المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب الاستسقاء

- ‌383 - (1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء وكيفية العمل فيها

- ‌384 - (2) باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء والإشارة إلى السماء بظهر كفيه

- ‌385 - (3) - باب الدعاء في الاستسقاء في المسجد بغير صلاة

- ‌386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور

- ‌أبواب الكسوف

- ‌387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة

- ‌388 - (6) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌389 - (7) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف

- ‌389 - (7) باب التعوذ من عذاب القبر في صلاة الخسوف

- ‌390 - (8) باب ماعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار

- ‌391 - (9) باب فزع النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف

- ‌392 - (10) باب مشروعية صلاة الكسوف جماعة

- ‌393 - (11) باب ما جاء أنه يركع في كل ركعة أربع ركعاتٍ

- ‌394 - (12) - باب النداء في الكسوف بالصلاة جامعة

- ‌395 - (13) باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته

- ‌396 - (14) باب الفزع إلى الذكر والدعاء والاستغفار عند الكسوف

- ‌397 - (15) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌398 - (16) باب الأمر بصلاة الكسوف على الإطلاق

- ‌أبواب الجنائز

- ‌399 - (17) باب تلقين الموتى وما يقال عند المصيبة وعند حضور المرضى والموتى

- ‌400 - (18) باب: إغماض الميت والدعاء له، وشخوص بصره عند الموت

- ‌401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌402 - (20) باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه

- ‌403 - (21) باب ما جاء في النياحة واتباع النساء الجنائز

- ‌404 - (22) باب الأمر بغسل الميت وبيان كيفيته

- ‌405 - (23) باب في تكفين الميت وتسجيته والأمر بتحسين الكفن

- ‌(بشارة عظيمة حصلت لي في هذا المكان)

- ‌406 - (24) باب الإسراع بالجنازة وفضل الصلاة عليها واتباعها

- ‌407 - (25) باب الاستشفاع للميت وأن الثناء عليه شهادة له وأنه مستريحٌ ومستراحٌ منه

- ‌408 - (26) باب كم يكبر على الميت والصلاة على الغائب والصلاة على القبر

- ‌409 - (27) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌410 - (28) باب الدعاء للميت في الصلاة وأين يقوم الإمام من المرأة وركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌411 - (29) باب اللحد ونصب اللبن على الميت وجعل القطيفة تحته والأمر بتسوية القبور والنهي عن تجصيصها والجلوس عليها

- ‌412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

- ‌413 - (31) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه والنهي عن زيارة القبور ثم الترخيص فيها وترك الصلاة على قاتل نفسه

- ‌ كتاب الزكاة

- ‌414 - (32) باب ما تجب فيه الزكاة وبيان نصبه ومقدار ما يخرج منها

- ‌415 - (23) باب لا زكاة فيما اتخذ للقنية وتقديم الزكاة وتحملها عمن وجبت عليه

- ‌416 - (34) باب الأمر بزكاة الفطر وبيان من تخرج عنه وما تخرج منه ومتى تخرج

- ‌417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة

- ‌418 - (36) باب إرضاء السعاة وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة

- ‌419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك

- ‌420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف

- ‌421 - (39) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم والابتداء في الإنفاق بالنفس ثم الأهل ثم ذوي القرابة

الفصل: ‌401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

‌401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

(2014)

(889) - (29) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَابْنُ نُمَيرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: قَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ. لأبكِيَنَّهُ

ــ

401 -

(19) باب البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

(2014)

(889)(29) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (و) محمَّد بن عبد الله (ابن نمير) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (قال) محمَّد (بن نمير: حدثنا سفيان) بصيغة السماع (عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي مولاهم أبي يسار المكي روى عن أبيه في الجنائز ومجاهد في الحج والنكاح والجهاد والأطعمة وعبد الله بن كثير في البيوع ويروي عنه (ع) وابن عيينة وإبراهيم بن نافع وهشام الدستوائي وعبد الوارث بن سعيد وإسماعيل بن عليه والثوري قال الخليلي: ثقة وقال ابن حبان: مستقيم الحديث وقال في التقريب: ثقة رمى بالقدر من السادسة مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (131)(عن أبيه) يسار الثقفي مولاهم مولى الأخنس أبي نجيح المكي روى عن عبيد بن عمير في الجنائز وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم ويروي عنه (م دت س) وابنه عبد الله وعمرو بن دينار وغيرهم وثقه ابن معين وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (109) تسع ومائة.

