الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الرابع والعشرون فى الإدماج
وهو إفعال من قولهم أدمج حديثه إذا أدخل بعضه فى بعض، وهو فى مصطلح علماء البيان عبارة عن إدخال نوع من البديع فى نوع آخر، فيظهر أحدهما ويدمج الآخر، ثم هو على وجهين، الوجه الأول منهما أن يكون ظاهره التهنئة فيدمج شكوى الزمان فيه، ومثال قول من قال:
أبى دهرنا إسعافنا فى نفوسنا
…
وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتّمها
…
ودع أمرنا إن المهمّ المقدم «1»
فتأمل إدماجه شكوى الزمان وما عليه من اختلال الأحوال فيما يظهره من التهنئة فأحسن الأمر فى ذلك وأجاد فيه كل الإجادة، وتلطف حيث صان نفسه عن ظهور المسألة بالتصريح بها، وكقول من قال:
ولا بدّ لى من جهلة فى وصاله
…
فمن لى بخلّ أودع الحلم عنده «2»
فأدمج الهجر فى التغزل حيث قال «من جهلة فى وصاله» وفى هذا دلالة على كونه هاجرا لمحبوبه، وأدمج شكوى الزمان بأحسن عبارة، حيث استفهم عن كونه لا يجد أحدا يودع عنده حلمه، ثم كنى عن نفسه بكثرة التزامه للحلم حيث كان لا يفارقه فى حال، فكل هذه المعانى مدمجة فى ظاهر ما يبدو من الغزل فى البيت، فهذه معان متداخلة كما ترى يشتمل عليها هذا الوجه.
الوجه الثانى: أن يكون الإدماج واردا فى نوعين من أنواع البديع فيندرج أحدهما تحت الآخر، ويخالف ما ذكرناه فى الوجه الأول، فإنه إدماج لأغراض ومقاصد لا غير، ومثاله قول من قال من أهل الرقائق:
أأرضى أن تصاحبنى بغيضا
…
مجاملة وتحملنى ثقيلا
وحقّك لا رضيت بذا لأنى
…
جعلت وحقّك القسم الجليلا «3»
فأدمج المبالغة فى القسم وجعله مندرجا تحتها، لأن المبالغة ظاهرة فى البيت، لكن القسم غير ظاهر، لأنه لم يقل «وحياتك» إنما قال «وحقك القسم الجليلا» فلهذا كان القسم مدمجا فى المبالغة كما ترى، ومن هذا قوله تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ
[القصص:
70] فأدمج الطباق، وجعل المبالغة مندرجة تحته، لأن الإدماج كما قررنا أن يكون أحدهما مندرجا فى الآخر فيما كان من المعانى ظاهرا فهو المدمج فيه، وما كان خافيا فهو المدمج، وهذا كثير الدّور فى لسان الفصحاء فإنهم يستعملونه كثيرا، وإنما يظهر بنظر دقيق واستخراج خفىّ وتفطّن لطيف، والله أعلم.