المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث ثان جرى - العقود الدرية في مناقب ابن تيمية - ت الفقي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌حسبي الله وَنعم الْوَكِيل

- ‌مصنفات الشَّيْخ رحمه الله

- ‌تَلْخِيص مَبْحَث

- ‌بحث ثَان جرى

- ‌صُورَة كتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌شجاعة الشَّيْخ وبأسه عِنْد قتال الْكفَّار

- ‌بحث للشَّيْخ مَعَ أحد الرافضة فِي عصمَة غير الْأَنْبِيَاء

- ‌رِسَالَة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌عنوان الْكتاب ظَاهره

- ‌موقف من مَوَاقِف الشَّيْخ

- ‌إبِْطَال أهل الطر الدجالين

- ‌محنة الشَّيْخ وَقيام المبتدعين عَلَيْهِ لتأليفه الحموية

- ‌محنة الشَّيْخ بِدِمَشْق

- ‌إِحْضَار الشَّيْخ بِمَجْلِس نَائِب السلطنة ومناقشته فِي العقيدة

- ‌ملخص مَا حصل للشَّيْخ فِي تِلْكَ الْمجَالِس

- ‌فصل

- ‌كتاب السُّلْطَان بإرسال الشَّيْخ إِلَى مصر

- ‌إرْسَال الشَّيْخ كتابا من سجنه إِلَى دمشق

- ‌إِخْرَاج ابْن مهنا الشَّيْخ من الْجب

- ‌كتاب الشَّيْخ إِلَى والدته وَإِلَى غَيرهَا

- ‌كتاب آخر للشَّيْخ بَعثه من مصر إِلَى دمشق

- ‌شكوى الصُّوفِيَّة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان وَأمره بحبسه

- ‌مَا ذكره البرزالي فِي حبس الشَّيْخ بالإسكندرية

- ‌كتاب الشَّيْخ شرف الدّين إِلَى أَخِيه بدر الدّين

- ‌إِحْضَار الشَّيْخ من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة

- ‌حلم الشَّيْخ وعفوه عَمَّن ظلمه

- ‌كتاب الشَّيْخ إِلَى أَقَاربه بِدِمَشْق

- ‌قيام جمَاعَة من الغوغاء على الشَّيْخ بِجَامِع مصر وضربه وَقيام أهل الحسينية وَغَيرهم انتصارا للشَّيْخ ثمَّ صفحه هُوَ عَمَّن آذوه

- ‌وَاقعَة أُخْرَى فِي أَذَى الشَّيْخ بِمصْر

- ‌خُرُوج الشَّيْخ إِلَى الشَّام مَعَ الْجَيْش الْمصْرِيّ

- ‌تَرْجَمَة الشَّيْخ عماد الدّين ابْن شيخ الحزاميين

- ‌كتاب نَفِيس جدا للشَّيْخ عماد الدّين فِي الثَّنَاء على الشَّيْخ ابْن تَيْمِية والوصاية بِهِ

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَتَاوَى الشَّيْخ بِدِمَشْق وَبَعض اختياراته الَّتِي خَالف فِيهَا الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أَو بَعْضهَا

