الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَسْكَر دمشق إِلَيْهِم لغزوهم واستئصالهم فِي ثَانِي شهر الْمحرم من سنة خمس وَسَبْعمائة وَكَانَ قد توجه قبله الْعَسْكَر طَائِفَة بعد طَائِفَة فِي ذِي الْحجَّة
وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر وصل النَّائِب والعسكر مَعَه إِلَى دمشق بعد أَن نَصرهم الله تَعَالَى على حزب الضلال من الروافض والنصيرية وَأَصْحَاب العقائد الْفَاسِدَة وأبادهم الله من تِلْكَ الأَرْض وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
رِسَالَة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر
ثمَّ إِن الشَّيْخ رحمه الله بعد وقْعَة جبل كسروان أرسل رِسَالَة إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر يذكر فِيهَا مَا أنعم الله على السُّلْطَان وعَلى أهل الْإِسْلَام بِسَبَب فتوح الْجَبَل الْمَذْكُور وَهِي هَذِه
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
من الدَّاعِي احْمَد بن تَيْمِية إِلَى سُلْطَان الْمُسلمين وَمن أيد الله فِي دولته الدّين أَو عز بهَا عباده الْمُؤمنِينَ وقمع فِيهَا الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ والخوارج المارقين نَصره الله وَنصر بِهِ الْإِسْلَام وَأصْلح لَهُ وَبِه أُمُور الْخَاص وَالْعَام وأحيى بِهِ معالم الْإِيمَان وَأقَام بِهِ شرائع الْقُرْآن وأذل بِهِ أهل الْكفْر والفسوق والعصيان
سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَإنَّا نحمد إِلَيْكُم الله الَّذِي
لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَهُوَ للحمد أهل وَهُوَ على كل شَيْء قدير ونسأله أَن يصلى على خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد فقد صدق الله وعده وَنصر عَبده وأعز جنده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده وأنعم الله على السُّلْطَان وعَلى الْمُؤمنِينَ فِي دولته نعما لم تعهد فِي الْقُرُون الخالية وجدد الْإِسْلَام فِي أَيَّامه تجديدا بَانَتْ فضيلته على الدول الْمَاضِيَة وَتحقّق فِي ولَايَته خبر الصَّادِق المصدوق أفضل الْأَوَّلين والآخرين الَّذِي أخبر فِيهِ عَن تَجْدِيد الدّين فِي رُءُوس المئين وَالله تَعَالَى يوزعه وَالْمُسْلِمين شكر هَذِه النعم الْعَظِيمَة فِي الدُّنْيَا وَالدّين ويتمها بِتمَام النَّصْر على سَائِر الْأَعْدَاء المارقين
وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان أتم الله نعْمَته حصل للْأمة بيمن ولَايَته وَحسن نِيَّته وَصِحَّة إِسْلَامه وعقيدته وبركة إيمَانه ومعرفته وَفضل همته وشجاعته وَثَمَرَة تَعْظِيمه للدّين وشرعته ونتيجة اتِّبَاعه لكتاب الله وحكمته مَا هُوَ شَبيه بِمَا كَانَ يجْرِي فِي أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَمَا كَانَ يَقْصِدهُ أكَابِر الْأَئِمَّة العادلين من جِهَاد أَعدَاء الله المارقين من الدّين وهم صنفان
أهل الْفُجُور والطغيان وذوو الغي والعدوان الخارجون عَن
شرائع الْإِيمَان طلبا للعلو فِي الأَرْض وَالْفساد وتركا لسبيل الْهدى والرشاد وَهَؤُلَاء هم التتار وَنَحْوهم من كل خَارج عَن شرائع الْإِسْلَام وَإِن تمسك بِالشَّهَادَتَيْنِ أَو بِبَعْض سياسة الْإِسْلَام
