الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف
(2186)
(955) - (105) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ. قَال: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَبَينَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيشٍ. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ. أَخْشَنُ الْجَسَدِ. أَخْشَنُ الْوَجْهِ
ــ
420 -
(38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف
(2186)
(955)(105)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الأسدي البصري (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري ثقة من (5)(عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري البصري ثقة من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن الأحنف بن قيس) التميمي السعدي أبي بحر البصري اسمه الضحاك بن قيس والأحنف لقب له أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم ويروى بسند لين أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقيل: اسمه صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن سعد بن زيد بن تميم كان من عقلاء الناس وفضلائهم وحلمائهم.
وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نسائي روى عن أبي ذر في الزكاة وعبد الله بن مسعود في العلم وأبي بكرة في الفتن وعن عمر وعثمان وعلي ويروي عنه: (ع) وأبو العلاء بن الشخير وخليد العصري وطلق بن حبيب والحسن البصري وجماعة وقال في التقريب: ثقة مخضرم مات سنة (67) سبع وستين بالكوفة في إمارة ابن الزبير وليس في مسلم من اسمه الأحنف إلا هذا.
(قال) الأحنف: (قدمت المدينة فبينا) بالألف ظرف مضاف إلى الجملة وقد مر بسط الكلام فيه في كتاب الإيمان (أنا في حلقة) بإسكان اللام وحكى الجوهري لغة رديئة في فتحها (فيها) أي في تلك الحلقة (ملأ) أي أشراف (من قريش) قال النواوي: الملأ الأشراف ويقال للجماعة (إذ) فجائية رابطة لجواب بينا وهو جملة قوله: (جاء رجل) أي بينا أوقات جلوسي في ملأ من قريش فاجأنا مجيء رجل (أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه) بالخاء والشين المعجمتين في الألفاظ الثلاثة ونقله القاضي هكذا عن الجمهور وهو من الخشونة وهو أصوب لأنه هو اللائق بزي أبي ذر وطريقته والخشن من
فَقَامَ عَلَيهِمْ فَقَال: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ
ــ
الثياب الغليظ الذي لا قيمة له ومن الجسد الأغبر ومن الوجه الذي لا تدهن فيه قال: وعند ابن الحذاء في الأخير خاصة (حسن الوجه) من الحسن ضد القبح.
ورواه القابسي في البخاري (حسن الشعر والثياب والهيئة) من الحسن ولغيره (خشن) من الخشونة وهو أصوب لما مر آنفًا.
وفي رواية يعقوب بن سفيان من طريق حميد بن هلال عن الأحنف: (قدمت المدينة فدخلت مسجدها إذ رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية يشبه بعضه بعضًا فقالوا: هذا أبو ذر).
(فقام) أي وقف (عليهم) أي على أولئك الملإ (فقال: بشر) أيها المخاطب (الكانزين) بالنون والزاي جمع كانز اسم فاعل من كنز يكنز من باب ضرب.
وفي رواية الإسماعيلي: (بشر الكنَّازين) بتشديد النون جمع كنَّاز مبالغة كانز وقال ابن قرقول: وعند الطبري والهروي الكاثرين بالثاء المثلثة والراء من الكثرة والمعروف هو الأول.
وقوله: بشر من باب التهكم كما في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وقد تقدم تفسير الكنز في باب (إثم مانع الزكاة) فليراجع.
قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله وإن آية الوعيد نزلت في ذلك وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانع الزكاة وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال: (هل عليَّ غيرها قال: لا إلا أن تطوع) اهـ من فتح الملهم.
أي بشر أيها المخاطب الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله (برضف) بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها فاء هي الحجارة المحماة واحدها رضفة مثل تمر وتمرة (يحمى عليه) أي يوقد عليه (في نار جهنم فيوضع) ذلك الرضف (على حلمة) بفتح الحاء المهملة واللام هو ما نشز من الثدي وطال ويقال لها قراد الصدور وفي المحكم: حلمتا الثديين طرفاهما وعن الأصمعي هو رأس الثدي من المرأة
ثَدْيِ أَحَدِهِمْ. حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيهِ. يَتَزَلْزَلُ. قَال: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُؤُوسَهُمْ. فَمَا رَأَيتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيهِ شَيئًا. قَال: فَأدْبَرَ. وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ. فَقُلْتُ: مَا رَأَيتُ هؤُلاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَال: إِنَّ هؤُلاءِ لَا يَعْقِلُونَ شَيئًا
ــ
والرجل وفي هذا الحديث جواز استعمال الثدي للرجال وهو الصحيح أي يوضع ذلك الرضف على رأس (ثدي أحدهم حتى يخرج) ذلك الرضف (من نغض كتفيه) بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف قال الخطابي: هو الشاخص منه. وأصل النغض الحركة فسمى ذلك الموضع نغضًا لأنه يتحرك بحركة الإنسان.
حالة كون ذلك الرضف (يتزلزل) أي يتحرك ويضطرب ويتجول في باطنه من النغض إلى الحلمة قبل خروجه إلى ظاهره.
وفي رواية الإسماعيلي: (فيتجلجل) بجيمين وهو بمعنى الأول.
(قال) الأحنف: (فوضع القوم) أي طأطأوا وخفضوا (رؤوسهم) وأطرقوها متخشعين أو مستثقلين يدل عليه قوله: (إن هؤلاء لا يعقلون).
(فما رأيت أحدًا منهم) أي من الملإ (رجع) أي رد (إليه) أي إلى ذلك الرجل الواقف فوقهم (شيئًا) من الجواب يعني ما أجابه أحد منهم بشيء من الجواب بل سكتوا وأطرقوا رؤوسهم وأمالوها إلى أذقانهم وما رفعوها إليه عند كلامه وبعد ختامه وما أجابه أحد بكلمة (قال) الأحنف: (فأدبر) ذلك الرجل القائل وذهب وهو أبو ذر (واتبعته) أي لحقته ومشيت وراءه ومشى (حتى جلس إلى سارية) أي مسندًا ظهره إلى سارية من سواري المسجد أي إلى عمود منها أو عند سارية قال الأحنف: (فقلت) له: (ما رأيت) أنا ولا ظننت (هولاء) الملإ (إلا كرهوا ما قلت لهم) من الكلام السابق لأنهم سكتوا عنك ولم يردوا عليك شيئًا مما يدل على القبول أو الإنكار (قال) الرجل: لا تستغرب ذلك أي ما وقع منهم من الكراهية فـ (ـإن هؤلاء) الملإ (لا يعقلون) أي لا يعرفون (شيئًا) من مصالح دينهم ولا يحبون النصيحة لهم ولذلك كرهوا كلامي فسر ذلك في الأخير بقوله (ثم هؤلاء يجمعون الدنيا) فالذين يجمعون الدنيا لا يفهمون كلام من ينهاهم عن الكنز اهـ من فتح الملهم.
إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ. فَقَال: "أَتَرَى أُحُدًا؟ " فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ. فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَال: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ. إِلَّا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ"
ــ
ثم علل أبو ذر قوله لهم ذلك الكلام بقوله: (إن خليلي) وحبيبي (أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) وهذا حديث مستقل تقدم الكلام عليه قريبًا.
قال الحافظ: وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب ومن ثم عقبه البخاري بالترجمة التي تليه فقال: (باب إنفاق المال في حقه) وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة.
(دعاني) يومًا (فأجبته فقال) لي: (أترى) أي هل ترى وتبصر (أحدًا) جبل معروف بالمدينة واستفهامه له عن رؤيته لتحقق رؤيته حتى يشبه له ما أراد بقوله: (ما يسرني أن لي مثله ذهبًا) اهـ مفهم.
قال أبو ذر: (فنظرت ما) بقي (عليَّ من الشمس) لأعرف كم بقي من النهار فإنه كما حكاه ظن أنه صلى الله عليه وسلم يبعثه إلى جهة أحد في حاجة له.
قال السندي: أي تأملت ما علي من التعب بواسطة حرارة الشمس على تقدير الذهاب إلى أحد على ما فهمت من كلامه اهـ.
قال العيني: وفيه ما يشعر أنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل أفاضل أصحابه في حاجته يفضلهم بذلك لأنه يصير رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فنظرت ما بقي عليَّ من غروب الشمس (وأنا أظن) أي والحال أني أظن (أنه) صلى الله عليه وسلم (يبعثني) أي يرسلني (في) قضاء (حاجة له فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (أراه) أي أرى أحدًا وأبصره (فقال: ما يسرني) ويعجبني (أن لي مثله) أي مثل أحد (ذهبًا) تمييز رافع لإبهام المثلية (أنفقه) لخاصة نفسي أي أنفق ذلك المثل (كله) في حوائجي (إلا ثلاثة دنانير) يعني دينارًا يرصده لدين أي يؤخره ودينارًا لأهله ودينارًا لإعتاق رقبة والله أعلم اهـ من المفهم.