- ‌سجن الشَّيْخ بِسَبَب فتياه فِي الطَّلَاق

- ‌الْكَلَام على شدّ الرّحال إِلَى الْقُبُور

- ‌أَمر السُّلْطَان بِحَبْس الشَّيْخ بقلعة دمشق

- ‌الْجَواب

- ‌انتصار عُلَمَاء بَغْدَاد للشَّيْخ فِي مَسْأَلَة شدّ الرّحال للقبور

- ‌جَوَاب

- ‌أجَاب غَيره فَقَالَ

- ‌وَأجَاب غَيره فَقَالَ

- ‌الْحَمد لله وَهُوَ حسبي

- ‌وَفَاة الشَّيْخ رحمه الله بالقلعة وَمَا كتب بهَا قبل مَوته

- ‌وَفَاة الشَّيْخ عبد الله أخي الشَّيْخ

- ‌مُعَاملَة الشَّيْخ فِي سجنه بالقلعة

- ‌ورقة أُخْرَى مِمَّا كتبه الشَّيْخ فِي السجْن

- ‌مَا كتبه الْعلمَاء فِي وَفَاة الشَّيْخ

- ‌السُّؤَال

- ‌الْحَمد لله رب الْعَالمين…سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند…تخاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّةوَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ الْعلَا…قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البليةوَمن يَك خصما للمهيمن يرجعن…على أم رَأس هاويا فِي الحفيرةويدعى خصوم الله يَوْم معادهم…إِلَى النَّار طرا معشر

- ‌مراثى الْعلمَاء وَالشعرَاء لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تمّ وَالْحَمْد لله وَحده بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تمت وَهِي إثنان وَخَمْسُونَ بَيْتا

- ‌تمت وَهِي ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا

- ‌تمت وَالْحَمْد لله وَحده

- ‌تمت وَهِي خَمْسَة عشر بَيْتا

- ‌تمت بِحَمْد الله وَحسن توفيق

- ‌وَله رَحْمَة الله

- ‌وَله فِيهِ أَيْضا رحمه الله وَرَضي عَنهُ

- ‌ لَئِن نافقوه وَهُوَ فِي السجْن وابتغوا…رِضَاهُ وأبدو رقة وتوددافَلَا غرو إِن ذل الْخُصُوم لِبَأْسِهِ…وَلَا عجب إِن هاب سطوته العدافَمن شِيمَة الْغَضَب المهند أَنه…يخَاف ويرجى مغمدا ومجردا

- ‌وَله أَيْضا فِيهِ يمدحه رحمه الله

- ‌ الله نشكر مُخلصين وَنَحْمَد…وَله نعظم دَائِما ونوحدوبذيله الضافي نلوذ ونلتجي…وَإِلَيْهِ نسعى مخبتين ونحفد

- ‌تمت وَالْحَمْد لله وَحده

- ‌مرثاة أُخْرَى لغيره

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌وَله أَيْضا فِيهِ رحمه الله وَرَضي عَنهُ آمين…أَبى الْيَوْم سر الْكَوْن أَن يتكتما…وصبغ مشيب الدمع أَن يتكلماوكل مصون من شجون ولوعة…بِهِ تمّ فرط الْحزن والدمع قد نماقضى وَمضى مولى سما كل ماجد…فأوحش ربع المكرمات وأظلماغمامة جود أقلعت بعد صوبها…وَبدر

- ‌قصيدة

- ‌تمت وعدتها خَمْسَة وَخَمْسُونَ بَيْتا

- ‌مرثية

- ‌تمت وَللَّه الْحَمد وَهِي خَمْسَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ‌بحث ثان جرى

وَصَحَّ أَن يُقَال هُوَ مُشْتَرك بَين النِّفَاق فِي أصل الدّين وَبَين مُطلق النِّفَاق فِي الدّين لكَونه فِي عرف الِاسْتِعْمَال الشَّرْعِيّ غلب على نفاق الْكفْر

‌بحث ثَان جرى

إِن الْحَمد وَالشُّكْر بَينهمَا عُمُوم وخصوص

فَالْحَمْد أَعم من جِهَة أَسبَابه الَّتِي يَقع عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يكون على جَمِيع الصِّفَات وَالشُّكْر لَا يكون إِلَّا على الْإِحْسَان وَالشُّكْر أَعم من جِهَة مَا بِهِ يَقع فَإِنَّهُ يكون بالاعتقاد وَالْقَوْل وَالْفِعْل وَالْحَمْد يكون بِالْفِعْلِ أَو بالْقَوْل أَو بالاعتقاد

أورد الشَّيْخ الإِمَام زين الدّين ابْن المنجى الْحَنْبَلِيّ أَن هَذَا الْفرق إِنَّمَا هُوَ من جِهَة مُتَعَلق الْحَمد وَالشُّكْر لِأَن كَونه يَقع على كَذَا وَيَقَع بِكَذَا خَارج عَن ذَاته فَلَا يكون فرقا فِي الْحَقِيقَة وَالْحُدُود إِنَّمَا يتَعَرَّض فِيهَا لصفات الذَّات لَا لما خرج عَنْهَا

فَقَالَ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية

الْمعَانِي على قسمَيْنِ مُفْردَة ومضافة فالمعاني المفردة حُدُودهَا لَا تُوجد فِيهَا بتعلقاتها وَأما الْمعَانِي الإضافية فَلَا بُد أَن يُوجد فِي حُدُودهَا تِلْكَ الإضافات فَإِنَّهَا دَاخِلَة فِي حَقِيقَتهَا وَلَا يُمكن تصورها إِلَّا بتصور تِلْكَ المتعلقات فَتكون المتعلقات جُزْءا من حَقِيقَتهَا فَتعين ذكرهَا فِي الْحُدُود

ص: 123

وَالْحَمْد وَالشُّكْر معينان بالمحمود عَلَيْهِ والمشكور عَلَيْهِ فَلَا يتم حقيقتهما ذكر إِلَّا بِذكر متعلقهما فَيكون متعلقهما دَاخِلا فِي حقيقتهما

فَاعْترضَ الصَّدْر ابْن المرحل بِأَنَّهُ لَيْسَ للمتعلق من الْمُتَعَلّق صفة ثبوتية فَلَا يكون للحمد وَالشُّكْر من متعلقهما صفة ثبوتية فَإِن الْمُتَعَلّق صفة نسبية وَالنّسب أُمُور عدمية وَإِذا لم تكن صفة ثبوتية لم تكن دَاخِلَة فِي الْحَقِيقَة لِأَن الْعَدَم لَا يكون جُزْءا من الْوُجُود

فَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَوْلك لَيْسَ للمتعلق من الْمُتَعَلّق صفة ثبوتية لَيْسَ على الْعُمُوم بل قد يكون للمتعلق من الْمُتَعَلّق صفة ثبوتية وَقد لَا يكون وَإِنَّمَا الَّذِي يَقُوله أَكثر الْمُتَكَلِّمين لَيْسَ لمتعلق القَوْل من القَوْل صفة ثبوتية

ثمَّ الصِّفَات الْمُتَعَلّقَة نَوْعَانِ احدهما إِضَافَة مَحْضَة مثل الْأُبُوَّة والبنوة والفوقية والتحتية وَنَحْوهَا فَهَذِهِ الصّفة هِيَ الَّتِي يُقَال فِيهَا هِيَ مُجَرّد نِسْبَة وَإِضَافَة وَالنّسب أُمُور عدمية وَالثَّانِي صفة ثبوتية مُضَافَة إِلَى غَيرهَا كالحب والبغض والإرادة وَالْكَرَاهَة وَالْقُدْرَة وَغير ذَلِك من الصِّفَات فَإِن الْحبّ صفة ثبوتية مُتَعَلقَة بالمحبوب فالحب

ص: 124

معروض للإضافة بِمَعْنى أَن الْإِضَافَة صفة عرضت لَهُ لَا أَن نفس الْحبّ هُوَ الْإِضَافَة فَفرق بَين مَا هُوَ إِضَافَة وَبَين مَا هُوَ صفة مُضَافَة فالإضافة يُقَال فِيهَا إِنَّهَا عدمية قَالَ وَأما الصّفة المضافة فقد تكون ثبوتية كالحب

قَالَ ابْن المرحل الْحبّ أَمر عدمي لِأَن الْحبّ نِسْبَة وَالنّسب عدمية

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَون الْحبّ والبغض والإرادة وَالْكَرَاهَة أمرا عدميا بَاطِلا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ خلاف إِجْمَاع الْعُقَلَاء

ثمَّ هُوَ مَذْهَب بعض الْمُعْتَزلَة فِي أرادة الله فَإِنَّهُ زعم أَنَّهَا صفة سلبية بِمَعْنى أَنه غير مغلوب وَلَا مستكره وأطبق النَّاس على بطلَان هَذَا القَوْل وَأما إِرَادَة الْمَخْلُوق وحبه وبغضه فَلم نعلم أحدا من الْعُقَلَاء قَالَ إِنَّه عدمي

فأصر ابْن المرحل على أَن الْحبّ الَّذِي هُوَ ميل الْقلب إِلَى المحبوب أَمر عدمي وَقَالَ الْمحبَّة أَمر وجودي

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْمحبَّة هِيَ الْحبّ فَإِنَّهُ يُقَال أحبه وحبه حبا ومحبة وَلَا فرق وَكِلَاهُمَا مصدر

ص: 125

قَالَ ابْن المرحل وَأَنا أَقُول إنَّهُمَا إِذا كَانَا مصدرين فهما أَمر عدمي

قَالَ لَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْكَلَام إِذا انْتهى إِلَى الْمُقدمَات الضرورية فقد انْتهى ووتم وَكَون الْحبّ والبغض أمرا وجوديا مَعْلُوم بالاضطرار فَأن كل أحد يعلم أَن الْحَيّ إِن كَانَ خَالِيا عَن الْحبّ كَانَ هَذَا الْخُلُو صفة عدمية فاذا صَار محبا فقد تغير الْمَوْصُوف وَصَارَ لَهُ صفة ثبوتية زَائِدَة على مَا كَانَ قبل أَن يقوم بِهِ الْحبّ وَمن يحس ذَلِك من نَفسه يجده كَمَا يجد شَهْوَته ونفرته وَرضَاهُ وغضبه ولذته وألمه

وَدَلِيل ذَلِك أَنَّك تَقول أحب يحب محبَّة ونقيض أحب لم يحب وَلم يحب صفة عدمية ونقيض الْعَدَم الاثبات

قَالَ ابْن المرحل هَذَا ينْتَقض بقَوْلهمْ امْتنع يمْتَنع فان نقيض الِامْتِنَاع لَا امْتنَاع وَامْتِنَاع صفة عدمية

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الِامْتِنَاع أَمر اعتباري عَقْلِي فان المتنع لَيْسَ لَهُ وجود خارجي حَتَّى تقوم بِهِ صفة وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُوم بِالْعقلِ

وَبِاعْتِبَار كَونه مَعْلُوما لَهُ ثُبُوت علمي وسلب هَذَا الثُّبُوت العلمي عدم هَذَا الثُّبُوت فَلم ينْقض هَذَا قَوْلنَا نقيض الْعَدَم ثُبُوت وَأما الْحبّ فَأَنَّهُ صفة قَائِمَة بالمحب فأنك تُشِير إِلَى عين خارجية وَتقول هَذَا الْحَيّ

ص: 126

صَار محبا بعد أَن لم يكن محبا فتخبر عَن الْوُجُود الْخَارِجِي فَإِذا كَانَ نقيضها عدما خارجيا كَانَت وجودا خارجيا

وَفِي الْجُمْلَة فكون الْحبّ والبغض صفة ثبوتية وجودية مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ فَلَا يقبل فِيهِ نزاع وَلَا يناظر صَاحبه إِلَّا مناظرة السوفسطائية

قلت وَإِذا كَانَ الْحبّ والبغض وَنَحْوهمَا من الصِّفَات المضافة الْمُتَعَلّقَة بِالْغَيْر صِفَات وجودية وَظهر الْفرق بَين الصِّفَات الَّتِي هِيَ إِضَافَة وَنسبَة وَبَين الصِّفَات الَّتِي هِيَ مُضَافَة منسوبة فَالْحَمْد وَالشُّكْر من الْقسم الثَّانِي فَإِن الْحَمد أَمر وجودي مُتَعَلق بالمحمود عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الشُّكْر أَمر وجودي مُتَعَلق بالمشكور عَلَيْهِ فَلَا يتم فهم حقيقتهما إِلَّا بفهم الصّفة الثبوتية لَهما الَّتِي هِيَ مُتَعَلقَة بِالْغَيْر وَتلك الصّفة دَاخِلَة فِي حقيقتهما فَإِذا كَانَ مُتَعَلق أَحدهمَا أكبر من مُتَعَلق الآخر وَذَلِكَ التَّعَلُّق إِنَّمَا هُوَ عَارض لصفة ثبوتية لَهما وَجب ذكر تِلْكَ الصّفة الثبوتية فِي ذكر حقيقتهما

