الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاحتذاء لقائلها، وهذا الجواب على رأى من قال: الحرف هو الصوت من غير مغايرة بينهما، وهو المختار، لأنه لو كان أحدهما غير الآخر، لصح انفراد الحرف عن الصوت، إذ لا ملازمة بينهما فتوجد أحرف قولنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
[الفاتحة: 2] ولا توجد أصواتها، أو توجد هذه الأصوات المقطعة ولا توجد أحرفها، وهذا لا وجه له، وأما ثانيا فإنه يأتى على رأى من قال: الحرف غير الصوت كما هو محكى عن الشيخين، أبى الهذيل، وأبى على الجبائى، والسبب فى هذه المقالة لهما هو ما ذكرناه من هذه الشبهة، وعلى هذا فإن الحاكى وإن أتى بالصوت، فإنه غير آت بالحرف، فيكون الإعجاز بالحرف دون الصوت، ولعمرى إن الجواب عن الشبهة على هذا القول سهل، لكن هذا القول محال وخطأ لما ذكرناه، والجواب عنها يكون بما أشرنا إليه وبالله التوفيق.
الجهة السابعة من الطعن فى القرآن بالإضافة إلى ألفاظه والاختلاف فيها
يكون على أوجه أربعة، أولها فى نفس الألفاظ كقراءة من قرأ (وتكون الجبال كالصوف المنفوش (5)) [القارعة: 5] بدل كَالْعِهْنِ
وقراءة (فامضوا إلى ذكر الله)[الجمعة: 9] بدل فَاسْعَوْا
وقراءة (فكانت كالحجارة أو أشد قسوة)[البقرة: 74] بدل فَهِيَ كَالْحِجارَةِ
وقراءة (فاقطعوا أيمانهما)[المائدة: 38] عوض أَيْدِيَهُما
وقراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
[الفاتحة: 4] بدل ملك إلى غير ذلك من الاختلاف فى ألفاظه وثانيها فى ترتيب ألفاظه كقوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ
[البقرة: 61] وقرىء (ضربت عليهم المسكنة والذلة) وقرىء: (وجآءت سكرة الحق بالموت) عوض قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ
[ق: 19] وقوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ
[البقرة: 37] برفع «آدم» وقرىء فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ
برفع «كلمات» فإذا رفع «كلمات» كانت مقدمة، وغيرها مؤخر، لأنها فاعلة، وإذا رفع «آدم» كان مقدما وغيره مؤخر، وثالثها الزيادة كقوله تعالى:(النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم)[الأحزاب: 6] وقال تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات بنو تميم أكثرهم لا يعقلون)[الحجرات: 4] وقوله تعالى: (له تسع وتسعون نعجة أنثى)[سورة ص: 23] وقوله تعالى: (والسارقون والسارقات)[المائدة: 38] ورابعها ما يقع من اختلاف الحركات كقوله تعالى رَبَّنا باعِدْ
[سبأ: 19] على لفظ الماضى وقرىء باعِدْ
بلفظ الأمر، فالعين تارة تكون مفتوحة، وتارة تكون مكسورة، والمعنى مختلف فى ذلك، وقوله تعالى لَقَدْ
جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
[التوبة: 128] قرىء بضم الفاء جمع نفس، وقرىء بفتحها يعنى أعلاها، وقوله تعالى هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ
[المائدة: 112] برفع «الرب» على الفاعلية وقرىء هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ
بنصبه على المفعولية، فهذه الاختلافات واقعة فيه، فلو كان القرآن من جهة الله تعالى لما وقع فيه هذا الاختلاف، لقوله تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82)
[النساء: 82] فعدم الخلاف دليل على أنه من الله، ووجود الخلاف ينفيه، وقد وجد كما ذكرناه، فيجب نفيه عنه.
والجواب من أوجه ثلاثة، أما أولا فلأن وجود الخلاف إنما يكون دالا على أنه ليس من جهة الله تعالى أن لو قال «ولو كان من عند الله لما وجدوا اختلافا» فأما وقد قال وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
فلا يلزم مع اختلافه أن لا يكون من عند الله، كما لو قال القائل: لو كان هذا سوادا لكان لونا، فإنه لا يلزم من عدم كونه سوادا أن لا يكون لونا، فهكذا ما نحن فيه، فلا يلزم من وقوع الاختلاف أن لا يكون من جهة الله تعالى، وأما ثانيا فلأن الآية لم تدل إلا على عدم الاختلاف مطلقا، وليس فيها دلالة على عدم الاختلاف من كل الوجوه، أو من بعض الوجوه لكنا نحملها على عدم الاختلاف من بعض الوجوه، وهو عدم الاختلاف فى فصاحته، فإنها شاملة له من جميع الوجوه، وبها تميز عن سائر الكتب، فإن الظاهر من حال من صنف كتابا طويلا على مثل طوله، أن لا يبقى كلامه فى الفصاحة على حد واحد ونظم متفق، بل يكون كلامه فى بعض المواضع صحيحا وفى بعضها ركيكا فاسدا بخلاف القرآن، فإنه حاصل على طريقة واحدة فى البلاغة والفصاحة، وحسن الانتظام وجودة الاتساق، وأما ثالثا فلأنا نسلم وقوع الاختلاف فيه كما ذكروه فى أحرف القرآن المختلفة، ولكنه حق وصواب، ولهذا جاء فى الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم:«نزل القرآن من سبع سموات على سبعة أحرف كل حرف منها شاف كاف» «1» ، وهذه الأحرف السبعة عبارة عن اللغات، لكن منها ما كان متواتر النقل، وهو ما كان عن القراء السبعة، ومنها ما يكون منقولا بالآحاد، وكله حاصل من جهة الرسول ونزل به جبريل، وأخذه من اللوح المحفوظ، فإذن حصول هذا الاختلاف لا يمنع من كونه قرآنا، ولا من كونه نازلا من السماء على ألسنة الملائكة والرسل، وفى ذلك بطلان ما قالوه والحمد لله.