قال الكرماني: يحتمل أن هذا المقدار كان دينًا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة له صلى الله عليه وسلم وهذا محمول على الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحًا
ثُمَّ هؤُلاءِ يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا. لَا يَعْقِلُونَ شَيئًا. قَال: قُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَتِكَ مِنْ قُرَيشٍ، لَا تَعْتَرِيهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ. قَال: لَا. وَرَبِّكَ لَا أَسْالُهُمْ عَنْ دُنْيَا. وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ. حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ
ــ
لكن الجامع مسؤول عنه وفي المحاسبة خطر فكان الترك أسلم وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه محمول على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن معه من خطر المحاسبة اهـ قسطلاني.
(ثم هولاء) الملإ (يجمعون الدنيا لا يعقلون شيئًا) من مصالحهم وهذا أيضًا من قول أبي ذر عطفًا على قوله (لا يعقلون شيئًا) الأول وكرره للتأكيد.
(قال) الأحنف: (قلت) لأبي ذر: (مالك ولإخوتك من قريش) يعني أخوة الدين أي أي شيء ثبت لك من مجانبة إخوتك من أمراء قريش وأغنيائهم حالة كونك (لا تعتريهم) أي لا تأتيهم (و) لا (تصيب) أي تطلب حاجة لك (منهم) يقال: عروته واعتريته واعتروته أي أتيته أطلب منه حاجة (قال) أبو ذر (لا) أسألهم (وربك) أي أقسمت لك بربك (لا أسألهم عن دنيا) أي شيئًا من متاعها بل أقنع بالقليل وأرضى باليسير ولا زائدة لتأكيد لا الأولى لفصلها عن الفعل بالقسم.
قال النواوي: وفي رواية البخاري (لا أسألهم دنيا) بحذف عن وهو الأجود أي لا أسألهم شيئًا من متاعها فإني لا أطمع فيه.
(ولا أستفتيهم عن دين) أي لا أسألهم عن أحكام الدين أي أقنع بالبلغة من الدنيا وأرضى باليسير مما سمعت من العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: (حتى ألحق) غاية لكل من السؤال والاستفتاء أي لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق (بالله ورسوله) صلى الله عليه وسلم وهذا كناية عن موته أي حتى أموت.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 160) والبخاري (1107).
وهذا الحديث يدل على تفضيل الفقر على الغنى وقد تقدمت المسألة والعطاء الذي سئل عنه أبو ذر هو ما يعطاه الرجل من بيت المال على وجه يستحقه وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (ما أتاك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبع نفسك) ذكره صاحب التمهيد (2/ 17).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر فقال:
(2187)
(0)(0) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ. حَدَّثَنَا خُلَيدٌ الْعَصَرِيُّ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ. قَال: كُنْتُ فِي نَفَرِ مِنْ قُرَيشٍ. فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِكَيِّ فِي ظُهُورِهِمْ. يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ. وَبِكَيِّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ. قَال: ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ. قَال: قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: هذَا أَبُو ذَرٍّ قَال: فَقُمْتُ إِلَيهِ فَقُلْتُ: مَا شَيءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُ قُبَيلُ؟
ــ
(2187)
(0)(0)(وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأُبُلِّي صدوق من (9)(حدثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيان التميمي السعدي العطاردي نسبة إلى جده عطارد البصري الحذاء الأعمى ثقة مشهور بكنيته من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا خليد) بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وإسكان الياء بن عبد الله العبدي (العصري) بفتح المهملتين نسبة إلى بني عصر بطن من عبد القيس يسمى عصرًا أبو سليمان البصري ثم الموصلي ثم المقدسي روى عن الأحنف بن قيس في الزكاة وعلي وسلمان وأبي الدرداء ويروي عنه (م د) وأبو الأشهب العطاردي وقال في التقريب: صدوف يرسل من الرابعة (عن الأحنف بن قيس) البصري.
وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة خليد العصري لأبي العلاء في رواية هذا الحديث عن الأحنف.