(عن عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما الليثي أبي عاصم المكي ثقة مخضرم من (3) روى عنه في (7) أبواب (قال) عبيد: (قالت أم سلمة).

وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني واثنان كوفيان أو كوفي ومروزي.

(لما مات) زوجي (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (قلت) لنفسي: هو رجل (غريب) عن أقاربه بني مخزوم (و) رجل (في أرض غربة) ووحشة ليست وطنه معناه أنه من أهل مكة مات بالمدينة تعني مات غريبًا عن أقاربه وعن وطنه والله (لأبكينّه) أي

ص: 110

بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ. فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيهِ. إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي. فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَقَال: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِي الشيطَانَ بَيتًا أَخْرَجَهُ الله مِنْهُ؟ " مَرَّتَينِ. فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ.

(2015)

(890) - (30) حدثنا أَبُو كامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ عَاصِمٍ

ــ

لأبكين وأنوحن عليه (بكاء) ونوحًا شديدًا رفيع الصوت كثير الندب كثير الدموع يكون مثلًا (يتحدث عنه) عند الناس تعني أنها تنوح عليه وتندبه نياحة شديدة وذلك منها على ما كانوا عليه في الجاهلية من النياحة والاجتماع لها قبل أن يبلغها تحريم النياحة والله أعلم قالت أم سلمة: (فكنت قد تهيأت) واستعددت (للبكاء عليه) فبينما أنا متهيئة للبكاء عليه (إذ أقبلت امرأة من الصعيد) وإذ فجائية رابطة لجواب بينما المحذوفة والتقدير: بينما أوقات استعدادي وتهيئي للبكاء عليه فاجأني إقباب امرأة من أهل الصعيد حالة كونها (تريد أن تسعدني) أي تساعدني وتوافقني في البكاء والنوح عليه والمراد بالصعيد هنا عوالي المدينة وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض من التراب ومنه صعيد مصر أي أعلى بلادها (فاستقبلها) أي أتاها من قبالتها (رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال) لها: (أتريدين) وتقصدين أيتها المرأة بهمزة الاستفهام الإنكاري (أن تدخلي الشيطان) أي عمله وتسويلاته (بيتًا أخرجه الله) سبحانه أي أخرج الله الشيطان (منه) أي من ذلك البيت وقوله: (مرتين) إما معمول للإخراج أي أخرجه الله منه إخراجًا مرتين الأولى منهما إخراجه بالإيمان والثانية إخراجه بالهجرة لأن الإيمان لا يخرجه مطلقًا أو معمول للقول أي قال لها ذلك مرتين أي قولتين قالت أم سلمة: (فـ) لما سمعت ذلك أي مقالته صلى الله عليه وسلم للمرة (كففت) نفسي أي منعتها وزجرتها (عن البكاء فلم أبك) عليه ولم أنح لأن كونه من عمل الشيطان يدلس على حرمته فغرضه بسوق هذا الحديث الاستدلال به على حرمة النوح والندب لأنهما هما اللذان اعتدن المساعدة عليهما في الجاهلية لا سيلان الدموع وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى-.

ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث أم سلمة بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال:

(2015)

(890)(30)(حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن الحسين البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن عاصم) بن سليمان التميمي

ص: 111

الأحْوَلِ. عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. قَال: كُنا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَرْسَلَتْ إِلَيهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ. تَدْعُوهُ. وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا، أَو ابْنًا لَهَا، في الْمَوْتِ. فَقَال لِلرَّسُولِ: "ارْجِعْ إِلَيهَا. فَأَخْبِرْهَا: أَنَّ لله مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى

ــ

أبي عبد الرحمن (الأحول) البصري ثقة من (4)(عن أبي عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مل الكوفي ثقة مخضرم من (2)(عن أسامة بن زيد) بن حارثة.

الكلبي الأصل القرشي الهاشمي المدني حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه وابن حبه زيد بن حارثة وابن حاضنته أم أيمن - رضي الله تعالى- عنهم أجمعين له مائة وثمانية وعشرون حديثًا (128) اتفقا على خمسة عشر وانفرد كل منهما بحديثين يروي عنه (ع) وابن عباس وكريب وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص وعروة وأبو وائل وكثيرون.

وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي.

(قال) أسامة: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه) صلى الله عليه وسلم (إحدى بناته) هي زينب في ابنها عليّ بن أبي العاص بن الربيع أو في ابنتها أمامة بنت أبي العاص أو هي رقية في ابنها عبد الله بن عثمان بن عفان أو هي فاطمة في ابنها محسن بن علي بن أبي طالب وفي كل من هذه الأقوال إشكال مذكور في شروح البخاري لا نطيل الكلام به وجمع البرماوي بين ذلك باحتمال تعدد الواقعة في بنت واحدة أو ابنتين أرسلت زينب في علي أو أمامة أو رقية في عبد الله بن عثمان أو فاطمة في ابنها محسن بن علي والله أعلم حالة كونها (تدعوه) صلى الله عليه وسلم أي تطلب حضوره إليها (وتخبره) صلى الله عليه وسلم (أن صبيًّا لها أو) قال الراوي أن (ابنًا لها) والشك ممن دونه وفي رواية البخاري (أن ابنًا لها) بلا شك (في) حالة (الموت) ومقدماته فأتنا كما في رواية البخاري (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (للرسول) الذي أرسلته: (ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى) أي إن الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له وقدم الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخرًا في الواقع لأن المقام يقتضيه ولفظ مافي الموضعين مصدرية أي إن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة والعائد محذوف للدلالة على العموم فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاؤه وغيرهما اهـ من الإرشاد، والمعنى أن ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه

ص: 112

وَكُل شَيءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى. فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَال: إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا. قَال: فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ. فَرُفِعَ إِلَيهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا في شَنَّةٍ. فَفَاضَتْ

ــ

ما يشاء والمقصود الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى وتقديره ومعناه إن الذي أخذ منكم كان له لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له فينبغي ألا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية (وكل شيء) كائن من الكائنات مقدر مؤجل (عنده) تعالى (بأجل مسمّى) أي بوقت معين قال العيني: والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر ومعنى عنده في علمه وإحاطته اهـ أي وكل من الأخذ والإعطاء عنده تعالى أي في علمه مؤجل بأجل معلوم فإذا علمتم ذلك كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم فإن كل من مات فقد انقضى أجله المسمى فمحال تقدمه أو تأخره عنه (فمرها فلتصبر) على ما أصابها (ولتحتسب) أجر مصيبتها على الله تعالى أي ولتنو بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح (فعاد) أي رجع (الرسول) أي رسولها إليه صلى الله عليه وسلم (فقال) له: (إنها) أي إن البنت (قد أقسمت) عليك والله (لتأتينها) ووقع في رواية عبد الرحمن بن عوف (إنها راجعته مرتين) وإنه إنما قام في ثالث مرة.

(قال) أسامة: (فقام النبي صلى الله عليه وسلم و) قد (قام معه) صلى الله عليه وسلم بتقدير قد لأن الجملة حالية (سعد بن عبادة) بن دليم مصغرًا بن حارثة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وسيد الخزرج وأحد الأجواد مات بالشام سنة خمس عشرة رضي الله عنه (ومعاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه قال أسامة: (وانطلقت معهم) فمشوا إلى أن دخلوا بيتها (فرفع إليه) صلى الله عليه وسلم (الصبي) أو الصبية فوضع في حجره صلى الله عليه وسلم (ونفسه) وروحه أي والحال أن نفس الصبي (تقعقع) أي تضطرب وتتحرك كلما صار إلى حالة لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى تقربه من الموت (كأنها) أي كان نفسه وروحه (في شنة) أي في قربة بالنية والقعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت والشن القربة البالية شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها اهـ نهاية والمعنى: وروحه تضطرب وتتحرك لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القربة البالية (ففاضت

ص: 113

عَينَاهُ. فَقَال لَهُ سَعْدٌ: مَا هذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "هذِهِ رَحْمَةٌ. جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ. وَإِنمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ"

ــ

عيناه) صلى الله عليه وسلم أي سالت دموعًا بالبكاء وهذا موضع الترجمة لأن البكاء العاري عن النوح لا يؤاخذ به الباكي ولا الميت وحديث أم سلمة السابق دل على حرمة البكاء المقترن بالنوح والندب لأنها أرادت ذلك بدليل قولها (فجاءت امرأة من الصعيد تريد أن تساعدني) لأن ذلك هو الذي يقبل المساعدة وحديث أسامة دل على البكاء الجائز بدليل قوله (فقال له) صلى الله عليه وسلم (سعد) بن عبادة: (ما هذا) البكاء (يا رسول الله) وفي رواية عبد الواحد قال سعد بن عبادة (تبكي) وزاد أبو نعيم في مستخرجه (وتنهى عن البكاء)(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه) الدمعة التي تراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة عليها لأنها (رحمة) أي علامة رحمة وشفقة (جعلها الله) سبحانه وتعالى (في قلوب عباده) الرحماء (وإنما يرحم الله) سبحانه (من عباده الرحماء) بالنصب على أن ما في قوله (وإنما) كافة وبالرفع على أنها موصولة أي وإن الذين يرحمهم الله من عباده الرحماء جمع رحيم من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وغيره: (الراحمون يرحمهم الرحمن) والراحمون جمع راحم فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة اهـ إرشاد الساري.

قال القرطبي: قوله: (هذه رحمة) أي رقة يجدها الإنسان في قلبه تبعثه على البكاء من خشية وعلى أفعال البر والخير وعلى الشفقة على المبتلى والمصاب ومن كان كذلك جازاه الله برحمته وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) وضد ذلك القسوة في القلوب الباعثة على الإعراض عن الله تعالى وعن أفعال الخير ومن كان كذلك قيل فيه: {فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22] الآية.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1284) والنسائي (4/ 22) وأبو داود (3123) وابن ماجه.

قال العيني: وفي الحديث جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وفيه جواز القسم عليهم لذلك وفيه جواز المشي إلى التعزية والعبادة بغير إذنهم بخلاف الوليمة وفيه استحباب إبرار القسم اهـ منه.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال:

ص: 114

(2016)

(0)(0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. جَمِيعًا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ حَمَّادٍ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ.

(2017)

(891) - (31) حدَّثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى الصَّدَفِيُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الأنصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ

ــ

(2016)

(0)(0)(وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الكوفي (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9).

(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (جميعًا) أي كل من من ابن فضيل وأبي معاوية رويا (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري ثقة من (4)(بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن فضيل وأبي معاوية لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عاصم الأحول.

(غير أن حديث) أي لكن أن حديث (حماد) بن زيد (أتم) وأوضح معنى (وأطول) لفظًا.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال:

(2017)

(891)(31)(حدثنا يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري (وعمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود (العامري) السرحي المصري ثقة من (11)(قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9)(أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب (الأنصاري) المصري ثقة من (7)(عن سعيد بن الحارث) بن المعلى ويقال: ابن أبي المعلى ويقال: ابن أبي سعيد بن أبي المعلى (الأنصاري) المدني قاضي المدينة روى عن ابن عمر في الجنائز وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر ويروي عنه (ع) وعمرو بن الحارث وعمارة بن غزية وفليح بن سليمان قال ابن معين: مشهور وثقه يعقوب بن سفيان وابن حبان وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (3)(عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما.

ص: 115

قَال: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ. فَأَتَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ. فَقَال: "أَقَدْ قَضى؟ " قَالُوا: لَا. يَا رَسُولَ الله! فَبَكَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَلَما رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. بَكَوْا. فَقَال: "أَلا تَسْمَعُونَ؟ إِن اللهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَينِ،

ــ

وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وواحد مكي وواحد مدني وفيه التحديث والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة.

