المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب الاستسقاء

- ‌383 - (1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء وكيفية العمل فيها

- ‌384 - (2) باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء والإشارة إلى السماء بظهر كفيه

- ‌385 - (3) - باب الدعاء في الاستسقاء في المسجد بغير صلاة

- ‌386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور

- ‌أبواب الكسوف

- ‌387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة

- ‌388 - (6) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌389 - (7) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف

- ‌389 - (7) باب التعوذ من عذاب القبر في صلاة الخسوف

- ‌390 - (8) باب ماعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار

- ‌391 - (9) باب فزع النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف

- ‌392 - (10) باب مشروعية صلاة الكسوف جماعة

- ‌393 - (11) باب ما جاء أنه يركع في كل ركعة أربع ركعاتٍ

- ‌394 - (12) - باب النداء في الكسوف بالصلاة جامعة

- ‌395 - (13) باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته

- ‌396 - (14) باب الفزع إلى الذكر والدعاء والاستغفار عند الكسوف

- ‌397 - (15) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌398 - (16) باب الأمر بصلاة الكسوف على الإطلاق

- ‌أبواب الجنائز

- ‌399 - (17) باب تلقين الموتى وما يقال عند المصيبة وعند حضور المرضى والموتى

- ‌400 - (18) باب: إغماض الميت والدعاء له، وشخوص بصره عند الموت

- ‌401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌402 - (20) باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه

- ‌403 - (21) باب ما جاء في النياحة واتباع النساء الجنائز

- ‌404 - (22) باب الأمر بغسل الميت وبيان كيفيته

- ‌405 - (23) باب في تكفين الميت وتسجيته والأمر بتحسين الكفن

- ‌(بشارة عظيمة حصلت لي في هذا المكان)

- ‌406 - (24) باب الإسراع بالجنازة وفضل الصلاة عليها واتباعها

- ‌407 - (25) باب الاستشفاع للميت وأن الثناء عليه شهادة له وأنه مستريحٌ ومستراحٌ منه

- ‌408 - (26) باب كم يكبر على الميت والصلاة على الغائب والصلاة على القبر

- ‌409 - (27) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌410 - (28) باب الدعاء للميت في الصلاة وأين يقوم الإمام من المرأة وركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌411 - (29) باب اللحد ونصب اللبن على الميت وجعل القطيفة تحته والأمر بتسوية القبور والنهي عن تجصيصها والجلوس عليها

- ‌412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

- ‌413 - (31) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه والنهي عن زيارة القبور ثم الترخيص فيها وترك الصلاة على قاتل نفسه

- ‌ كتاب الزكاة

- ‌414 - (32) باب ما تجب فيه الزكاة وبيان نصبه ومقدار ما يخرج منها

- ‌415 - (23) باب لا زكاة فيما اتخذ للقنية وتقديم الزكاة وتحملها عمن وجبت عليه

- ‌416 - (34) باب الأمر بزكاة الفطر وبيان من تخرج عنه وما تخرج منه ومتى تخرج

- ‌417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة

- ‌418 - (36) باب إرضاء السعاة وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة

- ‌419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك

- ‌420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف

- ‌421 - (39) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم والابتداء في الإنفاق بالنفس ثم الأهل ثم ذوي القرابة

الفصل: ‌412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

‌412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

(2132)

(936) - (86) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ)(قَال عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أن عَائِشَةَ أَمَرَت أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ في الْمَسْجِدِ

ــ

412 -

(30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

(2132)

(936)(86)(وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) المروزي ثقة من (9)(وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) المروزي (واللفظ لإسحاق قال علي: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا عبد العزيز بن محمد) الجهني الدراوردي المدني (عن عبد الواحد بن حمزة) بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبي حمزة المدني روى عن عمه عباد بن عبد الله في الجنائز ويروي عنه (م ت س) والدراوردي وموسى بن عقبة قال ابن معين: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: لا بأس به من السادسة (عن) عمه (عباد بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني روى عن عائشة في الجنائز والصوم والفضائل وأسماء بنت أبي بكر في الزكاة ومحمد بن جعفر بن الزبير في الصوم وهشام بن عروة ويروي عنه (ع) وابن أخيه عبد الواحد بن حمزة وثقه النسائي وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أمرت أن يمر) بالبناء للمفعول (بجنازة سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني.

وقد مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وحمل إليها على أعناق الرجال ليدفن بالبقيع وذلك في إمرة معاوية رضي الله تعالى عنهم أجمعين (في المسجد) النبوي (فتصلي) عائشة (عليه) أي على سعد ويأتي في آخر الباب رواية قولها: (ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه)(فأنكر الناس ذلك) أي المرور بالجنازة في المسجد (عليها) أي على عائشة فأبوا عليها وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد كما

ص: 263

فَتُصَلِّيَ عَلَيهِ. فَأَنْكَرَ الناسُ ذلِكَ عَلَيهَا. فَقَالتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيلِ بْنِ الْبَيضَاءِ إلا في الْمَسْجِدِ

ــ

في الرواية الآتية (فقالت) عائشة: (ما أسرع ما نسي الناس) أي ما أسرع نسيانهم فما الأولى تعجبية والثانية مصدرية وفي حديث ابن حاتم: (قالت ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما ليس لهم به علم)(ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلَّا في) جوف (المسجد) النبوي قال العلماء: وبنو بيضاء ثلاثة إخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه اهـ نواوي.

قال القاري ناقلًا عن الطيبي: ذهب الشافعي إلى قول عائشة وأبو حنيفة وأصحابه يكرهون ذلك وقالوا: إن الصحابة كانوا متوافرين فلو لم يعلموا بالنسخ لما خالفوا اهـ كلام الطيبي أو حملوه على عذر كمطير أو على الخصوصية أو على الجواز وعملوا بالأفضل في حق سعدٍ قال: ولو كانت الصلاة في المسجد أفضل لكان أكثر صلاته صلى الله عليه وسلم على الميت في المسجد ولما امتنع جل الصحابة وإنما الحديث يفيد بالجواز في الجملة وقد كان للجنائز موضع معروف خارج المسجد والغالب منه صلى الله عليه وسلم الصلاة عليها ثمة اهـ فتح الملهم.

قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد وممن قال به أحمد وإسحاق قال ابن عبد البر: ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي وقال ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك على المشهور عنه: لا تصح الصلاة عليه في المسجد لحديث في سنن أبي داود من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له ودليل الشافعي والجمهور حديث سهيل بن البيضاء وأجابوا عن حديث سنن أبي داود بأجوبة: أحدها: أنَّه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف والثاني: أن الَّذي في النسخ الصحيحة المسموعة من نسخ أبي داود: (ومن صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) ولا حجة لهم حينئذ فيه الثالث: أنَّه لو ثبت الحديث وثبت أنَّه قال (فلا شيء له) لوجب تأويله على (فلا شيء عليه) ليجمع بين الروايتين وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن البيضاء وقد جاء له بمعنى عليه كقوله تعالى

ص: 264

(2133)

(0)(0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ. يُحدَّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا لمَّا تُوُفيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ،

ــ

{وَإنْ أَسَأْتُم فَلَهَا} الرابع أنَّه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه والله أعلم وفي حديث سهيل هذا دليل على طهارة الآدمي الميت وهو الصحيح في مذهبنا اهـ نواوي قال القرطبي: وقد اختلف في نجاسة الميت قول مالك والشافعي وأصحابهما وقال بعض المتأخرين: الخلاف إنما يصح في المسلمين لا الكافرين فإنهم متفقون على تنجيس الميت منهم وهذا القول حسن لأنه قد تقرر الإجماع على أن الموت بغير ذكاة سبب التنجيس فيما له نفس سائلة مطلقًا وهذا يقتضي تنجيس الميت المسلم إلَّا أنَّه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال (إن المؤمن لا ينجس) رواه السبعة فهل يحمل هذا على أنَّه لا ينجس حيًّا ولا ميتًا فيستثنى تلك القاعدة الكلية أو يحمل على أنَّه لا ينجس ما دام حيًّا وهو الَّذي خرج عليه الحديث وتحمل تلك القاعدة الكلية على أصلها ويبقى الكافر على أصل القاعدة وإنما الخلاف في نجاسة عين الكافر في حال حياته فقال بنجاسته الشافعي وغيره وبطهارته مالك وغيره اهـ من المفهم باختصار.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 79) وأبو داود (3189 و 3190) والترمذي (1033) والنسائي (4/ 68).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2133)

(0)(0)(وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9)(حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7)(حَدَّثَنَا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني ثقة فقيه إمام في المغازي من (5)(عن عبد الواحد) بن حمزة بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني (عن) عمه (عباد بن عبد الله بن الزبير) الأسدي المدني (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبد العزيز بن محمد في رواية هذا الحديث عن عبد الواحد بن حمزة (أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني بقصره في العقيق وحملت جنازته إلى البقيع ليدفن فيه

ص: 265

أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ في الْمَسْجِدِ. فَيُصَلِّينَ عَلَيهِ. فَفَعَلُوا. فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيهِ. أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ. فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ. وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ. فَقَالتْ: مَا أَسْرَعَ الناسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا عَلَينَا أَنْ يُمَرُّ بِجِنَازَةٍ

ــ

(أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمال جنازته وأمرنهم بـ (ـأن يمروا بجنازته في) جوف (المسجد فيصلين) الأمهات (عليه) أي على سعد (ففعلوا) أي ففعل حمال جنازته ما أمرنهم به (فوقف به) أي بسعد (على حجرهن) أي على أبواب حجرهن وبيوتهن حالة كونهن (يصلين عليه) أي على سعد أي يدعون له وهذا بعد أن صلى عليه الصلاة الجامعة ويحتمل أن تكون هذه الصلاة هي الصلاة ويكون معنى قوله: فوقف به على حجرهن على هذا أي حبس بين حجرهن حتَّى يجتمع الناس للصلاة عليه فصلين عليه في جملة الناس والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

قال الأبي: وهذا ظاهر في أن المراد بالصلاة الدعاء كما جاء في الموطأ لتدعو له وكانت الصلاة المعهودة لم تحتج إلى الوقوف به على الحجر وكن يصلين بصلاة الناس وقد رفع الإشكال قوله: (عابوا عليها أن يمروا بجنازة في المسجد) اهـ.

