الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبيانها فيما يلي من المطالب:
المطلب الأول: الأمثال المضروبة لله وحده ولما يعبد من دونه
أ- ضرب الله مثلاً لنفسه ولما يعبد من دونه بعدم قبول المشركين إشراك عبيدهم في ما يخصهم، فكيف يقبلون ذلك لله تعالى؟
قال تعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، وقال تعالى:(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
بين سبحانه وتعالى أنه فضل بعض الناس على بعض في الرزق، فما الذي فضلهم الله بالرزق على غيرهم بمشركي غيرهم وهم المماليك فيما رزقوا من الأموال والأزواج حتى يستوواهم وعبيدهم في ذلك، فلا يرضون بأن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقوا سواء، بينما هم قد جعلوا مخلوقات الله شركاء له في ملكه وعبادته.
وقد أجمع المفسرون على أن المثل في هذه الآية هو نفس المثل في الآية الأخرى وهي قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا
…
)، ولذلك جعلت الكلام عنهما معًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ
قال تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ) بين سبحانه بالمثل الذي ضربه لهم أنه لا ينبغي أن يجعل مملوكه شريكه فقال: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) يخاف أحدكم مملوكه كما يخاف بعضكم بعضًا، فإذا كان أحدكم لا يرضى أن يكون مملوكه شريكه فكيف ترضونه لله؟
ويقول ابن القيم رحمه الله: (وهذا دليل قياس احتج الله سبحانه به على المشركين، حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء، فأقام عليهم الحجة يعرفون صحتها من نفوسهم، ولا يحتاجون فيها إلى غيرهم، ومن أبلغ الحجاج أن يؤخذ من نفسه ويحتج عليه .... في نفسه، مقرر عندها، معلوم لها، فقال: هل لكم من ما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء في المال والأهل؟ أي شيء يشارككم عبيدكم في أموالكم، وأهليكم، فأنتم وهم في ذلك سواء تخافونهم أن يقاسموكم أموالكم
…
؟ فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي؟ ).
ب- وضرب الله كذلك مثلين لنفسه ولما يعبد من دونه في قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ).
هذان المثلان ضربهما لنفسه ولما يعبد من دونه، قال مجاهد:(ضرب الله هذا المثل والمثل الآخر بعده لنفسه وللآلهة التي من دونه).
والمثل الأول هو قصة عبد في ملك غيره عاجز عن التصرف وحر غني متصرف فيما آتاه الله، فإذا كان هذان المثلان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنس واحد مشتركين في الإنسانية فكيف تشركون بالله وتسوون به من هو مخلوق له مقهور بقدرته من آدمي وغيره مع تباين الأوصاف وأن الله لا يمكن أن يشبهه شيء من خلقه ولا يمكن لعاقل أن يمثل به غيره
…
؟ .
والمثل الثاني كذلك مضروب لله لما يعبد من دونه، وهي أصنام لا تسمع ولا تنطق؛ لأنها إما من خشب أو نحاس أو حجر وغيره، ولا تجلب خيراً ولا تدفع شرًا، ثم هي عيال على عابديها تحتاج لمن يحملها ويخدمها كالأبكم من الناس الذي لا يقدر على شيء فهو كلٌ على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم وحيثما وجهوه لا يأت بخير، لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه، وهكذا الصنم لا يعقل ما يقال له، ولا ينطق فيأمر وينهى، فهل يستوي هذا الأبكم بصفاته السابقة ومن هو ناطق متكلم بأمر الحق، ويدعو إليه؟ .
فإذا كانا لا يستويان فكذلك لا يستوي الصنم مع الله الواحد القهار الداعي عباده إلى توحيده وطاعته، فهذا مثل إله الباطل وإله الحق. وبه قال قتادة ومجاهد، وكذلك قال به ابن القيم وبين أن هذين المثلين أوضح عند