(قال) عبد الله بن عمر: (اشتكى) أي مرض (سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي (شكوى) أي مرضًا حاصلًا (له فأتاه)(رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يعوده) أي يزوره من مرضه (مع عبد الرحمن بن عوف) الزهري (وسعد بن أبي وقاص) الزهري (وعبد الله بن مسعود) الهذلي (فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على سعد بن عبادة (وجده) أي وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدًا (في غشية) بفتح الغين وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء وضبطه بعضهم بإسكان الشين وتخفيف الياء وفي رواية البخاري (في غاشية) وكلها صحيح ومعناها واحد.

قال ملا علي في شرح المشكاة قوله: (وجده في غشية) أي في شدة من المرض أو في غشيان وإغماء من غاية المرض حتى ظن أنه مات وقال التوربشتي في شرح المصابيح: المراد ما يتغشاه من كرب الوجع الذي فيه لا الموت لأنه برئ من هذا المرض وعاش بعده زمانًا (فقال) صلى الله عليه وسلم: (أقد قضى) أي هل قضى نحبه ومات وخرج من الدنيا (قالوا) أي قال الحاضرون عنده: (لا) أي ما قضى (يا رسول الله) جواب لما مر مما استفهمه (فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا محل الترجمة (فلما رأى القوم) الحاضرون (بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تسمعون) ما أقول لكم أو المعنى أو ما سمعتم (إن الله) سبحانه وتعالى بكسر الهمزة استئنافًا لأن قوله تسمعون لا يقتضي مفعولًا لأنه جعل كاللازم فلا يقتضي مفعولًا أي ألا توجدون السماع كذا قرره البرماوي وابن حجر كالكرماني وقد تعقبه العيني فقال: ما المانع أن يكون أن بالفتح في محل المفعول لتسمعون وهو الملائم لمعنى الكلام اهـ لكن الذي في روايتنا بالكسر أي إن الله سبحانه وتعالى (لا يعذب) الباكي بإجراء الدموع (بدمع العين) أي بسيلان الدموع بلا إظهار

ص: 116

وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا (وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) أَوْ يَرْحَمُ"

ــ

صوت (ولا) يعذبه (بحزن القلب ولكن يعذبـ) ـه (بهذا) اللسان إن قال به سوءًا من النوح والندب قال الأبي: قوله (بهذا) يعني بالبكاء بصوت (وأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة عند قوله: بهذا (إلى لسانه) الشريف (أو يرحم) بهذا إن قال خيرًا قال النواوي: وفي الحديث استحباب عيادة المريض وعيادة الفاضل المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه اهـ.

قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن البكاء الذي لا يصحبه صوت ولا نياحة جائز قبل الموت وبعده بل قد يقال فيه: إنه مندوب إليه لأنه قد قال فيه (إنه رحمة) والرحمة مندوب إليها فأما النياحة التي كانت الجاهلية تفعلها من تعديد خصال الميت والثناء عليه بما كان فيه من الخصال الدنيوية والمذمومة والصراخ الذي يخرجه الجزع المفضي إلى السخط والعبث من ضرب الخدود وشق الجيوب فكل ذلك محرم من أعمال الجاهلية ولا يختلف فيه فأما بكاء وصراخ لا يكون معه شيء من ذلك فهو جائز قبل الموت مكروه بعده أما جوازه فبدليل حديث جابر بن عقبة الذي خرجه مالك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: غلبنا عليك أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية رواه مالك في الموطإ.

ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم أقرهن على البكاء والصياح قبل الموت وأمر بتركهن على ذلك وإنما قلنا إنه مكروه بعد الموت ليس بمحرم لما في حديث جعفر من بكائهن بعد الموت وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيهن عنه فلما لم ينكففن قال للمبلغ احث في أفواههن التراب رواه مسلم برقم (935/ 30) ولم يبالغ في الإنكار عليهن ولا زجرهن ولا ذمهن ولو كان ذلك محرمًا لفعل كل ذلك والله أعلم.