والصنف الثَّانِي أهل الْبدع المارقون وذوو الضلال المُنَافِقُونَ الخارجون عَن السّنة وَالْجَمَاعَة المفارقون للشرعة وَالطَّاعَة مثل هَؤُلَاءِ الَّذين غزوا بِأَمْر السُّلْطَان من أهل الْجَبَل والجرد والكسروان فَإِن مَا من الله بِهِ من الْفَتْح والنصر على هَؤُلَاءِ الطغام هُوَ من عزائم الْأُمُور الَّتِي أنعم الله بهَا على السُّلْطَان وَأهل الْإِسْلَام
وَذَلِكَ أَن هَؤُلَاءِ وجنسهم من أكَابِر المفسدين فِي أَمر الدُّنْيَا وَالدّين
فَإِن اعْتِقَادهم أَن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَأهل بدر وبيعة الرضْوَان وَجُمْهُور الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان وأئمة الْإِسْلَام وعلماءهم اهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَغَيرهم ومشايخ الْإِسْلَام وعبادهم وملوك الْمُسلمين وأجنادهم وعوام الْمُسلمين وأفرادهم كل هَؤُلَاءِ عِنْدهم كفار مرتدون أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لأَنهم مرتدون عِنْدهم وَالْمُرْتَدّ شَرّ من الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَلِهَذَا السَّبَب يقدمُونَ الفرنج والتتار على أهل الْقُرْآن وَالْإِيمَان
وَلِهَذَا لما قدم التتار إِلَى الْبِلَاد وفعلوا بعسكر الْمُسلمين مَالا يُحْصى
من الْفساد وَأَرْسلُوا إِلَى أهل قبرص فملكوا بعض السَّاحِل وحملوا راية الصَّلِيب وحملو إِلَى قبرص من خيل الْمُسلمين وسلاحهم وأسراهم مَالا يُحْصى عدده إِلَّا الله وَأقَام سوقهم بالسَّاحل عشْرين يَوْمًا يبيعون فِيهِ الْمُسلمين وَالْخَيْل وَالسِّلَاح على أهل قبرص وفرحوا بمجيء التتار هم وَسَائِر أهل هَذَا الْمَذْهَب الملعون مثل أهل جزين وَمَا حواليها وجبل عَامل ونواحيه
وَلما خرجت العساكر الإسلامية من الديار المصرية ظهر فيهم من الخزي والنكال مَا عرفه النَّاس مِنْهُم وَلما نصر الله الْإِسْلَام النُّصْرَة الْعُظْمَى عِنْد قدوم السُّلْطَان كَانَ بَينهم شَبيه بالعزاء
كل هَذَا وَأعظم مِنْهُ عِنْد هَذِه الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت من أعظم الْأَسْبَاب فِي خُرُوج جنكسخان إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَفِي اسْتِيلَاء هولاكو على بَغْدَاد وَفِي قدومه إِلَى حلب وَفِي نهب الصالحية وَفِي غير ذَلِك من أَنْوَاع الْعَدَاوَة لِلْإِسْلَامِ وَأَهله
لَان عِنْدهم أَن كل من لم يوافقهم على ضلالهم فَهُوَ كَافِر مُرْتَد وَمن اسْتحلَّ الفقاع فَهُوَ كَافِر وَمن مسح على الْخُفَّيْنِ فَهُوَ عِنْدهم كَافِر وَمن حرم الْمُتْعَة فَهُوَ عِنْدهم كَافِر وَمن أحب أَبَا بكر أَو عمر أَو عُثْمَان
أَو ترضي عَنْهُم أَو عَن جَمَاهِير الصَّحَابَة فَهُوَ عِنْدهم كَافِر وَمن لم يُؤمن بمنتظرهم فَهُوَ عِنْدهم كَافِر
وَهَذَا المنتظر صبي عمره سنتَانِ أَو ثَلَاث أَو خمس يَزْعمُونَ أَنه دخل السرداب بسامرا من أَكثر من أَرْبَعمِائَة سنة وَهُوَ يعلم كل شَيْء وَهُوَ حجَّة الله على أهل الأَرْض فَمن لم يُؤمن بِهِ فَهُوَ عِنْدهم كَافِر وَهُوَ شَيْء لَا حَقِيقَة لَهُ وَلم يكن هَذَا فِي الْوُجُود قطّ
وَعِنْدهم من قَالَ إِن الله يرى فِي الْآخِرَة فَهُوَ كَافِر وَمن قَالَ إِن الله تكلم بِالْقُرْآنِ حَقِيقَة فَهُوَ كَافِر وَمن قَالَ إِن الله فَوق السَّمَوَات فَهُوَ كَافِر وَمن آمن بِالْقضَاءِ وَالْقدر وَقَالَ إِن الله يهدي من يَشَاء ويضل من يَشَاء وَأَن الله يقلب قُلُوب عباده وَأَن الله خَالق كل شَيْء فَهُوَ عِنْدهم كَافِر وَعِنْدهم أَن من آمن بِحَقِيقَة أَسمَاء الله وَصِفَاته الَّتِي أخبر بهَا فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله فَهُوَ عِنْدهم كَافِر
هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الَّذِي تلقنه لَهُم أئمتهم مثل بني الْعود فَإِنَّهُم شُيُوخ أهل هَذَا الْجَبَل وهم الَّذين كَانُوا يأمرونهم بِقِتَال الْمُسلمين ويفتونهم بِهَذِهِ الْأُمُور
وَقد حصل بأيدي الْمُسلمين طَائِفَة من كتبهمْ تصنيف ابْن الْعود وَغَيره وفيهَا هَذَا وَأعظم مِنْهُ وهم اعْتَرَفُوا لنا بِأَنَّهُم الَّذين علموهم وَأمرُوهُمْ لكِنهمْ مَعَ هَذَا يظهرون التقية والنفاق ويتقربون ببذل الْأَمْوَال إِلَى
من يقبلهَا مِنْهُم وَهَكَذَا كَانَ عَادَة هَؤُلَاءِ الجبلية فَإِنَّمَا أَقَامُوا بجبلهم لما كَانُوا يظهرونه من النِّفَاق ويبذلونه من الْبر طيل لمن يقصدهم
وَالْمَكَان الَّذِي لَهُم فِي غَايَة الصعوبة ذكر أهل الْخِبْرَة أَنهم لم يرَوا مثله وَلِهَذَا كثر فسادهم فَقتلُوا من النُّفُوس وَأخذُوا من الْأَمْوَال مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله
وَلَقَد كَانَ جيرانهم من أهل الْبِقَاع وَغَيرهَا مَعَهم فِي أَمر لَا يضْبط شَره كل لَيْلَة تنزل عَلَيْهِم مِنْهُم طَائِفَة ويفعلون من الْفساد مَالا يُحْصِيه إِلَّا رب الْعباد كَانُوا فِي قطع الطرقات وإخافة سكان البيوتات على أقبح سيرة عرفت من أهل الْجِنَايَات يرد إِلَيْهِم النَّصَارَى من أهل قبرص فيضيفونهم ويعطونهم سلَاح الْمُسلمين ويقعون بِالرجلِ الصَّالح من الْمُسلمين فإمَّا أَن يقتلوه أَو يسلبوه وَقَلِيل مِنْهُم من يفلت مِنْهُم بالحيلة
فَأَعَانَ الله وَيسر بِحسن نِيَّة السُّلْطَان وهمته فِي إِقَامَة شرائع الْإِسْلَام وعنايته بجهاد المارقين أَن غزوا غَزْوَة شَرْعِيَّة كَمَا أَمر الله وَرَسُوله بعد أَن كشفت أَحْوَالهم وأزيحت عللهم وأزيلت شبههم وبذل لَهُم من الْعدْل والإنصاف مَا لم يَكُونُوا يطمعون بِهِ وَبَين لَهُم أَن غزوهم اقْتِدَاء بسيرة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فِي قتال الحرورية
المارقين الَّذين تَوَاتر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَمر بقتالهم ونعت حَالهم من وُجُوه مُتعَدِّدَة أخرج مِنْهَا أَصْحَاب الصَّحِيح عشرَة أوجه من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَسَهل بن حنيف وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ وَرَافِع بن عَمْرو وَغَيرهم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم
قَالَ فيهم يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ وقراءته مَعَ قراءتهم يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية لَئِن أدركتهم لأقتلنهم قتل عَاد لَو يعلم الَّذين يقاتلونهم مَاذَا لَهُم على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عَن الْعَمَل يقتلُون أهل الْإِسْلَام وَيدعونَ أهل الْأَوْثَان يقرأون الْقُرْآن يحسبون أَنه لَهُم وَهُوَ عَلَيْهِم شَرّ قَتْلَى تَحت أَدِيم السَّمَاء خير قَتْلَى من قَتَلُوهُ