ثم (أخرج به) أي أخرج بجنازة سعد من المسجد (من باب الجنائز) أي من الباب الَّذي يسمى باب الجنائز لإخراجها من المسجد من ذلك الباب (الَّذي) صفة للباب أي من الباب الذي (كان) منفتحًا (إلى) جهة (المقاعد) أي إلى جهة الموضع الَّذي يسمى مقاعد بقرب المسجد الشريف سمي بذلك لأنه اتخذ للقعود فيه للحوائج والوضوء وفي مجمع البحار قوله: (إلى المقاعد) بفتح الميم دكاكين عند دار عثمان وقيل درج وقيل موضع بقرب المسجد اتخذ للقعود فيه للحوائج والوضوء والاستراحة اهـ (فبلغهن) أي فبلغ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (أن الناس عابوا ذلك) أي إدخال الجنازة في المسجد (وقالوا) أي قال الناس في تعييب ذلك: (ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك) الَّذي قالوه في التعييب (عائشة) رضي الله تعالى عنها (فقالت) عائشة: (ما أسرع الناس) أي أي شيء أسرع الناس أي شيء عجيب جعل الناس مسرعين (إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به) من حكم إدخال الجنازة المسجد هم (عابوا علينا أن يمر بجنازة

ص: 266

في الْمَسْجِدِ! وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيلِ بْنِ بَيضَاءَ إلا في جَوْفِ الْمَسْجِدِ.

(2134)

(0)(0) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي فُدَيكٍ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ) عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَن عَائِشَةَ، لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي

ــ

في المسجد وما صلى) أي والحال أنَّه ما صلى (رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلَّا في جوف المسجد) وداخله.

وأجابت الحنفية عن هذا الحديث بأنه منسوخ وإلا لما أنكرت الصحابة على عائشة أو محمول على عذر كمطر أو على الخصوصية أو على بيان الجواز كما مر قالوا! وتكره الصلاة على الميت في مسجد الجماعة وفيه في غير المسجد الحرام كراهة تنزيه إن كانت العلة شغل المسجد بما لم يبن له وكراهة تحريم إن كانت العلة التلويث ورجح ابن الهمام الأولى وقيد بمسجد الجماعة لأنها لا تكره في مسجد أعد لها وكذا في مدرسة ومصلى عيد لأنه ليس له حكم المسجد في الأصح إلَّا في جواز الاقتداء وإن لم تتصل الصفوف وكذا في المسجد الحرام لأنه موضوع للجماعات والجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء وصلاة الجنازة وهذا أحد وجوه إطلاق المساجد عليه بصيغة الجمع في قوله تعالى: {أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} وقيل لعظمته ظاهرًا وباطنًا أو لأنه قبلة المساجد أو لأن جهاته كلها مساجد ذكره الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

(2134)

(0)(0)(وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ لابن رافع قالا: حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) مصغرًا اسمه يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني (حَدَّثَنَا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام بكسر المهملة وبالزاي الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله التيمي المدني ثقة من (5)(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أن عائشة) الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو نيسابوري (لمَّا توفي) ومات (سعد بن أبي

ص: 267

وَقاصٍ، قَالتِ: ادْخُلُوا بِهِ الْمَسْجِدَ حَتى أُصَلِّيَ عَلَيهِ. فَأُنْكِرَ ذلِكَ عَلَيهَا. فَقَالتْ: واللهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَي بَيضَاءَ في الْمَسْجِدِ، سُهَيلٍ وَأَخِيهِ.

قَال مُسْلِمٌ: سُهَيلُ بْنُ دَعْدٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَيضَاءِ. أُمُّهُ بَيضَاءُ

ــ

وقاص) مالك بن أهيب الزهري (قالت) للناس: (ادخلوا به) أي بسعد (المسجد) الدخول كما يتعدى بالهمزة يتعدى بالباء يقال أدخلته ودخلت به كما هو المفهوم من القاموس (حتَّى أصلي عليه) صلاة الجنازة (فأنكر ذلك) إي إدخاله المسجد والفعل مبني للمفعول (عليها) أي على عائشة (فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه) سهل مكبرًا قال الزرقاني في شرح المواهب: وعند ابن منده وأخيه سهل بالتكبير وبه جزم في الاستيعاب وزعم الواقدي أن سهلًا بالتكبير مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو نعيم: اسم أخي سهيل صفوان ووهم من سماه سهلًا كذا قال ولم يزد مالك في روايته على ذكر سهيل المصغر قاله في الإصابة اهـ باختصار.

وفي بعض الهوامش: والروايتان المتقدمتان اقتصرتا على سهيل بن بيضاء ولم يذكر الأخ في غير هذه الرواية والمذكور في تراجم الصحابة أن بني بيضاء ثلاثة سهل وسهيل وصفوان والمتفق منهم على وفاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو سهيل كما يظهر من أسد الغابة.

(قال مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد أو من كلام رواته: (سهيل بن دعد) مبتدأ وقوله (وهو ابن البيضاء) جملة معترضة وجملة قوله (أمه بيضاء) خبر المبتدأ وفي بعض الهوامش: هذه عبارة لا تكاد تفهم وتوضيحها أن سهيلًا معروف بالإضافة إلى أمه وهي بيضاء واسمها دعد بنت جحدم والبيضاء وصف لها وكذلك أخوه سهل وصفوان معروفان بالإضافة إلى أمهم بيضاء ولها صحبة وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري وليس له صحبة يعرف ذلك بمراجعة كتب التراجم.

قال النواوي: هذا الحديث ما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: خالف الضحاك حافظان مالك والماجشون فروياه عن أبي النضر عن عائشة مرسلًا وقيل: عن الضحاك عن أبي النضر عن أبي بكر بن عبد الرحمن ولا يصح إلَّا مرسلًا هذا كلام الدارقطني وقد سبق الجواب عن مثل هذا الاستدراك في الفصول السابقة في مقدمة هذا

ص: 268

(2135)

(937) - (87) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ويحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ شَرِيكٍ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (كُلَّمَا كَانَ لَيلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ إِلَى الْبَقِيعِ

ــ

الشرح في مواضع منه وهو أن هذه الزيادة التي زادها الضحاك زيادة ثقة وهي مقبولة لأنه حفظ ما نسيه غيره فلا تقدح فيه والله أعلم اهـ منه.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2135)

(937)(87)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرقيّ مولاهم المدني ثقة من (8)(عن شريك) بن عبد الله (وهو ابن أبي نمر) أبي عبد الله المدني صدوق من (5)(عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني ثقة من (3)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو بلخي وفيه التحديث والإخبار والمقارنة والعنعنة (أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها) أي ليلة نوبتها التي تخصها (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما ظرف فيه معنى الشرط وجوابه (يخرج) وهو العامل فيه وجملة كلما خبر كان الأول والمعنى كان من عادته صلى الله عليه وسلم إذا بات عندها أن يخرج (من آخر الليل) قال الأبي: كلما هي من ألفاظ العموم وهي إنما ذكرت ليلة واحدة ويجاب بأن تلك الليلة هي التي حضرت فيها ثم علمت أن ذلك كان شأنه في غيرها أو يكون العموم فيها وفيما بعدها اهـ وقوله: (من آخر الليل) فيه تأكيد الزيارة في هذا الوقت لأنه مظنة لقبول الدعاء كما دل عليه حديث النزول.

وفي بعض الهوامش: وإنما ميزنا قولها: (كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هلالين لكونه حكاية معنى قولها لا لفظها الَّذي تلفظت به اهـ وقوله: (إلى البقيع) أي إلى بقيع الغرقد وهو موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها وفي النهاية هو

ص: 269

فَيَقُولُ: "السَّلَامُ عَلَيكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا. مُؤَجَّلُونَ. وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ"

ــ

المكان المتسع ولا يسمى بقيعًا إلَّا وفيه شجر أو أصولها والغرقد اسم شجر والآن بقيت الإضافة دون الشجر (فيقول: السلام عليكم) قال الخطابي: فيه أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء في تقديم لفظ السلام على المسلم عليه خلافًا لمن قال: إن تحية الميت عليك السلام بتقديم عليك على السلام تمسكًا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل فقال: عليك السلام يا رسول لله فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان.

وهذا لا حجة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كره منه أن يبدأ بعليك السلام لأنه كذلك كانت تحية الجاهلية للموتى كما قال شاعرهم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أن يترحما

ومقصوده صلى الله عليه وسلم أن سلام المسلمين على الأحياء والموتى مخالف لما كانت الجاهلية تفعله وتقوله والله سبحانه وتعالى أعلم.

(دار قوم مؤمنين) بنصب دار على النداء وقيل: على الاختصاص ولفظ الدار مقحم أو هو من ذكر اللازم لأنه إذا سلم على الدار فأولى سكانها والتقدير: يا أهل دار قومٍ مؤمنين كذا في المرقاة اهـ ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم سمى صلى الله عليه وسلم موضع القبور دارًا لاجتماع الموتى فيه كالأحياء في الديار قال الخطابي: وفيه أن اسم الدار يقع على المقابر وهو الصحيح لأن الدار لغة تطلق على المسكون والخرب (وأتاكم) أي جاءكم الآن (ما) كنتم (توعدونـ) ـه (غدًا) أي بوقوعه في الغد وهو يوم القيامة وأنتم (مؤجلون) في وقوعه عليكم والأجل مدة ما بين الموت إلى النشور (وإنا إن شاء الله) سبحانه وتعالى موتنا على الإيمان أو دفننا في هذه المقبرة (بكم لاحقون) في الدفن في هذه المقبرة وعلق بالمشيئة مع أن الموت لا بد منه قيل: امتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ} الاية وقيل: في الدفن في تلك البقعة (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) أضيف إلى الغرقد لغرقد كان فيه والغرقد ما عظم من شجر العوسج وفيه إطلاق لفظ الأهل على ساكن المكان من حي وميت.

قال العلامة السندي: أي أتاكم ما كنتم توعدون يوم إذ كنتم في الدنيا أنَّه يجيئكم عذابه

ص: 270

(وَلَمْ يُقِمْ قُتَيبَةُ قَوْلَهُ "وَأَتَاكُمْ").

(2136)

(0)(0) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ؛

ــ

ويقال لكم: إنه يجيئكم غدًا كذا وكذا فقد جاءكم ذلك وأنتم مؤجلون أي ممهلون يومئذٍ.

وقال القاري: وقوله: (غدًا) متعلق بما قبله كما قررنا ويحتمل تعلقه بما بعده وهو قوله: (مؤجلون) أي أنتم مؤخرون ممهلون إلى غد باعتبار أجوركم استيفاء واستقصاء فالجملة مستأنفة مبيِّنة أن ما جاءهم من الموعود أمور إجمالية لا أمور تفصيلية والله أعلم وقوله: (وإنا إن شاء الله) إلخ قيل وإن شرطية ومعناه لاحقون بكم في الموافاة على الإيمان وقيل: هو للتبرك والتفويض كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وقيل: هو للتأديب وعن أحمد بن يحيى استثنى الله تعالى فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون وأمر بذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ذكره الطيبي قال ابن عابدين: والمراد باللحوق على أتم الحالات فتصح المشيئة اهـ فتح الملهم.

(ولم يقم قتيبة) بضم الياء من الإقامة أي ولم يثبت قتيبة في روايته: أي لم يذكر فيها (قوله) أي قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتاكم) ما توعدون غدًا مؤجلون أي لم يذكر في روايته هذه الجملة وفي بعض النسخ: (ولم يقم قتيبة قوله وأتاكم) باللام بدل الميم في يقم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 221) والنسائي (7/ 72 - 73) وابن ماجة (1546) مختصرًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2136)

(0)(0)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن عبد الله بن كثير بن المطلب) بن أبي وداعة الحارث بن صبيرة من بني عبد الدار القرشي السهمي العبدري القاص المكي روى عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب في الجنائز وأبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم في البيوع ويروي عنه (م س) وابن جريج وابن أبي نجيح له حديث عندهما مختلف في إسناده قال ابن المديني: كان

ص: 271

أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ فَقَالت: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنِّي! قُلْنَا: بَلَى. ح وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الأعوَرَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ــ

ثقة وقال ابن سعد: ثقة وله أحاديث صالحة وقال ابن معين: ثقة وقال في التقريب مقبول من السادسة مات سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة (أنَّه) أي أن عبد الله بن كثير (سمع محمد بن قيس) بن مخرمة بن المطلب المطلبي المكي روى عن عائشة في الجنائز وأبي هريرة في كفارة المرضى ويروي عنه (م ت س) وعبد الله بن كثير بن المطلب وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن قال أبو داود: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وذكر العسكري أنَّه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير (يقول: سمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تحدث) لنا شأنها وشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد مصري وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن قيس لعطاء بن يسار في رواية هذا الحديث عن عائشة (فقالت) في حديثها لنا: (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم فإني (أحدثكم عن) شأن (النبي صلى الله عليه وسلم وعنِّي) أي وعن شأني أو الهمزة في ألا للاستفهام التقريري ولا نافية ولذا أجابوه ببلى قال محمد بن قيس: (قلنا) معاشر الحاضرين لها: (بلى) أي حَدَّثَنَا عن شأن النبي صلى الله عليه وسلم وعن شأنك.

(ح وحدثني) أيضًا (من سمع حجاجًا) ابن محمد (الأعور واللفظ) الآتي (له) أي لذلك السامع لا لهارون بن سعيد (قال) ذلك السامع: (حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور والمعنى: وحدثني من سمع حجاج بن محمد المعروف بالأعور أنَّه قال: حَدَّثَنَا حجاج بن محمد فلا يرد ما في شرح النواوي عن القاضي عياض أن قول مسلم: (وحدثني من سمع حجاجًا الأعور واللفظ له قال: حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) يوهم أن حجاجًا الأعور حدث به عن رجل آخر يقال له حجاج بن محمد وليس كذلك بل حجاج الأعور هو حجاج بن محمد بلا شك وتقدير كلام مسلم: (وحدثني من سمع حجاجًا الأعور قال) هذا السامع المحدث عنه: (حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور ولا يقدح رواية مسلم لهذا الحديث من هذا المجهول الَّذي سمعه منه عن حجاج الأعور لأن مسلمًا ذكره متابعة لا متأصلًا معتمدًا عليه بل الاعتماد على الإسناد الصحيح المذكور قبله اهـ فتح الملهم

ص: 272

حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ (رَجُلٌ مِنْ قُرَيشِ) عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ قَيسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ قَال يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي! قَال: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ. قَال: قَالتْ عَالشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم! قُلْنَا: بَلَى. قَال: قَالتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيلَتِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِنْدِي،

ــ

(حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني عبد الله) بن كثير بن المطلب العبدري المكي هو (رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب) المطلبي المكي قال المازري: كذا وقع في مسلم في إسناد حديث حجاج عن ابن جريج: (أخبرني عبد الله رجل من قريش) وكذا رواه أحمد بن حنبل وقال النسائي وأبو نعيم الجرجاني وأبو بكر النيسابوري وأبو عبد الله الجرجاني كلهم عن يوسف بن سعيد المصيصي حَدَّثَنَا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة وقال الدارقطني هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة قال أبو علي الغساني الجياني هذا الحديث أحد الأحاديث المقطوعة في مسلم وهو أيضًا من الأحاديث التي وهم رواتها وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة أنَّه سمع عائشة رضي الله تعالى عنها قال القاضي: قوله: إن هذا الحديث مقطوع لا يوافق عليه بل هو مسند لم يسم بعض رواته فهو من باب المجهول لا من باب المنقطع إذ المنقطع ما سقط من رواته راوٍ قبل التابعي اهـ فتح الملهم.