وَالدَّلِيل على هَذَا أَن من لم يفهم الْإِحْسَان امْتنع أَن يفهم الشُّكْر فَعلم أَن تصور مُتَعَلق الشُّكْر دَاخل فِي تصور الشُّكْر

قلت وَلَو قيل إِنَّه لَيْسَ هَذَا إِلَّا أمرا عدميا فالحقيقة إِن

ص: 127

كَانَت مركبة من وجود وَعدم وَجب ذكرهمَا فِي تَعْرِيف الْحَقِيقَة كَمَا أَن من عرف الْأَب من حَيْثُ هُوَ أَب فان تصَوره مَوْقُوف على تصور الْأُبُوَّة الَّتِي هِيَ نِسْبَة وَإِضَافَة وَإِن كَانَ الْأَب أمرا وجوديا

فَالْحَمْد وَالشُّكْر متعلقان بالمحمود عَلَيْهِ والمشكور عَلَيْهِ وَإِن لم يكن هَذَا الْمُتَعَلّق عارضا لصفة ثبوتية فَلَا يفهم الْحَمد وَالشُّكْر إِلَّا بفهم هَذَا الْمُتَعَلّق كَمَا لَا يفهم معنى الْأَب إِلَّا بفهم معنى الْأُبُوَّة الَّذِي هُوَ التَّعَلُّق وَكَذَلِكَ الْحَمد وَالشُّكْر أَمْرَانِ متعلقان بالمحمود عَلَيْهِ والمشكور عَلَيْهِ

وَهَذَا التَّعَلُّق جُزْء من هَذَا الْمُسَمّى بِدَلِيل أَن من لم يفهم الصِّفَات الجميلة لم يفهم الْحَمد وَمن لم يفهم الْإِحْسَان لم يفهم الشُّكْر

فَإِذا كَانَ فهمهما مَوْقُوفا على فهم متعلقهما فوقوفه على فهم التَّعَلُّق أولى فَإِن التَّعَلُّق فرع على الْمُتَعَلّق وَتبع لَهُ فَإِذا توقف فهمهما على فهم الْمُتَعَلّق الَّذِي هُوَ أبعد عَنْهُمَا من التَّعَلُّق فتوقفه على فهم التَّعَلُّق أولى وَإِن كَانَ التَّعَلُّق أمرا عدميا وَالله أعلم

ص: 128

قَالَ لَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية قَوْله {وَأحل الله البيع} قد أتبع بقوله {وَحرم الرِّبَا} وَعَامة أَنْوَاع الرِّبَا يُسمى بيعا والربا وَإِن كَانَ اسْما مُجملا فَهُوَ مَجْهُول واستثناء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم يُوجب جَهَالَة الْمُسْتَثْنى فَيبقى المُرَاد إحلال البيع الَّذِي لَيْسَ بربا فَمَا لم يثبت أَن الْفَرد الْمعِين لَيْسَ بربا لم يَصح إِدْخَاله فِي البيع الْحَلَال وَهَذَا يمْنَع دَعْوَى الْعُمُوم وَإِن كَانَ الرِّبَا اسْما عَاما فَهُوَ مُسْتَثْنى من البيع أَيْضا فَيبقى البيع لفظا مَخْصُوصًا فَلَا يَصح ادِّعَاء الْعُمُوم على الْإِطْلَاق

قَالَ ابْن المرحل هَذَا من بَاب التَّخْصِيص وَهنا عمومان تَعَارضا وَلَيْسَ من بَاب الِاسْتِثْنَاء فَإِن صِيغ الِاسْتِثْنَاء مَعْلُومَة وَإِذا كَانَ هَذَا تَخْصِيصًا لم يمْنَع ادِّعَاء الْعُمُوم فِيهِ