وَأول مَا خرج هَؤُلَاءِ زمن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رضي الله عنه وَكَانَ لَهُم من الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْقِرَاءَة وَالْعِبَادَة والزهادة مَا لم يكن لعُمُوم الصَّحَابَة لَكِن كَانُوا خَارِجين عَن سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَعَن جمَاعَة الْمُسلمين وَقتلُوا من الْمُسلمين رجلا اسْمه عبد الله بن خباب وأغاروا على دَوَاب للْمُسلمين
وَهَؤُلَاء الْقَوْم كَانُوا أقل صَلَاة وصياما وَلم نجد فِي جبلهم مُصحفا وَلَا فيهم قَارِئًا لِلْقُرْآنِ وَإِنَّمَا عِنْدهم عقائدهم الَّتِي خالفوا فِيهَا الْكتاب وَالسّنة وأباحوا بهَا دِمَاء الْمُسلمين وهم مَعَ هَذَا فقد سَفَكُوا من الدِّمَاء وَأخذُوا من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصى عدده إِلَّا الله تَعَالَى
فَإِذا كَانَ عَليّ بن أبي طَالب قد أَبَاحَ لعسكره أَن ينهبوا مَا فِي عَسْكَر الْخَوَارِج مَعَ انه قَتلهمْ جَمِيعهم كَانَ هَؤُلَاءِ أَحَق بِأخذ أَمْوَالهم وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة المتأولين الَّذين نَادَى فيهم عَليّ بن أبي طَالب يَوْم الْجمل إِنَّه لَا يقتل مدبرهم وَلَا يُجهز على جريحهم وَلَا يغم لَهُم مَالا وَلَا يسبى لَهُم ذُرِّيَّة لِأَن مثل أُولَئِكَ لَهُم تَأْوِيل سَائِغ وَهَؤُلَاء لَيْسَ
لَهُم تَأْوِيل سَائِغ وَمثل أُولَئِكَ إِنَّمَا يكونُونَ خَارِجين عَن طَاعَة الإِمَام وَهَؤُلَاء خَرجُوا عَن شَرِيعَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وهم شَرّ من التتار من وُجُوه مُتعَدِّدَة لَكِن التتر أَكثر وَأقوى فَلذَلِك يظْهر كَثْرَة شرهم
وَكثير من فَسَاد التتر هُوَ لمخالطة هَؤُلَاءِ لَهُم كَمَا كَانَ فِي زمن قازان وهولاكو وَغَيرهمَا فَإِنَّهُم أخذُوا من أَمْوَال الْمُسلمين أَضْعَاف مَا أخذُوا من أَمْوَالهم وأرضهم فَيْء لبيت المَال
وَقد قَالَ كثير من السّلف إِن الرافضة لَا حق لَهُم من الْفَيْء لِأَن الله إِنَّمَا جعل الْفَيْء للمهاجرن وَالْأَنْصَار {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم} فَمن لم يكن قلبه سليما لَهُم وَلسَانه مُسْتَغْفِرًا لَهُم لم يكن من هَؤُلَاءِ
وَقطعت أَشْجَارهم لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني النَّضِير قطع أَصْحَابه نَخْلهمْ وحرقوه فَقَالَ الْيَهُود هَذَا فَسَاد وَأَنت يَا مُحَمَّد تنْهى عَن الْفساد فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله وليخزي الْفَاسِقين}
وَقد اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز قطع الشّجر وتخريب العامر عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِك بِأولى من قتل النُّفُوس وَمَا أمكن غير ذَلِك
فَإِن الْقَوْم لم يحضروا كلهم من الْأَمَاكِن الَّتِي اختفوا فِيهَا وَأَيِسُوا من الْمقَام فِي الْجَبَل إِلَّا حِين قطعت الْأَشْجَار وَإِلَّا كَانُوا يختفون حَيْثُ لَا يُمكن الْعلم بهم وَمَا أمكن أَن يسكن الْجَبَل غَيرهم لِأَن التركمان إِنَّمَا قصدهم الرعى وَقد صَار لَهُم مرعى وَسَائِر الفلاحين لَا يتْركُوا عمَارَة أَرضهم ويجيئون إِلَيْهِ
فَالْحَمْد لله الَّذِي يسر هَذَا الْفَتْح فِي دولة السُّلْطَان بهمته وعزمه وَأمره وإخلاء الْجَبَل مِنْهُم وإخراجهم من دِيَارهمْ
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ بِهَذَا قد انْكَسَرَ من أهل الْبدع والنفاق بالشأم ومصر والحجاز واليمن وَالْعراق مَا يرفع الله بِهِ دَرَجَات السُّلْطَان ويعز بِهِ أهل الْإِيمَان