(قال) الأحنف: (كنت) أنا (في نفر) أي مع جماعة (من) ملإ (قريش) في المسجد النبوي (فمر) علينا (أبو ذر) الغفاري (وهو) أي والحال أن أبا ذر (يقول: بشر الكانزين) بصيغة اسم الفاعل أي الجامعين للأموال (بكي) أي بحرق يقع (في ظهورهم) و (يخرج من جنوبهم) جمع جنب وهو الضلع (و) بشرهم (بكي) يبتدئ (من قبل) بكسر القاف وفتح الباء أي من جهة (أقفائهم) جمع القفا وهو مؤخر الرأس و (يخرج من جباههم) جمع جبهة مقدم الرأس (قال) الأحنف: (ثم تنحى) أبو ذر أي تباعد عن الناس (فقعد) أي جلس عند سارية من سواري المسجد (قال) الأحنف: (قلت) للناس: (من هذا) القائل الذي مر علينا (قالوا) أي قال النفر الذين كنت معهم: (هذا) القائل الذي مر علينا (أبو ذر) الغفاري (قال) الأحنف: (فقمت) من الحلقة ماشيًا (إليه) أي إلى أبي ذر (فـ) ـلما وصلت إليه (قلت) له: (ما شيء) أي ما كلام (سمعتك تقولـ) ـه (قبيل) أي قبل هذا الوقت مصغر قبل مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة وهو ظرف للقول أي ما الكلام
قَال: مَا قُلْتُ إِلَّا شَيئًا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم. قَال: قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي هذَا الْعَطَاءِ؟ قَال: خُذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً. فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِكَ فَدَعْهُ.
(2189)
(956) - (106) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ
ــ
الذي قلته آنفًا (قال) أبو ذر: (ما قلت) أنا شيئًا من قبل نفسي (إلا شيئًا قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم قال) الأحنف (قلت) له (ما تقول في) حكم (هذا العطاء) الذي نعطاه من بيت المال هل يجوز أم لا (قال) أبو ذر: (خذه) أي خذ ذلك العطاء يا أحنف إن كنت محتاجًا إليه لمؤنة عيالك ولم يكن عوضًا عن دينك كأجرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين عليك وجوبًا عينيًا (فإن فيه) أي فإن فيما أخذته منه (اليوم معونة) لك أي إعانة لك على قضاء حوائجك (فإذا كان) هذا العطاء الذي أخذته من بيت المال (ثمنًا) أي عوضًا (لدينك) أي عن دينك أي أخذته في مقابلة الشغل الواجب عليك في الدين كالأمر المذكور مع استغنائك عنه بل أخذته لجمع المال في البنوك (فدعه) أي دع ذلك العطاء واتركه ولا تأخذه فإنه لا خير لك فيه إلا خطر المحاسبة عليه في الآخرة،
قال القرطبي: والمعنى أي إذا كنت لا تتوصل إليه إلا بوجه غير جائز فلا تلتفت إليه فإن سلامة الدين أهم من نيل الدنيا فكيف إذا انتهى الأمر إلى أن لا يسلم دين ولا تنال دنيا ومن أخسر صفقة ممن خسر الآخرة والأولى نعوذ بالله من سخطه اهـ من المفهم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2189)
(956)(106)(حدثني زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي يرفع هذا
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "قَال اللهُ تبارك وتعالى: يَا ابْنَ آدَمَ! أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيكَ". وَقَال: "يَمِينُ اللهِ مَلآى (وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ مَلآنُ) سَحَّاءُ
ــ
الحديث ويوصله (النبي صلى الله عليه وسلم) أي إلى النبي ويسنده إليه ولا يقفه على نفسه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه: (قال الله تبارك) أي تزايد خيره وإحسانه لعباده مرة بعد مرة (وتعالى) أي ترفع عن كل ما لا يليق به من سمات النقص: (يا ابن آدم أنفق) بفتح الهمزة وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق (أُنفق عليك) بضم الهمزة وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم أي أنفق واصرف ما في يدك في الخيرات إن أنفقت فيها أعطك عوض ما أنفقته وتصدقته من خزانتي وهو وعد بالخلف وهو مثل قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] وفي ترك تقييد النفقة بشيء معين ما يرشد إلى أن الحث على الإنفاق يشمل جميع أنواع الخير.
(وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرحه في الرواية الآتية: (يمين الله) سبحانه وتعالى وفي بعض الروايات (يد الله) قال العيني: هي حقيقة لكنها لا كالأيدي التي هي الجوارح اهـ فيمين الله سبحانه صفة حقيقية ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب جل جلاله لا مجازية مؤولة كما أولها المؤولون.
