الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى لَهُ لم يتَّفق لمثله
وَبَقِي الشَّيْخ الْمَذْكُور رضي الله عنه هُوَ وَأَخُوهُ وَأَصْحَابه وَمن مَعَه من الْغُزَاة قَائِما بظهوره وجهاده وَلأمة حربه يُوصي النَّاس بالثبات ويعدهم بالنصر ويبشرهم بِالْغَنِيمَةِ والفوز بِإِحْدَى الحسنيين إِلَى أَن صدق الله وعده وأعز جنده وَهزمَ التتار وَحده وَنصر الْمُؤمنِينَ وَهزمَ الْجمع وولوا الدبر وَكَانَت كلمة الله هِيَ الْعليا وَكلمَة الْكفَّار هِيَ السُّفْلى وَقطع دابر الْقَوْم الْكفَّار وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَدخل جَيش الْإِسْلَام الْمَنْصُور إِلَى دمشق المحروسة وَالشَّيْخ فِي أَصْحَابه شاكيا فِي سلاحه دَاخِلا مَعَهم عالية كَلمته قَائِمَة حجَّته ظَاهِرَة ولَايَته مَقْبُولَة شَفَاعَته مجابة دَعوته ملتمسة بركته مكرما مُعظما ذَا سُلْطَان وَكلمَة نَافِذَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك يَقُول للمداحين لَهُ أَنا رجل مِلَّة لَا رجل دولة
شجاعة الشَّيْخ وبأسه عِنْد قتال الْكفَّار
وَلَقَد أَخْبرنِي حَاجِب من الْحجاب الشاميين أَمِير من أمرائهم ذُو دين متين وَصدق لهجة مَعْرُوف فِي الدولة قَالَ
قَالَ لي الشَّيْخ يَوْم اللِّقَاء وَنحن بمرج الصفر وَقد ترَاءى الْجَمْعَانِ يَا فلَان أوقفني موقف الْمَوْت
قَالَ فسقته إِلَى مُقَابلَة الْعَدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تَحت الْغُبَار المنعقد عَلَيْهِم
ثمَّ قلت لَهُ يَا سَيِّدي هَذَا موقف الْمَوْت وَهَذَا الْعَدو قد أقبل تَحت هَذِه الغبرة المنعقدة فدونك وَمَا تُرِيدُ
قَالَ فَرفع طرفه إِلَى السَّمَاء وأشخص بَصَره وحرك شَفَتَيْه طَويلا ثمَّ انْبَعَثَ وأقدم على الْقِتَال وَأما أَنا فخيل إِلَيّ أَنه دَعَا عَلَيْهِم وَأَن دعاءه اسْتُجِيبَ مِنْهُ فِي تِلْكَ السَّاعَة
قَالَ ثمَّ حَال الْقِتَال بَيْننَا والالتحام وَمَا عدت رَأَيْته حَتَّى فتح الله وَنصر وانحاز التتار إِلَى جبل صَغِير عصموا نُفُوسهم بِهِ من سيوف الْمُسلمين تِلْكَ السَّاعَة وَكَانَ آخر النَّهَار
قَالَ وَإِذا أَنا بالشيخ وأخيه يصيحان بِأَعْلَى صوتيهما تحريضا على الْقِتَال وتخويفا للنَّاس من الْفِرَار
فَقلت يَا سَيِّدي لَك الْبشَارَة بالنصر فَإِنَّهُ قد فتح الله وَنصر وَهَا هم التتار محصورون بِهَذَا السفح وَفِي غَد إِن شَاءَ الله تَعَالَى يؤخذون عَن آخِرهم
قَالَ فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ودعا لي فِي ذَلِك الموطن دُعَاء وجدت بركته فِي ذَلِك الْوَقْت وَبعده
هَذَا كَلَام الْأَمِير الْحَاجِب
قَالَ ثمَّ لم يزل الشَّيْخ بعد ذَلِك على زِيَادَة فِي الْحَال والقال والجاه وَالتَّحْقِيق فِي الْعلم والعرفان حَتَّى حرك الله سُبْحَانَهُ عَزمَات نفوس وُلَاة الْأَمر لقِتَال أهل جبل كسروان وهم الَّذين بغوا وَخَرجُوا على الإِمَام وأخافوا السبل وعارضوا المارين بهم من الْجَيْش بِكُل سوء
فَقَامَ الشَّيْخ فِي ذَلِك اتم قيام وَكتب إِلَى أَطْرَاف الشأم فِي الْحَث على قتال الْمَذْكُورين وَأَنَّهَا غزَاة فِي سَبِيل الله
ثمَّ تجهز هُوَ بِمن مَعَه لغزوهم بِالْجَبَلِ صَحبه ولي الْأَمر نَائِب المملكة المعظمة أعز الله نَصره والجيوش الشآمية المنصورة وَمَا زَالَ مَعَ ولي الْأَمر فِي حصارهم وقتالهم حَتَّى فتح الله الْجَبَل وَأجلى أَهله وَكَانَ من أصعب الْجبَال وأشقها ساحة وَكَانَت الْمُلُوك الْمُتَقَدّمَة لَا تقدم على حصاره مَعَ علمهَا بِمَا عَلَيْهِ أَهله من الْبَغي وَالْخُرُوج على الإِمَام والعصيان وَلَيْسَ إِلَّا لصعوبة المسلك ومشقة النُّزُول عَلَيْهِم
وَكَذَلِكَ لما حَاصَرَهُمْ بيدرا بالجيش رَحل عَنْهُم وَلم ينل مِنْهُم منالا لذَلِك السَّبَب وَلغيره وَذَلِكَ عقيب فتح قلعة الرّوم ففتحه الله على يَدي ولي الْأَمر نَائِب الشَّام المحروس أعز الله نَصره
وَكَانَ فَتحه أحد المكرمات والكرامات المعدودة للشَّيْخ لسببين على مَا يَقُوله النَّاس
أَحدهمَا لكَون أهل هَذَا الْجَبَل بغاة رافضة سبابة تعين قِتَالهمْ
وَالثَّانِي لِأَن جبل الصالحية لما استولت الرافضة عَلَيْهِ فِي حَال اسْتِيلَاء الطاغية قازان أَشَارَ بعض كبرائهم بِنَهْب الْجَبَل وَسبي أَهله وقتلهم وتحريق مساكنهم انتقاما مِنْهُم لكَوْنهم سنية وَسَمَّاهُمْ ذَلِك المشير نواصب فَكَانَ مَا كَانَ من أَمر جبل الصالحية بذلك القَوْل وَتلك الْإِشَارَة
قَالُوا فكوفىء الرافضة بِمثل ذَلِك بِإِشَارَة كَبِير من كبراء أهل السّنة وزنا يُوزن جَزَاء على يَد ولي الْأَمر وجيوش الْإِسْلَام
والمشير الْمَذْكُور هُوَ الشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ
وَلما فتح الْجَبَل وَصَارَ الْجَيْش بعد الْفَتْح إِلَى دمشق المحروسة عكف خَاص النَّاس وعامهم على الشَّيْخ بالزيارة وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ والتهنئة بسلامته وَالْمَسْأَلَة لَهُ مِنْهُم عَن كَيْفيَّة الْحصار للجبل وَصُورَة قتال أَهله وَعَما وَقع بَينهم وَبَين الجيوش من المراسلات وَغَيرهَا فَحكى