الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الحادى عشر الموازنة
وورودها عام فى المنظوم والمنثور، والمراد بذلك هو أن تكون ألفاظ الفواصل من الكلام المنثور متساوية فى أوزانها، وأن يكون صدر البيت الشعرى وعجزه متساويى الألفاظ وزنا، ومتى كان الكلام فى المنظوم والمنثور خارجا على هذا المخرج كان متسق النظام رشيق الاعتدال، والموازنة هى أحد أنواع السجع، فإن السجع كما أسلفنا تقريره قد يكون مع اتفاق الأواخر واتفاق الوزن، وقد يكون مع اختلاف الأواخر لا غير، فإذن كل موازنة فهى سجع، وليس كل تسجيع موازنة، فالموازنة خاصة فى اتفاق الوزن من غير اعتبار شريطة، فأما أمثله الموازنة من كتاب الله تعالى فكقوله تعالى: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
[الصافات: 117- 118] فالمستبين والمستقيم على زنة واحدة مع اختلاف الأعجاز كما ترى، وكقوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
[مريم: 81- 82] فقوله عزّا وضدّا متماثلان فى وزنهما، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
[مريم: 83- 84] فعدا وأزا متماثلان فى الزنة، وقوله تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101)
[طه: 100- 101] وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها
[الشورى: 17- 18] ثم قال أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)
[الشورى: 18] وقوله تعالى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
[الشورى: 19- 20] ثم قال: وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
[الشورى: 20] وأما مثاله من السنة النبوية فكقوله عليه السلام: «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» «1» فسبيل وغريب مختلفان فى اللفظ متفقان فى الزنة، وقوله:«فإذا أصبحت نفسك فلا تحدثها بالمساء، وإذا أمست فلا تحدثها بالصباح» «2» ، فالمساء والصباح مختلفان لفظا متفقان فى الوزن، وقوله:«خذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك» «3» ، فالسقم والهرم متفقان وزنا مع اختلافهما فى اللفظ، وقوله: ولقد
أبلغ فى الإعذار من تقدم بالإنذار، فالإعذار والإنذار مختلفان لفظا متماثلان فى الزنة، ومن كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه فى ذلك قوله:«حتى إذا انصرمت الأمور، ونقصت الدهور، وأزف النشور، أخرجهم من ضرائح القبور، وأوكار الطيور» ، وقوله:
«رعيلا صموتا قياما صفوفا» ، وقوله:«واحمر العرق، وعظم الشفق» ، فهذه الألفاظ متماثلة فى الأوزان مختلفة فى الألفاظ، وقوله:«وبادر من وجل، وأكمش فى مهل، ورغب فى طلب، فكفى بالله منتقما ونصيرا، وكفى بالقرآن حجيجا وخصيما» ، وقوله:
مها الوحش إلّا أنّ هاتا أوانس
…
قنا الخط إلّا أنّ تلك ذوابل
فقوله أوانس وذوابل من الموازنة اللفظية، لأن أوزانهما متماثلة على فواعل، ومن هذا قول البحترى «2» :
فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا
…
وأقدم لما لم يجد عنك مهربا
فالمهرب والمطمع متماثلان فى الزنة، ومن ذلك ما قاله بعض الشعراء:
بأشدّهم بأسا على أعدائه
…
وأعزّهم فقدا على الأصحاب
فقوله بأشدهم وأعزهم وقوله بأسا وفقدا متماثلان فى الأوزان ومن ذلك ما قالته الخنساء فى أخيها صخر ترثيه «3» :
حامى الحقيقة محمود الخليلقة
…
ميمون الطريقة نفّاع وضرّار
جوّاب قاصية جزّاز ناصية
…
عقّاد ألوية للخيل جرّار
فقولها محمود، وميمون، من الموازنة وقولها نفاع وضرار، وجواب وجزاز وعقاد، من الموازنة أيضا، ولنكتف بهذا القدر فى الموازنة ففيه كفاية.