الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك
(2182)
(953)(103) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا. تَأْتِي عَلَى ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ. إلا دِينَارٌ
ــ
419 -
(37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك
(9182)
(953)(103)(حدثنا عبد الرحمن بن سلام) بالتشديد (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري صدوق من (10)(حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجُمَحِي أبو بكر المصري ثقة من (7)(عن محمد بن زياد) الجُمَحِي أبي الحارث البصري ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يسرني) أي ما يعجبني ولا يحصل لي سرور به وجملة أن في قوله: (أن لي أحدًا) بضمتين جبل معروف بالمدينة وهو اسم إن مؤخر عن خبرها (ذهبًا) تمييز لأحد فاعل يسرني أي ما يعجبني كون أحد لي ذهبًا وفي بعض الروايات: (مثل أحد ذهبًا) وفي رواية أبي شهاب عن الأعمش عند البخاري في الاستئذان (فلما أبصر أحدًا قال ما أحب أنه تحول لي ذهبًا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث) قال الحافظ: ويمكن الجمع بين قوله: (مثل أحد) وبين قوله: (تحول لي أحد) بحمل المثلية على شيء يكون وزنه من الذهب وزن أحد والتحويل على أنه إذا انقلب ذهبًا كان قدر وزنه أيضًا اهـ.
وجملة قوله: (تأتي) أي تمر (عليَّ) ليلة (ثالثة) حال من الياء في قوله: (لي) أي ما يسرني كون جبل أحد لي ذهبًا حالة كوني تمر عليَّ ليلة ثالثة قيل: وإنما قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبًا ويعكر عليه رواية (يوم وليلة) فالأولى أن يقال: الثلاثة أقصى ما يحتاج إليه في تفرقته مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن وجملة قوله: (وعندي منه) أي من ذلك الذهب (دينار) واحد حال من الياء في عندي أي تمر عليَّ ثالثة حالة كون دينار منه عندي (إلا دينار) بالرفع على ماقاله الطيبي من أن المستثنى في حيز النفي أي لسرني أن لا يبقى منه دينار إلا دينار الخ وروي بالنصب على الاستثناء على أن المستثنى منه عام مطلق والمستثنى مقيد خاص فاتجه النصب اهـ من فتح الملهم بتصرف.
أُرْصِدُهُ لِدَينٍ عَلَيَّ".
(2183)
(0)(0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
(2184)
(954) - (104) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. كلُّهُمْ عَنْ أَبِي فعَاويةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيدِ بْنِ وَهْبٍ،
ــ
وجملة قوله: (أرصده) أي أعده وأهيؤه وأحفظه (لدين عليَّ) أي لقضاء دين ثابت عليَّ صفة للمستثنى أي لسرني أن لا يبقى منه دينار إلا دينارًا مدخرًا لقضاء دين على وهذا الإرصاد أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضره فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفي.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله كما في تحفة الأشراف.
ثم ذكر المتابعة فيه فقال:
(2183)
(0)(0)(وحدثنا محمد بن بشار) البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن محمد بن زياد) الجُمَحِي البصري (قال) محمد: (سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق شعبة (بمثله) أي بمثل حديث الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم.
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما فقال:
(2184)
(954)(104)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (كلهم) أي كل من الأربعة رووا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال يحيى) بن يحيى: (أخبرنا أبو معاوية) بصيغة السماع (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي ثقة مخضرم من (2)
عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ، عِشَاءً. وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى أُحُدٍ. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا ذَرٍّ! " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا ذَاكَ عِندِي ذَهَبٌ. أَمْسَى ثَالِثَةً عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ. إلا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَينٍ
ــ
هاجر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة كوفيون وواحد مدني أو ثلاثة كوفيون وواحد نيسابوري وواحد مدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة.
(قال) أبو ذر (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة) وهي أرض ذات حجارة سود خارج المدينة المنورة وهي بين حرتين وتسميان لابتين اهـ نواوي.
وقيل: الحرة هي الأرض التي حجارتها سود وهي تشتمل جميع جهات المدينة التي لا عمارة فيها وهذا يدل على أن قوله في رواية المعرور بن سويد عن أبي ذر: (انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة وهو يقول: هم الأخسرون ورب الكعبة فذكر قصة المكثرين) وهي قصة أخرى مختلفة الزمان والمكان والسياق كذا في الفتح اهـ فتح الملهم.
