الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كشف الله لنا وَلكم بِوَاسِطَة هَذَا الرجل عَن حَقِيقَة دينه الَّذِي أنزلهُ من السَّمَاء وارتضاه لِعِبَادِهِ
وَاعْلَمُوا أَن فِي آفَاق الدُّنْيَا أَقْوَامًا يعيشون أعمارهم بَين هَذِه الْفرق يَعْتَقِدُونَ أَن تِلْكَ الْبدع حَقِيقَة الْإِسْلَام فَلَا يعْرفُونَ الْإِسْلَام إِلَّا هَكَذَا
فاشكروا الله الَّذِي أَقَامَ لكم فِي رَأس السبعمائة من الْهِجْرَة من بَين لكم أَعْلَام دينكُمْ وهداكم الله بِهِ وإيانا إِلَى نهج شَرِيعَته وَبَين لكم بِهَذَا النُّور المحمدي ضلالات الْعباد وانحرافاتهم فصرتم تعرفُون الزائغ من الْمُسْتَقيم وَالصَّحِيح من السقيم وَأَرْجُو أَن تَكُونُوا أَنْتُم الطَّائِفَة المنصورة الَّذين لَا يضرهم من خذلهم وَلَا من خالفهم وهم بالشأم إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فصل
ثمَّ إِذا علمْتُم ذَلِك فاعرفوا حق هَذَا الرجل الَّذِي هُوَ بَين أظْهركُم وَقدره وَلَا يعرف حَقه وَقدره إِلَّا من عرف دين الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَحقه وَقدره فَمن وَقع دين الرَّسُول صلى الله عليه وسلم من قلبه بموقع يسْتَحقّهُ عرف حق مَا قَامَ بِهِ هَذَا الرجل بَين أظهر عباد الله يقوم معوجهم وَيصْلح فسادهم ويلم شعثهم جهد إِمْكَانه فِي الزَّمَان المظلم الَّذِي انحرف فِيهِ الدّين وجهلت السّنَن
وعهدت الْبدع وَصَارَ الْمَعْرُوف مُنْكرا وَالْمُنكر مَعْرُوفا والقابض على دينه كالقابض على الْجَمْر فَإِن أجر من قَامَ بِإِظْهَار هَذَا النُّور فِي هَذِه الظُّلُمَات لَا يُوصف وخطره لَا يعرف هَذَا إِذا عرفتموه أَنْتُم من حيثية الْأَمر الشَّرْعِيّ الظَّاهِر فَهُنَا قوم عرفوه من حيثية أُخْرَى من الْأَمر الْبَاطِن وَمن يَقُودهُ إِلَى معرفَة أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وعظمة ذَاته واتصال قلبه بأشعة أنوارها والاحتظاء من خصائصها وَأَعْلَى أذواقها ونفوذه من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن وَمن الشَّهَادَة إِلَى الْغَيْب وَمن الْغَيْب إِلَى الشَّهَادَة وَمن عَالم الْخلق إِلَى عَالم الْأَمر وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُمكن شَرحه فِي كتاب
فشيخكم أيدكم الله تَعَالَى عَارِف بذلك عَارِف بِأَحْكَام الله الشَّرْعِيَّة عَارِف بأحكامه الْقَدَرِيَّة عَارِف بِأَحْكَام أَسْمَائِهِ وَصِفَاته الذاتية وَمثل هَذَا الْعَارِف قد يبصر ببصيرته تنزل الْأَمر بَين طَبَقَات السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا قَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شَيْء قدير وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما}
فَالنَّاس يحسون بِمَا يجْرِي فِي عَالم الشَّهَادَة وَهَؤُلَاء بصائرهم شاخصة إِلَى الْغَيْب ينتظرون مَا تجْرِي بِهِ الأقدار يَشْعُرُونَ بهَا أَحْيَانًا عِنْد تنزلها
فَلَا تهونوا أَمر مثل هَؤُلَاءِ فِي انبساطهم مَعَ الْخلق واشتغال أوقاتهم بهم فَإِنَّهُم كَمَا حكى عَن الْجُنَيْد رحمه الله أَنه قيل لَهُ كم تنادى على الله تَعَالَى بَين الْخلق فَقَالَ أَنا أنادي على الْخلق بَين يَدي الله
فَالله الله فِي حفظ الْأَدَب مَعَه والانفعال لأوامره وَحفظ حرماته فِي الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَحب من أحبه ومجانبة من أبغضه وتنقصه ورد غيبته والانتصار لَهُ فِي الْحق
وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن هُنَا من سَافر إِلَى الأقاليم وَعرف النَّاس وأذواقهم وأشرف على غَالب أَحْوَالهم فوَاللَّه ثمَّ وَالله ثمَّ وَالله لم ير أَدِيم تَحت السَّمَاء مثل شيخكم علما وَعَملا وَحَالا وخلفا واتباعا وكرما وحلما فِي حق نَفسه وقياما فِي حق الله عِنْد انتهاك حرماته أصدق النَّاس عقدا وأصحهم علما وعزما وأنفذهم وَأَعْلَاهُمْ فِي انتصار الْحق وقيامه همة وأسخاهم كفا وأكملهم اتبَاعا لنَبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا رَأينَا فِي عصرنا هَذَا من تستجلى النُّبُوَّة المحمدية وسنتها من أَقْوَاله وأفعاله إِلَّا هَذَا الرجل بِحَيْثُ يشْهد الْقلب الصَّحِيح أَن هَذَا هُوَ الِاتِّبَاع حَقِيقَة
وَبعد ذَلِك كُله فَقَوْل الْحق فَرِيضَة فَلَا ندعي فِيهِ الْعِصْمَة عَن الْخَطَأ وَلَا ندعي إكماله لغايات الخصائص الْمَطْلُوبَة فقد يكون فِي بعض الناقصين خُصُوصِيَّة مَقْصُودَة مَطْلُوبَة لَا يتم الْكَمَال إِلَّا بهاتيك الخصوصية وَهَذَا الْقدر لَا يجهله منصف عَارِف وَلَوْلَا أَن قَول الْحق فَرِيضَة والتعصب للْإنْسَان هوى لأعرضت عَن ذكر هَذَا لَكِن يجب قَول الْحق إِن سَاءَ أَو سر وَالله الْمُسْتَعَان
إِذا علمْتُم ذَلِك أيدكم الله تَعَالَى فاحفظوا قلبه فَإِن مثل هَذَا قد يدعى عَظِيما فِي ملكوت السَّمَاء وَاعْمَلُوا على رِضَاهُ بِكُل مُمكن واستجلبوا وده لكم وحبه إيَّاكُمْ بمهما قدرتم عَلَيْهِ فَإِن مثل هَذَا يكون شَهِيدا وَالشُّهَدَاء فِي الْعَصْر تبع لمثله فَإِن حصلت لكم محبته رَجَوْت لكم بذلك خُصُوصِيَّة أكتمها وَلَا أذكرها وَرُبمَا يفْطن لَهَا الأذكياء مِنْكُم وَرُبمَا سمحت نَفسِي بذكرها كَيْلا أكتم عَنْكُم نصحي
وَتلك الخصوصية هِيَ أَن تُرْزَقُوا قسطا من نصِيبه الْخَاص المحمدي