المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حسبي الله ونعم الوكيل - العقود الدرية في مناقب ابن تيمية - ت الفقي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌حسبي الله وَنعم الْوَكِيل

- ‌مصنفات الشَّيْخ رحمه الله

- ‌تَلْخِيص مَبْحَث

- ‌بحث ثَان جرى

- ‌صُورَة كتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌شجاعة الشَّيْخ وبأسه عِنْد قتال الْكفَّار

- ‌بحث للشَّيْخ مَعَ أحد الرافضة فِي عصمَة غير الْأَنْبِيَاء

- ‌رِسَالَة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌عنوان الْكتاب ظَاهره

- ‌موقف من مَوَاقِف الشَّيْخ

- ‌إبِْطَال أهل الطر الدجالين

- ‌محنة الشَّيْخ وَقيام المبتدعين عَلَيْهِ لتأليفه الحموية

- ‌محنة الشَّيْخ بِدِمَشْق

- ‌إِحْضَار الشَّيْخ بِمَجْلِس نَائِب السلطنة ومناقشته فِي العقيدة

- ‌ملخص مَا حصل للشَّيْخ فِي تِلْكَ الْمجَالِس

- ‌فصل

- ‌كتاب السُّلْطَان بإرسال الشَّيْخ إِلَى مصر

- ‌إرْسَال الشَّيْخ كتابا من سجنه إِلَى دمشق

- ‌إِخْرَاج ابْن مهنا الشَّيْخ من الْجب

- ‌كتاب الشَّيْخ إِلَى والدته وَإِلَى غَيرهَا

- ‌كتاب آخر للشَّيْخ بَعثه من مصر إِلَى دمشق

- ‌شكوى الصُّوفِيَّة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان وَأمره بحبسه

- ‌مَا ذكره البرزالي فِي حبس الشَّيْخ بالإسكندرية

- ‌كتاب الشَّيْخ شرف الدّين إِلَى أَخِيه بدر الدّين

- ‌إِحْضَار الشَّيْخ من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة

- ‌حلم الشَّيْخ وعفوه عَمَّن ظلمه

- ‌كتاب الشَّيْخ إِلَى أَقَاربه بِدِمَشْق

- ‌قيام جمَاعَة من الغوغاء على الشَّيْخ بِجَامِع مصر وضربه وَقيام أهل الحسينية وَغَيرهم انتصارا للشَّيْخ ثمَّ صفحه هُوَ عَمَّن آذوه

- ‌وَاقعَة أُخْرَى فِي أَذَى الشَّيْخ بِمصْر

- ‌خُرُوج الشَّيْخ إِلَى الشَّام مَعَ الْجَيْش الْمصْرِيّ

- ‌تَرْجَمَة الشَّيْخ عماد الدّين ابْن شيخ الحزاميين

- ‌كتاب نَفِيس جدا للشَّيْخ عماد الدّين فِي الثَّنَاء على الشَّيْخ ابْن تَيْمِية والوصاية بِهِ

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَتَاوَى الشَّيْخ بِدِمَشْق وَبَعض اختياراته الَّتِي خَالف فِيهَا الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أَو بَعْضهَا

- ‌سجن الشَّيْخ بِسَبَب فتياه فِي الطَّلَاق

- ‌الْكَلَام على شدّ الرّحال إِلَى الْقُبُور

- ‌أَمر السُّلْطَان بِحَبْس الشَّيْخ بقلعة دمشق

- ‌الْجَواب

- ‌انتصار عُلَمَاء بَغْدَاد للشَّيْخ فِي مَسْأَلَة شدّ الرّحال للقبور

- ‌جَوَاب

- ‌أجَاب غَيره فَقَالَ

- ‌وَأجَاب غَيره فَقَالَ

- ‌الْحَمد لله وَهُوَ حسبي

- ‌وَفَاة الشَّيْخ رحمه الله بالقلعة وَمَا كتب بهَا قبل مَوته

- ‌وَفَاة الشَّيْخ عبد الله أخي الشَّيْخ

- ‌مُعَاملَة الشَّيْخ فِي سجنه بالقلعة

- ‌ورقة أُخْرَى مِمَّا كتبه الشَّيْخ فِي السجْن

- ‌مَا كتبه الْعلمَاء فِي وَفَاة الشَّيْخ

- ‌السُّؤَال

- ‌الْحَمد لله رب الْعَالمين…سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند…تخاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّةوَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ الْعلَا…قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البليةوَمن يَك خصما للمهيمن يرجعن…على أم رَأس هاويا فِي الحفيرةويدعى خصوم الله يَوْم معادهم…إِلَى النَّار طرا معشر

- ‌مراثى الْعلمَاء وَالشعرَاء لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تمّ وَالْحَمْد لله وَحده بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تمت وَهِي إثنان وَخَمْسُونَ بَيْتا

- ‌تمت وَهِي ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا

- ‌تمت وَالْحَمْد لله وَحده

- ‌تمت وَهِي خَمْسَة عشر بَيْتا

- ‌تمت بِحَمْد الله وَحسن توفيق

- ‌وَله رَحْمَة الله

- ‌وَله فِيهِ أَيْضا رحمه الله وَرَضي عَنهُ

- ‌ لَئِن نافقوه وَهُوَ فِي السجْن وابتغوا…رِضَاهُ وأبدو رقة وتوددافَلَا غرو إِن ذل الْخُصُوم لِبَأْسِهِ…وَلَا عجب إِن هاب سطوته العدافَمن شِيمَة الْغَضَب المهند أَنه…يخَاف ويرجى مغمدا ومجردا

- ‌وَله أَيْضا فِيهِ يمدحه رحمه الله

- ‌ الله نشكر مُخلصين وَنَحْمَد…وَله نعظم دَائِما ونوحدوبذيله الضافي نلوذ ونلتجي…وَإِلَيْهِ نسعى مخبتين ونحفد

- ‌تمت وَالْحَمْد لله وَحده

- ‌مرثاة أُخْرَى لغيره

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌وَله أَيْضا فِيهِ رحمه الله وَرَضي عَنهُ آمين…أَبى الْيَوْم سر الْكَوْن أَن يتكتما…وصبغ مشيب الدمع أَن يتكلماوكل مصون من شجون ولوعة…بِهِ تمّ فرط الْحزن والدمع قد نماقضى وَمضى مولى سما كل ماجد…فأوحش ربع المكرمات وأظلماغمامة جود أقلعت بعد صوبها…وَبدر

- ‌قصيدة

- ‌تمت وعدتها خَمْسَة وَخَمْسُونَ بَيْتا

- ‌مرثية

- ‌تمت وَللَّه الْحَمد وَهِي خَمْسَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ‌حسبي الله ونعم الوكيل

‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

‌حسبي الله وَنعم الْوَكِيل

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الْمُحَقق أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن احْمَد بن عبد الهادي الْمَقْدِسِي رحمه الله وَرَضي عَنهُ وأثابه الْجنَّة بفضله وَرَحمته وإيانا وَسَائِر الْمُسلمين

الْحَمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا

أما بعد فَهَذِهِ نبذة يسيرَة مختصرة فِي ذكر حَال سيدنَا وَشَيخنَا شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن تَيْمِية رحمه الله وَرَضي عَنهُ وأثابه الْجنَّة برحمته وَذكر بعض مناقبه وَبَعض مصنفاته

ص: 17

هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الربابي إِمَام الْأَئِمَّة ومفتي الْأمة وبحر الْعُلُوم سيد الْحفاظ وَفَارِس الْمعَانِي والألفاظ فريد الْعَصْر وقريع الدَّهْر شيخ الْإِسْلَام بركَة الْأَنَام وعلامة الزَّمَان وترجمان الْقُرْآن علم الزهاد وأوحد الْعباد قامع المبتدعين وَآخر الْمُجْتَهدين تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أبي المحاسن عبد الحليم ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين أبي البركات عبد السلام بن أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْقَاسِم الْخضر بن مُحَمَّد بن الْخضر بن عَليّ بن عبد الله ابْن تَيْمِية الْحَرَّانِي نزيل دمشق وَصَاحب التصانيف الَّتِي لم يسْبق إِلَى مثلهَا

قيل إِن جده مُحَمَّد بن الْخضر حج على درب تيماء فَرَأى هُنَاكَ طفلة فَلَمَّا رَجَعَ وجد امْرَأَته قد ولدت لَهُ بِنْتا فَقَالَ يَا تَيْمِية يَا تَيْمِية فلقب بذلك

قَالَ ابْن النجار ذكر لنا أَن جده مُحَمَّدًا كَانَت أمه تسمى تَيْمِية وَكَانَت واعظة فنسب إِلَيْهَا وَعرف بهَا

ولد شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس بحران يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر وَقيل ثَانِي عشر [شهر] ربيع الأول سنة 661 هـ احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وسافر والداه بِهِ وبإخوته إِلَى الشأم عِنْد جور التتار فَسَارُوا بِاللَّيْلِ وَمَعَهُمْ الْكتب على عجلة لعدم الدَّوَابّ فكاد الْعَدو يلحقهم ووقفت العجلة فابتهلوا إِلَى الله واستغاثوا بِهِ فنجوا وسلموا

ص: 18

وَقدمُوا دمشق فِي أثْنَاء سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فَسَمِعُوا من الشَّيْخ زين الدّين احْمَد بن عبد الدَّائِم بن نعْمَة الْمَقْدِسِي جُزْء ابْن عَرَفَة كُله ثمَّ سمع شَيخنَا الْكثير من ابْن أبي الْيُسْر والكمال ابْن عبد وَالْمجد بن عَسَاكِر وَأَصْحَاب الخشوعي وَمن الْجمال يحيى بن الصيرفى وَأحمد بن أبي الْخَيْر وَالقَاسِم الأربلي وَالشَّيْخ فَخر الدّين بن البُخَارِيّ والكمال عبد الرحيم وَأبي الْقَاسِم بن عَلان وَاحْمَدْ بن شَيبَان وَخلق كثير

وشيوخه الَّذين سمع مِنْهُم أَكثر من مِائَتي شيخ

وَسمع مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل مَرَّات وَسمع الْكتب السِّتَّة الْكِبَار والأجزاء وَمن مسموعاته مُعْجم الطبرابي الْكَبِير وعني بِالْحَدِيثِ وَقَرَأَ وَنسخ وَتعلم الْخط والحساب فِي الْمكتب وَحفظ الْقُرْآن وَأَقْبل على الْفِقْه وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على ابْن عبد القوى ثمَّ فهمها وَأخذ يتَأَمَّل كتاب سِيبَوَيْهٍ حَتَّى فهم فِي النَّحْو وَأَقْبل على التَّفْسِير إقبالا كليا حَتَّى حَاز فِيهِ قصب السَّبق وَأحكم اصول الْفِقْه وَغير ذَلِك

هَذَا كُله وَهُوَ بعد ابْن بضع عشرَة سنة فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وَقُوَّة حافظته وَسُرْعَة إِدْرَاكه

ص: 19

وَاتفقَ أَن بعض مَشَايِخ الْعلمَاء بحلب قدم إِلَى دمشق وَقَالَ سَمِعت فِي الْبِلَاد بصبي يُقَال لَهُ احْمَد بن تَيْمِية وَأَنه سريع الْحِفْظ وَقد جِئْت قَاصِدا لعَلي أرَاهُ فَقَالَ لَهُ خياط هَذِه طَرِيق كِتَابه وَهُوَ إِلَى الْآن مَا جَاءَ فَاقْعُدْ عندنَا السَّاعَة يَجِيء يعبر علينا ذَاهِبًا إِلَى الْكتاب فَجَلَسَ الشَّيْخ الْحلَبِي قَلِيلا فَمر صبيان فَقَالَ الْخياط للحلبي هذاك الصَّبِي الَّذِي مَعَه اللَّوْح الْكَبِير هُوَ احْمَد بن تَيْمِية فناداه الشَّيْخ فجَاء إِلَيْهِ فَتَنَاول الشَّيْخ اللَّوْح فَنظر فِيهِ ثمَّ قَالَ يَا وَلَدي امسح هَذَا حَتَّى أملي عَلَيْك شَيْئا تكتبه فَفعل فأملى عَلَيْهِ من متون الْأَحَادِيث أحد عشر أَو ثَلَاثَة عشر حَدِيثا وَقَالَ لَهُ اقْرَأ هَذَا فَلم يزدْ على أَن تَأمله مرّة بعد كِتَابَته إِيَّاه ثمَّ دَفعه إِلَيْهِ وَقَالَ اسْمَعْهُ عَليّ فقرأه عَلَيْهِ عرضا كأحسن مَا أَنْت سامع فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدي امسح هَذَا فَفعل فأملى عَلَيْهِ عدَّة أَسَانِيد انتخبها ثمَّ قَالَ اقْرَأ هَذَا فَنظر فِيهِ كَمَا فعل أول مرّة فَقَامَ الشَّيْخ وَهُوَ يَقُول إِن عَاشَ هَذَا الصَّبِي لَيَكُونن لَهُ شَأْن عَظِيم فَإِن هَذَا لم ير مثله أَو كَمَا قَالَ

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ نَشأ يَعْنِي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رحمه الله فِي تصون تَامّ وعفاف وتأله وَتعبد واقتصاد فِي الملبس والمأكل وَكَانَ يحضر الْمدَارِس والمحافل فِي صغره ويناظر ويفحم الْكِبَار وَيَأْتِي بِمَا يتحير مِنْهُ أَعْيَان الْبَلَد فِي الْعلم فَأفْتى وَله تسع عشرَة سنة بل أقل وَشرع فِي الْجمع والتأليف من ذَلِك الْوَقْت وأكب على الِاشْتِغَال وَمَات