وقيل: حرة المدينة مكان معروف بالمدينة من الجانب الشمالي منها وكانت به الوقعة المشهورة في زمن يزيد بن معاوية اهـ منه.
وقوله: (عشاءً) بكسر العين ظرف متعلق بأمشي أي أمشي معه في وقت عشاء والعشاء ظلمة أوائل الليل (ونحن) أي والحال أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (ننظر) ونبصر (إلى أحد) جبل عظيم معروف بالمدينة لعدم شدة الظلام (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر قال) أبو ذر (قلت) إجابة لندائه: (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (يا رسول الله) ماذا تقول وماذا تريد وفيه جواز الجواب بلبيك وسعديك قاله القاضي عياض.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر: (ما أحب أن أحدًا) هـ (ـذاك) بدل من اسم أن كائن (عندي) خبرها (ذهب) خبر ثان لها وجملة قوله: (أمسى) ذلك الذهب ودخل (ثالثة) أي ليلة ثالثة صفة لذهب وجملة قوله: (عندي منه دينار) حال من فاعل أمسي أي ما أحب كون أحد هذا ذهبًا أمسي ثالثة والحال أن عندي منه دينار (إلا دينارًا أرصده) بضم الهمزة من الإرصاد أي أهيؤه وأبقيه (لي) قضاء (دين) عليَّ أي ما
إلا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ. هكَذَا (حَثَا بَينَ يَدَيهِ) وَهكَذَا (عَنْ يَمِينِهِ) وَهكَذَا (عَنْ شِمَالِهِ)"قَال: ثُمَّ مَشَينَا فَقَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "إِنَّ الأكثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إلا مَنْ قَال هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا" مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الْمَرَّةِ الأوُلَى. قَال: ثُمَّ مَشَينَا. قَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ، كَمَا أَنْتَ
ــ
أريد بقاء دينار منه عندي (إلا أن أقول به) أي إلا أن أصرفه وأنفقه (في) حوائج (عباد الله) سبحانه وتعالى قدامًا ويمينًا وشمالًا وفي بعض الهوامش أي ما أحب كون أحد ذهبًا بقي عندي منه دينار في مساء الليلة الثالثة إلا أن أنفق به في عباد الله وأصرفه في حوائجهم وفي إحدى روايات البخاري فلما أبصر أحدًا قال ما أحب أنه يتحول لي ذهبًا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث.
وقوله: (إلا أن أقول به) إلخ أي أصرفه وأنفقه ففيه إطلاق القول على الفعل كما مر مرارًا.
قال العسقلاني: هو استثناء بعد استثناء فيفيد الإثبات فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيد بعدم الإنفاق فيلزم محبة وجوده مع الإنفاق فما دام الإنفاق مستمرًا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الإنفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم من ذلك كراهة حصول شيء آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر منه مع استمرار الإنفاق اهـ منه وذكره القسطلاني أيضًا أي إلا أن أنفقه في عباد الله إنفاقًا كائنًا (هكذا) قال أبو ذر في تفسير هكذا أي: (حثا) ورمى النبي صلى الله عليه وسلم وحفن (بين يديه و) إنفاقًا كائنًا (هكذا) أي: حثا (عن يمينه و) إنفاقًا كائنًا (هكذا) أي حثا (عن شماله) والمراد بهذه الجهات ما ينفق فيه من جميع وجوه المكارم والخيرات (قال) أبو ذر: (ثم) بعد ما قال ذلك الكلام (مشينا) سويعة (فقال) لي: (يا أبا ذر قال) أبو ذر: (قلت) مجيبًا له: (لبيك يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأكثرين) أموالًا في الدنيا (هم الأقلون) أجرًا وثوابًا (يوم القيامة) وهذا في حق من كان مكثرًا ولم يتصف بما دل عليه الاستثناء المذكور بقوله: (إلا من قال) منهم بأمواله أي: إلا من صرفها وأنفقها (هكذا) أي بين يديه (و) صرفها (هكذا) أي يمينه (و) صرفها (هكذا) أي شماله قال أبو ذر: صنع النبي صلى الله عليه وسلم في الإشارة (مثل ما صنع في المرة الأولى) يعني حثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله (قال) أبو ذر: (ثم) بعد ما قال ذلك (مشينا) سويعة ثم (قال: يا أبا ذر) كن (كما) كنت (أنت) عليه الآن أي الزم
حَتَّى آتِيَكَ" قَال: فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي. قَال: سَمِعْتُ لَغَطًا وَسَمِعْتُ صَوْتًا. قَال: فَقُلْتُ: لَعَل رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُرِضَ لَهُ. قَال: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَّبِعَهُ. قَال: ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: "لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ" قَال: فَانْتَظَرْتُهُ. فَلَمَّا جَاءَ ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي سَمِعْتُ. قَال: فَقَال: "ذَاكَ جِبْرِيلُ. أَتَانِي فَقَال: مَنْ
ــ
مكانك ولا تبرح عنه (حتى آتيك) وأرجع إليك (قال) أبو ذر: (فانطلق) رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب من عندي (حتى توارى) أي حتى غاب واستتر (عني قال) أبو ذر: ثم (سمعت لغطًا) بفتح الغين وإسكانها لغتان أي جلبة وأصواتًا مرتفعة مختلطة.
