الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَتْوَى وجوابها الْمُتَّصِل بِهَذَا السُّؤَال الْمَنْسُوخ عقبه وَصُورَة ذَلِك
مَا يَقُول السَّادة الْعلمَاء أَئِمَّة الدّين نفع الله بهم الْمُسلمين فِي رجل نوى السّفر إِلَى زِيَارَة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ مثل نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَغَيره فَهَل يجوز لَهُ فِي سَفَره أَن يقصر الصَّلَاة وَهل هَذِه الزِّيَارَة شَرْعِيَّة أم لَا
وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من حج وَلم يزرني فقد جفاني وَمن زارني بعد موتِي كمن زارني فِي حَياتِي وَقد رُوِيَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَيْضا أَنه قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى
افتونا مَأْجُورِينَ رحمكم الله
الْجَواب
الْحَمد لله رب الْعَالمين
أما من سَافر لمُجَرّد زِيَارَة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ فَهَل يجوز لَهُ قصر الصَّلَاة على قَوْلَيْنِ معروفين
أَحدهمَا وَهُوَ قَول مُتَقَدِّمي الْعلمَاء الَّذين لَا يجوزون الْقصر فِي سفر الْمعْصِيَة كَأبي عبد الله بن بطة وَأبي الْوَفَاء بن عقيل وَطَوَائِف كَثِيرَة
من الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين أَنه لَا يجوز الْقصر فِي مثل هَذَا السّفر لِأَنَّهُ سفر منهى عَنهُ وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَن السّفر المنهى عَنهُ فِي الشَّرِيعَة لَا يقصر فِيهِ
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يقصر وَهَذَا يَقُوله من يجوز الْقصر فِي السّفر الْمحرم كَأبي حنيفَة ويقوله بعض الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَاحْمَدْ مِمَّن يجوز السّفر لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ كَأبي حَامِد الْغَزالِيّ وَأبي الْحسن ابْن عَبدُوس الْحَرَّانِي وَأبي مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ إِن هَذَا السّفر لَيْسَ بِمحرم لعُمُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم زوروا الْقُبُور
وَقد يحْتَج بعض من لَا يعرف الحَدِيث بالأحاديث المروية فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِه من زارني بعد مماتي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَأما مَا ذكره بعض النَّاس من قَوْله من حج وَلم يزرني فقد جفاني فَهَذَا لم يروه أحد من الْعلمَاء وَهُوَ مثل قَوْله من زارني وزار أبي إِبْرَاهِيم فِي عَام وَاحِد ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة
فَإِن هَذَا أَيْضا بِاتِّفَاق الْعلمَاء لم يروه أحد وَلم يحْتَج بِهِ أحد وَإِنَّمَا يحْتَج بَعضهم بِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَنَحْوه
وَقد احْتج أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي على جَوَاز السّفر لزيارة الْقُبُور بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يزور مَسْجِد قبَاء
وَأجَاب عَن حَدِيث لَا تشد الرّحال بِأَن ذَلِك مَحْمُول على نفي الِاسْتِحْبَاب
وَأما الْأَولونَ فَإِنَّهُم يحتجون بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى
وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا اتّفق الْأَئِمَّة على صِحَّته وَالْعَمَل بِهِ فَلَو نذر أَن يشد الرحل ليُصَلِّي بِمَسْجِد أَو مشْهد أَو يعْتَكف فِيهِ ويسافر إِلَيْهِ غير هَذِه الثَّلَاثَة لم يجب عَلَيْهِ ذَلِك بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة
وَلَو نذر أَن يُسَافر وَيَأْتِي الْمَسْجِد الْحَرَام لحج أَو عمْرَة وَجب عَلَيْهِ ذَلِك بِاتِّفَاق الْعلمَاء
وَلَو نذر أَن يَأْتِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو الْمَسْجِد الْأَقْصَى لصَلَاة أَو اعْتِكَاف وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهَذَا النّذر عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد وَلم يجب عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا يجب عِنْده بِالنذرِ إِلَّا مَا كَانَ جنسه وَاجِبا بِالشَّرْعِ
أما الْجُمْهُور فيوجبون الْوَفَاء بِكُل طَاعَة كَمَا ثَبت فِي صَحِيح
البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ
وَالسّفر إِلَى المسجدين طَاعَة فَلهَذَا وَجب الْوَفَاء بِهِ
وَأما السّفر إِلَى بقْعَة غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَلم يُوجب اُحْدُ من الْعلمَاء السّفر غليه إِذا نَذره حَتَّى نَص الْعلمَاء على أَنه لَا يُسَافر إِلَى مسسجد قبَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة مَعَ أَن مَسْجِد قبَاء يسْتَحبّ زيارته لمن كَانَ فِي الْمَدِينَة لِأَن ذَلِك لَيْسَ بشد رَحل كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح من تطهر فِي بَيته ثمَّ أَتَى مَسْجِد قبَاء لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فِيهِ كَانَ كعمرة