ص: 20

وَالِده وَكَانَ من كبار الْحَنَابِلَة وأئمتهم فدرس بعده بوظائفه وَله إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة واشتهر أمره وَبعد صيته فِي الْعَالم وَأخذ فِي تَفْسِير الْكتاب الْعَزِيز فِي الْجمع على كرْسِي من حفظه فَكَانَ يُورد الْمجْلس وَلَا يتعلثم وَكَذَا كَانَ الدَّرْس بتؤدة وَصَوت جَهورِي فصيح

وَقَالَ بعض قدماء أَصْحَاب شَيخنَا وَقد ذكر نبذة من سيرته أما مبدأ أمره ونشأته فقد نَشأ من حِين نَشأ فِي حجور الْعلمَاء راشفا كؤوس الْفَهم راتعا فِي رياض التفقه ودوحات الْكتب الجامعة لكل فن من الْفُنُون لَا يلوي إِلَى غير المطالعة والاشتغال وَالْأَخْذ بمعالي الْأُمُور خُصُوصا علم الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة النَّبَوِيَّة ولوازمها وَلم يزل على ذَلِك خلفا صَالحا سلفيا متألها عَن الدُّنْيَا صينا تقيا برا بِأُمِّهِ ورعا عفيفا عابدا ناسكا صواما قواما ذَاكِرًا لله تَعَالَى فِي كل أَمر وعَلى كل حَال رجاعا إِلَى الله تَعَالَى فِي سَائِر الْأَحْوَال والقضايا وقافا عِنْد حُدُود الله تَعَالَى وأوامره ونواهيه آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر بِالْمَعْرُوفِ لَا تكَاد نَفسه تشبع من الْعلم فَلَا تروى من المطالعة وَلَا تمل من الأشتغال وَلَا تكل من الْبَحْث وَقل أَن يدْخل فِي علم من الْعُلُوم من بَاب من أبوابه إِلَّا وَيفتح لَهُ من ذَلِك الْبَاب أَبْوَاب ويستدرك مستدركات فِي ذَلِك الْعلم على حذاق اهله مَقْصُوده الْكتاب وَالسّنة وَلَقَد سمعته فِي مبادىء أمره يَقُول إِنَّه ليقف خاطري فِي الْمَسْأَلَة وَالشَّيْء

ص: 21

أَو الْحَالة الَّتِي تشكل على فأستغفر الله تَعَالَى ألف مرّة أوأكثر أَو أقل حَتَّى ينشرح الصَّدْر وينحل إِشْكَال مَا أشكل قَالَ وأكون اذ ذَاك فِي السُّوق أَو الْمَسْجِد أَو الدَّرْب أَو الْمدرسَة لَا يَمْنعنِي ذَلِك من الذّكر وَالِاسْتِغْفَار إِلَى أَن أنال مطلوبي

قَالَ هَذَا الصاحب وَلَقَد كنت فِي تِلْكَ الْمدَّة وَأول النشأة إِذا اجْتمعت بِهِ فِي ختم أَو مجْلِس ذكر خَاص مَعَ أحد الْمَشَايِخ الْمَذْكُورين وتذاكروا وَتكلم مَعَ حَدَاثَة سنه أجد لكَلَامه صولة على الْقُلُوب وتأثيرا فِي النُّفُوس وهيبة مَقْبُولَة ونفعا يظْهر أَثَره وتنفعل لَهُ النُّفُوس الَّتِي سمعته أَيَّامًا كَثِيرَة بعقبه حَتَّى كَانَ مقاله بِلِسَان حَاله وحاله ظَاهر لَهُ فِي مقاله شهِدت ذَلِك مِنْهُ غير مرّة

قلت ثمَّ لم يبرح شَيخنَا رحمه الله فِي ازدياد من الْعُلُوم وملازمة الِاشْتِغَال والاشغال وَبث الْعلم ونشره وَالِاجْتِهَاد فِي سبل الْخَيْر حَتَّى انْتَهَت إِلَيْهِ الامامة فِي الْعلم وَالْعَمَل والزهد والورع والشجاعة وَالْكَرم والتواضع والحلم والإنابة وَالْجَلالَة والمهابة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَسَائِر أَنْوَاع الْجِهَاد مَعَ الصدْق والعفة والصيانة وَحسن الْقَصْد وَالْإِخْلَاص والابتهال إِلَى الله وَكَثْرَة الْخَوْف مِنْهُ وَكَثْرَة المراقبة لَهُ وَشدَّة التَّمَسُّك بالأثر وَالدُّعَاء إِلَى الله وَحسن الْأَخْلَاق

ص: 22

ونفع الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَالصَّبْر على من آذاه والصفح عَنهُ وَالدُّعَاء لَهُ وَسَائِر أَنْوَاع الْخَيْر

وَكَانَ رحمه الله سَيْفا مسلولا على الْمُخَالفين وشجى فِي حلوق أهل الْأَهْوَاء المبتدعين وإماما قَائِما بِبَيَان الْحق ونصرة الدّين وَكَانَ بحرا لَا تكدره الدلاء وحبرا يَقْتَدِي بِهِ الأخيار الألباء طَنَّتْ بِذكرِهِ الْأَمْصَار وضنت بِمثلِهِ الْأَعْصَار

قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج مَا رَأَيْت مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَمَا رَأَيْت أحدا أعلم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله وَلَا أتبع لَهما مِنْهُ

وَقَالَ الْعَلامَة كَمَال الدّين بن الزملكاني كَانَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعلم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يعرف غير ذَلِك الْفَنّ وَحكم أَن أحدا لَا يعرفهُ مثله وَكَانَ الْفُقَهَاء من سَائِر الطوائف إِذا جَلَسُوا مَعَه استفادوا فِي مذاهبهم مِنْهُ مَا لم يَكُونُوا عرفوه قبل ذَلِك وَلَا يعرف أَنه نَاظر أحدا فَانْقَطع مَعَه وَلَا تكلم فِي علم من الْعُلُوم سَوَاء أَكَانَ من عُلُوم الشَّرْع أم غَيرهَا إِلَّا فاق فِيهِ أَهله والمنسوبين إِلَيْهِ وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي حسن

ص: 23

التصنيف وجودة الْعبارَة وَالتَّرْتِيب والتقسيم والتبيين

وَوَقعت مَسْأَلَة فرعية فِي قسْمَة جرى فِيهَا اخْتِلَاف بَين الْمُفْتِينَ فِي الْعَصْر فَكتب فِيهَا مجلدة كَبِيرَة وَكَذَلِكَ وَقعت مَسْأَلَة فِي حد من الْحُدُود فَكتب فِيهَا مجلدة كَبِيرَة وَلم يخرج فِي كل وَاحِدَة عَن الْمَسْأَلَة وَلَا طول بتخليط الْكَلَام وَالدُّخُول فِي شَيْء وَالْخُرُوج من شَيْء وأتى فِي كل وَاحِدَة بِمَا لم يكن يجْرِي فِي الأوهام والخواطر وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الِاجْتِهَاد على وَجههَا

وقرأت بِخَط الشَّيْخ كَمَال الدّين أَيْضا على كتاب بَيَان الدَّلِيل على إبِْطَال التَّحْلِيل لشَيْخِنَا وَقد ذكر تَرْجَمته فَقَالَ من مصنفات سيدنَا وَشَيخنَا وقدوتنا الشَّيْخ السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة الأوحد البارع الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع الْقدْوَة الْكَامِل الْعَارِف تَقِيّ الدّين شيخ الْإِسْلَام ومفتي الْأَنَام سيد الْعلمَاء قدوة الْأَئِمَّة الْفُضَلَاء نَاصِر السّنة قامع الْبِدْعَة حجَّة الله على الْعباد راد أهل الزيغ والعناد أوحد الْعلمَاء العاملين آخر الْمُجْتَهدين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي حفظ الله على الْمُسلمين طول حَيَاته وَأعَاد عَلَيْهِم من بركاته إِنَّه على كل شَيْء قدير

وقرأت أَيْضا بِخَطِّهِ على كتاب رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام

ص: 24

تأليف الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد الْحَافِظ الْمُجْتَهد الزَّاهِد العابد الْقدْوَة إِمَام الْأَئِمَّة قدوة الْأمة عَلامَة الْعلمَاء وَارِث الْأَنْبِيَاء آخر الْمُجْتَهدين أوحد عُلَمَاء الدّين بركَة الْإِسْلَام حجَّة الْأَعْلَام برهَان الْمُتَكَلِّمين قامع المبتدعين محيي السّنة وَمن عظمت بِهِ لله علينا الْمِنَّة وَقَامَت بِهِ على أعدائه الْحجَّة واستبانت ببركته وهديه المحجة تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السلام بن تَيْمِية الْحَرَّانِي أَعلَى الله مناره وشيد بِهِ من الدّين أَرْكَانه

مَاذَا يَقُول الواصفون لَهُ

وَصِفَاته جلت عَن الْحصْر

هُوَ حجَّة لله قاهرة

هُوَ بَيْننَا أعجوبة الدَّهْر

هُوَ آيَة لِلْخلقِ ظَاهِرَة

أنوارها أربت على الْفجْر

وقرأت على آخر هَذَا الْكتاب طبقَة بِخَط الذَّهَبِيّ يَقُول فِيهَا سمع جَمِيع هَذَا الْكتاب على مُؤَلفه شَيخنَا الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد شيخ الْإِسْلَام مفتي الْفرق قدوة الْأمة أعجوبة الزَّمَان بَحر الْعُلُوم حبر الْقُرْآن تَقِيّ الدّين سيد الْعباد احْمَد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تَيْمِية الْحَرَّانِي رضي الله عنه

وَقَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ فتح الدّين أَبُو الْفَتْح بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي

ص: 25

الْمصْرِيّ بعد أَن ذكر تَرْجَمَة شَيخنَا الْحَافِظ جمال الدّين أبي الْحجَّاج الْمزي وَهُوَ الَّذِي حداني على رُؤْيَة الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحَلِيم بن عبد السلام بن تَيْمِية فَأَلْفَيْته مِمَّن أدْرك من الْعُلُوم حظا وَكَاد يستوعب السّنَن والْآثَار حفظا إِن تكلم فِي التَّفْسِير فَهُوَ حَامِل رايته أَو أفتى فِي الْفِقْه فَهُوَ مدرك غَايَته أَو ذَاكر بِالْحَدِيثِ فَهُوَ صَاحب علمه وَذُو رِوَايَته أَو حَاضر بالنحل والملل لم ير أوسع من نحلته فِي ذَلِك وَلَا أرفع من درايته برز فِي كل فن على أَبنَاء جنسه وَلم تَرَ عين من رَآهُ مثله وَلَا رَأَتْ عينه مثل نَفسه كَانَ يتَكَلَّم فِي التَّفْسِير فيحضر مَجْلِسه الجم الْغَفِير ويردون من بَحر علمه العذب النمير ويرتعون من ربيع فَضله فِي رَوْضَة وغدير إِلَى أَن دب إِلَيْهِ من أهل بَلَده دَاء الْحَسَد وألب أهل النّظر مِنْهُم على مَا ينْتَقد عَلَيْهِ [فِي] حنبليته من أُمُور المعتقد فحفظوا عَنهُ فِي ذَلِك كلَاما أَو سعوه بِسَبَبِهِ ملاما وفوفوا لتبديعه سهاما وَزَعَمُوا أَنه خَالف طريقهم وَفرق فريقهم فنازعهم ونازعوه وقاطع بَعضهم وقاطعوه ثمَّ نَازع طَائِفَة أُخْرَى ينتسبون من الْفقر إِلَى طَريقَة ويزعمون أَنهم على أدق بَاطِن مِنْهَا وَأجلى حَقِيقَة فكشف تِلْكَ الطرائق وَذكر لَهَا

ص: 26

على مَا زعم بوائق فآضت إِلَى الطَّائِفَة الأولى من منازعيه واستعانت بذوي الضغن عَلَيْهِ من مقاطعيه فوصلوا بالأمراء أمره وأعمل كل مِنْهُم فِي كفره فكره فَكَتَبُوا محَاضِر وألبوا الرويبضة للسعي بهَا بَين الأكابر وَسعوا فِي نَقله إِلَى حَضْرَة المملكة بالديار المصرية فَنقل وأودع السجْن سَاعَة حُضُوره واعتقل وعقدوا لإراقة دَمه مجَالِس وحشدوا لذَلِك قوما من عمار الزوايا وسكان الْمدَارِس من محامل فِي الْمُنَازعَة مخاتل بالمخادعة وَمن مجاهر بالتكفير مبارز بالمقاطعة يسومونه ريب الْمنون {وَرَبك يعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون} وَلَيْسَ المجاهر بِكُفْرِهِ بِأَسْوَأ حَالا من المخاتل وَقد دبت إِلَيْهِ عقارب مكره فَرد الله كيد كل فِي نَحره فَنَجَّاهُ على يَد من اصطفاه وَالله غَالب على أمره ثمَّ لم يخل بعد ذَلِك من فتْنَة بعد فتْنَة وَلم ينْتَقل طول عمره من محنة إِلَّا إِلَى محنة إِلَى أَن فوض أمره لبَعض الْقُضَاة فقلد مَا تقلد من اعتقاله وَلم يزل بمحبسه ذَلِك إِلَى حِين ذَهَابه إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وانتقاله وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور وَهُوَ المطلع على خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور وَكَانَ يَوْمه مشهودا ضَاقَتْ بجنازته الطَّرِيق وانتابها الْمُسلمُونَ من كل فج عميق يتبركون بمشهده يَوْم يقوم الأشهاد ويتمسكون بشرجعه حَتَّى كسروا تِلْكَ الأعواد وَذَلِكَ فِي لَيْلَة الْعشْرين من ذِي الْقعدَة

ص: 27

سنة 728 ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة بقلعة دمشق المحروسة وَكَانَ مولده بحران فِي عَاشر شهر ربيع الأول من سنة 661 إِحْدَى وَسِتِّينَ وستماية رحمه الله وإيانا

ثمَّ قَالَ قَرَأت على الشَّيْخ الإِمَام حَامِل راية الْعُلُوم ومدرك غَايَة الفهوم تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تَيْمِية رحمه الله بِالْقَاهِرَةِ قدم علينا قلت لَهُ أخْبركُم الشَّيْخ الإِمَام زين الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الدَّائِم بن نعْمَة الْمَقْدِسِي ثمَّ ذكر حَدِيثا من جُزْء ابْن عَرَفَة

وَقَالَ الشَّيْخ علم الدّين البرزالي فِي مُعْجم شُيُوخه

احْمَد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس الإِمَام الْمجمع على فَضله ونبله وَدينه قَرَأَ الْفِقْه وبرع فِيهِ والعربية وَالْأُصُول وَمهر فِي علمي التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ إِمَامًا لَا يلْحق غباره فِي كل شَيْء وَبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الْمُجْتَهدين وَكَانَ إِذا ذكر التَّفْسِير بهت النَّاس من كَثْرَة محفوظه وَحسن إِيرَاده وإعطائه كل قَول

ص: 28

مَا يسْتَحقّهُ من التَّرْجِيح والتضعيف والإبطال وخوضه فِي كل علم كَانَ الْحَاضِرُونَ يقضون مِنْهُ الْعجب هَذَا مَعَ انْقِطَاعه إِلَى الزّهْد وَالْعِبَادَة والاشتغال بِاللَّه تَعَالَى والتجرد من أَسبَاب الدُّنْيَا وَدُعَاء الْخلق إِلَى الله تَعَالَى وَكَانَ يجلس فِي صَبِيحَة كل جُمُعَة على النَّاس يُفَسر الْقُرْآن الْعَظِيم فَانْتَفع بمجلسه وبركة دُعَائِهِ وطهارة أنفاسه وَصدق نِيَّته وصفاء ظَاهره وباطنه وموافقة قَوْله لعمله وأناب إِلَى الله خلق كثير وَجرى على طَريقَة وَاحِدَة من اخْتِيَار الْفقر والتقلل من الدُّنْيَا رَحمَه الله تَعَالَى ورد مَا يفتح بِهِ عَلَيْهِ

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر كَانَ قد نظم شَيْئا يَسِيرا فِي صغره وكتبت عَنهُ إِذْ ذَاك ثمَّ إِنَّه ترك ذَلِك وَأعْرض عَنهُ وَسُئِلَ عَن مَسْأَلَة الْقدر بنظم فَأجَاب فِيهَا بنظم وَقد قرىء عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ وَحل لغز الرشيد الفارقي بِأَبْيَات تشْتَمل على نَحْو مائَة بَيت على وزن اللغز وَذَلِكَ فِي حَيَاة وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى وَله نَحْو الْعشْرين من الْعُمر وَكَانَ حلّه فِي أسْرع وَقت

قلت هَذَا اللغز الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ علم الدّين نظمه الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة رشيد الدّين أَبُو حَفْص عمر بن اسماعيل بن مَسْعُود الفارقي فِي اسْم ألغزه بِوَصْف أبرزه فِي لفظ أوجزه لفهم أعجزه

مَا اسْم ثلاثي الْحُرُوف فثلثه

مثل لَهُ وَالثلث ضعف جَمِيعه

ص: 29

.. وَالثلث الآخر جَوْهَر حلت بِهِ ال

أَعْرَاض جمعا فَأُعْجِبُوا لبديعه

وَهُوَ المثلث جذره مثل لَهُ

وَإِذا يربع بَان فِي تربيعه

جُزْء من الْفلك الْعلي وَإِنَّمَا

بَاقِيه خوف أَو أَمَان مروعه

حَيّ جماد سَاكن متحرك

إِن كنت ذَا نظر إِلَى تنويعه

وتراه مَعَ خمسيه عِلّة كَونه

معلوله سرا بِغَيْر مذيعه

وَبِغير خمسيه جَمِيع النَّحْو مو

جود ومحمول على مَوْضُوعه

وبحاله فعل مضى مُسْتَقْبلا

حمدت صناعته لحمد صَنِيعه

قيد لمطلقه خُصُوص عُمُومه

زيد لمفرده على مَجْمُوعه

شَيْء مُقيم فِي الرحيل وممكن

كالمستحيل بطيئه كسريعه

وأهم مَا فِي الشَّرْع وَالدّين اسْمه

ومضافه بأصوله وفروعه

ودقيق مَعْنَاهُ الْجَلِيل مُنَاسِب

علم الْخَلِيل وَلَيْسَ من تقطيعه

وَإِذا عروضي تطلب حلّه

ألفاه فِي المفروق أَو مَجْمُوعه

وَإِذا ترصعه بدر فريده

عقدا يزين الدّرّ فِي ترصيعه

للمنطقي وللحكيم نتاجه

وعلاجه بذهابه ورجوعه

وَله شعار أشعري واعتقا

دحنبلي فاعجبوا لوُقُوعه

وَتَمَامه فِي قَول شَاعِر كِنْدَة

مَا حَافظ للْعهد مثل مضيعه

يرويك فِي ظمأ ندى بوروده

ويريك فِي ظلم هدى بطلوعه

ص: 30

.. وَلَقَد حللت اللغز إِجْمَالا وَفِي

تَفْصِيله تَفْصِيل روض رَبِيعه

فاستجل بكرا من ولي بالحلى

تهدى لكفء الْفضل بَين ربوعه

فَأجَاب العَبْد الْفَقِير لي ربه أَحْمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابْن تَيْمِية حلا لمعضله وفصلا لمجمله وفتحا لمقفله وشرحا لمشكله

