المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما كتبه العلماء في وفاة الشيخ - العقود الدرية في مناقب ابن تيمية - ت الفقي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌حسبي الله وَنعم الْوَكِيل

- ‌مصنفات الشَّيْخ رحمه الله

- ‌تَلْخِيص مَبْحَث

- ‌بحث ثَان جرى

- ‌صُورَة كتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌شجاعة الشَّيْخ وبأسه عِنْد قتال الْكفَّار

- ‌بحث للشَّيْخ مَعَ أحد الرافضة فِي عصمَة غير الْأَنْبِيَاء

- ‌رِسَالَة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌عنوان الْكتاب ظَاهره

- ‌موقف من مَوَاقِف الشَّيْخ

- ‌إبِْطَال أهل الطر الدجالين

- ‌محنة الشَّيْخ وَقيام المبتدعين عَلَيْهِ لتأليفه الحموية

- ‌محنة الشَّيْخ بِدِمَشْق

- ‌إِحْضَار الشَّيْخ بِمَجْلِس نَائِب السلطنة ومناقشته فِي العقيدة

- ‌ملخص مَا حصل للشَّيْخ فِي تِلْكَ الْمجَالِس

- ‌فصل

- ‌كتاب السُّلْطَان بإرسال الشَّيْخ إِلَى مصر

- ‌إرْسَال الشَّيْخ كتابا من سجنه إِلَى دمشق

- ‌إِخْرَاج ابْن مهنا الشَّيْخ من الْجب

- ‌كتاب الشَّيْخ إِلَى والدته وَإِلَى غَيرهَا

- ‌كتاب آخر للشَّيْخ بَعثه من مصر إِلَى دمشق

- ‌شكوى الصُّوفِيَّة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان وَأمره بحبسه

- ‌مَا ذكره البرزالي فِي حبس الشَّيْخ بالإسكندرية

- ‌كتاب الشَّيْخ شرف الدّين إِلَى أَخِيه بدر الدّين

- ‌إِحْضَار الشَّيْخ من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة

- ‌حلم الشَّيْخ وعفوه عَمَّن ظلمه

- ‌كتاب الشَّيْخ إِلَى أَقَاربه بِدِمَشْق

- ‌قيام جمَاعَة من الغوغاء على الشَّيْخ بِجَامِع مصر وضربه وَقيام أهل الحسينية وَغَيرهم انتصارا للشَّيْخ ثمَّ صفحه هُوَ عَمَّن آذوه

- ‌وَاقعَة أُخْرَى فِي أَذَى الشَّيْخ بِمصْر

- ‌خُرُوج الشَّيْخ إِلَى الشَّام مَعَ الْجَيْش الْمصْرِيّ

- ‌تَرْجَمَة الشَّيْخ عماد الدّين ابْن شيخ الحزاميين

- ‌كتاب نَفِيس جدا للشَّيْخ عماد الدّين فِي الثَّنَاء على الشَّيْخ ابْن تَيْمِية والوصاية بِهِ

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَتَاوَى الشَّيْخ بِدِمَشْق وَبَعض اختياراته الَّتِي خَالف فِيهَا الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أَو بَعْضهَا

- ‌سجن الشَّيْخ بِسَبَب فتياه فِي الطَّلَاق

- ‌الْكَلَام على شدّ الرّحال إِلَى الْقُبُور

- ‌أَمر السُّلْطَان بِحَبْس الشَّيْخ بقلعة دمشق

- ‌الْجَواب

- ‌انتصار عُلَمَاء بَغْدَاد للشَّيْخ فِي مَسْأَلَة شدّ الرّحال للقبور

- ‌جَوَاب

- ‌أجَاب غَيره فَقَالَ

- ‌وَأجَاب غَيره فَقَالَ

- ‌الْحَمد لله وَهُوَ حسبي

- ‌وَفَاة الشَّيْخ رحمه الله بالقلعة وَمَا كتب بهَا قبل مَوته

- ‌وَفَاة الشَّيْخ عبد الله أخي الشَّيْخ

- ‌مُعَاملَة الشَّيْخ فِي سجنه بالقلعة

- ‌ورقة أُخْرَى مِمَّا كتبه الشَّيْخ فِي السجْن

- ‌مَا كتبه الْعلمَاء فِي وَفَاة الشَّيْخ

- ‌السُّؤَال

- ‌الْحَمد لله رب الْعَالمين…سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند…تخاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّةوَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ الْعلَا…قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البليةوَمن يَك خصما للمهيمن يرجعن…على أم رَأس هاويا فِي الحفيرةويدعى خصوم الله يَوْم معادهم…إِلَى النَّار طرا معشر

- ‌مراثى الْعلمَاء وَالشعرَاء لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تمّ وَالْحَمْد لله وَحده بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تمت وَهِي إثنان وَخَمْسُونَ بَيْتا

- ‌تمت وَهِي ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا

- ‌تمت وَالْحَمْد لله وَحده

- ‌تمت وَهِي خَمْسَة عشر بَيْتا

- ‌تمت بِحَمْد الله وَحسن توفيق

- ‌وَله رَحْمَة الله

- ‌وَله فِيهِ أَيْضا رحمه الله وَرَضي عَنهُ

- ‌ لَئِن نافقوه وَهُوَ فِي السجْن وابتغوا…رِضَاهُ وأبدو رقة وتوددافَلَا غرو إِن ذل الْخُصُوم لِبَأْسِهِ…وَلَا عجب إِن هاب سطوته العدافَمن شِيمَة الْغَضَب المهند أَنه…يخَاف ويرجى مغمدا ومجردا

- ‌وَله أَيْضا فِيهِ يمدحه رحمه الله

- ‌ الله نشكر مُخلصين وَنَحْمَد…وَله نعظم دَائِما ونوحدوبذيله الضافي نلوذ ونلتجي…وَإِلَيْهِ نسعى مخبتين ونحفد

- ‌تمت وَالْحَمْد لله وَحده

- ‌مرثاة أُخْرَى لغيره

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌وَله أَيْضا فِيهِ رحمه الله وَرَضي عَنهُ آمين…أَبى الْيَوْم سر الْكَوْن أَن يتكتما…وصبغ مشيب الدمع أَن يتكلماوكل مصون من شجون ولوعة…بِهِ تمّ فرط الْحزن والدمع قد نماقضى وَمضى مولى سما كل ماجد…فأوحش ربع المكرمات وأظلماغمامة جود أقلعت بعد صوبها…وَبدر

- ‌قصيدة

- ‌تمت وعدتها خَمْسَة وَخَمْسُونَ بَيْتا

- ‌مرثية

- ‌تمت وَللَّه الْحَمد وَهِي خَمْسَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ‌ما كتبه العلماء في وفاة الشيخ

‌مَا كتبه الْعلمَاء فِي وَفَاة الشَّيْخ

قَالَ الشَّيْخ علم الدّين وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ لعشرين من ذِي الْقعدَة من سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه الْحَافِظ الزَّاهِد الْقدْوَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن شَيخنَا الإِمَام الْمُفْتِي شهَاب الدّين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي بقلعة دمشق الَّتِي كَانَ مَحْبُوسًا فِيهَا

وَحضر جمع إِلَى القلعة فَأذن لَهُم فِي الدُّخُول وَجلسَ جمَاعَة قبل الْغسْل وقرأوا الْقُرْآن وتبركوا بِرُؤْيَتِهِ وَتَقْبِيله ثمَّ انصرفوا

ص: 385

وَحضر جمَاعَة من النِّسَاء ففعلن مثل ذَلِك ثمَّ انصرفن

وَاقْتصر على من يغسل ويعين فِي غسله فَلَمَّا فرغ من ذَلِك أخرج وَقد اجْتمع النَّاس بالقلعة وَالطَّرِيق إِلَى جَامع دمشق وامتلأ الْجَامِع وصحنه والكلاسة وَبَاب الْبَرِيد وَبَاب السَّاعَات إِلَى اللبادين والفوارة

وَحَضَرت الْجِنَازَة فِي السَّاعَة الرَّابِعَة من النَّهَار أَو نَحْو ذَلِك وَوضعت فِي الْجَامِع والجند يحفظونها من النَّاس من شدَّة الزحام وَصلى عَلَيْهِ أَولا بالقلعة تقدم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن تَمام ثمَّ صلى عَلَيْهِ بِجَامِع دمشق عقيب صَلَاة الظّهْر وَحمل من بَاب الْبَرِيد وَاشْتَدَّ الزحام وَألقى النَّاس على نعشه مناديلهم وعمائمهم للتبرك وَصَارَ النعش على الرؤوس تَارَة يتَقَدَّم وَتارَة يتَأَخَّر وَخرج النَّاس من الْجَامِع من أبوابه كلهَا من شدَّة الزحام وكل بَاب أعظم زحمة من الآخر

ثمَّ خرج النَّاس من أَبْوَاب الْبَلَد جَمِيعهَا من شدَّة الزحام لَكِن كَانَ الْمُعظم من الْأَبْوَاب الْأَرْبَعَة بَاب الْفرج الَّذِي أخرجت مِنْهُ الْجِنَازَة

ص: 386

وَمن بَاب الفراديس وَمن بَاب النَّصْر وَبَاب الْجَابِيَة وَعظم الْأَمر بسوق الْخَيل

وَتقدم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ هُنَاكَ أَخُوهُ زين الدّين عبد الرحمن وَحمل إِلَى مَقْبرَة الصُّوفِيَّة فَدفن إِلَى جَانب أَخِيه شرف الدّين عبد الله رحمهمَا الله وَكَانَ دَفنه وَقت الْعَصْر أَو قبلهَا بِيَسِير

وأغلق النَّاس حوانيتهم وَلم يتَخَلَّف عَن الْحُضُور إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس أَو من أعجزه الزحام

وحضرها نسَاء كثير بِحَيْثُ حزرن بِخَمْسَة عشر ألفا وَأما الرِّجَال فحزروا بستين ألفا وَأكْثر إِلَى مِائَتي الف وَشرب جمَاعَة المَاء الَّذِي فضل من غسله واقتسم جمَاعَة بَقِيَّة السدر الَّذِي غسل بِهِ

وَقيل إِن الطاقية الَّتِي كَانَت على رَأسه دفع فِيهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم وَقيل إِن الْخَيط الَّذِي فِيهِ الزئبق الَّذِي كَانَ فِي عُنُقه بِسَبَب الْقمل دفع فِيهِ مائَة وَخَمْسُونَ درهما وَحصل فِي الْجِنَازَة ضجيج وبكاء وتضرع وختمت لَهُ ختم كَثِيرَة بالصالحية والبلد

وَتردد النَّاس إِلَى قَبره أَيَّامًا كَثِيرَة لَيْلًا وَنَهَارًا ورؤيت لَهُ منامات كَثِيرَة صَالِحَة ورثاه جمَاعَة بقصائد جمة

ص: 387

وَكَانَ مولده يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول بحران سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة

وَقدم مَعَ وَالِده وَأَهله إِلَى دمشق وَهُوَ صَغِير فَسمع الحَدِيث من ابْن عبد الدايم وَابْن أبي الْيُسْر وَابْن عَبْدَانِ وَالشَّيْخ شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ وَالْقَاضِي شمس الدّين بن عَطاء الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ جمال الدّين ابْن الصَّيْرَفِي ومجد الدّين بن عَسَاكِر وَالشَّيْخ جمال الدّين الْبَغْدَادِيّ والنجيب الْمِقْدَاد وَابْن أبي الْخَيْر وَابْن عَلان وَأبي بكر الْهَرَوِيّ والكمال عبد الرحيم وَالْفَخْر عَليّ وَابْن شَيبَان والشرف ابْن القواس وَزَيْنَب بنت مكي وَخلق كثير

وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير وَطلب الحَدِيث وَكتب الطباق والأثبات ولازم السماع بِنَفسِهِ مُدَّة سِنِين واشتغل بالعلوم

وَكَانَ ذكيا كثير الْمَحْفُوظ فَصَارَ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وَمَا يتَعَلَّق بِهِ عَارِفًا بالفقه وَاخْتِلَاف الْعلمَاء والأصلين والنحو واللغة وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية وَمَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ متقنا لَهُ

وَأما الحَدِيث فَكَانَ حَافِظًا لَهُ مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك

ص: 388

وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول كمل مِنْهَا جملَة وبيضت وكتبت عَنهُ وَجُمْلَة كَثِيرَة لم يكملها وَجُمْلَة كملها وَلَكِن لم تبيض

وَأثْنى عَلَيْهِ وعَلى فضائله جمَاعَة من عُلَمَاء عصره مثل القَاضِي الخوى وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن النّحاس وَابْن الزملكاني وَغَيرهم