وبهذا الذي قررناه يرتفع الاختلاف بين ظواهر الحديث التي في هذا الباب ويصح جمعها فتمسك به فإنه حسن جدًّا وهو الصواب إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم قال الأبي: في النوادر عن ابن حبيب: إن البكاء قبل الموت وبعده دون صوت ودون اجتماع مباح ويكره اجتماعهن له ولذا فرق عمر اجتماعهن لذلك في موت أبي بكر رضي الله عنه اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط (1304).

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال:

ص: 117

(2018)

- (892)(32) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عُمَارَةَ (يَعْنِي ابْنَ غَزِيَّةَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم. إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ. ثُمَّ أَدْبَرَ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أَخَا الأَنْصَارِ، كَيفَ أَخِي سَعْدُ بن عُبَادَةَ؟ " فَقَال: صَالِحٌ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟ "

ــ

(2018)

(892)(32)(وحدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثنا محمد بن جهضم) بن عبد الله الثقفي البصري صدوق من (10)(حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8)(عن عمارة يعني ابن غزية) بن الحارث الأنصاري المازني ثقة من (6)(عن سعيد بن الحارث بن المعلى) الأنصاري المدني (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مكي (أنه) أي أن ابن عمر (قال كنا) معاشر الأصحاب (جلوسًا) أي كنا جالسين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ) بسكون الذال فجائية رابطة لجواب بينما المقدرة (جاءه) صلى الله عليه وسلم (رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (فسلم) الرجل (عليه) صلى الله عليه وسلم والتقدير: بينما أوقات جلوسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجأنا مجيء رجل من الأنصار فتسليمه على النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أدبر الأنصاري) أي جعل دبره مقبلًا إلينا للذهاب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا الأنصار كيف) حال (أخي سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي هل هو طيب أم وجع وفي هذا دليل على حسن التعاهد وتفقد الإخوان والسؤال عن أحوالهم إذا فقدوا وعلى الاستلطاف في السؤال عنهم (فقال) الرجل في جواب سؤاله صلى الله عليه وسلم عنه: هو (صالح) الآن أي طيب خفيف الوجع (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (من يعوده) ويزوره للعيادة عن مرضه موجود (منكم) ففي هذا حض على عيادة المرضى وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة تدل على ندبيتها وكثرة ثواب فاعلها وهي مندوبة وقد تجب إذا خيف على المريض ضياع فإن التمريض واجب على الكفاية فإذا قام به أحد سقط الحرج عن غيره والله أعلم اهـ من

ص: 118

فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ. وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ. مَا عَلَينَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ وَلَا قَلانِسُ وَلَا قُمُصٌ. نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ. فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ. حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ.

(2019)

(893) - (33) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) حَدَّثَنَا شعْبَةُ،

ــ

المفهم (فقام) رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه لزيارته (وقمنا) نحن (معه) صلى الله عليه وسلم.

(ونحن) القائمون معه صلى الله عليه وسلم مبتدأ خبره (بضعة عشر) رجلًا كذا بالبناء على فتح الجزأين كما في اللسان وتثبت الهاء في بضع مع المذكر كما هنا وتحذف مع المؤنث فيقال: بضع عشرة امرأة والبضع بكسر الباء وسكون الضاد ما بين العقود من الآحاد (ما علينا) أي ما على أقدامنا (نعال) جمع نعل (ولا خفاف) جمع خف (ولا) على رؤوسنا (قلانس) جمع قلنسوة شيء يليس في الرأس طويل مثل طاقية طويلة (ولا قمص) جمع قميص حالة كوننا (نمشي) بأرجلنا (في تلك السباخ) المعروفة بالمدينة جمع سبخة بوزن كلبة مخفف سبخة بوزن كلمة وهي كما في النهاية الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر (حتى جئناه) غاية للمشي أي ماشين بأرجلنا في تلك السباخ الصعبة إلى مجيئنا سعدًا والسين والتاء في قوله (فاستأخر قومه) زائدتان أي تأخر قومه وعشيرته (من حوله) أي من حول سعد وجانبه أي رجعوا من جوانبه إلى ورائهم (حتى دنا) وقرب (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين) جاؤوا (معه) صلى الله عليه وسلم إلى سعد المريض قال النواوي: في هذا الحديث بيان ما كانت عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واطراح فضولها وعدم الاهتمام بفاخر اللباس ونحوه وفيه جواز المشي حافيًا وعيادة الإمام والعالم المريض مع أصحابه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

(2019)

(893)(33)(حدثنا محمد بن بشار العبدي) البصري (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) المدائني أبو جعفر البزاز بزايين صدوق من (9)(حدثنا شعبة) بن الحجاج

ص: 119

عَنْ ثَابِتٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى".

(2020)

(0)(0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا. فَقَال لَهَا:

ــ

البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (قال) ثابت: (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه حالة كونه (يقول) وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله بصريون إلا محمد بن جعفر فإنه مدائني: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر) الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه اهـ نواوي أو الصبر المأجور عليه صاحبه والمحمود عليه فاعله هو ما كان (عند الصدمة الأولى) أي عند مفاجأة المصيبة لكثرة المشقة فيه بخلاف ما بعد ذلك فإنه على مرور الأيام يسلو والمراد بالصدمة الأولى كل مكروه حصل بغتة وأصل الصدم كما في النهاية ضرب الشيء الصلب بمثله ثم استعمل مجازًا في كل مكروه حصل بغتة والصدمة المرة منه وفي تيسير المناوي: الصبر العظيم الثواب عند أول صدمة أي ما كان عند فورة المصيبة وابتدائها وبعد ذلك تنكسر حدة المصيبة وحرارة الرزية اهـ.

وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 217) والبخاري (2 130) وأبو داود (3124) والترمذي (987) والنسائي (4/ 22) وابن ماجه (1596).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2020)

(0)(0)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (10)(أخبرنا شعبة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بيان متابعة عثمان بن عمر لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى) ومر (على امرأة تبكي) لم أر من ذكر اسمها (على صبي لها) قد مات وهذا البكاء منها كان معه ما ينكر من رفع صوت أو غيره كالجزع وأما نفس البكاء فعلى ما تقدم من الإباحة اهـ مفهم (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه

ص: 120

"اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي" فَقَالتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي، فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ. فَأَتَتْ بَابَهُ. فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ الله، لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَال:"إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ" أَوْ "عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ"

ــ

وسلم (اتقي) أيتها الباكية عقاب (الله) سبحانه وتعالى (واصبري) على مصيبتك (فقالت) له صلى الله عليه وسلم اسكت عني (و) أنت (ما تبالي) ولا تكترث ولا تعتني (بمصيبتي) ولم تصب بمثلها ولم تذقها يقال: باليته وباليت به أي ما تكترث بها والظاهر من قولها هذا أنها لعظيم حزنها لم تعرفه ولم تكن رأته قبله فلما أخبرت بأنه النبي صلى الله عليه وسلم أخذها مثل الموت خوفًا من سوء ما جاوبت به النبي صلى الله عليه وسلم وتوهمت أنه على سيرة الملوك فقالت اعتذارًا: لم أعرفك ولما أتت بابه صلى الله عليه وسلم لم تجد عليه بوابين يمنعون الناس من الدخول عليه كما هو عادة الملوك وعبارة العون هنا: قوله: (وما تبالي) بصيغة المخاطب المعروف من باب المفاعلة يقال بالاه وبالى به مبالاة أي اهتم به واكترث له قال في النهاية: يقال: ما باليته وما باليت به أي لم أكترث به اهـ والمعنى أنت لا تبالي بمصيبتي ولا تعبأ بها ولا تعتني ولا تهتم بشأنها قال أصحاب اللغة اكترث له بالى به يقال: هو لا يكترث لهذا الأمر أي لا يعبأ به ولا يباليه وقال بعضهم الاكتراث الاعتناء ولفظ المصابيح من رواية الشيخين (فإنك لم تصب) على بناء المجهول أي لم تبتل (بمصيبتي) أي بعينها أو بمثلها على زعمها (فلما ذهب) صلى الله عليه وسلم من عندها (قيل لها: إنه) أي إن القائل الآمر لك بالصبر والتقوى هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها) حزن وهم (مثل الموت) خوفا من سوء أدبها في ردها عليه وحياء منه صلى الله عليه وسلم (فأتت بابه) صلى الله عليه وسلم اعتذارًا إليه مما وقع منها (فلم تجد على بابه بوابين) أي حجابين يمنعون الناس من الدخول عليه لأن ذلك كان من عادته لتواضعه ومجانبة أحوال المترفين والمتكبرين لأنه كان عبدًا نبيًّا لا نبيًّا ملكًا صلى الله عليه وسلم اهـ مفهم (فقالت) في اعتذارها: (يا رسول الله لم أعرفك) حين جاوبتك فلا تؤاخذني على سوء أدبي وجوابي. (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر) الشاق الصعب على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو (عند أول صدمة أو) قال الرسول صلى الله عليه وسلم أو الراوي: (عند أول الصدمة) بتعريف الصدمة والشك من الراوي أو ممن دونه أي عند هجوم المصيبة