يَا عَالما قد فاق أهل زَمَانه

بفنونه وبياته وبديعه

وَغدا لأعلام الْعُلُوم منارهم

يهدي الهداة إِلَى مُنِير ربوعه

وأجاد نظما عقد جيد عقيلة

من در بَحر الْعلم فِي ترصيعه

وجلا المعارف فِي عوارف لَفظه

أخذا لعرف الْعلم من ينبوعه

وَأَبَان عَمَّا قد حوى من كل فذ

ن قد أحَاط بِأَصْلِهِ وفروعه

ببيانه السحر الْحَلَال وَلَفظه

العذب الزلَال وَلَفظ حسن صَنِيعه

بغزير علم وافتنان وَاسع

ألغزت علما فِي فنون وسيعه

حليته بدقيق وصف صنته

بجليل لفظ ناء عَن مَوْضُوعه

ووصفته بحلى الْعُلُوم وَأَهْلهَا

ونعته بضروبه وضروعه

وجمعت فِي أَوْصَافه الأضدا

د حَتَّى استيأس الطلاب من تتبيعه

وَالْعَبْد لما أَن تَأمل نظمكم

بنظامه ألْقى لَهُ فِي روعه

أَن الَّذِي ألغزتم علم وَلم

ايجعل المظنون من مقطوعه

لكنه أَمْسَى يحليه بِمَا

حليته ويغوص فِي توقيعه

حَتَّى تجلى الْحق من ظلمائه

فِي لَيْلَة من قبل وَقت هجوعه

ص: 31

.. فَإِذا الَّذِي قد عَن أول مرّة

حق تبلج فجره بطلوعه

وَرَأَيْت فِيهِ الْوَصْف إِمَّا باديا

أَو خافيا مَعْنَاهُ فِي مسموعه

لدقيق مغزاه ولطف إِشَارَة

وَبعد حلاه عَن مَوْضُوعه

فَغَدَوْت أكشف عَنهُ كشفا موجزا

باشارة تهدي لشطر بقيعه

فاسمع لحل حلاه فِي تَفْصِيله

واشهد بقلب مقبل بهطوعه

الْعلم لفظ ذُو ثَلَاثَة أحرف

وهجاء كل مثل مَا مَجْمُوعه

فَإِذا يكون مركبا من تِسْعَة

جذرا لَهَا فَانْظُر إِلَى تربيعه

ومربعا ساواه جذر حسابه

ومثلثا بِحُدُودِهِ وضلوعه

وَيكون أَثلَاثًا فثلث مثله

هُوَ لامه إِن خضت فِي توزيعه

وَالْمِيم فِي الْجمل الْكَبِير حسابه

هُوَ أَرْبَعُونَ بقول أهل رَبِيعه

وَالْمِيم فِي الْجمل الصَّغِير حسابه

عشرُون هَذَا الثُّلُث ضعف جَمِيعه

وَالثلث عين عين كل ذَاته

هُوَ جَوْهَر وَالْوَصْف فِي مَوْضُوعه

إِذْ كَانَت الْأَعْيَان قَائِمَة بهاال

أَعْرَاض جمعا فافطنوا لجموعه

حكم يخص الْعين حرفا وَاحِدًا

من بَين جنس الْحَرْف فِي تنويعه

هُوَ تِسْعَة فِي أَصله والعالم العل

وي مِنْهُ تِسْعَة برقيه

الْعَرْش والكرسي والسبع السم

وات الطباق فالاسم جُزْء رفيعه

ص: 32

.. من عَالم الملكوت أَعنِي الْغَيْب إِذْ

عَنهُ كنى لعلو شَأْن صَنِيعه

لم يبْق إِلَّا جنَّة أَو جاحم

فِيهِ المخافة أَو أَمَان مروعه

بِالْعلمِ يحيى الله قلبا مَيتا

يسري كنور ضاء حِين سطوعه

فُلَانُهُ يحيى اسْمه حَيّ إذال

أَحيَاء فرع حَيَاة رب صَنِيعه

وَلِأَنَّهُ يسري اسْمه متحرك

لوحا تنقله بذهن قريعه

ذَا الْوَصْف عَقْلِي وَفِي حسيه

هُوَ جامد هُوَ سَاكن بربوعه

إِذْ كَانَ نوع الْعلم معنى جنسه

عرض يقوم بمستوى مَوْضُوعه

والحي والمتحرك الوصفان يخ

تصان شخصا جوهرا ببقيعه

إِذْ كَانَ فِي المحسوس لَيْسَ بقائم

عرض بآخر مثله وتبيعه

أما إِذا مَا جرد الْمَعْقُول فال

وصفان فِي المعني لَهُ بربيعه

ثُلُثَاهُ حرفا الْعين وَالْمِيم هما

فِي اللَّفْظ من عدم وَفِي تنويعه

لَو إِذْ جمعت حسابه فِي أَكثر

وأضفت خمسيه إِلَى مَجْمُوعه

فمربعا يضحى ويضحى جذره

مَعَ أَربع عشرا لذِي تربيعه

فالجذر علته ومعلول لَهُ

من حَيْثُ مَا هُوَ عِلّة لوُقُوعه

فالجذر مَعْلُول لجذر كَائِن

معلوله فَافْهَم مدَار رجيعه

فلكونه مَعْلُول مَعْلُول لَهُ

قد صَار معلولا لَهُ بِرُجُوعِهِ

ص: 33

.. وَيَقُول إِن الْعلم مِنْهُ النَّحْو هَذَا إِن ترد حملا على مَوْضُوعه

فَإِذا يكون الضَّم عِلّة كَون هَذَا الْجمع عِلّة نَفسه وجميعه

وَبِغير خمسيه يعود لأصله

علما وَعلم النَّحْو بعض فروعه

وَإِذا اعْتبرت حُرُوفه ألفيته

فعلا مضى لُغَة وَفِي مَوْضُوعه

حكم على المستقبلات وَغَيرهَا

لعمومه مُتَعَلقا وذيوعه

إِذْ من خَصَائِصه تعلقه بِكُل مُحَقّق مَعَ سبقه لوُقُوعه

أكْرم بِهِ أمرا عَظِيما نَفعه

حمدت صناعته بِحَمْد صَنِيعه

وَالْفِعْل فِيهِ مصدر وزمانه

وضعا وملزوم لرب صَنِيعه

فلذاك كَانَ مُقَيّدا ومخصصا

لعُمُوم جنس الْعلم فِي تنويعه

هُوَ مُفردا نوع حوى أشخاصه

فَإِذا تركب خص فِي تجميعه

فَيصح حِينَئِذٍ مقَالَة قَائِل

قد زَاد مفرده على مَجْمُوعه

هُوَ ثَابت فِي كل حَال مُمكن

ذُو عزة صَعب على مسطيعه

حَتَّى ينَال فيحمد الْقَوْم السرى

وَإِذا يُقَال بطيئه كسريعه

فالبطء والإسراع لَيْسَ بِنَفسِهِ

بل فِي الطَّرِيق وَفِي اقتناص منيعه

وَالْعلم بالرحمن أول صَاحب

وأهم فرض الله فِي مشروعه

وأخو الدّيانَة طَالب لمزيده

أبدا وَلما يَنْهَهُ بقطوعه

والمرء فاقته إِلَيْهِ أَشد من

فقر الْغذَاء لعلم حكم صَنِيعه

ص: 34

.. فِي كل وَقت وَالطَّعَام فَإِنَّمَا

يَحْتَاجهُ فِي وَقت شدَّة جوعه

وَهُوَ السَّبِيل إِلَى المحاسن كلهَا

والصالحات فسوأة لمضيعه

وَإِلَيْهِ يسند كل فن نَافِع

بل فارع بأصوله وفروعه

لجلالة الْمَعْلُوم واللطف الَّذِي

للْعلم كَانَ مناسبا لبديعه

فالعلم ميزَان الْحَقَائِق والعرو

ض كَذَاك ميزَان لَدَى تقطيعه

وَالِاسْم بِالتَّحْرِيكِ من مفروقه

وَالْفِعْل بالتسكين من مَجْمُوعه

هُوَ وَاسِط عقد الْفَضَائِل كلهَا

وَبِه يزان الْحلِيّ فِي ترصيعه

وعلاجه بالجد فِي تَحْصِيله

بمقدمات نتاجه وينوعه

وَلكُل قوم مِنْهُ حَظّ وافر

وحقائق التَّحْقِيق فِي مشروعه

بشعائر لمشاعر وقواعد

لعقائد الْمَعْقُول فِي مسموعه

وجميعه متفرق فِي قَوْله

مَا حَافظ للْعهد مثل مضيعه

فلعينه وللامه ولميمه

من ذَا الْكَلَام الْحَظ فِي تبضيعه

يرْوى بِمَاء حَيَاته فِي ورده

ظمآن تَحْقِيق إِلَى ينبوعه

وَيرى بِنور هداه فِي تبيينه

حيران تدقيق طُلُوع سطيعه

بطلوعه لما أبان بنوره

قصد السَّبِيل لحل عقد بديعه

جلى المجلي بعد بعد بدوه

مَعَ قرب مقفله وَقرب مسوعه

ص: 35

.. وَأَبَان مجمله وَفصل عقده

ولروضة الْأنف ارتعى برتوعه

وحلى جمال الْبكر فِي الحلى

قافتضها كُفْء ثوت بربوعه

فَخذ الْجَواب مخلصا فِيهِ اللبا

ب مُلَخصا فِي نظمه لسميعه

مَعَ ان نظم الشّعْر غير مُحَصل

لكَمَال مغزاه وَشرح جَمِيعه

من خاطر مستعجل مستوفز

لم يمعن التفكير فِي مرجوعه

لم يَجْعَل التَّحْلِيل من مصنوعه

كلا وَلَا الفضلات من مصنوعه

إِذْ كَانَ مخلوقا لأكبر غَايَة

دَار الْقَرار جميله وقطيعه

وَعَلِيهِ من أَمر الْإِلَه وَنَهْيه

مَا يلفت الْمَعْقُول عَن تضييعه

لكنه لَا بُد للمصدور من

نفث يرِيح فُؤَاده بنخوعه

مَعَ أَنه مزجى البضاعة نظمه

غر بِحكم اللَّفْظ فِي تسجيعه

عبد ذليل عَاجز متضعف

فِي حَال مبداه وَحَال رُجُوعه

لكنه لما اسْتَعَانَ بربه

ثمَّ استكان لَهُ بذل خضوعه

فأعانه يسر الْجَواب فَإِن يكن

حَقًا بِرِفْق الْوَصْف فِي توقيعه

فَالْحَمْد وَالْفضل الْعَظِيم لربنا

شكرا على مَحْمُود حسن صَنِيعه

إِذْ مَا بِنَا من نعْمَة فبمنه

وَالْخَيْر مِنْهُ جَمِيعه بهموعه

أَو إِن يكن خطأ فمني حَيْثُ أَن

لم أستطع متناولا لرفيعه

فالنقص للْإنْسَان وصف لَازم

إِن كَانَ يعرف نَفسه بنخوعه

ص: 36

.. وَالْحَمْد لله الرَّحِيم بخلقه الْبر الْوَدُود بِعَبْدِهِ ومطيعه

وميسر الْخطب العسير بِلُطْفِهِ

من بعد منعته وَبعد منيعه

ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي وَآله

والمصطفين من الْأَنَام جَمِيعه

وَعَلَيْهِم التَّسْلِيم منا دَائِما

مَا اهتز وَجه الأَرْض بعد خشوعه

فَلَمَّا وقف الشَّيْخ رشيد على هَذَا الْجَواب كتب إِلَى منشئه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية رضي الله عنه

أحسن فِي حل الْمُسَمّى وَمَا

سمى وَلَكِن جَاءَ بِالْمثلِ

وَجَاوَزَ الجوزاء بالنطق والشعرى بِشعر رائق جزل

جلت مَعَانِيه فشكرا لَهُ

مصحف والحل كالحل

أَحْمد وزن الْفِعْل فِيهِ وَفِي التقى وزن القَوْل وَالْفِعْل

كأنماأحرفه مثلت تملى عَلَيْهِ وَهُوَ يستملي

وَحقّ بالفخر فَتى جده الْمجد وَقد بورك فِي النَّسْل

فسهل الله لمن فِي اسْمه الْعدْل مكافآت على الْفضل

فَنظر وَالِد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية بعد ذَلِك فِي اللغز وحله فِي لَفْظَة أُخْرَى ونظم فِي ذَلِك قصيدة

فَكتب إِلَيْهِ الشَّيْخ رشيد الدّين جَوَابا لَهَا

ص: 37

.. مَا مثل لغزي وَلم يسم بِهِ

من لم يماثل فِي الْفضل وَالْأَدب

بخاطر حَاضر يضيء وَلَا

يُنكر ضوءا لوَاحِد الشهب

شيخ شُيُوخ الْإِسْلَام قاطبة

مفتي الْفَرِيقَيْنِ حجَّة الْعَرَب

شنف سَمْعِي بالدر من كلم

تروى فتروي بالدر من سحب

وَكَانَ لغزي من فضَّة فعلا

شعرًا وشعرا وَصَارَ من ذهب

فالفخر للمجد بالشهاب وللشهاب بالمجد ذرْوَة النّسَب

ذرْوَة والعنان يحسبها

ذُرِّيَّة للشروق فِي السحب

وَإِن تقفت رسوم بلدته

وَهِي خِيَار الْبِلَاد والترب

فبلدة الْأُفق حلهَا عوضا

عَنْهَا بِفضل يسمو على الترب

وَإِن قلبِي أضحى لَهُ وطنا

وَفِيه أنس لَك مغترب

هَذَا ثنائي مَعَ الخمول وَإِن

نبه حظي أربى على الأرب

وعش طَويلا مكملا أدبا

بسيط فضل ناء ومقترب

وَقَالَ الشَّيْخ علم الدّين رَأَيْت فِي إجَازَة لِابْنِ الشَّهْر زورى الْموصِلِي خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية وَقد كتب تَحْتَهُ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ

هَذَا خطّ شَيخنَا الإِمَام شيخ الْإِسْلَام فَرد الزَّمَان بَحر الْعُلُوم تَقِيّ الدّين مولده عَاشر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن وَالْفِقْه وناظر وَاسْتدلَّ وَهُوَ دون الْبلُوغ وبرع فِي الْعلم

ص: 38

وَالتَّفْسِير وَأفْتى ودرس وَله نَحْو الْعشْرين سنة وصنف التصانيف وَصَارَ من كبار الْعلمَاء فِي حَيَاة شُيُوخه وَله من المصنفات الْكِبَار الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان وَلَعَلَّ تصانيفه فِي هَذَا الْوَقْت تكون أَرْبَعَة آلَاف كراس وَأكْثر وَفسّر كتاب الله تَعَالَى مُدَّة سنتَيْن من صَدره أَيَّام الْجمع وَكَانَ يتوقد ذكاء وسماعاته من الحَدِيث كَثِيرَة وشيوخه أَكثر من مِائَتي شيخ ومعرفته بالتفسير إِلَيْهَا الْمُنْتَهى وَحفظه للْحَدِيث وَرِجَاله وَصِحَّته وسقمه فَمَا يلْحق فِيهِ وَأما نَقله للفقه ومذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فضلا عَن الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِير وَأما مَعْرفَته بالملل والنحل وَالْأُصُول وَالْكَلَام فَلَا أعلم لَهُ فِيهِ نظيرا ويدري جملَة صَالِحَة من اللُّغَة وعربيته قَوِيَّة جدا ومعرفته بالتاريخ وَالسير فَعجب عَجِيب وَأما شجاعته وجهاده وإقدامه فَأمر يتَجَاوَز الْوَصْف ويفوق النَّعْت وَهُوَ أحد الأجواد الأسخياء الَّذين يضْرب بهم الْمثل وَفِيه زهد وقناعة باليسير فِي المأكل والملبس

وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مَوضِع آخر وَقد ذكر الشَّيْخ رحمه الله كَانَ آيَة فِي الذكاء وَسُرْعَة الْإِدْرَاك رَأْسا فِي معرفَة الْكتاب وَالسّنة وَالِاخْتِلَاف بحرا فِي النقليات هُوَ فِي زَمَانه فريد عصره علما وزهدا وشجاعة وسخاء وأمرا بِالْمَعْرُوفِ ونهيا عَن الْمُنكر وَكَثْرَة تصانيف

ص: 39

وَقَرَأَ وَحصل وبرع فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وتأهل للتدريس وَالْفَتْوَى وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَتقدم فِي علم التَّفْسِير وَالْأُصُول وَجَمِيع عُلُوم الْإِسْلَام أُصُولهَا وفروعها ودقها وجلها سوى علم الْقرَاءَات فَإِن ذكر التَّفْسِير فَهُوَ حَامِل لوائه وَإِن عد الْفُقَهَاء فَهُوَ مجتهدهم الْمُطلق وَإِن حضر الْحفاظ نطق وخرسوا وسرد وأبلسوا وَاسْتغْنى وأفلسوا وَإِن سمي المتكلمون فَهُوَ فردهم وَإِلَيْهِ مرجعهم وَإِن لَاحَ ابْن سينا يقدم الفلاسفة فَلهم وتيسهم وهتك أستارهم وكشف عوارهم وَله يَد طولى فِي معرفَة الْعَرَبيَّة وَالصرْف واللغة وَهُوَ أعظم من أَن يصفه كلمي أَو يُنَبه على شأوه قلمي فَإِن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته تحْتَمل أَن ترصع فِي مجلدتين وَهُوَ بشر من الْبشر لَهُ ذنُوب فَالله تَعَالَى يغْفر لَهُ ويسكنه أَعلَى جنته فَإِنَّهُ كَانَ رباني الْأمة وفريد الزَّمَان وحامل لِوَاء الشَّرِيعَة وَصَاحب معضلات الْمُسلمين وَكَانَ رَأْسا فِي الْعلم يُبَالغ فِي إطراء قِيَامه فِي الْحق وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مُبَالغَة مَا رَأَيْتهَا وَلَا شاهدتها من أحد وَلَا لحظتها من فَقِيه

وَقَالَ فِي مَكَان آخر ذكر فِيهِ تَرْجَمَة طَوِيلَة للشَّيْخ قبل وَفَاة الشَّيْخ بدهر طَوِيل

قلت وَله خبْرَة تَامَّة بِالرِّجَالِ وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم وَمَعْرِفَة

ص: 40

بفنون الحَدِيث وبالعالي والنازل وبالصحيح والسقيم مَعَ حفظه لمتونه الَّذِي انْفَرد بِهِ فَلَا يبلغ أحد فِي الْعَصْر رتبته وَلَا يُقَارِبه وَهُوَ عجب فِي استحضاره واستخراج الْحجَج مِنْهُ وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي عزوه إِلَى الْكتب السِّتَّة والمسند بِحَيْثُ يصدق عَلَيْهِ أَن يُقَال كل حَدِيث لَا يعرفهُ ابْن تَيْمِية فَلَيْسَ بِحَدِيث وَلَكِن الْإِحَاطَة لله غير أَنه يغترف من بَحر وَغَيره من الْأَئِمَّة يَغْتَرِفُونَ من السواقي وَأما التَّفْسِير فَمُسلم إِلَيْهِ وَله فِي استحضار الْآيَات من الْقُرْآن وَقت إِقَامَة الدَّلِيل بهَا على الْمَسْأَلَة قُوَّة عَجِيبَة وَإِذا رَآهُ المقرىء تحير فِيهِ ولفرط إِمَامَته فِي التَّفْسِير وعظمة اطِّلَاعه يبين خطأ كثير من أَقْوَال الْمُفَسّرين ويوهى أقوالا عديدة وينصر قولا وَاحِدًا مُوَافقا لما دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن والْحَدِيث وَيكْتب فِي الْيَوْم وَاللَّيْل من التَّفْسِير أَو من الْفِقْه اَوْ من الأصولين أَو من الرَّد على الفلاسفة والأوائل نَحوا من أَرْبَعَة كراريس أَو أَزِيد وَمَا أبعد ان تصانيفه إِلَى الْآن تبلغ خَمْسمِائَة مجلدة وَله فِي غير الْمَسْأَلَة مُصَنف مُفْرد فِي مُجَلد ثمَّ ذكر بعض تصانيفه وَقَالَ وَمِنْهَا كتاب فِي الْمُوَافقَة بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول فِي مجلدين

قلت هَذَا الْكتاب وَهُوَ كتاب دَرْء تعَارض الْعقل وَالنَّقْل فِي أَربع مجلدات كبار وَبَعض النّسخ بِهِ فِي اكثر من أَربع مجلدات وَهُوَ

ص: 41