الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد سبقه بهذا المعنى أبو تمام خلا أن أبا تمام جعله فى الكرم، وهذا جعله فى المدح، قال أبو تمام فى ذلك فأجاد كل الإجادة:
ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى
…
بغاة النّدى من أين تؤتى المكارم
فهذا ما تحصّل من الأمثلة فى العكس.
النوع الخامس فى أخذ المعنى والزيادة عليه معنى آخر
فمن ذلك ما قاله جرير:
غرائب ألّاف إذا حان وردها
…
أخذن طريقا للقصائد معلما «1»
فأخذه أبو تمام وزاد عليه زيادة بديعة فأعجب كل الإعجاب:
غرائب لاقت فى فنائك أنسها
…
من المجد فهى الآن غير غرائب
فحاصل كلام جرير أن قصائده لا يماثلهن غيرهن، فإنهن مفردات عن أشكالهن، وحاصل كلام أبى تمام أن لهن أمثالا صادفنها فأنسن إليها، فكلاهما قد أورد الغرائب فى شعره، خلا أن ابا تمام زاد عليه بأن قرنها بذكر الممدوح، فلهذا كانت لائقة حسنة لذلك، ومن ذلك ما قاله أبو تمام يمدح كريما:
يصدّ عن الدنيا إذا عنّ سؤدد
…
ولو برزت فى زىّ عذراء ناهد «2»
وقد أخذه من قول بعض الشعراء:
ولست بنظّار إلى جانب الغنى
…
إذا كانت العلياء فى جانب الفقر «3»
خلا أن أبا تمام زاد عليه قوله «برزت فى زىّ عذراء ناهد» ولم يتضمنه قول الشاعر الثانى، ومن ذلك ما قاله البحترى:
ركبوا الفرات إلى الفرات وأمّلوا
…
جذلان يبدع فى السّماح ويغرب
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
ركبت إليه البحر فى ماخراته
…
فأوفت بنا من بعد بحر إلى بحر
خلا أن البحترى زاد عليه قوله «جذلان يبدع فى السماح ويغرب» فهذه الزيادة زادته
حسنا إلى حسنه، وإعجابا إلى إعجابه كما تراه ههنا، ومن ذلك ما قاله جرير يمدح بنى تميم:
إذا غضبت عليك بنو تميم
…
حسبت الناس كلّهم غضابا «1»
فأخذه أبو نواس فى قوله:
وليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم فى واحد «2»
وزاد عليه زيادة رشيقة، وذلك أن جريرا جعل الناس كلهم بنى تميم، وأبو نواس جعل العالم كلهم فى واحد، فلا جرم كان ما قاله أبلغ وأدخل فى المدح والإعظام، ومن ذلك ما قاله الفرزدق:
علام تلفّتين وأنت تحتى
…
وخير الناس كلّهم أمامى
متى تأتى الرّصافة تستريحى
…
من الأنساع والدّبر الدّوامى «3»
أخذه أبو نواس وزاد فيه زيادة صار بها فى غاية الحسن والإعجاب فقال:
وإذا المطىّ بنا بلغن محمدا
…
فظهورهنّ على الرجال حرام
فالفرزدق أراد أنها تستريح من الشد والرّحل فيدميها ذلك ويدبرها، وليس استراحتها بمانعة من معاودة إتعابها مرة أخرى، وأما أبو نواس فإنه حرم ظهورهن على الرجال وأعفاهن من الأسفار إعفاء مستمرا، فلهذا كان بليغا بهذه الزيادة كما ترى، ومن ذلك ما قاله أبو نواس فى مدح كتيبة:
أمام خميس أرجوان كأنه
…
قميص محوك من قنا وجياد
فأخذه أبو الطيب المتنبى وزاد عليه زيادة هى الغاية فى الكمال فقال:
وملمومة زرد ثوبها
…
ولكنّها بالقنا مخمل
فانظر إلى حسن ما ذكره فى القنا حيث جعله خملا لثوب الزرد، فناسبه نهاية المناسبة، وكان ملائما غاية الملائمة، وهذا المعنى غير حاصل فى بيت أبى نواس وهو من عجائبه التى انفرد بها، وملحه الفائقة لمن نظر فيها، ومن ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبى يمدح رجلا بالكرم:
وإن جاد قبلك قوم مضوا
…
فإنّك فى الكرم الأوّل