الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: الأمثال المضروبة لوصف حال المشرك وحالة الموحد
وهي ثلاثة أمثال:
أ- مثل المشرك بالساقط من السماء.
ب- مثل المشرك بالحيران في الأرض.
جـ - مثل المشرك بالعبد المملوك لجماعة كثيرين.
أ- مثل المشرك الساقط من السماء:
ضرب الله سبحانه وتعالى مثل المشرك بالذي يهوي من السماء فتخطفه الطير أو هوت به الريح في مكان سحيق، قال تعالى:(حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).
يحث الله سبحانه وتعالى عباده على إخلاص التوحيد وإفراده بالطاعة والعبادة دون الأوثان، ويذكر قبح الشرك وبطلان بأوضح الأمثلة؛ لأن من يشرك بالله شيئًا من دونه فمثله في بعده عن الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه مثل من خر من السماء فتخطفه الطير فهلك، أو هوت به العواصف في مكان بعيد، فعن قتادة قال:(فَكَأَنَّمَا خَرَّ) الآية، قال: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه.
فتأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق بغيره، ويجوز في هذا التشبيه أمران:
أحدهما: أن نجعله من التشبيه المركب، فيكون قد شبه من أشرك بالله وعبد معه غيره برجل أهلك نفسه هلاكًا لا يرجى معه نجاة، فحال كحال من سقط من السماء فاختطفته الطير ومزقته في حواصلها، أو عصفت به الريح فسقط في مكان سحيق.
وعلى هذا التشبيه المركب لا ننظر إلى كل فرد من أفراد المشبه ومقابلة من المشبه به.
ثانيهما: أن نجعله من التشبيه المفرق، فيقابل كل واحد من أجزاء الممثل بالممثل به، فيكون قد شبه التوحيد في علوه وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض وإليها يصعد، وشبه المشرك الساقط من السماء إلى أسفل سافلين لما يجده من التضييق والشدة، وشبه الشياطين التي تؤزه وتتقاسم قلبه بالطير التي تتقاسم لحمه، وشبه هواه الذي ألقاه في التهلكة بالريح التي هوت به في مكان سحيق.
ب- مثل المشرك بالحيران في الأرض:
وضرب الله مثل المشرك في عبادته الأصنام كمثل رجل في الفلاة حائر وله أصحاب مسلمون موحدون يدعونه للهدى فلا يتبعهم، قال تعالى:(قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
يأمر سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار: أنخص بالعبادة الأصنام وندع عبادة الله فنرجع القهقري لم نظفر بحاجتنا؟ فيكون مثلنا في ذلك
مثل الرجل الذي سيرته الشياطين في الأرض حيران ضالاً عن المحجة، ولهذا الحيران أصحاب مسلمون يدعونه لما هم عليه من الهدى الذي هم عليه مقيمون والصواب الذي هم عليه متمسكون وهو يعاندهم ويتبع الشياطين الداعية له لعبادة الأوثان.
عن ابن عباس في قوله تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو) الآية، قال: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها وللدعاة الذين يدعون إلى الله كمثل رجل ضل الطريق إذ ناداه مناد: يا فلان ابن فلان، هلم إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه: يا فلان، هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق.
وهذا المثل في غاية الحسن، وذلك؛ لأن الذي يهوي من المكان العالي إلى الوهدة العميقة يهوي إليها مع الاستدارة على نفسه كالحجر حال نزوله من أعلى فإنه لا ينزل إلا مع الاستدارة، وذلك يوجب كمال التردد والحيرة؛ لأنه عند نزوله من أعلى إلى أسفل لا يعرف على أي شيء يسقط عليه، قال أبو حيان:(ولا تجد للخائف الحائر أكمل ولا أحسن من هذا المثل)، وعن مجاهد قال: (حيران: هذا مثل ضربه الله للكافر يقول: الكافر حيران يدعوه
المسلم إلى الهدى فلا يجيب).
جـ - مثل المشرك بالعبد المملوك لجماعة كثيرين:
وضرب الله تعالى مثل المشرك بالعبد المملوك لجماعة كثيرين. والموحد بالعبد المملوك لرجل واحد، ثم بين سبحانه أنهما لا يستويان، قال تعالى:(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
هذا المثل يبين حالة المشرك بالله الذي يعبد آلهة شتى، ويطيع الشياطين وهم في أنفسهم متنازعين سيئة أخلاقهم، وحالة المؤمن الذي لا يعبد إلا الله الواحد، فالمشرك كالعبد المملوك لجماعة مختلفين متنازعين سيئة أخلاقهم، وكل واحد منهم يستخدم هذا العبد لمصلحته، وأما الموحد فهو كالعبد المملوك لشخص واحد، فهو مطمئن ومستريح من تشاحن الخلطاء والشركاء عليه؛ لأن الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون وأخلاقهم سيئة، كلهم يتلقونه آخذين بطرقه لملكهم له ولأن لكل منهم حقًا عليه، والموحد يملكه إله واحد، فلا يستوي هذا ومن جعل في عنقه حقوقًا لآلهة متعددة.
يقول ابن القيم: (ومنها قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ .... ) الآية، هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون، والرجل المتشاكس الضيق الخلق، فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا