الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الثامن عشر فى التوجيه
وهو تفعيل من قولك وجّهت هذا البرد، إذا جعلت له وجها يحسن لأجله ويرغب فيه، هذا فى اللغة، وأما فى مصطلح علماء البيان فهو أن يكون الكلام له وجهان، ثم إنه يرد فى البلاغة على استعمالين نذكرهما بمعونة الله تعالى.
الاستعمال الأول أن يؤكد المدح بما يكون مشبها للذم بأن تنفى عن الممدوح وصفا معينا ثم تعقبه بالاستثناء فتوهم أنك استثنيت ما يذم به فتأتى بما من شأنه أن يذم به وفيه المبالغة فى مدح الممدوح ومثاله قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
ومن ذلك ما قاله ابن الرومى:
وما تعتريها آفة بشريّة
…
من النوم إلا أنها تتحيّر «1»
كذلك أنفاس الرياض بسحرة
…
تطيب وأنفاس الأنام تغيّر
وأحسن من هذا ما قاله بعض الشعراء يمدح قومه ويثنى عليهم:
ولا عيب فينا غير أنّ سماحنا
…
أضرّ بنا والناس من كل جانب
فأفنى الرّدى أرواحنا غير ظالم
…
وأفنى النّدى أموالنا غير غاصب
أبونا أب لو كان للناس كلهم
…
أبا واحدا أغناهم بالمناقب «2»
وكقول ابن الإصبع فى تأكيد الذم بما يشبه المدح:
خير ما فيهم ولا خير فيهم
…
أنّهم غير مؤثمى المغتاب «3»
وأراد وصفهم بقلة الخير والمعروف وما فيهم من الخير إلا أنهم لا ينكرون على من عاب أحدا فى مجالسهم ولا يمنعونه عن ذلك.
الاستعمال الثانى من التوجيه، وهو أن يمدح شىء يقتضى المدح بشىء آخر وهذا كقول المتنبى:
نهبت من الأعمار ما لو حويته
…
لهنّئت الدّنيا بأنك خالد
فأول البيت دال على المدح بالشجاعة، وآخره دال على علو الدرجة، ومن هذا قول بعضهم من النثر، هم بحار العلى إلا أنهم جبال الحلسم، وكقول بعض الشعراء:
هو البدر إلّا أنه البحر زاخرا
…
خلا أنّه الضر غام لكنه الويل «1»
ومما يحتمل المدح والذم على جهة الاستواء قولك للأعور «ليت عينيك سواء» فيحتمل أن تكون العوراء مثل الصحيحة فى الرؤية، ويحتمل عكس ذلك.