وقوله: (يمين الله) مبتدأ وقوله (ملآى) بفتح الميم وسكون اللام وبهمزة مع القصر على وزن فعلى مؤنث ملآن خبر أول للمبتدأ قال القرطبي: كذا صحت الرواية ملأى على صيغة المؤنث وهي الصواب ومن رواها ملآن فقد أخطأ فإن المين اسم لليد مؤنثة اهـ من المفهم.
(وقال) محمد (بن نمير) في روايته (ملآن) بوزن فعلان على صفة مذكر قيل: هو غلط كما مر آنفًا ولكن قال بعضهم: إن اليمين تذكر وتؤنث والمراد من قوله: ملآى أو ملآن لازمه وهو أنه تعالى في غاية الغنى وعنده من الأرزاق مالا نهاية له في علم الخلائق اهـ فتح الملهم.
وقوله: (سحاء) قال الحافظ: بفتح المهملتين مشددًا ممدودًا وبالرفع على وزن فعلاء وهذا هو الذي عليه النسخ الموجودة خبر ثان أي دائمة الصب والعطاء يقال: سح بفتح أوله مشددًا يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها سحا والسح الصب الدائم
لَا يَغِيضُهَا شَيءٌ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ".
(2190)
(0)(0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال:
ــ
وقوله: (لا يغيضها) أي لا يغيض ما في تلك اليد ولا ينقصها (شيء) من الإنفاق جملة فعلية في محل الرفع خبر ثالث يقال: غاض الماء إذا نقص وغاضه الله لازم ومتعد وقوله: (الليل والنهار) منصوبان على الظرفية متعلقان بما في سحاء من معنى الفعل تقديره: سحاء تسح وتصب في الليل والنهار أو متعلقان بالإنفاق المعلوم من السياق أي لا يغيضها شيء من الإنفاق في الليل والنهار وهذه هي الرواية المشهورة.
وعند أبي بحر: (سحًا) مصدرًا منونًا منصوبًا بعامل محذوف وجوبًا تقديره تسح تلك اليد سحًا أي تصب من العطاء صبًا في الليل والنهار والسح الصب الكثير كما قال امرؤ القيس:
فدمعهما سكب وسح وديمة
…
ورش وتوكاف وتنهملان
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 242 و 500) والبخاري (4684) والترمذي (3045) وابن ماجه (197) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2190)
(0)(0)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق بن همام) الحميري الصنعاني (حدثنا معمر بن راشد) الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (أخي وهب بن منبه) القصاص الصنعاني اليماني ثقة من (3) مات سنة (113) قيده به للإيضاح لا للاحتراز لأن همامًا الذي يروي عن أبي هريرة ليس إلا هو وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام للأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة.
(قال) همام: (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا) به أي بعض ما حدثنا به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قول همام: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال) أبو هريرة:
قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ قَال لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيكَ".
وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُ اللهِ مَلآى لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيلُ وَالنَّهَارِ. أَرَأَيتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ"
ــ
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) سبحانه وتعالى (قال لي: أنفق) يا محمد ما في يدك واصرفه في الخيرات إن أنفقته (أُنفق عليك) من خزائني ومنها قال أبو هريرة: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمين الله) سبحانه وتعالى (ملآى) أي مملوءة بالأرزاق وقوله: (لا يغيضها) أي لا ينقصها شيء من الإنفاق جملة فعلية في محل الرفع خبر ثان وفاعلها مضمر يدل عليه السياق تقديره: لا ينقصها شيء وقد جاء هذا المضمر مظهرًا في رواية ابن نمير السابقة فقال: لا يغيضها شيء (سحاء) بالمد والرفع خبر ثالث وهو مضاف (الليل والنهار) مجروران بإضافته إليهما على التوسع كما قالوا: (يا سارق الليلة أهل الدار) أي كثيرة السح والصب في الليل والنهار اهـ من المفهم.
وروي برفعهما على الفاعلية وسحاء يكون معترضًا بين الفعل وفاعله ولكنه على حذف مضاف والتقدير: يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها الليل والنهار أي لا ينقصها إنفاق الليل والنهار وروي بنصبهما على الظرفية تنازع فيهما لا يغيضها وسحاء كما في المبارق أي لا يغيضها الإنفاق في الليل والنهار أو سحاء الليل والنهار أي كثيرة الصب والعطاء فيهما وتحصل مما ذكر أن في الليل والنهار ثلاثة أوجه من الإعراب والله أعلم.
