الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقضى بالقدح فى أصل القرآن، فصار الذى فى أيدى القراء السبعة فى زماننا هذا، هو حرف واحد وهو المتواتر، وما عداه فإنه باقى الأحرف السبعة التى نزل القرآن بها، وهو الشاذة المنقولة بالآحاد، وقد ذكرها المفسرون وتكلموا على معانيها، فبطل بما ذكرناه، ما وجهوه فى هذه الشبهة على القرآن بحمد الله.
الجهة العشرون من المطاعن على القرآن من جهة قصوره
؛
وحاصل ما قالوه هو أن القرآن قد دل ظاهره على أن الجن والإنس لا يأتون بمثله كما قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88)
[الإسراء: 88] وما ذلك إلا لعلو شأنه وارتفاع قدره ومكانه، ثم إنا نرى فيه مالا يليق بهذا الوصف من وجهين، أحدهما: أنه خال عن أكثر المسائل الكلامية، نحو مسألة الحيز، والخلاء، وحقيقة الحركة والسكون، والزمان، والمكان، وعلوم الحساب، والهندسة والطب، وعلم النجوم إلى غير ذلك من المسائل الدقيقة، وثانيهما أنا نراه خاليا عن أكثر المسائل الشرعية، كدقائق علم الفرائض والوصايا، والحيض، والقراض، والمساقاة، والإجارة، والاستيلاد إلى غير ذلك من المسائل الفقهية، والأسرار الشرعية، وقد قال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ
[الأنعام: 38] .
وقال تعالى: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59)
[الأنعام: 59] وما ذكرناه يناقض هذا العموم ويبطله.
والجواب عما زعموه أن القرآن لم يدل بظاهره على اشتماله على كل العلوم فيكون طعنا عليه، فأما قوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12)
[يس: 12] وقوله تعالى:
وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59)
[الأنعام: 59] وقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ
[الأنعام: 38] فإن المراد به اللوح المحفوظ، ثم إنا نقول: الغرض بهذه العمومات هو ما يحتاجه الخلق فى إصلاح أديانهم من العلوم، وما هذا حاله فإنه قد تضمنه القرآن، إما بظاهره، وإما بنصه، وإما من جهة قياسه، وكله دال عليه القرآن من هذه الخصال التى ذكرناها، وليس فى هذا إلا أن العموم مخصوص، وهذا لا مانع منه، فإن أكثر
العمومات الشرعية مخصوص، إلا عمومين، أحدهما قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها
[هود: 6] وثانيهما قوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
[البقرة: 29] وما عداهما عمومات مخصوصة، فإن هذه العمومات إنما تتناول ما يتعلق بأحوال المكلفين دون من سواهم، فهذا ما أردنا ذكره من الكلام على هذه المطاعن وفيها كثرة، ومن أحاط علما بما ذكرنا، هان عليه إبطال ما يرد عليه من ذلك ثم أقول معاشر الملاحدة الطاعنين فى التنزيل، الحائدين عن جادة الحق والمائلين عن سواء السبيل، ما دهاكم، وما الذى اعتراكم، أنى تؤفكون، ما لكم كيف تحكمون، زعمت الملاحدة العماة، الراكبون فى الضلالة كل مهواة، أن الحق ما زينته كواذب الأوهام، وأن الباطل ما قامت عليه واضحات الأعلام، استحسانا لترجيحات الأوهام والظنون، وما لهم به من علم إن هم إلا يظنون، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بالحق فهم عن ذكرهم معرضون، تالله لقد عدلوا عن الارتواء من نمير سلساله، وحادوا عن الكروع من بارد زلاله، ونكصوا عن التفيؤ فى ممدود ظلاله، فماذا عليهم لو آمنوا بالله وصدقوا بمحكم فرقانه، واستضاءوا فى ظلم الحيرة بشعاع شمسه ونور برهانه، ولكن لووا رءوسهم صادين، وشمخوا بآنافهم مستكبرين، ونفخ الشيطان فى مناخرهم وألقاهم فى الضلالة، ومهاوى العماية، عن آخرهم، فيا لله الملاحدة، ضل سعيها، ما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، وأكذبنا أمانى الشبهات حين استهوتنا، وأنسنا أنوار المعرفة فاتبعناها، وشمنا بوارق الهداية فانتجعناها، وقلنا واثقين بالله: إنّ هدى الله هو الهدى، وما لنا أن لا نتوكّل على الله وقد هدانا سبلنا، وبلغنا من عرفان الحقيقة أملنا، يا حسرة عليهم، حين تنقطع عنهم أسباب الأهواء المحرفة، وتسلمهم الأضاليل المزخرفة وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75)
[القصص: 74- 75] ، اللهم اشرح صدورنا بكتابك الكريم لمعرفة حقائقه، وثبتنا عن الزلل فى مسالكه ومداحض مزالقه، ونور بصائرنا بالاطلاع على لطائفه، وأشحذ عزائم أفئدتنا
للاستكثار من مزيد عوارفه، وأعنا على إدراك دقائق أسراره ومعانيه، وقونا بألطافك الخفية على إحراز مغاصات درره ولآلئه، فننعم فى رياضه، ونكرع فى موارده وحياضه حتى نلقاك بوجوه مسفرة، ضاحكة مستبشرة، فائزين بجوارك فى دار مقامك، مبتهجين بعفوك ظافرين بإكرامك، ونعوذ بك أن نكون من التاركين لذكره، وأن نكون ممن رفضه وجعله وراء ظهره، فنرتد فى الحافرة، ونرجع بصفقة خاسرة، واختم أعمالنا بالخاتمة الحسنى، ووفقنا لإحراز رضوانك الأسنى، إنك على كل شىء قدير، وبالإجابة حقيق جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.