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا كَلَام مُتَّصِل بعضه بِبَعْض وَهُوَ من بَاب التَّخْصِيص الْمُتَّصِل وتسميه الْفُقَهَاء اسْتثِْنَاء كَقَوْلِه لَهُ هَذِه الدَّار ولي مِنْهَا هَذَا الْبَيْت فَإِن هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله إِلَّا هَذَا الْبَيْت وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أكْرم هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَلَا تكرم فلَانا وَهُوَ مِنْهُم كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْله إِلَّا فلَانا وَإِذا كَانَ كَذَلِك صَار بِمَنْزِلَة قَوْله أحل الله البيع إِلَّا مَا كَانَ مِنْهُ رَبًّا

ص: 129

فَمن ادّعى بعد هَذَا أَنه عَام فِي كل مَا يُسمى بيعا فَهُوَ مخطىء

قَالَ أبن المرحل أَنا أسلم أَنه إِنَّمَا هُوَ عَام فِي كل بيع لَا يُسمى رَبًّا

قَالَ لَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا كَانَ الْمَقْصُود وَلَكِن بَطل بِهَذَا دَعْوَى عُمُومه على الْإِطْلَاق فَإِن دَعْوَى الْعُمُوم على الْإِطْلَاق يُنَافِي دَعْوَى الْعُمُوم فِي بعض الْأَنْوَاع دون بعض وَهَذَا كَلَام بَين

وَادّعى مُدع أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ احدهما انه عَام مَخْصُوص وَالثَّانِي أَنه عُمُوم مُرَاد

فَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَإِن دَعْوَى أَنه عُمُوم مُرَاد بَاطِل قطعا فَإنَّا نعلم أَن كثيرا من أَفْرَاد البيع حرَام

فَاعْترضَ ابْن المرحل بِأَن تِلْكَ الْأَفْرَاد حرمت بعد مَا أحلّت فَيكون نسخا

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَيلْزم من هَذَا أَن لَا نحرم شَيْئا من الْبيُوع بِخَبَر وَاحِد وَلَا بِقِيَاس فَإِن نسخ الْقُرْآن لَا يجوز بذلك وَإِنَّمَا يجوز تَخْصِيصه بِهِ وَقد اتّفق الْفُقَهَاء على التَّحْرِيم بِهَذِهِ الطَّرِيقَة

قَالَ ابْن المرحل رجعت عَن هَذَا السُّؤَال لَكِن أَقُول هُوَ عُمُوم مُرَاد فِي كل مَا يُسمى بيعا فِي الشَّرْع فَإِن البيع من الْأَسْمَاء المنقولة إِلَى كل بيع صَحِيح شَرْعِي

ص: 130

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين البيع لَيْسَ من الْأَسْمَاء المنقولة فَإِن مُسَمَّاهُ فِي الشَّرْع وَالْعرْف هُوَ الْمُسَمّى اللّغَوِيّ لَكِن الشَّارِع اشْترط لِحلِّهِ وَصِحَّته شُرُوطًا كَمَا قد كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَهُم شُرُوط أَيْضا بِحَسب اصطلاحهم وَهَكَذَا سَائِر أَسمَاء الْعُقُود مثل الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْقَرْض وَالنِّكَاح إِذا أُرِيد بِهِ العقد وَغير ذَلِك هِيَ بَاقِيَة على مسمياتها وَالنَّقْل إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا أحدث الشَّارِع مَعَاني لم تكن الْعَرَب تعرفها مثل الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالتَّيَمُّم فَحِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى النَّقْل ومعاني هَذِه الْعُقُود مَا زَالَت مَعْرُوفَة

