الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الأول منها النسخ
واشتقاقه من قولهم نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه إلى غيره، وذلك لأن أحد الشاعرين يأخذ معنى صاحبه وينقله إلى تأليف آخر، ثم النسخ يكون على وجهين، الوجه الأول منهما أن يأخذ لفظ الأول ومعناه، ولا يخالفه إلا بروىّ القصيدة، ومثاله قول امرىء القيس:
وقوفا بها صحبى علىّ مطيّهم
…
يقولون لا تهلك أسى وتحمّل «1»
أخذه طرفة بن العبد واسترقه وأجراه على منواله الأول فقال:
وقوفا بها صحبى علىّ مطيّهم
…
يقولون لا تهلك أسى وتجلّد «2»
فانظر إلى هذه الموافقة فى الألفاظ والمعانى من غير مخالفة هناك إلا فيما ذكراه من حرف الروى، فالأولى لامية، والأخرى دالية، وكما قال الفرزدق فى مهاجاته لجرير:
أتعدل أحسابا لئاما حماتها
…
بأحسابنا إنى إلى الله راجع «3»
فأجابه جرير واسترق ما ذكره بأحسن ما يكون وأعجبه قال:
أتعدل أحسابا كراما حماتها
…
بأحسابكم إنى إلى الله راجع «4»
الوجه الثانى: وهو الذى يؤخذ فيه المعنى وأكثر اللفظ مثاله ما قال بعضهم يمدح معبدا صاحب الغناء، ويذكر فضله على غيره ممن تولع بالغناء:
أجاد طويس والسّريجىّ بعده
…
وما قصبات السّبق إلّا لمعبد «5»
ثم قيل بعد ذلك:
محاسن أوصاف المغنّين جمة
…
وما قصبات السّبق إلّا لمعبد «6»
فأورد المعنى بعينه مع أكثر اللفظ الأول، فهذا وأمثاله يورد فى أمثلة النسخ.
النوع الثانى السلخ
وهو أخذ بعض المعنى، ولا تعويل فيه على إيراد اللفظ واشتقاقه من سلخ أديم الشاة، وهو أخذ بعض جسم المسلوخ، ويرد على أوجه كثيرة وأنحاء متعددة، ولكنا نقتصر على
إيراد المهم منها، فهى كفاية وبالله التوفيق، ثم إنه يأتى على أوجه ثلاثة، الوجه الأول أن تكون السرقة مقصورة على المعنى لا غير، من غير إيراد لفظ ما سرق منه، وهذا من أدق السرقات مسلكا وأحسنها صورة، وأعجبها مساقا، ومثاله قول بعض أهل الحماسة:
لقد زادنى حبا لنفسى أنّنى
…
بغيض إلى كلّ امرىء غير طائل «1»
فقد أخذ المتنبى هذا المعنى واستخرج منه ما يشبهه من جهة معناه، ولم يورد شيئا من ألفاظه ولكنه عول فيه على المعنى وقصره عليه:
وإذا أتتك مذمّتى من ناقص
…
فهى الشهادة لى بأنّى كامل «2»
فمن كثر عراكه للأشعار، وممارسته لها فإنه لا يغرب عن فهمه أن ما ذكره المتنبى مأخوذ معناه من بيت الحماسة، فصاحب الحماسة يقول إن نقص الدنىء إياى مما يزيد نفسى حبا عندى لكون الذى نقصها لا فضل له، فيعرف فضلى، والمتنبى يقول إنّ ذم الناقص إياى شاهد بفضلى، فذم الناقص له مثل نقص الذى هو غير طائل فهما متفقان من جهة المعنى.
الوجه الثانى: أن تكون السرقة بأخذ المعنى وشىء يسير من اللفظ، فمن ذلك ما قاله حسان بن ثابت يصف الرسول صلى الله عليه وسلم ويمدحه:
ما إن مدحت محمّدا بمقالتى
…
لكن مدحت مقالتى بمحمّد «3»
فأخذه أبو تمام فأكمل معناه، واسترق شيئا من لفظه على القلة قال:
ولم أمدحك تفخيما لشعرى
…
ولكنّى مدحت بك المديحا «4»
فانظر إلى تكريرهما لفظ المدح فى البيتين من غير زيادة، وكذلك قول ابن الرومى:
وما لى عزاء عن شبابى علمته
…
سوى أنّنى من بعده لا أخلّد
استرقه من بيت لمنصور النمرى قال فيه:
قد كدت أقضى على فوت الشباب أسى
…
لولا تعزّىّ أنّ العيش منقطع
وهكذا قول أبى تمام يمدح رجلا بالجود والسخاء والكرم:
وإذا المجد كان عونى على المر
…
ء تقاضيته بترك التقاضى
استرقه منه ابن الرومى بأحسن استراق فى أخذ معناه قال: