الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمد والجزر الذي يحصل في البحار مرتين في العام، ولو كان القمر غيّر هذا المسار الذي رسمه له خالقه لعم الماء جميع اليابسة وفاض عليها بحيث تصبح الحياة مستحيلة على ظهرها.
إن هذا الخلق العظيم والتنظيم الدقيق يدل دلالة قاطعة على وحدانية الله وأنه المستحق أن يفرد بالعبادة دون كل شيء سواه، بل عبادة غيره سبحانه والشرك به قبيح.
المطلب الرابع: آية الرياح والمطر والنبات الدالة على قبح الشرك
ذكرت الكلام عن هذه الآيات معًا لارتباطها ببعضها، ولأنه يرد في القرآن اقتران الرياح بإنزال المطر ثم إنبات المزروعات والثمار، وهي من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى، وفيما يلي بيان ذلك:
1 -
يقول تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ).
في هذه الآية وصف الله تعالى الرياح بأنها لواقح؛ لأنها تلقح السحاب فتدر ماء، وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها فيبعث الله الرياح المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، أليس ذلك آية دالة على وحداينة الله المتصرف في هذا الكون،
وعلى أن تعطيله عن مصنوعه قبيح؟
2 -
يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
في هذه الآية نبهنا الله تعالى على أنه هو وحده الذي يشق الحب والنوى في الثرى فتنبت منه الزرع، والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها، ثم قال مشيرًا إلى وحدانيته تعالى:(ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ): أي فاعل ذلك هو الله وحده لا شريك فكيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه إلى الباطل بعبادتكم غير الله تعالى؟
يقول الطبري: (وهذا تنبيه من الله جل ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجته عليهم، وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياهم، يقول تعالى ذكره: إن الذي له العبادة أيها الناس دون كل ما تعبدون من الآلهة والأوثان هو الله الذي فلق الحب؛ يعني شق الحب من كل ما ينبت من النبات فأخرج منه الزرع، والنوى من كل ما يغرس مما له نواة فأخرج منه الشجر
…
).
3 -
ويقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
الخضر: هو الزرع، والشجر الأخضر. والمتراكب: هو الحب والثمر، لأنه يركب بعضه بعضاً. والمشتبه وغير المتشابه: أي متشابه في الورق
والشكل، وهو مختلف في الطعم واللون.
إن التفكير في النبات، والثمار، وكيفية تكونها من البذرة حتى صارت زرعًا أخضر وثمرًا طيبًا بعد جفافها، واختلاف ألوان الثمار وطعومها مع كونها متشابهة في الشكل والورق ـ لا شك يؤدي إلى معرفة الله ووحدانيته، ولذلك حثنا الله على النظر للثمار فقال:(انظُرُوا إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ)، فهي تدل دلالة واضحة على وحدانية الله وقبح الشرك به وبطلانه، لذلك ذم الله تعالى المشركين بعد هذه الآية مباشرة فقال:(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ) ـ إلى قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
قال الطبري في تفسيره لهذه الآية: (يا أيها الناس، إذا نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره، وعند ينعه وانتهائه، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرفه في زيادته ونموه؛ علمتم أن له مدبرًا ليس كمثله شيء، ولا تصلح العبادة إلا له دون الآلهة والأنداد).
وقد استنكر الهدهد على قوم بلقيس سجودهم للشمس من دون الله، مستدلاً على وحدانية الله ووجوب إفراده بالعبادة وعدم الشرك به بأنه خلق الماء والنبات وأخرجه بعد أن كان مخبوءًا في السماء والأرض، وجعل ذلك حجة على المخالفين. حيث قال تعالى عنه:(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).