وَوجدت بِخَط الشَّيْخ جمال الدّين بن الزملكاني أَنه اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الِاجْتِهَاد على وَجههَا وَأَن لَهُ الْيَد الطُّولى فِي حسن التصنيف وجودة الْعبارَة وَالتَّرْتِيب والتقسيم والتبيين وَكتب على تصنيف لَهُ هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة من نظمه وَهِي

مَاذَا يَقُول الواصفون لَهُ

وَصِفَاته جالت عَن الْحصْر

هُوَ حجَّة لله قاهرة

هُوَ بَيْننَا أعجوبة الدَّهْر

هُوَ آيَة لِلْخلقِ ظَاهِرَة

أنوارها أربت على الْفجْر

وهذاالثناء عَلَيْهِ وَكَانَ عمره نَحْو الثَّلَاثِينَ سنة

وَكَانَ بيني وَبَينه مَوَدَّة وصحبة من الصغر وَسَمَاع الحَدِيث والطلب من نَحْو خمسين سنة وَله فَضَائِل كَثِيرَة

ص: 389

وَأَسْمَاء مصنفاته وَمَا جرى بَينه وَبَين الْفُقَهَاء والدولة وحبسه مَرَّات وأحواله لَا يحْتَمل ذكر جَمِيعهَا هَذَا الْكتاب

وَلما مَاتَ كنت غَائِبا عَن دمشق بطرِيق الْحجاز الشريف وبلغنا خَبره بعد مَوته بِأَكْثَرَ من خمسين يَوْمًا لما وصلنا إِلَى تَبُوك وَحصل التأسف لفقده رَحمَه الله تَعَالَى

قلت وَقد قيل إِن الْخلق الَّذين حَضَرُوا جَنَازَة الشَّيْخ كَانُوا أَزِيد مِمَّا ذكر وَمن الْجَنَائِز الْعَظِيمَة فِي الْإِسْلَام جَنَازَة الإِمَام أبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل فَإِن الَّذين حضروها وصلوا عَلَيْهِ كَانُوا أَكثر من ألف ألف إِنْسَان

وَقد قَالَ الإِمَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي سَمِعت أَبَا عبد الرحمن السّلمِيّ يَقُول حضرت جَنَازَة أبي الْفَتْح القواس الزَّاهِد مَعَ الشَّيْخ أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فَلَمَّا بلغ إِلَى ذَلِك الْجمع الْكثير أقبل علينا وَقَالَ سَمِعت أَبَا سهل بن زِيَاد الْقطَّان يَقُول سَمِعت عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول سَمِعت أبي يَقُول قُولُوا لأهل الْبدع بَيْننَا وَبَيْنكُم يَوْم الْجَنَائِز

قَالَ أَبُو عبد الرحمن على إِثْر هَذِه الْحِكَايَة أَنه حزر الحزارون

ص: 390

الْمُصَلِّين على جَنَازَة أَحْمد فَبلغ الْعدَد بحزرهم ألف ألف وَسَبْعمائة ألف سوى الَّذين كَانُوا فِي السفن وَقد وجد بِخَط الشَّيْخ أَبْيَات قَالَهَا بالقلعة وَهِي

أَنا الْفَقِير إِلَى رب السَّمَاوَات

أَنا الْمِسْكِين فِي مَجْمُوع حالاتي

أناالظلوم لنَفْسي وَهِي ظالمتي

وَالْخَيْر إِن جَاءَنَا من عِنْده ياتي

لَا أَسْتَطِيع لنَفس جلب مَنْفَعَة

وَلَا عَن النَّفس فِي دفع المضرات

وَلَيْسَ لي دونه مولى يدبرني

وَلَا شَفِيع إِلَى رب البريات

إِلَّا بِإِذن من الرَّحْمَن خالقنا

رب السَّمَاء كَمَا قد جَاءَ فِي الْآيَات

وَلست أملك شَيْئا دونه أبدا

وَلَا شريك أَنا فِي بعض ذراتي

وَلَا ظهير لَهُ كَيْمَا أعاونه

كَمَا يكون لأرباب الولايات

والفقر لي وصف ذَات لَازم أبدا

كَمَا الْغنى أبدا وصف لَهُ ذاتي

وَهَذِه الْحَال حَال الْخلق أجمعهم

وَكلهمْ عِنْده عبد لَهُ آتِي

فَمن بغى مطلبا من دون خالقه

فَهُوَ الجهول الظلوم الْمُشرك العاتي

وَالْحَمْد لله ملْء الْكَوْن أجمعه

مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا من بعده ياتي

ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر

خير الْبَريَّة من مَاض وَمن آتِي

ص: 391

وَله أَيْضا

إِن لله علينا أنعما

يعجز الْحصْر عَن الْعد لَهَا

فَلهُ الْحَمد على أنعمه

وَله الْحَمد على الشُّكْر لَهَا

وَقد مدح الشَّيْخ رحمه الله بقصائد كَثِيرَة فِي حَيَاته ورثي بِأَكْثَرَ مِنْهَا بعد وَفَاته

فَمن القصائد الَّتِي مدح بهَا قصيدة نجم الدّين اسحق بن أبي بكر ابْن ألمى التركي وَهِي

ذراني من ذكرى سعاد وَزَيْنَب

وَمن ندب أطلال اللوى والمحصب

وَمن مدح آرام سنحن برامة

وَمن غزل فِي وصف سرب وربرب

وَلَا تنشداني غير شعر إِلَى الْعلَا

يظل ارتياحا يزدهيني ويطبي

وَإِن أَنْتُمَا طارحتماني فَلْيَكُن

حديثكما فِي ذكر مجد ومنصب

بحب الأعالي لَا بحب أم جُنْدُب

أقضى لبانات الْفُؤَاد المعذب

ص: 392

.. خلقت امْرَءًا جلدا على حمل الْهوى

فلست أُبَالِي بالقلى والتجنب

سَوَاء أرى للوصل تَعْرِيض جؤذر

وإعراض ظَبْي ألعس الثغر أشنب

وَلم أصب فِي عصر الشبيبة وَالصبَا

فَهَل أصبون كهلا بلمة أشيب

يعنفني فِي بغيتي رتب الْعلَا

جهول أرَاهُ رَاكِبًا غير مركبي

لَهُ همة دون الحضيض محلهَا

ولي همة تسمو على كل كَوْكَب

فَلَو كَانَ ذَا جهل بسيط عذرته

وَلكنه يُدْلِي بِجَهْل مركب

يَقُول علام اخْتَرْت مَذْهَب أَحْمد

فَقلت لَهُ إِذْ كَانَ أَحْمد مَذْهَب

ص: 393

.. وَهل فِي ابْن شَيبَان مقَال لقَائِل

وَهل فِيهِ من طعن لصَاحب مضرب

أَلَيْسَ الَّذِي قد طَار فِي الأَرْض ذكره

فطبقها مَا بَين شَرق ومغرب

إِمَام الْهدى الدَّاعِي إِلَى سنَن الْهدى

وَقد فاضت الْأَهْوَاء من كل مسغب

أَتَوا بعظيم الْإِفْك وانتصروا لَهُ

بِكُل مقَال بِالدَّلِيلِ مكذب

وَقَالُوا كَلَام الله خلقا وكذبوا

بِمَا صَحَّ نقلا عَن أبي وَمصْعَب

وَأصْبح أهل الْحق بَين معاقب

وَبَين معد للأذى مترقب

فَقَامَ بِمَا يوهي ثبيرا ويذبلا

قيام هزبر للفريسة مغضب

ص: 394

.. وَلم ينْتَه عَنْهُم وَلما يصده

عُقُوبَة ذِي ظلم وجور معذب

إِلَى أَن بدا الْإِسْلَام أَبْلَج ساطعا

وكشف عَن ظلمائهم كل غيهب

وَهدم من أركانهم كل شامخ

ودوخ من شجعانهم كل قرهب

ومزقهم أَيدي سبا فتفرقت

كتائبهم مَا بَين شَرق ومغرب

وَأَصْحَابه أهل الْهدى لَا يضرهم

على دينهم طعن امرىء جَاهِل غبي

هم الظاهرون القائمون بدينهم

إِلَى الْحَشْر لم يَغْلِبهُمْ ذُو تغلب

لنا مِنْهُم فِي كل عصر أَئِمَّة

هداة إِلَى الْعليا مصابيح مرقب

فأيدهم رب الْعلَا من عِصَابَة

لإِظْهَار دين الله أهل تعصب

ص: 395

.. وَقد علم الرَّحْمَن أَن زَمَاننَا

تشعب فِيهِ الرَّأْي أَي تشعب

فجَاء بحبر عَالم من سراتهم

لسبع مئين بعد هِجْرَة يثرب

يُقيم قناة الدّين بعد اعوجاجها

وينقذها من قَبْضَة المتغصب

فَذَاك فَتى تَيْمِية خير سيد

نجيب أَتَانَا من سلالة منجب

عليم بأدواء النُّفُوس يسوسها

بِحِكْمَتِهِ فعل الطَّبِيب المجرب

بعيد من الْفَحْشَاء وَالْبَغي والأذى

قريب إِلَى أهل التقى ذُو تحبب

يغيب وَلَكِن عَن مسَاوٍ وغيبة

وَعَن مشْهد الْإِحْسَان لم يتغيب

حَلِيم كريم مُشفق بيد أَنه

إِذا لم يطع فِي الله لله يغْضب

يرى نصْرَة الْإِسْلَام أكْرم مغنم

وَإِظْهَار دين الله أربح مكسب

ص: 396

.. لُيُوث أذا أهل الضلال تجمعُوا

لكل فَتى مِنْهُم يعد بمقنب

لَئِن جحدت علياء فضلك حسد

لعمر أبي قد زَاد مِنْهُم تعجبي

وَهل مُمكن فِي الْعقل أَن يجْحَد السنا

ضحى وضياء الشَّمْس لم يتحجب

أيا مطلبا حزناه من غير مهلك

وَكم مهلك صد الورى دون مطلب

بعزم تَقِيّ الدّين أَحْمد تتقى

صروف زمَان بالفوادح مرعب

وَفِي الجدب نستسقي الْغَمَام بِوَجْهِهِ

فنصبح فِي روض كناديه مخصب

ربيب المعالى يافع الْجُود والندى

فَتى الْعلم كهل الْحلم شيخ التأدب

مفصل مَا قد جَاءَ من جمل النهى

وإيضاحه للفهم غير مقرب

بسيط معَان فِي وجيز عبارَة

بتهذيبه تعجيز كل مهذب

وَلَيْسَ لَهُ فِي الْعلم والزهد مشبه

سوى الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن الْمسيب

وَمن رام حبرًا غَيره الْيَوْم فِي الورى

فَذَاك الَّذِي قد رام عنقاء مغرب

أَلَيْسَ هُوَ النّدب الَّذِي بانتصاره

حبا الدّين حبي بِالْإِمَامَةِ قد حبي

وجاهد فِي ذَات الْإِلَه بِنَفسِهِ

وبالمال والأهلين وَالأُم وَالْأَب

ووازره فِي حالتيه ابْن أمه

فَذَلِك عبد الله نعم الْفَتى الأبي

عِقَاب الْمَعَالِي ضيغم الغابة الَّذِي

فرى كل ذِي غير بناب ومخلب

هما ناصرا دين الْإِلَه وحاميا

حمى خير خلق الله من نسل يعرب

مقيمان كالإسلام فِي دَار غربَة

فيا حبذا فِي الله حسن التغرب

ص: 397

.. وَكم قد غَدا بالْقَوْل وَالْفِعْل مُبْطلًا

ضَلَالَة كَذَّاب ورأي مكذب

وَلم تلق من عَادَاهُ غير مُنَافِق

وَآخر عَن نهج السَّبِيل منْكب

لقد حاولوا مِنْهُ الَّذِي كَانَ رامه

من الْمُصْطَفى قدما حييّ بن أَخطب

وَلَكِن رأى من بأسه مِثْلَمَا رأى

من الْمُصْطَفى فِي حربه رَأس مرحب

تمسك أَبَا الْعَبَّاس بِالدّينِ واعتصم

بِحَبل الْهدى تقهر عداك وتغلب

وَلَا تخش من كيد الأعادي فَمَا هم

سوى حائر فِي أمره ومذبذب

جنودهم من طامع ومذلل

مُسَيْلمَة مِنْهُم يلوذ بأشعب

وجند من أهل السَّمَاء ملائك

يمدك مِنْهُم موكب بعد موكب

وكل امرىء قد بَاعَ لله نَفسه

فَلَيْسَ إِذا يصغي لقَوْل مؤنب

ص: 398