(أنه) أي أن محمد بن قيس (قال) لنا (يومًا: ألا أحدثكم عني وعن أمي) أم المؤمنين أراد بها عائشة أي أحدثكم عما جرى بيني وبينها من التحديث والسماع (قال) عبد الله بن كثير: (فظننا) معاشر الحاضرين (أنه) أي أن محمد بن قيس (يريد) بقوله: عن أمي أي يقصد بها (أُمه التي ولدته) والحال أنَّه أراد بها أم المؤمنين وليته قال: وعن أم المؤمنين حتَّى لا يشتبه الكلام على السامعين (قال) محمد بن قيس: (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها: (ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا) معاشر الحاضرين لها: (بلى) حَدَّثَنَا عن شأنكما (قال) محمد بن قيس: (قالت) عائشة (لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي) هذا حكاية منها أول خروجه صلى الله عليه وسلم من عندها ليلة نوبتها بخلاف ما تقدم في الرواية الأولى فإن الحكاية فيها بمفهوم (كلما) ولفظة (كان) الثانية ساقطة في أكثر النسخ.

ص: 273

انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إلا رَيثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ. ثُمَّ أَجَافَهُ رُويدًا. فَجَعَلْتُ دِرْعِي في رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنعْتُ إِزَارِي. ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ

ــ

(انقلب) النبي صلى الله عليه وسلم أي انصرف من المسجد بعد العشاء ورجع إلى فراشه (فوضع رداءه) عند رأسه (وخلع نعليه) أي نزعهما عن رجليه (فوضعهما) أي وضع النعلين (عند رجليه) قال الأبي: فيه أن العازم على الشيء يهيئ أسبابه قبل حضور وقته (وبسط طرف إزاره على فراشه) تحت جنبه (فاضطجع) على فراشه كأنه ينام (فلم يلبث) أي لم يمكث ولم يستمر على اضطجاعه (إلا ريثما) بفتح الراء وسكون الياء بعده ثاء مثلثة منصوب على الاستثناء من أعم الزمان أي لم يمكث ولم يدم على اضطجاعه زمنًا من الأزمان إلَّا ريثما أي إلَّا قدر الزمن الَّذي (ظن) فيه (أن قد رقدت) أي رقدتي ونومي وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة قد رقدت خبرها أي إلَّا ريثما ظن أنَّه قد رقدت أي أني قد رقدت أو مصدرية قال الأبي: وفيه أنَّه لا يعلم من الغيب إلَّا ما علمه الله تعالى (فأخذ) أي فلما لبث ومكث قدر ذلك الزمن أخذ (رداءه) أخذًا (رويدًا) أي خفيفًا بلطف لئلا يوقظها من النوم (وانتعل) نعليه انتعالًا (رويدًا) أي خفيفًا لطيفًا (وفتح الباب) فتحًا خفيفًا (فخرج) من البيت (ثم أجافه) أي أجاف الباب ورده عليه وأغلقه من الخارج إجافةً وإغلاقًا (رويدا) أي خفيفًا بلا إظهار صوت الإجافة وإنما فعل ذلك كله في خفية لئلا يوقظها ويخرج من عندها وهي يقظى فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل قال القاضي عياض: وفعل ذلك لئلا تعلم بخروجه فيلحقها ذعر أو استيحاش والظاهر في خروجها أنها اتهمته أن يذهب لبعض نسائه بدليل لهده لها أي ضربه لها في صدرها اهـ قال الأبي: والحامل لها على الخروج الغيرة وإلا فمثل هذا الخروج يفتقر إلى إذن اهـ قالت عائشة: (فجعلت درعي) أي أدخلت قميصي (في رأسي) ولبسته ودرع المرأة قميصها (واختمرت) أي ألقيت خماري على رأسي والخمار ما تستر به المرأة رأسها (وتقنعت) أي لبست وعقدت (إزاري) على حقوي قال النواوي: هكذا في الأصول (إزاري) بغير باء موحدة في أوله وكأنه بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه (ثم انطلقت) وذهبت (على إثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي عقب خروجه بلا مهلة

ص: 274

حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ. فَأَطَال الْقِيَامَ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ. فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ. فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ. فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ. فَلَيسَ إِلا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ. فَقَال:"مَا لَكِ يَا عَائِشُ؟ حَشْيَا رَابِيَةً! " قَالتْ: قُلْتُ: لَا شَيءَ

ــ

وقوله: (حتَّى جاء البقيع) غاية لمحذوف أي ثم انطلق وذهب (حتَّى جاء البقيع فقام) في البقيع للدعاء لأهله (فأطال القيام ثم رفع يديه) عند الدعاء لهم (ثلاث مرات) قال النواوي: فيه استحباب إطالة الدعاء وتكريره ورفع الأيدي للدعاء فلعله كان لغير الدعاء فلا يكون فيه دليل على إطالة الدعاء.