وقال الأبي: إن كان اللغط اختلاط الأصوات وارتفاعها فلعله كان مع جبريل عليه السلام غيره من الملائكة.
(وسمعت صوتًا) غير مفهوم (قال) أبو ذر: (فقلت) في نفسي: (لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له) على صيغة المبني للمجهول أي عرض له الجن وأصابه منهم مس.
وفي بعض الروايات: (فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم أي تعرض له بسوء.
(قال) أبو ذر: (فهممت) أي قصدت (أن أتبعه) وألحقه بفتح الهمزة وتشديد التاء من الإتباع بمعنى اللحوق أي أردت أن أذهب إليه وفيه أدب أبي ذر مع النبي صلى الله عليه وسلم وترقبه أحواله وشفقته عليه حتى لا يدخل عليه أدنى شيء مما يتأذى به (قال) أبو ذر: (ثم ذكرت) أي تذكرت (قوله) لي (لا تبرح) أي لا تزل عن مكانك هذا (حتى آتيك) وأرجع إليك فيه امتثال أمر الكبير بالوقوف عنده أولى من ارتكاب ما يخالفه بالرأي ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك فيكون دفع المفسدة أولى (قال) أبو ذر: (فانتظرته) صلى الله عليه وسلم في مكاني ذلك حتى رجع (فلما جاء) في (ذكرت له) صلى الله عليه وسلم الصوت (الذي سمعتـ) ـه أي سألته عن ذلك وفيه استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية أو علمية أو غير ذلك (قال) أبو ذر: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي: (ذاك) الصوت صوت (جبريل) عليه السلام أو الذي كنت أخاطبه جبريل (أتاني) أي جاءني (فقال) لي: (من
مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِك بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قَال: قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"
ــ
مات من أمتك) يا محمد حالة كونه (لا يشرك بالله شيئًا) من المخلوق (دخل الجنة قال) أبو ذر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم دخل الجنة: (وإن زنى وإن سرق قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم دخل الجنة: (وإن زنى وإن سرق).
وفي الحديث حجة لأهل السنة في أنه لايخلد أصحاب الكبائر من المؤمنين في النار خلافًا للخوارج والمعتزلة وخص الزنا والسرقة بالذكر لكونهما من أفحش الكبائر وهو داخل في أحاديث الرجاء كما في النواوي اهـ منه.
قوله: (دخل الجنة) رتب دخول الجنة على الموت بغير إشراك بالله وقد ثبت الوعيد بدخول النار لمن عمل بعض الكبائر وبعدم دخول الجنة لمن عملها فلذلك وقع الاستفهام قوله: (وإن زنى وإن سرق) فيه المراجعة في العلم بما تقرر عند الطالب في مقابلة ما يسمعه مما يخالف ذلك لأنه تقرر عند أبي ذر من الآيات والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب فلما سمع أن من مات لا يشرك دخل الجنة استفهم عن ذلك بقوله: (وإن زنى وإن سرق) واقتصر على هاتين الكبيرتين لأنهما كالمثالين فيما يتعلق بحق الله وبحق العباد.
وقد حمل البخاري هذا الحديث على من تاب عند الموت وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعم من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على المعصية.
قال الطيبي: قال بعض المحققين: قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المطلقة ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظنًّا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبْط وترك الناس سدىً مهملين وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى مع أن قوله في بعض طرق الحديث (أن يعبدوه) يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية وقوله: (ولا يشركوا به شيئًا) يشمل مسمى الشرك الجلي والخفي فلا راحة للتمسك به في ترك العمل لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض فإنها في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها وبالله التوفيق اهـ من فتح الملهم.