قَالَ ابْن المرحل أَصْحَابِي قد قَالُوا إِنَّهَا منقولة

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَو كَانَ لفظ البيع فِي الْآيَة المُرَاد بِهِ البيع الصَّحِيح الشَّرْعِيّ لَكَانَ التَّقْدِير أحل الله البيع الصَّحِيح الشَّرْعِيّ أَو أحل الله البيع الَّذِي هُوَ عِنْده حَلَال وَهَذَا مَعَ أَنه مُكَرر فَإِنَّهُ يمْنَع الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ فَإنَّا لَا نعلم دُخُول بيع من الْبيُوع فِي الْآيَة حَتَّى نعلم أَنه بيع صَحِيح شَرْعِي وَمَتى علمنَا ذَلِك استغنينا عَن الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ

قَالَ ابْن المرحل مَتى ثَبت أَن هَذَا الْفَرد يُسمى بيعا فِي اللُّغَة قلت هُوَ بيع فِي الشَّرْع لِأَن الأَصْل عدم النَّقْل وَإِذا كَانَ بيعا فِي الشَّرْع دخل فِي الْآيَة

ص: 131

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا إِنَّمَا يَصح لَو لم يثبت أَن الِاسْم مَنْقُول أما إِذا ثَبت أَنه مَنْقُول لم يَصح إِدْخَال فَرد فِيهِ حَتَّى يثبت أَن الِاسْم الْمَنْقُول وَاقع عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيلْزم من هَذَا أَن كل مَا سمي فِي اللُّغَة صَلَاة وَزَكَاة وتيمما وصوما وبيعا وَإِجَارَة ورهنا أَنه يجوز إِدْخَاله فِي الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ بِهَذَا الِاعْتِبَار وعَلى هَذَا التَّقْدِير فَلَا يبْقى فرق بَين الْأَسْمَاء المنقولة وَغَيرهَا وَإِنَّمَا يُقَال الأَصْل عدم النَّقْل إِذا لم يثبت بل مَتى ثَبت النَّقْل فَالْأَصْل عدم دُخُول هَذَا الْفَرد فِي الِاسْم الْمَنْقُول حَتَّى يثبت أَنه دَاخل فِيهِ بعد النَّقْل

فلتتأمل هَذِه الأبحاث الثَّلَاثَة وكل مَا فِيهَا

قلت فَإِنَّهُ من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَرَّرَهُ بعد المناظرة

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي أثْنَاء كَلَامه فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ رحمه الله

وَله بَاعَ طَوِيل فِي معرفَة مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقل أَن يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة إِلَّا وَيذكر فِيهَا مَذَاهِب الْأَرْبَعَة وَقد خَالف الْأَرْبَعَة فِي مسَائِل مَعْرُوفَة وصنف فِيهَا وَاحْتج لَهَا بِالْكتاب وَالسّنة

ص: 132

وَلما كَانَ معتقلا بالاسكندرية التمس مِنْهُ صَاحب سبتة أَن يُجِيز لَهُ مروياته وينص على أَسمَاء جملَة مِنْهَا فَكتب فِي عشر وَرَقَات جملَة من ذَلِك بأسانيدها من حفظه بِحَيْثُ يعجز أَن يعْمل بعضه أكبر مُحدث

وَله الْآن عدَّة سِنِين لَا يُفْتِي بِمذهب معِين بل بِمَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيل عِنْده

وَلَقَد نصر السّنة الْمَحْضَة والطريقة السلفية وَاحْتج لَهَا ببراهين ومقدمات وَأُمُور لم يسْبق إِلَيْهَا

وَأطلق عِبَارَات أحجم عَنْهَا الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وهابوا وجسر هُوَ عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ خلق من عُلَمَاء مصر والشأم قيَاما لَا مزِيد عَلَيْهِ وبدعوه وناظروه وكابروه وَهُوَ ثَابت لَا يداهن وَلَا يحابي بل يَقُول الْحق المر الَّذِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده وحدة ذهنه وسعة دائرته فِي السّنَن والأقوال

مَعَ مَا اشْتهر عَنهُ من الْوَرع وَكَمَال الفكرة وَسُرْعَة الْإِدْرَاك وَالْخَوْف من الله والتعظيم لحرمات الله