ص: 121

(2021)

(0)(0) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ

ــ

وحرارتها فإنه يدل على قوة النفس وتثبتها وتمكنها في مقام الصبر وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك ولذلك قيل: يجب على العاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث ولهذا المعنى أبيح للمصابة أن تحد على غير زوجها ثلاثًا لا غير إذ بعدها تبرد المصيبة غالبًا وأما دوام الإحداد إلى أربعة أشهر وعشرة للمتوفى عنها زوجها فلمعنى يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

قال القرطبي: ومعنى هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صادمته هذه المرأة بقولها: إليك عني كما رواه البخاري وبقولها: ما تبالي بمصيبتي وهو سوء أدب تأذى به قابل ذلك بالصبر وحلم عنها ولم يؤاخذها به مع تمكنه من ذلك فحصل من الصبر على أشقه على النفوس وأعظمه في الثواب هذا ما سمعناه في هذا ويحتمل عندي أن ينجر مع هذه المرأة منه معنى وذلك أنها لما شاهدت قبر ابنها تجددت عليها مصيبتها فكان ابتداء تجددها صدمة أولى صدمتها فلم تصبر حتى غشيها من الجزع ما سدها عن معرفة من كلمها ثم لما أفاقت من ذلك جاءت معتذرة مظهرة للتجلد فقال لها ذلك منبهًا على أنها قد فاتها محل الصبر والأجر والله أعلم اهـ مفهم قال الحافظ: في هذا الحديث كثير من الفوائد منها ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بالجاهل ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ حاجبا يحجبه عن قضاء حوائج الناس ومنها أن الجزع من المنهيات لأمره لها بالتقوى مقرونًا بالصبر اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2021)

(0)(0)(وحدثناه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري ثقة من (10)(حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة من (8)(ح وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول من أكرم الرباعي (العمي) البصري ثقة من (11)(حدثنا عبد الملك بن عمرو) القيسي أبو عامر العقدي البصري ثقة من (9)(ح وحدثني أحمد بن إبراهيم) بن كثير البغدادي (الدورقي) نسبة إلى بلدة بفارس ثقة من

ص: 122

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، بِقِصَّتِهِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ

ــ

(10)

(حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث البصري صدوق من (9)(قالوا جميعًا) أي كل من خالد وعبد الملك وعبد الصمد (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري ثقة من (7)(بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس (نحو حديث عثمان بن عمر بقصته) أي مع ذكرهم قصة ذكرت في حديث عثمان بن عمر من قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها

إلخ غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة خالد بن الحارث وعبد الملك بن عمرو وعبد الصمد بن عبد الوارث لعثمان بن عمر في رواية هذا الحديث عن شعبة (و) لكن (في حديث عبد الصمد) بن عبد الوارث (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة) باكية (عند قبر) صبي لها وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول منها حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على أول الترجمة والثاني حديث أسامة بن زيد ذكره للاستشهاد به لحديث أم سلمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا والرابع حديث عبد الله بن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على وسط الترجمة والخامس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 123