(2185)
(0)(0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ رُفَيعٍ) عَنْ زَيدِ بنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: خَرَجْتُ لَيلَةً مِنَ اللَّيَالِي. فَإِذَا رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي وَحْدَهُ. لَيسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ. قَال: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ. قَال: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ. فَالْتَفَتَ فَرآنِي. فَقَال: "مَنْ هذَا؟ "
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 395) والبخاري (2388) والترمذي (2644) والنسائي (1120) في عمل اليوم والليلة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:
(2185)
(0)(0)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8)(عن عبد العزيز وهو ابن رفيع) مصغرًا الأسدي أبي عبد الله المكي سكن الكوفة من صغار التابعين لقي بعض الصحابة كأنس وثقه أحمد وابن معين وقال في التقريب: ثقة من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي ثقة مخضرم من (2)(عن أبي ذر) الغفاري المدني.
وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد العزيز بن رفيع للأعمش في رواية هذا الحديث عن زيد بن وهب. (قال) أبو ذر: (خرجت) من منزلي (ليلة من) بعض (الليالي فإذا) فجائية (رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده) أي فاجأني مشيه صلى الله عليه وسلم وحده وقوله: (ليس معه إنسان) تأكيد لقوله: (وحده) ويحتمل أن يكون لرفع توهم أن يكون معه أحد من غير جنس الإنسان من ملك أو جن وفيه حسن الأدب مع الأكابر وأن الصغير إذا رأى الكبير منفردًا لا يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه إلا بإذن منه وهذا بخلاف ما إذا كان في مجمع كالمسجد والسوق فيكون جلوسه معه بحسب ما يليق به اهـ فتح الملهم.
(قال) أبو ذر: (فظننت أنه) صلى الله عليه وسلم (يكره أن يمشي معه أحد) من الناس (قال) أبو ذر (فجعلت) أي شرعت أن (أمشي في ظل القمر) أي في المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء ليخفي شخصه وإنما استمر يمشي لاحتمال أن يطرأ للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة فيكون قريبًا منه (فمالتفت) النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوانبه (فرآني) أي فأبصرني (فقال) لي: (من هنا) الذي يمشي في ظل القمر كأنه رأى شخصه ولم يتميز
فَقُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ. جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! تَعَالهْ" قَال: فَمَشَيتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَال: "إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللهُ خَيرًا. فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالهُ، وَبَينَ يَدَيهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيرًا" قَال: فَمَشَيتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَال: "اجْلِسْ ههُنَا" قَال: فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ
ــ
له (فقلت): ها أنا (أبو ذر) الغفاري يا رسول الله وفيه جواز تكنية الرجل نفسه لغرض صحيح كأن يكون أشهر من اسمه ولا سيما إن كان اسمه مشتركًا بغيره وكنيته فردة (جعلني الله) سبحانه وتعالى (فداءك) من كل مكروه كذا بالمد وفي بعض النسخ (فداك) بالقصر.
قال القاضي عياض: فيه جواز الفدية خلافا لمن كرهها وقال: لا يفدى بمسلم.
فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر تعاله) كذا بهاء السكت ويروى (تعال) بإسقاطها كما يظهر من شروح البخاري في الرقاق.
(قال) أبو ذر: (فمشيت معه) صلى الله عليه وسلم (ساعة) أي زمنًا قليلًا (فقال: إن المكثرين) أموالًا في الدنيا (هم المقلون) أجرًا (يوم القيامة إلا من أعطاه الله) تعالى (خيرًا) أي مالًا (فنفح فيه) بنون وفاء ومهملة أي أعطى منه كثيرًا بغير تكلف (يمينه وشماله وبين يديه ووراءه) أي أعطى منه يمينًا وشمالًا وبين يديه ووراءه أي خلفه قال القرطبي: كلها منصوبة على الظرفية معمولة لنفح وذكر هذه الجهات كناية عن كثرة العطاء فكأنه يعطي السؤال من أي جهة أتوه اهـ من المفهم.