(ثم انحرف) أي مال وذهب عن موضع قيامه للرجوع (فانحرفت) أي ذهبت عن موضع انتظاري إياه وذهبت للرجوع إلى البيت قبله (فأسرع) في مشيته (فأسرعت) في مشيتي (فهرول) صلى الله عليه وسلم في مشيته (فهرولت) في مشيتي والهرولة فوق الإسراع (فأحضر) أي فعدا النبي صلى الله عليه وسلم (فأحضرت) أي فعدوت في مشيتي والإحضار العدو والعدو فوق الهرولة (فسبقته) صلى الله عليه وسلم إلى البيت (فدخلت) البيت (فليس) شأني (ألا أن اضطجعت) أنا (فدخل) هو صلى الله عليه وسلم فليس شأننا إلَّا اضطجاعي ودخوله البيت فتنفست تنفس الإسراع (فقال) لي: (ما لك) أي أي شيء ثبت لك (يا عائش) بالضم والفتح على اللغتين في المنادى المرخم لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر لأنه مرخم عائشة أي أي شيء ثبت لك لأي سبب اضطرب جسمك وانقطع نفسك حالة كونك (حشيا) أي مضطربة الجسم (رابية) أي مرتفعة النفس والمعنى مالك قد وقع عليك الحشا والحشا بالقصر التهيج والاضطراب الَّذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره يقال: امرأة حشيا ورجل حشيان إذا اضطرب جسمه وتواتر نفسه ومالك قد وقع عليك الربو والربو ارتفاع البطن لشدة التحرك وكثرة التنفس والرابية المرأة التي أخذها الربو (قالت) عائشة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (لا شيء) عندي مما يوجب الحشا والربو.

قال النواوي: هكذا في بعض الأصول: (لا شيء) بلا النافية واسمها وفي بعضها: (لا بي شيء) بياء الجر وفي بعضها: (لأي شيء) قلت ذلك بتشديد الياء على الاستفهام حكاها القاضي والأول الَّذي عليه شرحنا أصوبها اهـ قال الأبي: حمل بعضهم رواية

ص: 275

قَال: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبيرُ" قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! فَأْخْبَرْتُهُ. قَال: "فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأْيتُ أَمَامِي؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَهَدَنِي في صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي. ثُمَّ قَال: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيكِ وَرَسُولُهُ؟ " قَالتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ. نَعَمْ. قَال: "فَإِنَّ جِبْرِيلَ

ــ

الاستفهام على الاستفهام حقيقة ويحتمل أنها للإنكار فترجع لرواية (لا بي شيء بالباء الموحدة والمعنى لأي شيء أكون حشيا رابية اهـ.

(قال) صلى الله عليه وسلم: والله (لتخبريني) عن سبب كونك حشيا رابية (أو ليخبرني) بنون التوكيد الثقيلة أو ليخبرني عن سبب ذلك الرب (اللطيف) أي الرفيق لعباده (الخبير) أي العليم بأحوالهم ظاهرها وباطنها أي اخْتَرِي بين إخبارك لي وبين إخبار الله إياي فأو للتخيير لا للشك (قالت) عائشة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي من كل مكروه (و) بـ (ـأمي) أخبرك عن سبب ذلك (فأخبرته) عن سبب ذلك بأني خرجت من البيت ومشيت خلفك لأنظر إلى أي مكان مشيت فـ (ـقال) لي: (فأنت السواد) أي الشخص (الَّذي رأيتـ) ـه (أمامي) أي قدامي حين رجعت من البقيع (قلت) له: (نعم) أنا ذلك السواد الَّذي رأيت.

(فلهدني) بفتح الهاء والدال المهملة أي دفعني (في صدري لهدة) أي دفعة (أوجعتني) أي آلمتني وروي (فلهزني) بالزاي وهما متقاربان قال أهل اللغة: لهَدهُ بتخفيف الهاء ولهَّده بتشديدها أي دفعه ويقال: لهزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره ويقرب منهما لكزه ووكزه اهـ نواوي.

(ثم قال) لي: (أظننت) يا عائشة (أن يحيف الله) ويجور (عليك ورسوله) بالذهاب في نوبتك إلى بعض بيوت أزواجه من الحيف وهو الجور والظلم أي أظننت أني ظلمتك بجعل نوبتك لغيرك وذكر الله تعالى تمهيد وتوطئة لذكر رسوله فليس مقصودًا بالحيف (قالت) عائشة: قلت له صلى الله عليه وسلم: (مهما يكتم الناس) أي أيّ شيء يكتمه الإنسان ويخفيه عن غيره (يعلمه الله) الَّذي يعلم خواطر القلوب (نعم) ظننت ذلك الحيف قال النواوي: هكذا هو في كل الأصول وهو صحيح وكأنها لما قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت: نعم اهـ ثم (قال: فإن جبريل) الفاء للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إن أردت بيان سبب خروجي من عندك ومعرفة

ص: 276

أَتَانِي حِينَ رَأَيتِ. فَنَادَانِي. فَأَخْفَاهُ مِنْكِ. فَأَجَبْتُهُ. فَأَخْفَيتُهُ مِنْكِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ. وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ. وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي. فَقَال: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ". قَالتْ: قُلْتُ: كَيفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ. وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لَلَاحِقُونَ"

ــ

حكمته فأقول لك: إن جبريل الأمين عليه السلام (أتاني) أي جاءني (حين رأيتـ) ـني قمت من فراشي (فناداني) جبريل أي دعاني من خارج حجرتك (فأخفاه) أي فأخفى جبريل نداءه (منك) أي خفض صوته بحيث لا تسمع.

