الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور
(1964)
(865) - (5) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ. قَال فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ. حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَال:"لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالى"
ــ
386 -
(4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور
(1964)
(865)(5)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم الضاد وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة مصغرًا أبو سليمان البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن ثابت البناني) البصري (عن أنس) ابن مالك البصري.
وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري.
(قال) ثابت: (قال أنس: أصابنا) أي نزل بنا (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر) بالرفع على الفاعلية لأصاب (قال) أنس (فحسر) أي كشف (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه) عن بعض بدنه ليصيبه المطر (حتى أصابه) أي فأصابه شيء (من المطر فقلنا) معاشر الحاضرين معه: (يا رسول الله لم صنعت هذا) أي كشف ثوبك ليصيبك المطر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأنَّه) أي لأن هذا المطر (حديث عهد) أي قريب زمن (بربه تعالى) أي بإيجاد ربه وخلقه تعالى إياه والمعنى أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها اهـ نواوي.
قال القاضي: قيل: المعنى حديث عهد بالكون بإرادة الرحمة لأن المطر رحمة لقوله تعالى {بُشْرًا بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ} . وسماه الله تعالى مباركًا بقول {مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ} . قال الأبي: الأظهر قرب عهد بالإيجاد قبل أن تمسه الأيدي الخاطئة ولم تدركه ملاقاة أرض عبد عليها غير الله تعالى.
قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم تبرُّك بالمطر واستشفاء به لأن
(1965)
(865) - (6) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ جَعْفَرٍ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ،
ــ
الله تعالى قد سمَّاه رحمة ومباركًا وطهورًا وجعله سبب الحياة ومبعدًا عن العقوبة ويستفاد منه احترام المطر وترك الاستهانة به باستعماله في النجاسات كصبه في المراحيض واختار بعضهم استعمال ماء المطر دون ماء الآبار لهذا الحديث والأطباء يقولون: إنه أنفع المياه ما لم يختزن كاختزانه في المراجل.
قال النواوي: وفي الحديث دليل لقول أصحابنا: إنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 367) وأبو داود (1100).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها مستدلًّا به على الفرح والتعوذ عما ذكر فقال:
(1965)
(865) - (6)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقةٌ من (9)(حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من (8)(عن جعفر) الصادقِ (وهو ابن محمد) الباقر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني صدوق من (6)(عن عطاء بن أبي رباح) أسلم القرشي مولاهم أبي محمد اليماني المكي ثقة من (3)(أنه سمع عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول).
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري وفيه التحديث والعنعنة والعناية والهوية والسماع والقول.
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح) العاصف (والغيم) المظلم (عرف) أثر خوفه من (ذلك) الريح والغيم (في وجهه) أي ظهر أثر الخوف من ذلك في وجهه وهو تغير وجهه تغير الخائف من شيء مخافة أن يكون في ذلك الريح وذلك السحاب ما فيه ضرر الناس وهذا الحديث خلاف الحديث الأول إذ فيه التبرك بما هو قريب عهد بآثار الرحمة وهذا فيه الخوف بما يتقى أن يكون قريب عهد بإرادة غضب أو سخط وحذّر صلى الله عليه وسلم أن تصيبهم العقوبة بذنوب العاصين منهم اهـ من إكمال
أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَال: "إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي". وَيَقُولُ، إِذَا رَأَى الْمَطَرَ:"رَحْمَةٌ".
(1966)
(0)(0) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيجٍ يُحَدِّثُنَا، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ:
ــ
المعلم قال الأبي: ففيه إيثار الخوف عند نزول أسبابه اهـ.
(وأقبل) على الناس أو دخل أو جاء (وأدبر) إلى الناس أو خرج أوذهب يعني ليس مطمئنًا على حال واحدة لشدة خوفه أن يكون ذلك عذابًا (فإذا أمطرت) أي أمطرت السحابة ونزل المطر (سرّ به) أي فرح بذلك المطر (وذهب عنه ذلك) أي أثر الخوف (قالت عائشة: فسألته) صلى الله عليه وسلم عن سبب إقباله وإدباره وتغير وجهه (فقال: إني خشيت) وخفت (أن يكون) ذلك المذكور من الريح والغيم (عذابًا سلط) وأرسل (على أمتي) يعني على العتاة عليه من العصاة له من أمته وكان صلى الله عليه وسلم لعظيم حلمه ورأفته وشفقته يرتجى لهم الفلاح والرجوع إلى الحق وهذا كما قال يوم أحد: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون رواه أحمد والبخاري من حديث ابن مسعود وقيل: خاف أن تعمهم عقوبة بسبب العصاة منهم والأول أوضح (ويقول) صلى الله عليه وسلم (إذا رأى المطر) هذا (رحمة) لنا وفضل من الله تعالى علينا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 66) والبخاري (4829) وأبو داود (5098) والترمذي (3257).
قال النواوي: في هذا الحديث الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة منهم وسروره لزوال سبب الخوف اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
(1966)
(0)(0)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (قال: سمعت) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح) المكي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت) - وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيرَهَا، وَخَيرَ مَا فِيهَا، وَخَيرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" قَالتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ. فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَال: "لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ، كَمَا قَال قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا
ــ
واثنان مصريان وواحد مدني غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لجعفر بن محمد في رواية هذا الحديث عن عطاء - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح) أي هبت هبوبًا شديدًا وبردت دعا الله سبحانه وتعالى من خيرها واستعاذ من شرها و (قال) في دعائه: (اللهم إني أسألك من خيرها) أي نفعها من سوقها السحاب وإدرارها المطر كما تدر اللقحة من الإبل (وخير ما فيها) من المطر (وخير ما أرسلت به) لأنها مرسلة إما بالرحمة أو بالعذاب (وأعوذ بك من شرها) أي ضررها كهدمها البيوت وكسرها الأشجار (وشر ما فيها) من العذاب (وشر ما أرسلت به قالت) عائشة: (وإذا تخيلت السماء) أي كثرت فيها المخيلة أي سحابة يخال فيها المطر والمخيلة بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وبعد التحتية الساكنة لام مفتوحة هي سحابة فيها رعد وبرق لا ماء فيها يخيل إلى الناظر إليها أنها ماطرة (تغير لونه) أي لون وجهه من البياض إلى الحمرة خوفًا من أن يحصل من تلك السحابة ما فيه ضرر بالناس (وخرج) من البيت أو المسجد تارة (ودخل) فيه أخرى (وأقبل) على الناس تارة أو جاء (وأدبر) أخرى أي ولى إليهم أو ذهب (فإذا أمطرت) السماء أي أمطرت (سرِّى) بضم السين وتشديد الراء المكسورة مبنيًّا للمجهول أي كشف (عنه) الخوف وانكشف عنه الهم قال ابن الأثير: وقد تكرر ذكر هذه اللفظة في الحديث وخاصة في ذكر نزول الوحي عليه وكلها بمعنى الكشف والإزالة يقال سروت الثوب وسريته إذا خلعته والتشديد فيه للمبالغة (فعرفت ذلك) الذي عرض له أولًا وآخرًا من الحزن والسرور (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (قالت عائشة: فسألته) صلى الله عليه وسلم عن سبب ما عرض له في الحالتين (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لعله) أي لعل الشأن (يا عائشة) أن يكون الأمر (كما قال قوم عاد) الأولى وهم قوم هود عليه السلام ({فَلَمَّا رَأَوْهُ}) أي العذاب ({عَارِضًا}) أي سحابًا عرض في أفق السماء ({مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}) أي متوجه أوديتهم ({قَالُوا}) أي قال بعضهم لبعض ({هَذَا}) الغيم
عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24].
(1967)
(0)(0) وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا. حَتَّى أَرَى مِنْهُ
ــ
الذي ظهر لنا ({عَارِضٌ}) أي سحاب عرض في أفق السماء ({مُمْطِرُنَا}) أي يأتينا بالمطر بإذن الله سبحانه وتعالى (الأحقاف: الآية 24).
وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري (3206) والترمذي (3449) والنسائي في الكبرى (10776)
ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
(1967)
(0)(0)(وحدثني هارون بن معروف) الخزَّاز البصري ثقة من (10)(حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري ثقة من (9)(عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7)(ح وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث) المصري (أن أبا النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني ثقة من (5)(حدثه) أي حدث عمرو بن الحارث (عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة من (3) (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون إلا هارون بن معروف فإنه بصري غرضه بيان متابعة سليمان بن يسار لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن عائشة.
(أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا) أي متهيئًا للضحك مستعدًا له مبالغا فيه والمستجمع المجد في الشيء القاصد له (ضاحكًا) أي مظهرًا للصوت ففي الكلام قلب أي ما رأيته ضاحكًا مجدًا في ضحكه (حتى أرى منه) صلى الله عليه وسلم
لَهَوَاتِهِ. إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. قَالتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيمًا أَوْ رِيحًا، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَى النَّاسَ، إِذَا رَأَوُا الْغَيمَ، فَرِحُوا. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ. وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيتَهُ، عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالتْ: فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ. قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} "[الأحقاف: 24].
(1968)
(867) - (7) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ،
ــ
(لهواته) جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي (إنما كان) صلى الله عليه وسلم (يتبسم) أي يظهر أسنانه لا صوته (قالت) عائشة: (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا رأى غيمًا) أي سحابًا مظلمًا (أو ريحًا) عاصفةً (عرف ذلك) أي عرف أثر مخافته من ذلك (في وجهه) الشريف (فقالت) له عائشة يومًا مقتضى السياق أن يقول (فقلت) بتاء المتكلم: (يا رسول الله) إني (أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا) به (رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته) أي رأيت الغيم (عرفت في وجهك الكراهية) والخوف منه أي أثر الكراهية من تغير اللون وفي لفظ البخاري عن أنس: كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي: (يا عائشة ما يؤمنني) أي أيُّ شيء حصَّل لي الأمان وعدم الخوف من (أن يكون فيه) أي في ذلك الغيم (عذاب) وعقوبة بسبب عصيان من عصاني لأنه (قد عذب) وأهلك (قوم) من الأمم المخالفة لأنبيائها (بالريح) العقيم كعاد وثمود (وقد رأى قوم) منهم (العذاب) المستقبل لهم بصورة السحاب (فقالوا) مستبشرين (هذا) الغيم المستقبل لأوديتنا (عارض) أي سحاب (ممطرنا) أي ينزل لنا المطر قال الأبي: ودل خوفه صلى الله عليه وسلم عند رؤيته الريح والسحاب على رأفته بالخلق ودل نفي الضحك البليغ على أنه لم يكن فرحًا لعبًا بطرًا ودل إثبات التبسم له على طلاقة وجهه وبشاشته وهذا هو الخلق العظيم اهـ منه.
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
(1968)
(867)(7)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا غندر) محمد
عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال:"نُصِرْتُ بِالصَّبَا. وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".
(1969)
(0)(0) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
ــ
ابن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بفتحتين بن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله اثنان منهما بصريان واثنان كوفيان وواحد طائفي وواحد مكيّ والثاني منهما ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مكيّ وواحد كوفي وفيهما التحديث والعنعنة والمقارنة.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نصرت) يوم الأحزاب على الكفار وكانوا زهاء اثنى عشر ألفًا حين حاصروا المدينة (بالصبا) بفتح الصاد مقصورًا وهي الريح التي تهب إلى جهة الشمال وقيل هي الريح التي تجيئ من جهة ظهرك إذا استقبلت باب الكعبة وتسمى القبول (وأُهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور) بفتح الدال هي التي تهب إلى جهة الجنوب وقيل هي الريح التي تجيئ من قبل وجهك إذا استقبلت باب الكعبة.
وقال القاضي الصبا الريح الشرقية والدبور الريح الغربية فالقبول نصرت أهل القبول والدبور أهلكت أهل الأدبار وفي المبارق الريح مأمورة مرة للنصرة وتارة للإهلاك.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 324 و 341) والبخاري (3343).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
(1969)
(0)(0)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفيان (قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ح وحدثنا عبد الله بن
عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانِ الْجُعْفِي. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ). كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ
ــ
عمر بن محمد بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي مولاهم مولى عثمان ويقال له (الجعفي) كما في صحيح مسلم نسبة إلى خاله حسين بن علي الجعفي أبو عبد الرحمن الكوفي روى عن عبدة بن سليمان وعبد العزيز بن أبي حازم وابن المبارك ويروى عنه (م د) والبغوي والسراج وزكريا الساجي وقال في التقريب: صدوق فيه تشيُّع من العاشرة مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (238)(حدثنا عبدة يعني ابن سليمان) الكلابي الكوفي ثقة من (8)(كلاهما) أي كل من معاوية وعبدة بن سليمان رويا (عن الأعمش) الكوفي (عن مسعود بن مالك) الأسدي أبي رزين الكوفي ثقة فاضل من (2) مات سنة (85) روى عنه في (3) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي ثقة من (3) (عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن جبير لمجاهد بن جبر في رواية هذا الحديث عن ابن عباس.
وقوله: (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو سعيد بن جبير والضمير عائد إلى المتابع وهو مجاهد بن جبر والتقدير حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثل ما حدّث مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث:
الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة.
والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على وسط الترجمة وذكره فيه متابعتين.
والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تتمة)
قوله: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) قال الطيبي: ونُصرته صلى الله عليه وسلم بالصبا هو حين حاصرت الأحزاب بالمدينة يوم الخندق وسبب ذلك أنه صلى الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه وسلم أجلى بني النضير من موضعهم عند المدينة إلى خيبر فاجتمعت جماعة منهم ومن غيرهم من اليهود وخرجوا إلى مكة مستنفرين قريشًا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرؤوهم على ذلك وأجمعت قريش السير إلى المدينة ونهض اليهود إلى غطفان وبني أسد ومن أمكنهم من أهل نجد وتهامة فاستنفروهم إلى ذلك فتحزب الناس وساروا إلى المدينة واتصل خبرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بحفر الخندق حول المدينة وحصنها وكان أمرًا لم تعهده العرب وإنما كان من أعمال فارس والروم وأشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه فورد الأحزاب قريش وكنانة والأحابيش في نحو عشرة آلاف عليهم أبو سفيان بن حرب ووردت غطفان عليهم عيينة بن حصن الفزاري وورد بنو عامر وغيرهم عليهم عامر بن الطفيل إلى غير هؤلاء فحصروا المدينة المشرفة في شوال سنة خمس وقيل سنة أربع وكانت بنو قريظة عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدنة وعاهدوه على أن لا يلحقه منهم ضرر فلما تمكن هذا الحصار داخلهم بنو النضير فغدروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد وصاروا من الأحزاب فضاقت الحال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين ونجم النفاق وساءت الظنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر ويعد بالنصر من الله تعالى فألقى الله سبحانه وتعالى الرعب في قلوب المشركين ويئسوا من الظفر لمنعة الخندق ولما رأوا من صبر المؤمنين.
وجاء رجل من قريش اسمه نوفل بن الحارث واقتحم الخندق برأسه فقتل فيه فكان حاجزًا بينهم ثم إن الله تعالى بعث ريح الصبا لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على الكفار فأسرت ذريتهم وتهدمت بيوتهم وأطفئت نارهم وقطعت حبالهم وأُكفئت قدورهم ولم يمكنهم معها قرار وبعث الله تعالى مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلها وتلقي الرعب في قلوب الكفرة حتى أزمعوا الرحلة بعد بضع وعشرين ليلة للحصر فانصرفوا خائبين وفي القصة أنزل الله تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الآية فكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فإن قلت) كل من الريحين وقع فيه نصر وهلاك فبالصبا نصرته صلى الله عليه وسلم وهلكة قومه وبالدبور نصر هود عليه السلام وهلكة قومه فلم روعى في الصبا طرف النصرة وفي الدبور طرف الهلاك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(قلت) روعي في كل من الريحين ما جاءت له فالصبا إنما جاءت لنصرته صلى الله عليه وسلم على الأحزاب والدبور إنما جاءت لهلاك عاد حين عتوا. اهـ من الأبي.
(واعلم) أن الريح تنقسم إلى قسمين رحمة وعذاب ثم إن كل قسم ينقسم إلى أربعة أقسام ولكل قسم اسم فأسماء أقسام الرحمة المبشرات والنشر والمرسلات والرخاء وأسماء أقسام العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر وقد جاء القرآن بكل هذه الأسماء.
وقد جعل الله تعالى بلطف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا وأرواحنا فيصل إلى أبداننا بالتنفس فينمي الروح الحيواني ويزيد في النفساني فما دام معتدلًا صافيًا لا يخالطه جوهر غريب فهو يحفظ الصحة ويقويها وينعش النفس ويحييها ومن خاصيته أن الله تعالى جعله واسطة بين الحواس ومحسوساتها فلا ترى العين شيئًا ما لم يكن بينه وبينها هواء وكذلك لا تسمع الأذن ولايصدق الذوق ولو أن الإنسان فقد الهواء ساعة لمات وقال كعب الأحبار لو أن الله حبس الهواء عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض ولقد أحسن بعض الشعراء حيث قال:
إذا خلا الجو من هواء
…
فعيشهم غُمَّة وبوس
فهو حياة لكل حي
…
كأن أنفاسه نفوس
اهـ من الإرشاد