فَجرى بَينه وَبينهمْ حملات حربية ووقائع شامية ومصرية وَكم من نوبَة قد رَمَوْهُ عَن قَوس وَاحِدَة فينجيه الله

ص: 133

فَإِنَّهُ دَائِم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التَّوَكُّل ثَابت الجأش لَهُ أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجعية

وَله من الطّرف الآخر محبون من الْعلمَاء والصلحاء وَمن الْجند والأمراء وَمن التُّجَّار والكبراء وَسَائِر الْعَامَّة تحبه لِأَنَّهُ منتصب لنفعهم لَيْلًا وَنَهَارًا بِلِسَانِهِ وقلمه

وَأما شجاعته فِيهَا تضرب الْأَمْثَال وببعضها يتشبه أكَابِر الْأَبْطَال

فَلَقَد أَقَامَهُ الله فِي نوبَة غازان والتقى أعباء الْأَمر بِنَفسِهِ وَقَامَ وَقعد وطلع وَخرج وَاجْتمعَ بِالْملكِ مرَّتَيْنِ وبقطلوشاه وببولاي وَكَانَ قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغول

وَله حِدة قَوِيَّة تعتريه فِي الْبَحْث حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْث حَرْب

وَهُوَ أكبر من أَن يُنَبه مثلي على نعوته فَلَو حَلَفت بَين الرُّكْن وَالْمقَام لحلفت أَنى مَا رَأَيْت بعيني مثله وَلَا وَالله مَا رأى هُوَ مثل نَفسه فِي الْعلم

قلت مَا فعله الشَّيْخ رحمه الله فِي نوبَة غازان من جَمِيع أَنْوَاع الْجِهَاد وَسَائِر أَنْوَاع الْخَيْر من إِنْفَاق الأمول وإطعام الطَّعَام وَدفن الْمَوْتَى وَغير ذَلِك مَعْرُوف مَشْهُور

ص: 134

ثمَّ بعد ذَلِك بعام سنة سَبْعمِائة لما قدم التتار إِلَى أَطْرَاف الْبِلَاد وَبَقِي الْخلق فِي شدَّة عَظِيمَة وَغلب على ظنهم أَن عَسْكَر مصر قد تخلوا عَن الشأم ركب الشَّيْخ وَسَار على الْبَرِيد إِلَى الْجَيْش الْمصْرِيّ فِي سَبْعَة أَيَّام وَدخل الْقَاهِرَة فِي الْيَوْم الثَّامِن يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر جمادي الأولى وأطلاب المصريين دَاخِلَة وَقد دخل السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَاجْتمع بأركان الدولة واستصرخ بهم وحضهم على الْجِهَاد وتلا عَلَيْهِم الْآيَات وَالْأَحَادِيث وَأخْبرهمْ بِمَا أعد الله للمجاهدين من الثَّوَاب فاستفاقوا وقويت هممهم وأبدوا لَهُ الْعذر فِي رجوعهم مِمَّا قاسوا من الْمَطَر وَالْبرد مُنْذُ عشْرين وَنُودِيَ بالغزاة وقوى الْعَزْم وعظموه وأكرموه وَتردد الْأَعْيَان إِلَى زيارته

وَاجْتمعَ بِهِ فِي هَذِه السّنة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَسمع كَلَامه وَذكر أَنهم سَأَلُوهُ بعد انْقِضَاء الْمجْلس فَقَالَ هُوَ رجل حفظَة

قيل لَهُ فَهَلا تَكَلَّمت مَعَه فَقَالَ هَذَا رجل يحب الْكَلَام وَأَنا أحب السُّكُوت

وَلَقَد أَخْبرنِي الذَّهَبِيّ عَن الشَّيْخ رحمه الله أَنه أخبرهُ أَن ابْن دَقِيق الْعِيد قَالَ لَهُ بعد سَماع كَلَامه مَا كنت أَظن أَن الله بقى يخلق مثلك

ص: 135