوفة عمومًا بإثبات علم الغيب للأنبياء والأولياء ومشايخ التصوف، ووقع فيه أصحاب الروحية الحديثة، وغيرهم ممن تأثر بهم. والمتورطون بالتنجيم، والاستقسام بالأزلام (بصوره الجديدة) وغيرهم.
وهكذا الشرك في صفة الحكم والتشريع لله جل شأنه، فقد وقع فيه الشيعة بإعطاء حق التشريع لأئمتهم، والمتصوفة بإعطاء حق التشريع لمشايخهم، وبعض الناس في العصر الحاضر بإعطاء حق التشريع والحكم للقوانين الوضعية، وللبرلمانات الفاجرة والكافرة، وبعض المقلدة لإمامه الذي يتبعه.
33 -
أما الشرك في العبادة في هذه الأمة وفي العصر الحاضر فهذا بحر لا ساحل له، فقد وقع فيه الشيعة عمومًا، وأغلب الفرق المنحرفة عن الإسلام كالباطنية، ومن تأثر بهم، ووقع فيه كثير من الناس حتى بعض من يتزي بزي العلماء ويعتقد فيه الناس أنه من العلماء.
34 -
فنجد الشرك في الأعمال القلبية الخالصة: فقد وقع فيه أكثر المتصوفة،
وبعض الجهلة من الناس، فكثير من الناس يحب غير الله مثل حب الله (حب العبادة)، أو يحب غير الله مع حب الله، وكثير من الناس يرجو من دون الله، أو يرجو مع الله من غير الله، وكثير من الناس يخاف مع الله، أو يخاف غير الله (خوف السر). ويتوكل على غير الله.
ونرى كثيرًا من الناس يشرك بالله في طاعته العبودية بأخذ التشريع والحكم من غير الله سبحانه، سواء كان ذلك الغير إمامًا متبعًا أو شيخًا صوفيًا أو قانونًا من قوانين الفجرة والفسقة، أو كان برلمانًا من البرلمانات الديموقراطية الغربية.
35 -
ونجد الشرك في الأعمال القلبية التي تتعلق بالجوارح قد وقع فيه كثير من المتصوفة والعوام من الناس، بل بعض من يعرفه الناس بأنه من العلماء، فقد وجد في الأمة في العصر الحاضر من يعبد القبر، ويسجد له، ويسجد للقائد، ويسجد وينحني للعَلَم والبرلمان، ويركع أمام الصور التذكارية، وغيرها، وهذا أمر يصعب حصره.
* * *
الفهارس