قَالُوا وَلِأَن السّفر إِلَى زِيَارَة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ بِدعَة لم يَفْعَلهَا أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا أَمر بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا اسْتحبَّ ذَلِك أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين فَمن اعْتقد ذَلِك عبَادَة وَفعله فَهُوَ مُخَالف للسّنة ولإجماع الْأَئِمَّة
وَهَذَا مَا ذكره أَبُو عبد الله بن بطة فِي الْإِبَانَة الصُّغْرَى من الْبدع الْمُخَالفَة للسّنة وَالْإِجْمَاع
وَبِهَذَا يظْهر بطلَان حجَّة أبي مُحَمَّد الْمَقْدِسِي لِأَن زِيَارَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لمَسْجِد قبَاء لم تكن بشد رَحل وَلِأَن السّفر إِلَيْهِ لَا يجب بِالنذرِ
وَقَوله بِأَن الحَدِيث الَّذِي مضمونه لَا تشد الرّحال مَحْمُول على نفي الِاسْتِحْبَاب يُجَاب عَنهُ بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَن هَذَا إِن سلم فِيهِ أَن هَذَا السّفر لَيْسَ بِعَمَل صَالح وَلَا قربَة وَلَا طَاعَة وَلَا هُوَ من الْحَسَنَات فَإِذا من اعْتقد أَن السّفر لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ قربَة وَعبادَة وَطَاعَة فقد خَالف الْإِجْمَاع وَإِذا سَافر لاعتقاد أَن ذَلِك طَاعَة كَانَ ذَلِك محرما بِإِجْمَاع الْمُسلمين فَصَارَ التَّحْرِيم من جِهَة اتِّخَاذه قربَة وَمَعْلُوم أَن أحدا لَا يُسَافر إِلَيْهَا إِلَّا لذَلِك
وَأما إِذا نذر الرجل أَن يُسَافر إِلَيْهَا لغَرَض مُبَاح فَهَذَا جَائِز وَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب
الْوَجْه الثَّانِي أَن هَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي النَّهْي وَالنَّهْي يَقْتَضِي التَّحْرِيم وَمَا ذَكرُوهُ من الْأَحَادِيث فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَكلهَا ضَعِيفَة بِاتِّفَاق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ بل هِيَ مَوْضُوعَة لم يرو أحد من أهل السّنَن الْمُعْتَمدَة شَيْئا مِنْهَا وَلم يحْتَج أحد من الْأَئِمَّة بِشَيْء مِنْهَا بل مَالك إِمَام أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الَّذين هم أعلم النَّاس بِحكم هَذِه الْمَسْأَلَة كره أَن يَقُول الرجل زرت قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَو كَانَ هَذَا اللَّفْظ مَعْرُوفا عِنْدهم أَو مَشْرُوعا أَو مأثورا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يكرههُ عَالم أهل الْمَدِينَة
وَالْإِمَام أَحْمد أعلم النَّاس فِي زَمَانه بِالسنةِ لما سُئِلَ عَن ذَلِك لم
يكن عِنْده مَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي ذَلِك من الْأَحَادِيث إِلَّا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من رجل يسلم عَليّ إِلَّا رد الله عَليّ روحي حَتَّى أرد عليه السلام
وعَلى هَذَا اعْتمد أَبُو دَاوُد فِي سنَنه
وَكَذَلِكَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر أَنه كَانَ إِذا دخل الْمَسْجِد قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَت ثمَّ ينْصَرف
وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لاتتخذوا قَبْرِي عيدا وصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم
وَفِي سنَن سعيد بن مَنْصُور أَن عبد الله بن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب رأى رجلا يخْتَلف إِلَى قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدا وصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ حَيْثُمَا كُنْتُم تبلغني فَمَا أَنْت وَرجل بالأندلس مِنْهُ إِلَّا سَوَاء
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ فِي مرض مَوته لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد
يحذر مَا فعلوا وَلَوْلَا ذَلِك لابرز قَبره وَلَكِن كره أَن يتَّخذ مَسْجِدا
وهم دفنوه صلى الله عليه وسلم فِي حجرَة عَائِشَة رضي الله عنها خلاف مَا اعتادوه من الدّفن فِي الصَّحرَاء لِئَلَّا يُصَلِّي أحد عِنْد قَبره ويتخذه مَسْجِدا فيتخذ قَبره وثنا
وَكَانَ الصَّحَابَة والتابعون لما كَانَت الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة مُنْفَصِلَة عَن الْمَسْجِد إِلَى زمن الْوَلِيد بن عبد الملك لَا يدْخل أحد إِلَيْهِ لَا لصَلَاة هُنَاكَ وَلَا تمسح بالقبر وَلَا دُعَاء هُنَاكَ بل هَذَا جَمِيعه إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْمَسْجِد
وَكَانَ السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِذا سلمُوا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَرَادُوا الدُّعَاء دعوا مستقبلي الْقبْلَة وَلم يستقبلوا الْقَبْر
وَأما الْوُقُوف للسلام عَلَيْهِ صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه فَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْتَقْبل الْقبْلَة أَيْضا وَلَا يسْتَقْبل الْقَبْر
وَقَالَ أَكثر الْأَئِمَّة يسْتَقْبل الْقَبْر عِنْد الدُّعَاء
وَلَيْسَ فِي ذَلِك إِلَّا حِكَايَة مكذوبة تروى عَن مَالك ومذهبه بِخِلَافِهَا
وَاتفقَ الْأَئِمَّة على أَنه لَا يمس قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا يقبله
وَهَذَا كُله مُحَافظَة على التَّوْحِيد فَإِن من أصُول الشّرك بِاللَّه اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد كَمَا قَالَ طَائِفَة من السّلف فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا وَلَا يَغُوث ويعوق ونسرا} قَالُوا هَؤُلَاءِ كَانُوا قوما صالحين فِي قوم نوح فَلَمَّا مَاتُوا عكفوا على قُبُورهم ثمَّ صوروا على صورهم تماثيل ثمَّ طَال عَلَيْهِم الأمد فعبدوها
وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه هَذَا الْمَعْنى عَن ابْن عَبَّاس
وَذكره مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي التَّفْسِير عَن غير وَاحِد من السّلف وَذكره وثيمة وَغَيره فِي قصَص الْأَنْبِيَاء من عدَّة طرق
وَقد بسطت الْكَلَام على أصُول هَذِه الْمسَائِل فِي غير هَذَا الْموضع
وَأول من وضع هَذِه الْأَحَادِيث فِي السّفر لزيارة الْمشَاهد الَّتِي على الْقُبُور أهل الْبدع من الرافضة وَنَحْوهم الَّذين يعطلون الْمَسَاجِد ويعظمون الْمشَاهد يدعونَ بيُوت الله الَّتِي أَمر الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه ويعبد
وَحده لَا شريك لَهُ ويعظمون الْمشَاهد الَّتِي يُشْرك فِيهَا ويكذب ويبتدع فِيهَا دين لم ينزل الله بِهِ سُلْطَانا فَإِن الْكتاب وَالسّنة إِنَّمَا فيهمَا ذكر الْمَسَاجِد دون الْمشَاهد كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد وادعوه مُخلصين لَهُ الدّين}
وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر}
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد}
وَقَالَ تَعَالَى {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا}
وَقَالَ تَعَالَى {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وسعى فِي خرابها}
وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيح أَنه كَانَ يَقُول إِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا يتخذون الْقُبُور مَسَاجِد أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد فَإِنِّي أنهاكم عَن ذَلِك
هَذَا آخر مَا أجَاب بِهِ شيخ الْإِسْلَام وَالله سبحانه وتعالى أعلم
وَله من الْكَلَام فِي مثل هَذَا كثير كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْجَواب
وَلما ظفروا فِي دمشق بِهَذَا الْجَواب كتبوه وبعثوا بِهِ إِلَى الديار المصرية وَكتب عَلَيْهِ قَاضِي الشَّافِعِيَّة
قابلت الْجَواب عَن هَذَا السُّؤَال الْمَكْتُوب على خطّ ابْن تَيْمِية فصح إِلَى أَن قَالَ وَإِنَّمَا المحرف جعله زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وقبور الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم مَعْصِيّة بِالْإِجْمَاع مَقْطُوع بهَا
هَذَا كَلَامه فَانْظُر إِلَى هَذَا التحريف على شيخ الْإِسْلَام وَالْجَوَاب لَيْسَ فِيهِ الْمَنْع من زِيَارَة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ قَوْلَيْنِ فِي شدّ الرحل وَالسّفر إِلَى مُجَرّد زِيَارَة الْقُبُور وزيارة الْقُبُور من غير شدّ رَحل إِلَيْهَا مَسْأَلَة وَشد الرحل لمُجَرّد الزِّيَارَة مَسْأَلَة أُخْرَى
وَالشَّيْخ لَا يمْنَع الزِّيَارَة الخالية عَن شدّ رَحل بل يستحبها وَينْدب إِلَيْهَا وَكتبه ومناسكه تشهد بذلك وَلم يتَعَرَّض الشَّيْخ إِلَى هَذِه الزِّيَارَة فِي الْفتيا وَلَا قَالَ إِنَّهَا مَعْصِيّة وَلَا حكى الْإِجْمَاع على الْمَنْع مِنْهَا وَالله سبحانه وتعالى لَا تخفى عَلَيْهِ خافية
وَلما وصل خطّ القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى الديار المصرية كثر الْكَلَام وعظمت الْفِتْنَة وَطلب الْقُضَاة بهَا فَاجْتمعُوا وَتَكَلَّمُوا وَأَشَارَ بَعضهم بِحَبْس الشَّيْخ فرسم السُّلْطَان بِهِ وَجرى مَا تقدم ذكره
ثمَّ جرى بعد ذَلِك أُمُور على القائمين فِي هَذِه الْقَضِيَّة لَا يُمكن ذكرهَا فِي هَذَا الْموضع