الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأجَاب غَيره فَقَالَ
بعد حمد الله الَّذِي هُوَ فاتح كل كَلَام وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله مُحَمَّد خير الْأَنَام وعَلى آله وَأَصْحَابه البررة الْكِرَام أَعْلَام الْهدى ومصابيح الظلام
يَقُول أفقر عباد الله وأحوجهم إِلَى عَفوه مَا حَكَاهُ الشَّيْخ الإِمَام البارع الْهمام افتخار الْأَنَام جمال الْإِسْلَام ركن الشَّرِيعَة نَاصِر السّنة قامع الْبِدْعَة جَامع أشتات الْفَضَائِل قدوة الْعلمَاء الأماثل فِي هَذَا الْجَواب من أَقْوَال الْعلمَاء وَالْأَئِمَّة النبلاء رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ بَين لَا يدْفع ومكشوف لَا يتقنع بل أوضج من النيرين وَأظْهر من فرق الصُّبْح لذِي عينين والعمدة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته ومنشأ الْخلاف بَين الْعلمَاء من احتمالي صيغته
وَذَلِكَ أَن صِيغَة قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تشد الرّحال ذَات وَجْهَيْن نفي وَنهي لاحتمالهما فَإِن لحظ معنى النَّفْي فمقتضاه نفي فَضِيلَة واستحباب شدّ الرّحال وإعمال الْمطِي إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة إِذْ لَو فرض وقوعهما لامتنع رفعهما فَتعين توجه النَّفْي إِلَى فضيلتهما
واستحبابهما دون ذاتهما وَهَذَا عَام فِي كل مَا يعْتَقد أَن إِعْمَال الْمطِي وَشد الرّحال إِلَيْهِ قربَة وفضيلة من الْمَسَاجِد وزيارة قُبُور الصَّالِحين وَمَا جرى هَذَا المجرى بل أَعم من ذَلِك وَإِثْبَات ذَلِك بِدَلِيل ضَرُورَة إِثْبَات ذَلِك الْمَنْفِيّ الْمُقدر فِي صدر الْجُمْلَة لما بعد إِلَّا وَإِلَّا لما افترق الحكم بَين مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا وَهُوَ مفترق حِينَئِذٍ لَا يلْزم من نفي الْفَضِيلَة والاستحباب نفي الْإِبَاحَة فَهَذَا وَجه متمسك من قَالَ بِإِبَاحَة هَذَا السّفر بِالنّظرِ إِلَى أَن هَذِه الصِّيغَة نفي وَبنى على ذَلِك جَوَاز الْقصر
وَإِن كَانَ النَّهْي ملحوظا فَالْمَعْنى نَهْيه عَن إِعْمَال الْمطِي وَشد الرّحال إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة إِذْ الْمُقَرّر عِنْد عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ أَن النَّهْي عَن الشَّيْء قَاض بِتَحْرِيمِهِ أَو كَرَاهَته على حسب مُقْتَضى الْأَدِلَّة فَهَذَا وَجه متمسك من قَالَ بِعَدَمِ جَوَاز الْقصر فِي هَذَا السّفر لكَونه مَنْهِيّا عَنهُ وَمِمَّنْ قَالَ بحرمته الشَّيْخ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ من الشَّافِعِيَّة وَالشَّيْخ أَبُو الْوَفَاء ابْن عقيل من الْحَنَابِلَة وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ القَاضِي عِيَاض من الْمَالِكِيَّة إِلَى اخْتِيَاره
وَمَا جَاءَ من الْأَحَادِيث فِي اسْتِحْبَاب زِيَارَة الْقُبُور فَمَحْمُول على مَا لم يكن فِيهِ شدّ رَحل وإعمال مطي جمعا بَينهمَا
وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يصلح أَن يكون غير حَدِيث لَا تشد الرّحال مُعَارضا لَهُ لعدم مساواته إِيَّاه فِي الدرجَة لكَونه من أَعلَى أَقسَام الصَّحِيح وَالله اعْلَم
وَقد بَلغنِي أَنه رزىء وضيق على الْمُجيب وَهَذَا أَمر يحار فِيهِ اللبيب ويتعجب مِنْهُ الأريب وَيَقَع بِهِ فِي شكّ مريب
فَإِن جَوَابه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَاض بِذكر خلاف الْعلمَاء وَلَيْسَ حَاكما بالغض من الصَّالِحين والأنبياء فَإِن الْأَخْذ بِمُقْتَضى كَلَامه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَة رَفعه إِلَيْهِ هُوَ الْغَايَة القصوى فِي تتبع أوامره ونواهيه والعدول عَن ذَلِك مَحْذُور وَذَلِكَ مِمَّا لَا مرية فِيهِ
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَأَي حرج على من سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَذكر فِيهَا خلاف الْفُقَهَاء وَمَال فِيهَا إِلَى بعض أَقْوَال الْعلمَاء فَإِن الْأَمر لم يزل كَذَلِك على ممر العصور وتعاقب الدهور
وَهل ذَلِك مَحْمُول من القادح إِلَّا على امتطاء نضو الْهوى المفضي بِصَاحِبِهِ إِلَى التوى فَإِن من يقتبس من فَوَائده ويلتقط من فرائده لحقيق بالتعظيم وخليق بالتكريم مِمَّن لَهُ الْفَهم السَّلِيم والذهن الْمُسْتَقيم وَهل حكم الْمظَاهر عَلَيْهِ فِي الظَّاهِر إِلَّا كَمَا قيل فِي الْمثل السائر وَقَول الشَّاعِر الشّعير يُؤْكَل ويذم
.. جزى بنوه أَب الغيلان عَن كبر
…
وَحسن فعل كَمَا يجزى سنمار
…
غَيره
…
وَحَدِيث ألذه وَهُوَ مِمَّا
…
ينعَت الناعتون يُوزن وزنا
منطق رائع ويلحن أَحْيَا
…
نَا وَخير الحَدِيث مَا كَانَ لحناك
…
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى وَاتَّقوا الله إِن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما} وَقَالَ تَعَالَى {ولينصرن الله من ينصره إِن الله لقوي عَزِيز}
وَلَوْلَا خشيَة الملالة لما نكبت عَن الإطالة
نسْأَل الله الْكَرِيم أَن يسْلك بِنَا وبكم سَبِيل الْهِدَايَة وَأَن يجنبنا وَإِيَّاكُم مَسْلَك الغواية إِنَّه على كل شَيْء قدير وبالإجابة جدير حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل وَنعم النصير
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وصلوات الله وَسَلَامه على سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد النَّبِي وَآله الطاهرين وَأَصْحَابه الْكِرَام المنتخبين