الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة
(2170)
(949) - (99) وحدَّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ مَيسَرَةَ الصَّنْعَانِيَّ) عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ ابَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا،
ــ
417 -
(35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة
(2170)
(949)(99)(وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني صدوق من (10)(حدثنا حفص يعني بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر (الصنعاني) ثقة من (8)(عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني ثقة من (3)(أن أبا صالح ذكوان) السمان القيسي مولاهم ثقة من (3)(أخبره) أي أخبر لزيد بن أسلم (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد صنعاني وواحد هروي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة) من زائدة لوقوعها بعد النفي أي ما صاحب ذهب ولا فضة (لا يؤدي) ولا يدفع (منها حقها) أي منهما زكاتهما قال القرطبي؛ كذا صحت الرواية بهاء التأنيث المفردة وظاهره أنه عائد على الفضة فإنه أقرب مذكور وهي مؤنثة وحينئذ يبقى ذكر الذهب ضائعًا لا فائدة له وهذا مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وقد حمل هذا على الاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راضٍ والرأي مختلف
وقال الآخر:
لكل هم من الهموم سعهْ
…
والصبح والمسي لا بقا معه
وقيل أعادها على معنى الكلمات المتقدمة وكأنه قال لا يؤدى من تلك الأمور
إلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ
ــ
المذكورات حقها وأشبه من هذه الأوجه أن يقال إن الذهب والفضة يقال عليهما عين لغة فأعاد عليها الضمير وهي مؤنثة والله أعلم اهـ من المفهم.
وعبارة المرقاة: وقد جاء هذا الحديث على وفق الآية المذكورة فاكتفى ببيان حال صاحب الفضة عن بيان حال صاحب الذهب لأن الفضة مع كونها أقرب مرجع للضمير أكثر تداولًا في المعاملات من الذهب ولذا اكتفى بها في حديث أنس (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) أفاده ملا علي. والحديث حجة في وجوب الزكاة في المذكورات لأن العقاب إنما يكون على ترك الواجب اهـ فتح الملهم.
وعبارة القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن الذهب والبقر والغنم فيها الزكاة وإن لم يجئ ذكرها في حديث جابر المتقدم ذكره ولا في كتاب أبي بكر في الصدقة على ما ذكره البخاري ولا خلاف في وجوب الزكاة فيها وإن اختلفوا في نصاب البقر اهـ من المفهم.
(إلا إذا كان يوم القيامة) فعل وفاعل لأن كان تامة أي جاء يوم القيامة (صفحت) بضم الصاد وكسر الفاء المشددة على صيغة المبني للمفعول (له) أي لصاحبها (صفائح) بالرفع على أنه نائب فاعل لصفح والصفائح جمع صفيحة وهي العريضة من حديد وغيره وقيل: ما طبع عريضًا (من نار) صفة لصفائح أي إلا صلحت وصنعت له صفائح من نار وبالنصب مفعول ثان لصفحت لتضمينه معنى الجعل والتصيير ونائب فاعله ضمير يعود على الذهب والفضة وأنث إما على التأويل السابق وإما على التطبيق بينه وبين المفعول الثاني الذي هو هو أي إلا جعلت له كنوزه الذهبية والفضية كامثال الألواح (من نار) يعني كأنها نار لا أنها نار حتى لا يستزاد قوله: (فأحمي) بالبناء للمجهول (عليها) أي على تلك الصفائح جار ومجرور نائب فاعل لأحمى أي أوقدت تلك الصفائح (في نار جهنم) والمعنى على الأول يجعل له صفائح من نار وعلى الثاني يجعل الذهب والفضة صفائح كأنها نار أو كأنها مأخوذة من نار يعني كان صفائح الذهب والفضة لفرط إحمائها وشدة حرارتها صفائح النار فتكوى بها.
(فيكوى) أي يحرق (بها) أي بتلك الفضة أو بتلك الصفائح (جنبه) أي ضلعه
وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ. كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
ــ
(وجبينه) بتقديم الموحدة على النون أي جانبا جبهته والمراد جبهته (وظهره) قيل خصت هذه المواضع دون غيرها من البدن لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد وقيل المراد بها الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومؤخره وجنباه وقيل: إن الكي في الوجه أبشع وأشهر وفي الظهر والجنب آلم وأوجع وقيل غير ذلك اهـ فتح الملهم وقال القرطبي: إنما خصت هذه المواضع بالكي دون غيرها من أعضائه لتقطيبه وجهه في وجه السائل وازوراره عنه بجانبه وانصرافه عنه بظهره اهـ من المفهم.
(كلما بردت) بالباء الموحدة على صيغة المعلوم كذا في رواية السجزي قال القرطبي: وهي الصواب والمعنى عليها كلما صارت تلك الصفائح باردة (أعيدت له) أي لأجله في نار جهنم فيحمى عليها فيكوى بها مرة ثانية ولكافة الرواة: (كلما ردت) بالبناء للمجهول من الرد والمعنى عليها كلما ردت تلك الصفائح عن بدنه إلى النار لتزيد حرارتها (أعيدت له) أي أعيدت عليه مرة ثانية أشد ما كانت عليه من الحرارة اهـ من المرقاة بتصرف.
وقال الطيبي: أي كلما بردت ردت إلى نار جهنم ليحمى عليها والمراد منه الاستمرار وقال ابن الملك: يعني إذا وصل كي هذه الأعضاء من أولها إلى آخرها أعيد الكي إلى أولها حتى وصل إلى آخرها اهـ.
ويمكن أن يكون الضمير في ردت راجعا إلى الأعضاء بالتبديل بعد الإحراق والقرب من الإفناء أعيدت الصفائح عليها فيكون موافقًا لقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} اهـ من فتح الملهم.
وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) مما تعدون في الدنيا متعلق بيكوى وجملة كلما معترضة أو بصفحت أو بمحذوف أي فيعذب بذلك الكي في يوم كان مقداره الخ وهو يوم القيامة أي في يوم كان مقداره وطوله على الكافرين ويطول على بقية العاصين بقدر ذنوبهم وأما المؤمنون الكاملون فهو على بعضهم كركعتي الفجر وأشار إليه بقوله عز وجل: {يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيرُ يَسِيرٍ} كذا في المرقاة وفي القرطبي: معناه لو حاسب فيه غير الله سبحانه وتعالى وقال الحسن: قدر مواقفهم للحساب وقال ابن اليمان: هو يوم القيامة فيه خمسون موطنًا كل موطن ألف سنة وفي الحديث: (والذي نفسي بيده ليخفف على المؤمن
حَتَّى يُقْضَى بَينَ الْعِبَادِ. فَيُرَى سَبِيلُهُ. إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وإمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالإِبلُ؟ قَال: "وَلَا صَاحِبُ إِبِل لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا. وَمِنْ حَقِّهَا
ــ
حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة) رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن على ضعف في راويه اهـ من المفهم وقوله: (حتى يقضى) ويحكم بالبناء للمفعول غاية ليكوى أو ليعذب المحذوف أي يكوى بتلك الصفائح حتى يحكم الله سبحانه وتعالى (بين العباد) ويفصل بينهم فريق إلى الجنة وفريق إلى النار قال القاري: وفيه إشارة إلى أنه في العذاب وبقية الخلق في الحساب قال العراقي في شرح الترمذي: يمكن أن يؤخذ منه أن مانع الزكاة آخر من يقضى فيه وأنه يعذب بما ذكر حتى يفرغ من القضاء بين الناس فيقضى فيه بالنار ويحتمل أن المراد حتى يشرع في القضاء بين الناس ويجيئ القضاء فيه إما في أوائلهم أو أوسطهم أوآخرهم على ما يريد الله سبحانه وتعالى وهذا أظهر اهـ قال ولده في شرح التقريب: قد يشير إلى الأول قوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) ويقال: إنما ذكر في معرض استيعاب ذلك اليوم بتعذيبه لجواز أن يكون القضاء فيه آخر الناس وإن احتمل أن يكون فصل أمره في وسطه أو في أوله والله أعلم اهـ من فتح الملهم.
(فيرى) على صيغة المجهول من الرؤية أو الإراءة (سبيله) بالرفع على أنه نائب فاعل إن كان من الرؤية وبالنصب على أنه مفعول ثان إن كان من الإراءة وفي بعض النسخ: (فيرى) بالبناء للمعلوم من الرؤية أي فيرى سبيله (إما) موصلًا له (إلى الجنة) إن لم يكن له ذنب سواه وكان العذاب تكفرًا به وقيل: إن كان مؤمنًا بأن لم يستحل ترك الزكاة (وإما) موصلًا له (إلى النار) إن كان على خلاف ذلك أو إن كان كافرًا بأن استحل تركها قال النواوي: وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار يومئذ مقهور لا يقدر أن يذهب حتى إلى النار فضلًا عن الجنة حتى يعين له إحدى السبيلين وفيه أيضًا رد على من يقول: إن الآية مختصة بأهل الكتاب ويؤيده القاعدة الأصولية: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مع أنه لا دلالة في الحديث على خلوده في النار.
(قيل: يا رسول الله فالإبل) بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي هذا حكم النقود فالإبل ما حكمها يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا) من (صاحب إبل) يجوز فيه الرفع والجر عطفا على قوله: (ما من صاحب ذهب)(لا يؤدي) أي لا يدفع (منها) أي من تلك الإبل (حقها) أي زكاتها (ومن حقها) أي المندوب ومن تبعيضية والجملة معترضة.
حَلْبُهَا يَوْمَ ورْدِهَا. إلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ
ــ
قال القاري: واعلم أن ذكره وقع استطرادًا أو بيانًا لما ينبغي أن يعتني به من له مروءة لا لكون التعذيب يترتب عليه أيضًا لما هو مقرر من أن العذاب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم اللهم إلا أن يحمل على وقت القحط أو حالة الاضطرار أو على وجوب ضيافة العمال.
والجار والمجرور خبر مقدم لقوله: (حلبها) وهو مبتدأ مؤخر والجملة ومعترضة سيقت لبيان حقها المندوب لا الواجب فإن معنى حلبها يوم وردها الماء أن يسقي ألبانها المارة وهو غير واجب إلا أن يحمل على ماذكر آنفًا.
قال النواوي: حلبها بفتح اللام من باب طلب هي اللغة المشهورة وحكي سكونها من باب قتل وهو غريب ضعيف وإن كان هو القياس.
(يوم وردها) قيل: الورد الإتيان إلى الماء ونوبة الإتيان إلى الماء فإن الإبل تأتي الماء في كل ثلاثة أيام أو أربعة وربما تأتي في ثمانية أيام. قال الطيبي: ومعنى حلبها يوم وردها أن يسقي المارة ألبانها وهذا مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الجذاذ بالليل أراد أن يصرم بالنهار ليحضرها الفقراء.
قال ابن بطال: يريد حق الكرم والمواساة وشريف الأخلاق لا أن ذلك فرض وقال أيضًا: كانت عادة العرب التصدق باللبن علي الماء فكان الضعفاء يرصدون ذلك منهم قال: والحق حقان فرض عين وغيره فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق،
وقال إسماعيل القاضي: الحق المفترض هو الموصوف المحدود وقد تحدث أمور لا تحد فتجب فيها المواساة للضرورة التي تنزل من ضعيف مضطر أو جائع أو عار أو ميت ليس له من يواريه فيجب حينئذ على من يمكنه المواساة التي تزول بها هذه الضرورات قال ابن التين: وقيل: كان هذا قبل فرض الزكاة.
قال الحافظ: ووقع عند أبي داود من حديث أبي هريرة: قلنا: يا رسول الله ما حقها قال: إطراق فحلها صماعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله اهـ من فتح الملهم.
(إلا إذا كان يوم القيامة بطح) بالبناء للمفعول أي ألقي على وجهه وبسط (لها) أي لأجل وطئها عليه (بقاع) أي في أرض مستوية لا انخفاض ولا ارتفاع فيها (قرقر) أي أملس فقوله: (بطح لها) أي ألقي ذلك الصاحب على وجهه أو على ظهره قال القاضي:
أَوْفَرَ مَا كَانَتْ. لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا. تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا. كُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيهِ أُخْرَاهَا
ــ
قد جاء في رواية البخاري: (يخبط وجهه بأخفافها) قال: وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح كونه على الوجه وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها قوله: (بقاع) والقاع الأرض الواسعة المستوية يعلوها ماء السماء (قرقر) والقرقر بفتح القافين الأملس وقيل: المستوي أيضًا من الأرض الواسعة فيكون صفة مؤكدة والمعنى ألقى لها في أرض واسعة مستوية ملساء حالة كون تلك الإبل.
(أو فر ما كانت) عليه في الدنيا أي أكثر أكوانها عددًا أو أعظمها سمنًا وأقواها قوة وفي رواية أخرى (أعظم ما كانت) وهذا للزيادة في عقوبته بكثرتها وقوتها وكمال خلقها فتكون أثقل في وطئها اهـ نواوي وهو منصوب على الحال من المجرور في لها والعامل بطح كما في المرقاة وفي شرح السنة يريد كمال حال الإبل التي وطئت صاحبها في القوة والسمن لتكون أثقل لوطئها قال الحافظ: لأنها تكون عنده على حالات مختلفة فتأتي على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها اهـ.
حالة كونه (لا يفقد) ولا يعدم أي الصاحب (منها) أي من تلك الإبل (فصيلًا) أي ولدًا (واحدًا) والجملة حال من مرفوع بطح حالة كونها (تطؤه) أي تضربه وتدوسه وتمشي عليه (بأخفافها) أي بأرجلها والجملة حال من ضمير له في قوله: (بطح لها) أو من ضمير بطح وجملة قوله: (وتعضه) بفتح التاء وضم العين من باب شد أي تأكله وتقضمه وتقطع جلده (بأفواهها) أي بأسنانها معطوفة على جملة (تطؤه)(كلما مر) ومشى (عليه) أي على صاحب الإبل (أولاها) أي أولى الإبل في المرور عليه أي كلما وصلت أولاها في المرور عليه إلى آخر ما تمشي عليه من جسده الممدود لها تلاحقت بها أخراها في المرور ثم إذا أرادت أولاها بالرجوع إلى ورائها (رد عليه أخراها) من ورائها أي بدأت الأخرى بالرجوع عليه فعادت الأخرى أولى والأولى أخرى في هذه المرة الثانية حتى تنتهي إلى آخره.
قال القرطبي: (قوله: كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها) هكذا صحت الرواية فقيل: هو تغيير وقلب في الكلام وصوابه كما جاء في رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة:
فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. حَتى يُقْضَى بَينَ الْعِبَادِ. فَيُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَال: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَّمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا. إلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ- لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيئًا. لَيسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ
ــ
(كلما مر عليه أخراها ردت عليه أولاها) قيل: وهكذا يستقيم الكلام لأنه إنما يريد الأول الذي قد مر قبل وأما الآخر فلم يمر بعد فلا يقال. فيه: ردت.
(قلت) ويظهر لي أن الرواية صحيحة ليس فيها تغيير ولا تصحيف لأن معناها أن أولى الماشية كلما وصلت إلى آخر ما تمشي عليه تلاحقت بها أخراها ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع قبلها فعادت الأخرى أولى حتى تنتهي إلى آخره وهكذا إلى أن يقضي الله بين العباد والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
والظرف في قوله: (في يوم) متعلق بتطؤه أو ببطح لها أي تطؤه بأخفافها في يوم (كان مقداره خمسين ألف سنة) مما تعدون وقوله: (حتى يقضى بين العباد) غاية لقوله: (تطؤه بأخفافها)(فـ) إذا فرغ من القضاء بين العباد (يرى سببله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله فالبقر والغنم) ماحكم صاحبهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا صاحب بقر) بالرفع على الابتداء لأن من في المعطوف عليه زائدة أي ولا صاحب بقر (ولا غنم لا يؤدي منها) أي من الماثسية المذكورة يعني البقر والغنم (حقها) أي زكاتها (إلا إذا كان يوم القيامة بطح) أي ألقي صاحبهما على وجهه (لها) أي لأجل وطئها عليه (بقاع قرقر) أي بموضع مستو واسع أملس والقاع الموضع المستوي الواسع يجمع على قيعة وقيعان مثل جار وجيرة وجيران قال الثعالبي: إذا كانت الأرض مستوية مع الاتساع فهي الخبت والجدجد والصحيح ثم القاع والقرقر والصفصف اهـ من المفهم.
وفي النهاية: القاع المكان المستوي الواسع والقرقر المكان المستوي فيكون صفة مؤكدة وقيل: الأملس المستوي من الأرض حالة كونه (لا يفقد) ولا يعدم (منها) أي من ذواتها وصفاتها (شيئًا) قال الطيبي: أي قرونها سليمة (ليس فيها) أي في تلك الماشية (عقصاء) أي ملتوية القرنين (ولا جلحاء) أي التي لا قرن لها خلقة (ولا عضباء) أي مكسورة القرن ونفى الثلاثة عبارة عن سلامة قرونها ليكون أجرح للمنطوح اهـ من المرقاة.
تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا. كُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيهِ أُخْرَاهَا. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. حَتى يُقْضَى بَينَ الْعِبَادِ. فَيَرَى سَبِيلَهُ. إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْخَيلُ؟ قَال: "الْخَيلُ ثَلاثَةٌ:
ــ
وظاهر الحديث أن هذه الصفات فيها معدومة في العقبى وإن كانت موجودة لها في الدنيا وظاهر الحديث أن يعيد الله تعالى الأشياء على ما كانت عليه في الحالة الأولى كما هو مفهوم من الكتاب والسنة ولعله يخلقها أولًا كما كانت ثم يعطيها القرون ليكون سببًا لعذابه على وجه الشدة والله أعلم اهـ من فتح الملهم.
حالة كونها (تنطحه) بفتح الطاء وتكسر وفي القاموس نطحه كمنعه وضربه إذا أصابه بقرنه أي تطعنه (بقرونها) إما تأكيد أو تجريد (وتطؤه) أي تدوسه (بأظلافها) جمع ظلف وهو للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس قال النواوي: الظلف للبقر والغنم والظباء وهو المنشق من القوائم والخف للبعير والقدم للآدمي والحافر للفرس والبغل والحمير وقال القرطبي: والظلف هو الظفر من كل دابة مشقوقة الرجل اهـ.
وقوله: (كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها) هكذا هنا وفيما سبق والظاهر أن يقال عكس ذلك كما في الرواية الآتية عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهو (كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها) وتوجيه ما هنا أنه مرت الأولى على التتابع ثم الأخرى فإذا انتهت الأخرى إلى الغاية ردت من هذه الغاية وتبعها ما يليها من الأولى فيما يليها إلى مبدئها فيحصل الغرض من الاستمرار والتتابع على طريق الطرد والعكس فهو أولى من العكس والحاصل أنه يحصل هذا مرة بعد أخرى اهـ من المرقاة.
وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) وهو يوم القيامة ظرف تنازع فيه بطح وتطؤ وقوله: (حتى يقضى بين العباد) غاية لهما أيضًا (ف) جعد القضاء الفاصل (يرى سبيله إما إلى الجنة) إن لم يكن له ذنب سواه (وإما إلى النار) إن كان له ذنب سواه (قيل: يا رسول الله فالخيل) ما حكم صاحبها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيل) بالنظر إلى منفعتها ومضرتها.
(ثلاثة) لا غير قال الطيبي: هذا جواب على أسلوب حكيم وله توجيهان فعلى مذهب الشافعي معناه دع السؤال عن الوجوب إذ ليس فيها حق واجب ولكن اسئل عما يرجع من اقتنائها على صاحبها من المضرة والمنفعة وعلى مذهب أبي حنيفة معناه لا
هِيَ لِرَجُلٍ وزْرٌ. وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ. فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ. فَهِيَ لَهُ وزْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ. فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ
ــ
تسأل عما وجب فيها من الحقوق وحده بل اسأل عنه وعما يصل بها من المنفعة والمضرة إلى صاحبها فإن قيل: يستدل بهذا الحديث على الوجوب قلت بعطف الرقاب على الظهور لأن المراد بالرقاب الذوات وليس في الرقاب منفعة للغير كما في الظهور وبمفهوم الجواب الآتي في الحمر من قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل عليَّ في الحمر شيء) كذا في المرقاة اهـ من فتح الملهم.
(هي) أي الخيل (لرجل وزر) أي ثقل وإثم (وهي لرجل ستر) أي حجاب من سؤال الغير عند حاجته لركوب فرس بدليل قوله: (تجملًا وتعففًا) أي عن الناس اهـ من المفهم.
أو المعنى (ستر) أي لحاله في معيشته لحفظه عن الاحتياج والسؤال قال الأكثر (أو ستر) له عن النار كما نبه عليه ابن الهمام في تقريره في مسئلة زكاة الخيل اهـ من فتح الملهم والله أعلم.
(وهي لرجل أجر) أي ثواب عظيم (فأما) الرجل (التي هي له وزر) فالموصول صفة سببية لموصوف محذوف فلا حاجة إلى ما قدره النواوي (فرجل ربطها) أي اتخذها (رياء) أي ليرى الناس عظمته في ركوبه وحشمته (وفخرًا) بها أي افتخارًا بها باللسان على من دونه من الإنسان وليقال: إنه يربي خيل كذا وكذا (ونواءً) بكسر النون والمد أي تعديًا (على أهل) دين (الإسلام) ومعاداة بها عليهم يقال: ناوأته نواء ومناوأة إذا عاديته أي منازعة ومعاداةً لهم والواو في الموضعين بمعنى أو كما هو الظاهر فإن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته (فهي) أي فتلك الخيل (له) أي لذلك المرائي أو المفتخر أو المناوئ (وزر) أي ذنب عظيم على ذلك القصد والنية فهي جملة مؤكدة مشعرة باهتمام الشارع وتحذيره عنه (وأما) الرجل (التي هي له ستر فـ) ـهو (رجل ربطها) أي أعدها للجهاد (في سبيل الله) تعالى لإعلاء كلمته من الربط وهو الحبس ومنه الرباط وهو حبس الرجل نفسه وعدته في الثغور تجاه العدو اهـ من المفهم.
قال ابن الملك: ليجاهد بها والصواب ما قاله الطيبي من أنه لم يرد به الجهاد بل
ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا. فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ. فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ لأَهْلِ الإِسْلامِ. فِي مَرْجٍ
ــ
النية الصالحة إذ يلزم التكرار مع ما بعده وأيضًا إذا أراد به الجهاد تكون له أجرًا فكيف يقال: إنها له ستر.
وقال الطيبي: ويؤيده رواية غيره: (ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا)(ثم لم ينس حق الله في ظهورها) أي بالعارية للركوب والطروق والحمل عليها في سبيل الله مثلًا (ولا) في (رقابها) أي في ذواتها الظاهر أن الحق الثابت في رقابها ليس إلا الزكاة وأوله المانعون فقال الحافظ ابن حجر: قيل: المراد حسن ملكها وتعهد شبعها وريها والشفقة عليها في الركوب وإنما خص رقابها بالذكر لأنها تستعار كثيرًا في الحقوق اللازمة ومنه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهذا جواب من لم يوجب الزكاة في الخيل وهو قول الجمهور المراد بالحق الزكاة وهو قول حماد وأبي حنيفة وخالفه صاحباه وفقهاء الأمصار قال أبو عمر لا أعلم أحدًا سبقه إلى ذلك.
(قلت): ويؤيد القول الأول ما سيأتي من طريق سهيل ولا ينسى حق ظهورها ورقابها والله أعلم.
وأول السندي حديث الباب بأن المراد ولم ينس شكر الله لأجل إباحة ظهورها وتمليك رقابها وذلك الشكر يتأدى بالعارية والله أعلم اهـ فتح الملهم.
وفي المبارق: (قوله: ثم لم ينس حق الله في ظهورها) أراد به ركوبها في سبيل الله (ولا رقابها) أراد به أداء زكاتها إذا كانت سائمة استدل به أبو حنيفة على وجوب الزكاة في الخيل وأوله المانعون بأن المراد بحق الله في رقابها الإحسان إليها والقيام بعلفها ولكنه ضعيف لأن ذلك لا يطلق عليه حق الله في رقابها بل ذلك أمر موكول إلى مولاها اهـ.
(فهي) أي تلك الخيل (له) أي لذلك الرجل (ستر) أي حجاب له عن مسألة الناس والتكفف بين أيديهم (وأما) الرجل (التي هي له أجر) أي سبب أجر وثواب (فـ) ـهو (رجل ربطها) أي أعدها وهيأها من الرباط وهو حبس الرجل نفسه وعدته في الثغور تجاه العدو أي ربطها للجهاد بها (في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله مساعدةً (لأهل الإسلام) على أعدائهم الكفار وفيه إشارة إلى أن المراد به الجهاد فإن نفعه متعد إلى أهل الإسلام والجار والمجرور في قوله: (في مرج) بفتح الميم وسكون الراء أي مرعى متعلق بربط.
قال ابن الأثير: المرج هو الأرض الواسعة ذات نبات كثير يمرج فيها الدواب أي
وَرَوْضَةٍ. فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذلِكَ الْمَرْجِ أَو الرَّوْضَةِ مِنْ شَيءٍ. إلا كُتِبَ لَهُ، عَدَدَ مَا أَكَلَتْ، حَسَنَاتٌ، وَكُتِبَ لَهُ، عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا، حَسَنَاتٌ. وَلَا تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ، عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا، حَسَنَاتٍ. وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى
ــ
تسرح وقوله (وروضة) عطف تفسير لمرج أو الروضة أخص من المرج وفي نسخة المصابيح بلفظ: (أو روضة) كما في المشارق قال ابن الملك: شك من الراوي اهـ.
(فما أكلت) تلك الخيل (من ذلك المرج أو الروضة من شيء) من زائدة لوقوعها بعد النفي أي شيئًا من العلف والأزهار قل أو كثر (إلا كتب) بالبناء للمفعول (له) أي لذلك الرجل (عدد ما أكلت) منصوب بنزع الخافض أي بعدد مأكولاتها (حسنات) أي أجور بالرفع نائب فاعل لكتب وروى ابن ماجه من حديث تميم الداري مرفوعًا (من ارتبط فرسًا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة)(و) إلا (كتب له عدد) أي بعدد (أرواثها وأبوالها حسنات) بالرفع نائب فاعل لكتب أيضًا لأن بها بقاء حياتها مع أن أصلها قبل الاستحالة غالبًا من مال صاحبها اهـ ملا علي.
(ولا تقطع) تلك الخيل (طولها) بكسر الطاء وفتح الواو ويقال (طيلها) بالياء كذا جاء في الموطإ والطوال والطيل حبلها الطويل الذي شد أحد طرفيه في يد الفرس والآخر في وتد أو غيره لتدور فيه وترعى من جوانبها ولا تذهب لوجهها (فاستنت) بتشديد النون أي جرت وعدت قال أبو عبيد: الاستنان أن يحضر الفرس وليس عليه فارس وقال غيره: يستن في طوله يمرح فيه من النشاط وقال الجوهري: هو أن يرفع يديه ويطرحها معًا وقال غيره: أن يلج في عدوه مقبلًا أو مدبرًا ذاهبًا أو راجعًا.
(شرفًا أو شرفين) أي شوطًا أو شوطين كما في النهاية والشرف بفتح الشين والراء في الأصل: العالي المرتفع من الأرض وقيل: المراد به هنا طلقًا أو طلقين وفي المرقاة: وإنما سمي شرفًا لأن الدابة تعدو حتى تبلغ شرفًا من الأرض أي مرتفعًا منها فتقف عند ذلك وقفة ثم تعدو ما بدالها (إلا كتب الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الرجل (عدد) أي بعدد (آثارها) أي آثار حوافرها جمع أثر هو موطن الحافر (وأرواثها) وأبوالها ولعله أراد بالروث هنا ما يشمل البول أو أسقطه للعلم به منه أي بعدد خطاها وأرواثها في تلك الحالة (حسنات) بالنصب على المفعولية (ولا مر بها) أي بتلك الخيل (صاحبها على
نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا، إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ، عَدَدَ مَا شَرِبَتْ، حَسَنَاتٍ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْحُمُرُ؟ قَال: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيءٌ إلا هذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ
ــ
نهر) ماء بفتح الهاء وسكونها (فشربت) تلك الخيل (منه) أي من مائه (و) الحال أنه (لا يريد) ولا يقصد (أن يسقيها) منه أي شرب الخيل منه أي يمنعها من شرب يضر بها أو به باحتباسها للشرب فيفوته ما يؤمله أو يقع به ما يخافه من عدو أو سبع اهـ من المفهم.
قال النواوي: وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا كتب له وهو لا يريد سقيها فإذا قصده كتب له أضعاف ذلك اهـ منه.
(إلا كتب الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الرجل (عدد) أي بعدد (ما شربت) من مائه وقدره (حسنات) أي أجورًا قال الطيبي فيه مبالغة في اعتداد الثواب له لأنه إذا اعتبر ما تستقذره النفوس وتنفر عنه الطباع فكيف بغيرها وكذا إذا احتسب له ما لا نية له فيه وقد ورد (وإنما لكل امرئ ما نوى) فما بال ما إذا قصد الاحتساب فيه.
قال ابن الملك: فالحاصل أنه يجعل لمالكها بجميع حركاتها وسكناتها وفضلاتها حسنات.
قال الحافظ: وفيه أن الإنسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها وإن لم يقصد تلك التفاصيل (قيل: يا رسول الله فالحمر) الأهلية ما حكم صاحبها جمع حمار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل عليَّ في) خصوص حكم (الحمر شيء) من النصوص الشرعية (إلا هذه الآية الفاذة) بالفاء وتشديد المعجمة أي العديمة النظير معناها (الجامعة) لجميع أنواع الخير والشر وسميت فاذة لانفرادها في معناها وجامعة لاشتمالها على جميع أنواع الطاعة والمعصية قليلهما وكثيرهما.
قال النواوي: وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم ومعنى الحديث ما أنزل علي فيها نص بخصوصها لكن نزلت هذه الآية العامة فهي تقتضي أن من أحسن إلى حماره رأى جزاء إحسانه ومن أساء إليه وكلفه فوق طاقته رأى عقوبته في الآخرة وقد يحتج بهذا الحديث من قال: لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما يحكم بالوحي وأجاب الجمهور القائلون بجواز الاجتهاد له بأنه لم يظهر له فيها شيء اهـ فتح الملهم يعني قوله تعالى: ({فَمَنْ يَعْمَلْ}) إيمانا واحتسابا ({مِثْقَال ذَرَّةٍ}) أي وزن نملة
{خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
(2171)
(0)(0) وحدَّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى الصَّدَفِيُّ. أَخبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ، إِلَى آخِرِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا" وَلَمْ يَقُلْ: "مِنْهَا حَقَّهَا" وَذَكَرَ فِيهِ: "لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا"
ــ
صغيرة أو وزن ذرة من الهباء الطائر في الهواء ({خَيرًا}) أي من جهة الخير ({يَرَهُ}) أي ير جزاء ذلك المثقال ({وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}) أي ير عقوبته فلو أعان أحدًا على بر بركوبها يثاب ولو استعان بركوبها على فعل معصية يعاقب.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 262 و 276) وأبو داود (1658 و 1659) والنسائي (5/ 12 و 13).
قال القرطبي: (قوله: هذه الآية الفاذة الجامعة) أي القليلة المثل المتفردة بمعناها (الجامعة) أي العامة الشاملة لكل خير وشر وهو حجة للقائلين بالعموم فإن لفظة شيء من صيغ العموم وهو مذهب الجمهور من الفقهاء والأصوليين وهذا منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه لم يفسر الله من أحكام الحمر وأحوالها ما فسر له في الخيل والإبل وغيرها مما ذكره اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2171)
(0)(0)(وحدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري ثقة من (10)(أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني هشام بن سعد) المدني أبو عباد القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم صدوق من (7)(عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم أبو عبد الله المدني ثقة من (3)(في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد متعلق بحدثني هشام بن سعد غرضه بيان متابعة هشام بن سعد لحفص بن ميسرة (بمعنى حديث حفص بن ميسرة) من أوله (إلى آخره كير أنه) أي لكن أن هشام ابن سعد (قال) في روايته: (ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها ولم يقل) هشام لفظة: (منها) في قوله: لا يؤدي منها (حقها) وقوله (وذكر) هشام (فيه) أي في الحديث (لا يفقد منها فصيلا واحدًا) كما ذكره حفص بن ميسرة إشارة إلى أن هذه الجملة لم تذكر في رواية سهيل عن أبي صالح في الحديث الآتي إلا فلا معنى لهذا الكلام فإسقاطه أولى
وَقَال: "يُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ".
(2172)
(0)(0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَذِّي زَكَاتَهُ إلا أُحْمِيَ عَلَيهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ. فَيُكْوَى بِهَا
ــ
لأنه تحريف من النساخ (وقال) هشام أيضًا: (يكوى بها جنباه) بالتثنية بدل قول حفص (جنبه) بالإفراد (و) قال هشام: (جبهته) بدل قول حفص: (جبينه)(وظهره).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2172)
(0)(0)(وحدثني محمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن (الأموي) أبو عبد الله الأيلي ثقة من (10)(حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم أبو إسماعيل الدباغ البصري ثقة من (7)(حدثنا سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبو يزيد المدني صدوق من (6)(عن أبيه) أبي صالح السمان المدني ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة سهيل بن أبي صالح لزيد بن أسلم في رواية هذا الحديث عن أبي صالح السمان.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب كنز) قال العيني: قال ابن سيده: الكنز اسم للمال ولما يحرز فيه وجمعه كنوز يقال: كنزه يكنزه كنزًا واكتنزه وكنز الشيء في الوعاء أو الأرضى يكنزه غمزه في يده وفي المغيث: الكنز اسم للمال المدفون.
وقال الطبري: هو كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرضى كان أو في ظهرها.
وقال القرطبي: أصله الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة اهـ فتح الملهم.
ولكن المراد هنا الذهب والفضة أي ما صاحب مال مجموع (لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه) أي أوقد عليه (في نار جهنم فيجعل صفائح) أي ألواحًا (فيكوى بها) أي
جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ. حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ. تَسْتَنُّ عَلَيهِ. كُلَّمَا مَضَى عَلَيهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيهِ أُولاهَا. حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وإِمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا. إلا بُطِحَ لَهَا بِقَاعِ قَرْقَرٍ. كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ. فَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا. لَيسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ. كُلَّمَا مَضَى عَلَيهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيهِ أُولاهَا. حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةِ مِمَّا تَعُدُّونَ. ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَّا إِلَى النَّارِ"
ــ
فيحرق بتلك الصفائح (جنباه) تثنية جنب وهو الضلع (وجبينه) أي جبهته وقوله: (حتى يحكم الله) سبحانه (بين عباده) غاية ليكوى وكذا قوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) متعلق بيكوى (ثم) بعد كيه تلك المدة (يرى سبيله إما) موصلًا (إلى الجنة وإما) موصلًا (إلى النار وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح) واضطجع (لها) أي لأجل وطئها عليه (بقاع) أي في أرض مستوية (قرقر) أي ملساء حالة كون تلك الإبل (كأوفر) أي كأعظم وأسمن (ما كانت) عليه في الدنيا.
وقوله: (تستن عليه) حال من ضمير لها أي بطح لها حالة كونها تستن وتطأُ عليها بأخفافها (كلما مضى) ومر (عليه أخراها ردت) وأعيدت (عليه أولاها) وهذه الرواية أصوب الروايات وإليها ترد باقيها كما مر بسط الكلام عليه وقوله: (حتى يحكم الله بين عباده) غاية لتستن وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) متعلق به أيضًا (ثم) بعد القضاء الفاصل (يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح) واستلقى (لها بقاع قرقر) حالة كونها (كأوفر) وأسمن (ما كانت) عليه في الدنيا (فتطؤه) معطوف على بطح أي تدوسه (بأظلافها) وقوائمها (وتنطحه) أي تطعنه (بقرونها ليس فيها عقصاء) أي ملتوية القرنين (ولا جلحاء) أي عادمتهما (كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون) في الدنيا وهذه الكلمة زادها في هذه الرواية (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
قَال سُهَيلٌ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ الْبَقَرَ أَمْ لَا. قَالُوا: فَالْخَيلُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "الْخَيلُ فِي نَوَاصِيهَا (أَوْ قَال) الْخَيلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا (قَال سُهَيلٌ: أَنَا أَشُكُّ) الْخَيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ــ
قال الحافظ: وفي الحديث إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده لأنه قصد منع حق الله منها لغرض وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها فكان ما قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير مطهر اهـ.
(قال سهيل) بن أبي صالح بالسند السابق: (فلا أدري) ولا أعلم (أذكر) أي هل ذكر أبو صالح في هذا الحديث (البقر) أي حكم صاحبها (أم لا) يذكر أي أم لم يذكرها فيه والشك من سهيل وقائل هذا الكلام عبد العزيز بن المختار الراوي عنه.
(قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالخيل) ما حكم صاحبها (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم: (الخيل في نواصيها) الخير إلى يوم القيامة (أو قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود) أي مربوط (في نواصيها) أي في رؤوسها قال عبد العزيز (قال سهيل: أنا أشك) أي أنا الشاك فيما قال أبو صالح هل قال الخيل في نواصيها الخير أو قال: الخيل معقود في نواصيها (الخير إلى يوم القيامة) بزيادة لفظة معقود قال العيني: قوله: (معقود) مرفوع على أنه خبر المبتدأ المؤخر وهو قوله: الخير والجملة خبر المبتدإ الأول وهو الخيل ومعنى قوله معقود ملازم لها كأنه معقود فيها وهو من باب الإستعارة المكنية لأن الخير ليس بمحسوس حتى تعقد عليه الناصية ولكنهم يدخلون المعقول في جنس المحسوس ويحكمون عليه بما حكم على المحسوس مبالغة في اللزوم والنواصي جمع ناصية وهي قصاص الشعر وهو الشعر المسترسل على الجبهة وخص النواصي بالذكر لأن العرب تقول غالبًا: فلان مبارك الناصية فيكنى بها عن الإنسان وقوله: الخيل إلى آخره لفظه عام والمراد به المخصوص لأنه لم يرد به إلا بعض الخيل بدليل قوله: (الخيل ثلاثة) اهـ.
وفي بعض الهوامش: قوله: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) يعني أن الخير ملازم لها كأنه معقود فيها كما في النهاية (إلى يوم القيامة) أي إلى قربه وفي رواية زيادة: (الأجر والغنيمة) وهما تفسيران للخير كما في شرح المشكاة.
الْخَيلُ ثَلاثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلِ أَجْرٌ. وَلِرَجُلِ سِتْرٌ. وَلِرَجُلٍ وزْرٌ. فَامَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ. فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ. فَلَا تُغَيِّبُ شَيئًا فِي بُطُونِهَا إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرًا. وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيءٍ إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا. وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ. (حَتَّى ذَكَرَ الأَجْرَ
ــ
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة) كما في المشارق برمز اتفاق الشيخين وفيه أيضًا عن أنس بالرمز المذكور: (البركة في نواصي الخيل) أي كثرة الخير في ذواتها وقد يكنى بالناصية عن الذات يقال: فلان مبارك الناصية أي مبارك الذات فهو مجاز مرسل من التعبير بالجزء عن الكل.
قال ابن الملك: إنما جعلت البركة في نواصيها لأن بها يحصل الجهاد الذي فيه خير الدنيا وخير الآخرة وأما الحديث الآخر وهو: (الشؤم يكون في الفرس) فمحمول على ما لم يكن معدًا للغزو.
وفي قوله: (إلى يوم القيامة) دليل على أن الجهاد قائم إلى ذلك الوقت والمراد: قبيل القيامة بيسير أي حتى تأتي الريح الطيبة من قبل اليمن تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما ثبت في الصحيح.
(الخيل) أي جنسها (ثلاثة) أقسام (فهي لرجل أجر) أي ذو أجر وثواب (ولرجل ستر) أي ذو ستر وحجاب عن مسألة الناس (ولرجل وزر) أي ذو وزر وذنب (فأما) الرجل (التي هي له أجر) أي ذو أجر وثواب (فـ) ـهو (الرجل) الذي (يتخذها) ويقتنيها للجهاد بها (في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله تعالى (ويعدها) أي يهيؤها (له) أي للجهاد في سبيل الله (فلا تغبب) أي لا تدخل (شيئًا) من علفها وشرابها (في بطونها) أي في جوفها (إلا كتب الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الرجل بذلك الشيء الذي غيبت في جوفها (أجرًا) وثوابًا (ولو رعاها) أي رعى تلك الخيل وسامها (في مرج) وروضة (ما أكلت) ورعت (من شيء) أي شيئًا من نبات ذلك المرج (إلا كتب الله) سبحانه (له) أي لذلك الرجل (بها) أي بأكلها ومقتضى السياق أن يقال: (به) بالتذكير أي بالشيء الذي أكلته (أجرًا) أي ثوابًا (ولو سقاها من) ماء (نهر) مر عليه (كان له) أي لذلك الرجل أي يكتب له (بكل قطرة) وجرعة (تنيبها) أي تدخلها (في بطونها أجر) أي ثواب وقوله: (حتى ذكر الأجر) غاية لمحذوف تقديره: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأجر
فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا) وَلَو اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ. وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّما وَتَجَمُّلًا. وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا وَبُطُونِهَا. فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِي عَلَيهِ وزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِئَاءَ النَّاسِ
ــ
والثواب في تعهده ورعايته إياها حتى ذكر الأجر والثواب له (في أبوالها وأرواثها) لأن بها بقاء حياتها مع أن أصلها قبل الاستحالة غالبًا من مال صاحبها وهذا مبالغة في كثرة الثواب لأنه إذا كتب له ما يستقذر فكيف بغيره اهـ أبي.
(ولو) أنها (استنت) أي عدت وجرت (شرفًا) أي شوطًا (أو شرفين) أي شوطين (كتب له) أي لصاحبها (بكل خطوة) بفتح الخاء مصدرًا وهو نقل الرجل من موضع إلى آخر وبالضم اسم لما بين القدمين أي بعدد كل خطوة (تخطوها) أي تمشيها (أجر) وثواب (وأما) الرجل (الذي هي له ستر) أي تستره وتعفه عن سؤال الغير إما بما يكتسب عليها أو بما يطلب من نتاجها (فـ) ـهو (الرجل) الذي (يتخذها) ويقتنيها (تكرمًا) أي تحفظًا من مسئلة الناس وترفعًا عنها (وتجملًا) أي تزينًا بصرفها في حوائجه (و) الحال أنه (لا ينسى) ولا يترك (حق) الله في (ظهورها) بإعارتها للمحتاج وللحمل عليها في سبيل الله مثلًا (و) حقها في (بطونها) من شبعها وريها (في) حالة (عسر) علف (ـها) ومائها وقلتهما (و) في حالة (يسر) علفـ (ـها) وشرابها وكثرتهما (وأما) الرجل (الذي) هي (عليه وزر) وذنب (فـ) هو الرجل (الذي يتخذها) ويقتنيها (أشرًا) أي حالة كونه ذا أشر أو لأجل الأشر والبطر والبذخ والرياء وهو قلة القيام بشكرها (وبطرًا) أي وحالة كونه ذا بطر وهو صرف النعمة في غير مصارفها (وبذخًا) أي وذا بذخ وهو الفخر بالنعمة على الناس والتطاول بها عليهم (ورياء الناس) أي وذا رياء للناس وهو أن يُرِيَ الناس ما أعطاه الله له على سبيل الظهور والترفع عليهم قال الراغب: الأشر شدة البطر والبطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها اهـ.
والبذخ بالتحريك الفخر والتطاول على الناس كما في النهاية اهـ من بعض الهوامش.
وفي فتح الملهم: الأشر بفتح الهمزة والشين هو المرح واللجاج وأما البطر فهو الطغيان عند الحق وأما البذخ بفتح الموحدة والذال المعجمة فهو بمعنى الأشر والبطر.
فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيهِ وزْرٌ". قَالُوا: فَالْحُمُرُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ فِيهَا شَيئًا إلا هذِهِ الآيَةَ الْجَامِعَةَ الْفَاذَّةَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8].
(2173)
(0)(0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
(2174)
(0)(0) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ
ــ
(قلت): الثلاثة كلها بمعنى واحد وهو قلة القيام بشكر النعمة وصرفها في غير مصارفها.
(فذاك) الرجل هو (الذي هي عليه وزر) وذنب (قالوا فالحمر) ماحكم صاحبها (يا رسول الله قال) في جوابهم: (ما أنزل الله) سبحانه وتعالى (على فبها شيئًا) من القرآن والوحي (إلا هذه الآية الجامعة) أي الشاملة لها ولغيرها (الفاذة) أي العديمة النظير بعمومها كل خير وشر مع قلة ألفاظها أعني قوله تعالى: ({فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2173)
(0)(0)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد الجهني المدني (سني الدراوردي عن سهيل) بن أبي صالح المدني غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الدراوردي لعبد العزيز بن المختار في رواية هذا الحديث عن سهيل (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (وساق) أي ذكر الدراوردي (الحديث) السابق بمعنى حديث عبد العزيز بن المختار.
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2174)
(0)(0)(وحدثنيه محمد بن عبد الله بن بزيع) مكبرأ أبو عبد الله البصري ثقة من (10)(حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة من (8)(حدثنا روح بن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري ثقة من (6) (حدثنا سهيل بن
أَبِي صَالِحٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال بَدَلَ (عَقْصَاءُ):"عَضْبَاءُ" وَقَال: "فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَظَهْرُهُ" وَلَمْ يَذْكرْ: جَبِينُهُ.
(2175)
(0)(0) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن بُكَيرًا حَدَّثَهُ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنهُ قَال:"إِذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَرْءُ حَقَّ اللهِ أَو الصَّدَقَةَ فِي إِبِلِهِ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ
ــ
أبي صالح) المدني (بهذا الإسناذ) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة روح بن القاسم لعبد العزيز بن المختار في رواية هذا الحديث عن سهيل (و) لكن (قال) روح بن القاسم في روايته (بدل عقصاء) أي ملتوية القرنين بالرفع فيه على الحكاية وكذا قوله: (عضباء) أي مكسورة القرنين (وقال) روح: (فيكوى بها جنبه) بالإفراد بدل قول عبد العزيز (جنباه) بالتثنية وزاد روح عليه لفظة: (وظهره و) لكن (لم يذكر) روح (جبينه) بالرفع على الحكاية وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما.
ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(2175)
(0)(0)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من (10)(حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) ابن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7)(أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري ثقة من (5)(حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن ذكوان) السمان أبي صالح الزيات المدني غرضه بسوقه بيان متابعة بكير بن عبد الله لسهيل بن أبي صالح في رواية هذا الحديث عن أبي صالح السمان.
(عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا لم يؤد المرء) ولم يدفع (حق الله) سبحانه وتعالى أي زكاته في إبله (أو) قال الراوي: إذا لم يؤد المرء (الصدقة) الواجبة (في إبله) بطح لها بقاع قرقر بدل قول سهيل: وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها وأو للشك من الراوي (وساق) أي ذكر بكير بن عبد الله (الحديث) أي باقي الحديث (بنحو) أي بقريب (حديث سهيل) ابن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان.
(2176)
(950) - (100) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَسْتَنُّ عَلَيهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
(2176)
(950)(100)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن رافع: (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري) المدني وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو نيسابوري وفيه التحديث والإخبار والسماع والمقارنة.
(يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من صاحب إبل لا يفعل فيها) أي لا يدفع عنها (حقها) أي واجبها أو زكاتها (إلا جاءت يوم القيامة) حالة كونها (أكثر ما كانت) عليه (قط) أي في الدنيا (وقعد لها بقاع) أي بمكان مستو (قرقر) أي أملس حالة كونها (تستن) وتطؤ وتمشي (عليه بقوائمها) أي بايديها وأرجلها وقوله: (وأخفافها) بالجر معطوف على قوائمها من عطف الجزء على الكل لغرض بيان موضع الوطء منها وقوله (أكثر ما كانت) هكذا في الأصول بالثاء المثلثة قال ابن الملك: أراد بالكثرة كونها أكمل في اللحم ليكون أثقل و (قط) بفتح القاف وضم الطاء المشددة على المشهور ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للماضي المنفي نحو ما فعلته قط وقد تستعمل في الإثبات كما هنا ومعناه أكثر وجودها فيما مضى من الدهر قال المجد وفي مواضع من البخاري جاء بعد المثبت منها في الكسوف (أطول صلاة صليتها قط) وفي سنن أبي داود (توضأ ثلاثًا قط).
(وقعد) بفتح القاف والعين أي جلس الصاحب لها (تستن عليه بقوائمها وأخفافها) أي ترفع يديها وتطرحهما معا على صاحبها اهـ من المبارق (بقاع قرقر) أي في مكان
وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا. وَلَا صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا. لَيسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا. وَلَا صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ. إلا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ
ــ
مستو أملس وقيل: القرقر بمعنى القاع ذكره للتأكيد أراد به موضعًا لا يكون فيه شيء يمنع الإبل من إبصار صاحبها كما في المبارق.
(ولا) من (صاحب بقر لا يفعل) أي لا يدفع (فيها) أي عنها (حقها) أي زكاتها (إلا جاءت يوم القيامة كثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه) أي تطعنه (بقرونها وتطوه) أي تدوسه (بقوائمها ولا) من (صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة كثر ماكانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها) جمع ظلف وهي للشاة بمنزلة القدم للإنسان حالة كونها (ليس فيها جماء) بفتح الجيم وتشديد الميم هي كجلحاء الشاة التي لا قرن لها خلقة مذكره أجم ومن أمثالهم: (عند النطاح يغلب الكبش الأجم) ويقال أيضًا التيس الأجم كما في المجمع.
(ولا منكسر قرنها) منكسر بالرفع معطوف على جماء وقرنها بالرفع فاعل لمنكسر (ولا) من (صاحب كنز) وهو كل مال مخزون مبطونًا كان في الأرض أو لا لكن المراد به هنا مال وجبت فيه الزكاة ولم تؤد عنه فإن ما أدى زكاته لا يعد كنزًا قاله ابن الملك (لا يفعل فيه) أي لا يدفع عنه (حقه) أي زكاته (إلا جاء كنزه) أي تحول كنزه (يوم القيامة شجاعًا أقرع) أي حية عظيمة أي إلا صير الله سبحانه ماله المجموع على صورة شجاع أقرع والشجاع بضم المعجمة ثم جيم الحية الذكر وقيل الذي يقوم على ذنبه ويوائب الراجل والفارس وربما بلغ رأس الفارس ويكون في الصحاري والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط وتقشر لكثرة سمه وفي كتاب أبي عبيد: سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه وتعقبه القزاز بأن الحية لا شعر برأسها فلعله يذهب جلد رأسه وفي تهذيب الأزهري سمي أقرع لأنه يقري السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه قال القرطبي: الأقرع من الحيات الذي ابيض رأسه من السم ومن الناس الذي لا شعر برأسه لمرض كذا في الفتح وقال السندي: ولعل ذلك أي تمثله شجاعًا أقرع في بعض الأحوال
يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ. فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ. فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ. فَأَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ. فَإِذَا رَأَى أَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ. فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ"
ــ
والمواقف وما سبق من قوله: صفحت له صفائح في حال وموقف آخر فلا معارضة بين الحديثين اهـ فتح الملهم.
(يتبعه) أي يتغ الشجاع صاحب الكنز حالة كون الشجاع (فاتحًا فاه) أي فمه ليأكله (فإذا أتاه) أي أتى الشجاع صاحب الكنز وجاءه (فر) وشرد صاحب الكنز (منه) أي من الشجاع (فيناديه) أي ينادي الشجاع صاحب الكنز فيقول في ندائه: (خذ كنزك) أي جزاءه أو منقلبه قال ابن الملك: أراد به الشجاع نفسه لما جاء في حديث آخر (ثم يقول أنا مالك أنا كنزك)(الذي خبأته) أي سترته عن المساكين وحفظته من الناس (فأنا عنه) أي عن كنزك (غني).
قال ابن الملك: ظاهره مشعر بأن الشجاع غير الكنز ولعل هذا يكون تجريدًا فإنه لكماله في كونه كنزًا جرد عن نفسه كنزًا آخر اهـ.
وإنما خص التمثيل بالشجاع لشدة عداوة الحيات للإنسان وفائدة هذا القول إثارة الحسرة والندامة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم.
قال الطيبي: وفيه نوع تهكم لمزيد غمه وهمه لأنه شر أتاه من حيث كان يرجو خيرًا (فإذا رأى) وظن صاحب الكنز (أن لا بد له) أي أنه لا بد ولا مفر له من الشجاع فـ (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لا النافية خبرها وجملة أن المخففة سادة مسد مفعولي رأى أي لأن رأى علمية فإذا علم عدم المفر والمهرب له (منه سلك) أي أدخل (يده في فيه) أي في فم الشجاع والجملة جواب إذا (فيقضمها) أي فيقضم الشجاع يده ويأكلها (قضم الفحل) من البعير الغصن من الشجر أي قضمًا كقضم الفحل أي أكلًا كأكل البعير الغصن من الشجر ففي الكلام تشبيه بليغ وإنما خص القضم باليد لأن المانع الكانز يكتسب المال بيديه يقال: قضمت الدابة شعيرها بكسر الضاد تقضمه بفتحها إذا أكلته والقضم بأطراف الأسنان والخضم بالفم كله وقيل: القضم أكل اليابس والخضم أكل الرطب ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: (تخضمون ونقضم والله الموعد) اهـ قرطبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 321) والنسائي (5/ 27).
قَال أَبُو الزُّبَيرِ: سَمِعْتُ عُبَيدَ بْنَ عُمَيرٍ يَقُولُ هذَا الْقَوْلَ. ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ ذلِكَ فَقَال مِثْلَ قَوْلِ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ.
وَقَال أَبُو الزُّبَيرِ: سَمِعْتُ عُبَيدَ بْنَ عُمَيرٍ يَقُولُ: قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا حَقُّ الإِبِلِ؟ قَال: "حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ. وَإعَارَةُ دَلْوهَا. وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا. وَمَنِيحَتُهَا. وَحَمْلٌ عَلَيهَا فِي سَبِيلِ اللهِ"
ــ
(قال أبو الزبير) المكي بالسند السابق: (سمعت عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبا عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان قاص أهل مكة مجمع على ثقته مات قبل ابن عمر روى عنه (ع)(يقول هذا القول) يعني قوله: فيقضمها قضم الفحل (ثم سألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (عن ذلك) القول (فقال) جابر (مثل قول عبيد بن عمير وقال أبو الزبير) أيضًا بالسند السابق: (سمعت عبيد بن عمير بقول: قال رجل: يا رسول الله ماحق الإبل قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها (حلبها) أي حلب لبنها وسقيه للمساكين يوم ورودها (على الماء) وشربه قال النواوي: وفي حلبها في ذلك اليوم رفق بالماشية وبالمساكين لأنه أهون على الماشية وأرفق بها وأوسع عليها من حلبها في المنازل وهو أسهل على المساكين وأمكن في وصولهم إلى موضع الحلب ليواسوا اهـ.
قال القرطبي: وخص حلب الإبل بموضع الماء ليكون أقرب على المحتاج والجائع فقد لا يقدر على الوصول لغير مواضع الماء اهـ مفهم.
(وإعارة دلوها) أي إعارة دلوٍ وإناءٍ يستقى به الماء من البئر لشربها لمن احتاج إليه من أرباب الإبل والإضافة فيه لأدنى ملابسة (وإعارة فحلها) ليطرق ناقة الغير لمن احتاج إليه من أرباب الإبل (ومنيحتها) أي إعطاء ذات اللبن منها لمن يشرب ثم يردها والمنيحة ناقة أو بقرة أو شاة يعطيها صاحبها لمن به حاجة إليها لينتفع بلبنها ووبرها زمانًا ثم يردها عليه ثم صارت كل عطية منحة ويقال لها: المنحة أيضًا بكسر الميم كما في النهاية قال الفراء: يقال: منحه بفتح النون في المضارع وكسرها.
وقال أبو هريرة: حق الإبل أن تنخر السمينة وتمنح الغزيرة ويفقر الظهر ويطر الفحل ويسقى اللبن وإفقار الظهر هو إعارة فقار المركوب وهو الظهر كما قد جاء في الرواية الأخرى (وحمل عليها في سبيل الله) تعالى.
(2177)
(0)(0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَال:"مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا. وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا. لَيسَ فِيهَا يَؤمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَال: "إِطْرَاقُ فَحْلِهَا
ــ
قال القرطبي: وظاهر هذا السؤال والجواب أن هذا هو الحق المتوعد عليه فيما تقدم حين ذكر الإبل وأنه كل الحق مع أنه لم يتعرض فيه لذكر الزكاة وفي هذا الظاهر إشكال تزيله الرواية الأخرى التي ذكر فيها (من) التي هي للتبعيض بل وقد جاء في رواية أخرى مفسرًا (ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها وكذلك قال في الغنم) وكان بعض الرواة أسقط في هذه الرواية (من) وهي مرادة ولا بد ثم ظاهره أن هذه الخصال واجبة ولا قائل به مطلقًا ولعل هذا الحديث خرج على وقت الضرورة ووجوب المواساة وحال الضرورة كما كان في أول الإسلام ويكون معنى هذا الحديث أنه مهما تعينت هذه الحقوق ووجبت فلم تفعل تعلق بالممتنع من فعلها هذا الوعيد الشديد والله أعلم اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
(2177)
(0)(0)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي صدوق من (5) روى عنه في (7)(عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن أبي سليمان لعبد الملك بن جريج في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها) أي زكاتها (إلَّا أقعد لها يوم القيامة) وأقعد كذا بزيادة الهمزة هنا في النسخ كلها خطها وطبعها وتقدم في ضبط الشارح أنه قعد بفتح القاف والعين اهـ من بعض الهوامش.
(بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف) أو الخف (بظلفها) أو بخفها (وتنطحه ذات القرن بقرنها ليس فيها) أي في ذات القرن (يومئذ جماء) أي فاقدة القرن خلقة (ولا مكسورة القرن قلنا: يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها) أي إعارته للضراب كما في اللسان
وَإِعَارَةُ دَلْوهَا. وَمَنِيحَتُهَا. وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ. وَحَمْل عَلَيهَا فِي سَبِيلِ اللهِ. وَلَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إلا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ. يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيثُمَا ذَهَبَ. وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ. ويقَالُ: هذَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ. فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ. فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ"
ــ
(وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء وحمل عليها) أي إركاب الغازي (في سبيل الله) عليها. (ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول) وتصور وتمثل (يوم القيامة شجاعًا أقرع يتبع صاحبه) أي صاحب المال (حيثما ذهب) صاحب المال أي يتبع الشجاع صاحب المال أي موقف وقف فيه من مواقف يوم القيامة (وهو) أي والحال أن صاحب المال (يفر) ويهرب (منه) أي من الشجاع (ويقال) له أي تقول له الملائكة أو الشجاع كما مر: (هذا) الشجاع (مالك الذي كنت) في الدنيا (تبخل) وتشح (به) أي بادائه في حق الله تعالى (فإذا رأى) وعلم صاحب المال (أنه) أي أن الشأن والحال (لا بد) أي لا مفر ولا مهرب له (منه) أي من ذلك الشجاع (أدخل) صاحب المال (يده في فيه) أي فم الشجاع (فجعل) أي شرع الشجاع (يقضمها) أي يقضم يده ويمضغها (كما يقضم) أي يمضغ (الفحل) الذكر من الإبل غصن الشجر وقوله: (هذا مالك الذي تبخل به) هذا إخبار لمزيد الغصة والهم لأنه شر أتاه من محبوبه الذي كان يعده للنوائب ويرجو منه خيرًا عظيمًا وفيه نوع تهكم كأنه يقول له أتفر من محبوبك وأنيسك ومن كنت ترجو الخيرات من قبله اهـ من بعض الشروح.
وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة: (ويأتي الكنز شجاعًا أقرع فيلقى صاحبه يوم القيامة فيفر منه صاحبه مرتين ثم يستقبله فيفر فيقول: مالي ولك فيقول: أنا كنزك فيتقيه بيده فيلقمها) وفيه عن عبد الله بن مسعود: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع حتى يطوق عنقه ثم قرأ صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية).
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان:
الأول: حديث أبي هريرة: ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات.
والثاني: حديث جابر رضي الله عنه ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدةً.
***