ووقع عند الطبري في حديث عبد الرزاق: (لا يغيضها سح الليل والنهار) برفع سح على أنه فاعل يغيضها اهـ من المفهم.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم) أي أخبروني (ما أنفق الله) سبحانه وتعالى على عباده وما اسم موصول في محل الرفع مبتدأ أي أخبروني الرزق الذي أنفقه الله تعالى على عباده (مذ خلق السماء والأرض) أي بعد أن خلق السماء والأرض والخبر قوله: (فإنه) أي فإن ما أنفقه عليهم بعد خلقهما (لم يغض) أي لم ينقص (ما في يمينه) من الأرزاق أي لم ينقص منه شيئًا مع كثرة إنفاقه ليلًا ونهارًا.
وفي فتح الملهم: وقوله: (أرأيتم إلخ) تنبيه على وضوح ذلك لمن له بصيرة وفي بعض الهوامش: قوله: (أرأيتم ما أنفق) ما مصدرية أي أتعلمون إنفاق الله تعالى (مذ
قَال: "وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
ــ
خلق السماوات والأرض) (فإنه) الضمير فيه للإنفاق (لم يغض ما في يمينه) ما هذه موصولة وهي مع صلتها مفعول لم يغض اهـ.
وقال الطيبي: يجوز أن يكون قوله: (أرأيتم) استئنافًا فيه معنى الترقي.
كأنه لما قيل: ملآى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله: (لا يغيضها شيء) وقد يمتلئ الشيء ولا يغيض فقيل: سحاء إشارة إلى الغيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة بعدما أن اشتمل عليه من ذكر الليل والنهار بقوله: (أرأيتم) على تطاول المدة لأنه خطاب عام والهمزة فيه للتقرير قال: وهذا الكلام إذا أخذته بحملته من غير نظر إلى مفرداته أبان زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء كذا في الفتح.
ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (و) كان (عرشه) سبحانه وتعالى الذي هو أعظم المخلوقات قبل السماء والأرض (على الماء) أي فوق الماء الذي تحت الأرضين يعني ليس بينه وبين الماء حجاب ثم خلق بينهما السماء والأرض قال كعب: قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] إن الله بدأ الخلق ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق عرشه عديه وقال ابن عباس: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} أي فوقه إذ لم يخلق سمًاء ولا أرضًا وظاهر هذا الحديث أن العرش حالة إخباره صلى الله عليه وسلم -هو على الماء كما قال كعب وظاهر كلام ابن عباس أنه لما خلق السماوات والأرض أضيفت فوقية العرش إليهما اهـ من المفهم.
وقال الحافظ في الفتح: مناسبة ذكر العرش هنا أن السامع يتطلع من قوله: (خلق السماوات والأرض) ما كان قبل ذلك فذكر ما يدل على أن عرشه قبل خلق السماوات والأرض كان على الماء كما وقع في حديث عمران بن حصين الماضي في بدء الخلق بلفظ: (كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض) اهـ ثم قال بعد عدة أبواب: وظاهر قوله: (والعرش على الماء) أنه كان كذلك حين التحديث بذلك وظاهر الحديث الذي قبله أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض ويجمع بأنه لم يزل على الماء وليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ماء تحت العرش كما شاء الله تعالى وقد جاء بيان ذلك في حديث اهـ من فتح الملهم.
وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ. يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ"
ــ
(وبيده) سبحانه (الأخرى) أي غير اليمين التي هي سحاء الليل والنهار (القبض) أي قبض الرزق عمن يشاء القبض عنه وتقتيره عليه قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالقبض المنع لأن الإعطاء قد ذكر في قوله قبل ذلك: (سحاء الليل والنهار) مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} اهـ.
قال القرطبي: (قوله: وبيده الأخرى) ولم يقل (وبيده اليسرى ولا الشمال) اجتنابًا لما تضمنته ألفاظهما من الشؤم ونفيًا لتوهم النقص.
وقوله: (يرفع) أي يعلى ويعز من يشاء (ويخفض) أي يضع ويذل من يشاء ويفعل ما يشاء من الشيء ونقيضه اهـ من المفهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان:
الأول: حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.
والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***