قال السندي: أي أخفى نفسه منك أو أخفى الحديث منك وعلى التقديرين هو كناية عن بعده منها والوجه الثاني أولى لما في الأول من جعل الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد في غير أفعال القلوب اهـ.

(فأجبته) أي فأجبت نداءه (فأخفيته) أي أخفيت إجابتي له (منك و) إنما ناداني جبريل من خارج حجرتك لأنه (لم يكن يدخل عليك) في حجرتك (و) الحال أنك (قد وضعت) وخلعت (ثيابك) وقميصك عنك (وظننت) أنا حين خرجت من عندك (أن قد رقدت) أي أنَّه قد رقدت ونمت (فكرهت أن أوقظك) أي أنبهك من نومتك (وخشيت) أي خفت من إيقاظك (أن تستوحشي) أي أن تلحقك وحشة بانفرادك في ظلمة الليل يقظى (فـ) ـلما خرجت إلى جبريل (قال) لي: (أن ربك) يا محمد (يأمرك أن تأتي) وتجيء (أهل البقيع فتستغفر) أي تطلب (لهم) من الله سبحانه غفران ذنوبهم (قالت) عائشة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (كيف أقول) أنا (لهم) أي لأهل البقيع إذا أردت زيارتهم (يا رسول الله قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أردت زيارتهم فـ (ـقولي) لهم (السلام على أهل) هذه (الدبار من المومنين) والمؤمنات (والمسلمين) والمسلمات (ويرحم الله) سبحانه (المستقدمين) أي السابقين (منا) في الموت (والمستأخرين) منا في الموت أي اللاحقين بنا في الموت والسين والتاء فيهما زائدتان لا للطلب (وإنا إن شاء الله) تعالى لحوقنا بكم في الموت على الإسلام وفي الدفن في هذه المقبرة (بكم للاحقون) واللام فيه لام الابتداء وفيه جواز زيارة القبور للنساء وسيأتي البحث فيه.

ص: 277

(2137)

(938) - (88) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلَّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ. فَكَانَ قَائِلُهُمْ

ــ

وقوله: (من المؤمنين والمسلمين) المؤمن والمسلم قد يكونان بمعنى واحد وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظ ولا يجوز أن يراد بالمسلم غير المؤمن لأن المنافق لا يجوز السلام عليه والترحم له فهو بمعنى قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أفاده النواوي.

قال الطيبي: (قوله: أهل الديار) سمى صلى الله عليه وسلم موضع القبور دارًا وديارًا لاجتماعهم فيه كالأحياء في الديار وقوله: (من المؤمنين والمسلمين) بيان لأهل الديار والعطف فيه للتأكيد باعتبار تغاير الوصفين أو المراد بالمسلمين المخلصون لوجهه تعالى قوله: (المستقدمين منا والمستأخرين) إلح قال القاري: أي الدِّين تقدموا علينا بالموت والمستأخرين والسين فيهما لمجرد التأكيد أي الأموات منا والأحياء قدم الأموات هنا لاقتضاء المقام ولاستنساق الكلام أو مراعاة ما ورد في كلام الملك العلام حيث قال: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} وإن كان معنى الآية يراد به العام.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنهما فقال:

(2137)

(938)(88)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله) بن الزبير بن عمرو بن درهم (الأسدي) الزبيري أبو أحمد الكوفي ثقة ثبت من (9) روى عنه في (15) أبواب (عن سفيان) الثوري الكوفي (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي ثقة من (6)(عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة من (3)(عن أبيه) بريدة بن الحصيب مصغرًا بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المدني ثم البصري ثم المروزي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) بريدة بن الحصيب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم) أي يعلم أصحابه ما يقولون (إذا خرجوا إلى المقابر) لزيارتها (ف) بعد ما علمهم (كان قائلهم) أي قائل منهم إذا خرج إلى

ص: 278

يَقُولُ (في رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ): السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ. (وَفِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ): السَّلَامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ. وإنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، لَلَاحِقُونَ. أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ

ــ

المقابر (يقول: في رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (السلام على أهل الديار وفي رواية زهير: السلام عليكم) يا (أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله) تعالى اللاحقون) بكم (أسأل الله لنا ولكم) يا أهل الديار (العافية) أي الخلاص من المكاره والنجاة من العذاب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجنائز والنسائي في الجنائز وابن ماجة كذلك اهـ من تحفة الأشراف.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث:

الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين.

والثاني: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.

والثالث حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة.

***

ص: 279