قال النواوي: النفح الرمي والضرب أي ضرب بيديه ووضعهما فيه وأنفقه في كل الجهات الأربع والمراد بالجهات الأربع جميع وجوه المكارم والخيرات كما سبق (وعمل فيه) معطوف على نفح عطف تفسير أي عمل في ذلك المال (خيرًا) أي حسنة وفيه جناس تام في قوله: (أعطاه الله خيرًا) وفي قوله: (وعمل فيه خيرًا) فمعنى الخير الأول المال كما في قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ} وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيرِ لَشَدِيدٌ} ومعنى الخير الثاني الحسنة وطاعة الله تعالى (قال) أبو ذر: (فمشيت معه) صلى الله عليه وسلم (ساعة) أي زمنًا قليلًا (فقال) لي: (اجلس ها هنا) أي في هذا المكان (قال) أبو ذر: (فأجلسني) أي أمرني بالجلوس (في قاع) أي في أرض سهلة منبطحة قال القرطبي: والقاع المستوي من الأرض في انخفاض.
حَوْلَهُ حِجَارَةٌ. فَقَال لِي: "اجْلِسْ ههُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيكَ" قَال: فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لَا أَرَاهُ. فَلَبِثَ عَنِّي. فَأَطَال اللُّبْثَ. ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُولُ: "وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى" قَال: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاءَكَ. مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيكَ شَيئًا. قَال: "ذَاكَ جِبْرِيلُ. عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ. فَقَال: بَشَّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَال: نَعَمْ. قَال: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَال: نَعَمْ. قَال:
ــ
(حوله) أي حول ذلك القاع وجوانبه (حجارة) سود كثيرة (فقال لي: اجلس ها هنا) أي في هذا القاع (حتى أرجع إليك) بعد قضاء حاجتي (قال) أبو ذر: (فانطلق) أي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم (في) تلك (الحرة) قال القرطبي: الحرة الصحراء ذات الحجارة السود وجمعها: حرات اهـ مفهم.
وابتعد عني (حتى لا أراه) ولا أبصره بعيني (فلبث عني) أي مكث عني وأخر الرجوع إلي (فأطال اللبث) بفتح اللام وضمها نظير المكث والمكث أي فأطال التأخر عني (ثم) بعد ما تأخر عني (إني سمعته وهو مقبل) أي ذاهب إلي (وهو) أي والحال أنه (يقول: وإن سرق وإن زنى قال) أبو ذر: (فلما جاء) ووصل إلي (لم أصبر) عن سؤاله (فقلت) له في سؤاله: (يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم) بضم التاء وكسر اللام المشددة من التكليم أي من الذي تكلمه (في جانب) هذه (الحرة) القريبة إلي (ما سمعت أحدًا) من الناس (يرجع إليك شيئًا) من الكلام لا قليلًا ولا كثيرًا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك) الذي أكلمه هو (جبريل) الأمين عليه السلام (عرض) أي ظهر (لي) جبريل (في جانب) هذه (الحرة فقال) لي جبريل: (بشر أمتك) يا محمد يعني أمة الإجابة (أنه) أي أن الشأن والحال (من مات) منهم حالة كونه (لا يشرك بالله شيئًا) من الشرك أو شيئًا من المخلوق (دخل الجنة) ابتداء بمحض فضله تعالى أو بعد المجازاة على ذنوبه (فقلت) له: (يا جبريل) هل يدخل الجنة (وإن سرق وإن زنى قال) جبريل: (نعم) يدخل الجنة وإن سرق وإن زنى (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (قلت) لجبريل يدخل الجنة (وإن سرق وإن زنى قال) جبريل: (نعم) يدخل الجنة وإن فعل ذلك (قال) النبي - صلى الله
قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَال: نَعَمْ. وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ"
ــ
عليه وسلم (قلت) له يدخل الجنة (وإن سرق وإن زنى قال) جبريل: (نعم) يدخلها (وإن) سرق وزنى و (شرب الخمر).
وهذه الرواية صريحة في أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمقول له هو الملك المبشر الذي بشره به وسائر الروايات تدل على أن القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحًا وأبو ذر قاله مستبعدًا والله أعلم.
قوله: (وإن شرب الخمر) فيه إشارة إلى فحش تلك الكبيرة لأنها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الإنسان على البهائم وبوقوع الخلل فيه قد يزول التوقي الذي يحجز عن ارتكاب بقية الكبائر والله أعلم اهـ من فتح الملهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان:
الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.
والثاني: حديث أبي ذر رضي الله عنه ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدةً.