الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا وَقد بعث الشَّيْخ رحمه الله إِلَى أَقَاربه وَأَصْحَابه بِدِمَشْق كتبا غير هَذِه
شكوى الصُّوفِيَّة الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان وَأمره بحبسه
وَلم يزل بِمصْر يعلم النَّاس ويفتيهم وَيذكر بِاللَّه وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَيتَكَلَّم فِي الْجَوَامِع على المنابر بتفسير الْقُرْآن وَغَيره من بعد صَلَاة الْجُمُعَة إِلَى الْعَصْر إِلَى أَن ضَاقَ مِنْهُ وانحصر وَاجْتمعَ خلق كثير من أهل الخوانق والرط والزوايا وَاتَّفَقُوا على أَن يشكو الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان
فطلع مِنْهُم خلق إِلَى القلعة وَكَانَ مِنْهُم خلق تَحت القلعة فَكَانَت لَهُم ضجة شَدِيدَة حَتَّى قَالَ السُّلْطَان مَا لهَؤُلَاء فَقيل لَهُ هَؤُلَاءِ كلهم قد جَاءُوا من أجل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية يَشكونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ إِنَّه يسب مشايخهم وَيَضَع من قدرهم عِنْد النَّاس واستغاثوا مِنْهُ وأجلبوا عَلَيْهِ ودخلوا على الْأُمَرَاء فِي أمره وَلم يبقوا مُمكنا
وَكَانَ بعض النَّاس يأْتونَ إِلَى الشَّيْخ فَيَقُولُونَ لَهُ إِن النَّاس قد جمعُوا لَك جمعا كثيرا
فَيَقُول حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
وَأمر من يعْقد لَهُ مَجْلِسا بدار الْعدْل
فعقد مجْلِس يَوْم الثُّلَاثَاء فِي الْعشْر الأول من شَوَّال من سنة سبع وَسَبْعمائة وَظهر فِي ذَلِك الْمجْلس من علم الشَّيْخ وشجاعته وَقُوَّة قلبه وَصدق توكله وَبَيَان حجَّته مَا يتَجَاوَز الْوَصْف وَكَانَ وقتا مشهودا ومجلسا عَظِيما
وَقَالَ لَهُ كَبِير من الْمُخَالفين من أَيْن لَك هَذَا
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ من أَيْن لَا تعلمه
وَذكر بعض من حضر ذَلِك الْمجْلس أَن النَّاس لما تفَرقُوا مِنْهُ قَامَ الشَّيْخ وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَابه
قَالَ فجَاء وَجئْت مَعَه إِلَى مَوضِع ذكره فِي دَار الْعدْل
قَالَ فَلَمَّا جلسنا اسْتلْقى الشَّيْخ على ظَهره وَكَانَ هُنَاكَ حجر لأجل تثقيل الْحَصِير فَأَخذه وَوَضعه تَحت رَأسه فاضطجع قَلِيلا ثمَّ جلس وَقَالَ لَهُ إِنْسَان يَا سَيِّدي قد أَكثر النَّاس عَلَيْك
فَقَالَ إِن هم إِلَّا كالذباب وَرفع كَفه إِلَى فِيهِ وَنفخ فِيهِ
قَالَ وَقَامَ وقمنا مَعَه حَتَّى خرجنَا فَأتي بحصان فَرَكبهُ ويختل بذؤابته فَلم أر أحدا أقوى قلبا وَلَا أَشد بَأْسا مِنْهُ
قَالَ فَلَمَّا أَكْثرُوا الشكاية مِنْهُ والملام وأوسعوا من أَجله الْكَلَام رسم بتسفيره إِلَى بِلَاد الشأم
فَخرج للسَّفر لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر الشَّهْر إِلَى جِهَة الشأم ثمَّ رد فِي يَوْم الْخَمِيس الْمَذْكُور وَحبس بسجن الْحَاكِم بحارة الديلم فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر شَوَّال
قَالَ وَلما دخل الْحَبْس وجد المحابيس مشتغلين بأنواع من اللّعب يلتهون بهَا عَمَّا هم فِيهِ كالشطرنج والنرد وَنَحْو ذَلِك من تَضْييع الصَّلَوَات
فَأنْكر الشَّيْخ عَلَيْهِم ذَلِك أَشد الْإِنْكَار وَأمرهمْ بملازمة الصَّلَاة والتوجه إِلَى الله بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة وَالتَّسْبِيح وَالِاسْتِغْفَار وَالدُّعَاء وعلمهم من السّنة مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ورغبهم فِي أَعمال الْخَيْر وحضهم على ذَلِك حَتَّى صَار الْحَبْس بِمَا فِيهِ من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَالدّين خيرا من الزوايا والربط والخوانق والمدارس وَصَارَ خلق من المحابيس إِذا أطْلقُوا يختارون الْإِقَامَة عِنْده وَكثر المترددون إِلَيْهِ حَتَّى كَانَ السجْن يمتلىء مِنْهُم
فَلَمَّا كثر اجْتِمَاع النَّاس بِهِ وترددهم إِلَيْهِ سَاءَ ذَلِك أعداءه وحصرت صُدُورهمْ فسألوا نَقله إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وظنوا أَن قُلُوب أَهلهَا عَن محبته عرية وَأَرَادُوا أَن يبعد عَنْهُم خَبره أَو لَعَلَّهُم يقتلونه فَيَنْقَطِع أَثَره