المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب الاستسقاء

- ‌383 - (1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء وكيفية العمل فيها

- ‌384 - (2) باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء والإشارة إلى السماء بظهر كفيه

- ‌385 - (3) - باب الدعاء في الاستسقاء في المسجد بغير صلاة

- ‌386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور

- ‌أبواب الكسوف

- ‌387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة

- ‌388 - (6) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌389 - (7) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف

- ‌389 - (7) باب التعوذ من عذاب القبر في صلاة الخسوف

- ‌390 - (8) باب ماعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار

- ‌391 - (9) باب فزع النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف

- ‌392 - (10) باب مشروعية صلاة الكسوف جماعة

- ‌393 - (11) باب ما جاء أنه يركع في كل ركعة أربع ركعاتٍ

- ‌394 - (12) - باب النداء في الكسوف بالصلاة جامعة

- ‌395 - (13) باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته

- ‌396 - (14) باب الفزع إلى الذكر والدعاء والاستغفار عند الكسوف

- ‌397 - (15) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌398 - (16) باب الأمر بصلاة الكسوف على الإطلاق

- ‌أبواب الجنائز

- ‌399 - (17) باب تلقين الموتى وما يقال عند المصيبة وعند حضور المرضى والموتى

- ‌400 - (18) باب: إغماض الميت والدعاء له، وشخوص بصره عند الموت

- ‌401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌402 - (20) باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه

- ‌403 - (21) باب ما جاء في النياحة واتباع النساء الجنائز

- ‌404 - (22) باب الأمر بغسل الميت وبيان كيفيته

- ‌405 - (23) باب في تكفين الميت وتسجيته والأمر بتحسين الكفن

- ‌(بشارة عظيمة حصلت لي في هذا المكان)

- ‌406 - (24) باب الإسراع بالجنازة وفضل الصلاة عليها واتباعها

- ‌407 - (25) باب الاستشفاع للميت وأن الثناء عليه شهادة له وأنه مستريحٌ ومستراحٌ منه

- ‌408 - (26) باب كم يكبر على الميت والصلاة على الغائب والصلاة على القبر

- ‌409 - (27) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌410 - (28) باب الدعاء للميت في الصلاة وأين يقوم الإمام من المرأة وركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌411 - (29) باب اللحد ونصب اللبن على الميت وجعل القطيفة تحته والأمر بتسوية القبور والنهي عن تجصيصها والجلوس عليها

- ‌412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

- ‌413 - (31) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه والنهي عن زيارة القبور ثم الترخيص فيها وترك الصلاة على قاتل نفسه

- ‌ كتاب الزكاة

- ‌414 - (32) باب ما تجب فيه الزكاة وبيان نصبه ومقدار ما يخرج منها

- ‌415 - (23) باب لا زكاة فيما اتخذ للقنية وتقديم الزكاة وتحملها عمن وجبت عليه

- ‌416 - (34) باب الأمر بزكاة الفطر وبيان من تخرج عنه وما تخرج منه ومتى تخرج

- ‌417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة

- ‌418 - (36) باب إرضاء السعاة وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة

- ‌419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك

- ‌420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف

- ‌421 - (39) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم والابتداء في الإنفاق بالنفس ثم الأهل ثم ذوي القرابة

الفصل: ‌387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة

‌أبواب الكسوف

‌387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة

(1970)

(868) - (8) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

ــ

(أبواب الكسوف)

قال القاضي عياض: في هذه الأحاديث استعمال الكسوف والخسوف في كل من الشمس والقمر في قوله صلى الله عليه وسلم لا يخسفان ولا يكسفان فإذا يقال: خسف القمر وانكسفت الشمس وقيل: لا يقال في الشمس إلا الخسف وهو في الأُم عن عروة ولا يصح لأن القرآن يرده قال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} وإنما عنه ما تقدم في الشمس ثم اختلف فقيل: هما بمعنى وقال الليث: الخسوف ذهاب الكل والكسوف ذهاب البعض وقال أبو عمر: الخسوف ذهاب لونها والكسوف تغيره اهـ.

وقال القرطبي: الكسوف التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه إذا تغير والخسوف النقصان قاله الأصمعي والخسف أيضًا الذل ومنه سامه خطة خسف أي ذل فكسوف الشمس والقمر وخسوفهما تغيرهما ونقصان ضوئهما فهما بمعنى واحد هذا هو المستعمل في القرآن وفي الأحاديث وقد قال بعض اللغويين: لا يقال في الشمس إلا كسفت وفي القمر إلا خسف وذَكَر هذا عن عروة وقال الليث، بن سعد: الخسوف في الكل والكسوف في البعض يعني في الشمس والقمر اهـ مفهم.

387 -

(5) باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة

(1970)

(868)(8)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله عنها (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي بكر (قال: حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

ص: 35

قَالتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. فَأَطَال الْقِيَامَ جِدًّا. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ جِدًّا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَال الْقِيَامَ جِدًّا. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ جِدًّا. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ قَامَ فَأَطَال الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ. فَأَطَال الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ

ــ

وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بلخي والثاني منهما رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان.

(قالت) عائشة: (خسفت الشمس) أي تغيرت وزال عنها ضوءها (في عهد) أي في زمن حياة (رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يصلي) صلاة الكسوف (فأطال القيام) الأول (جدًّا) أي تطويلًا مبالغًا لطول القراءة فيه (ثم ركع فأطال الركوع) الأول تطويلًا (جدًّا) أي مبالغًا بالتسبيح وقدروه بمائة آية من البقرة (ثم رفع رأسه) من الركوع (فأطال القيام) الثاني تطويلًا (جدًّا) أي مبالغًا (وهو) أي والحال أن القيام الثاني (دون القيام الأول ثم ركع) الركوع الثاني (فأطال الركوع جدًّا وهو دون الركوع الأول ثم سجد) سجدتين (ثم قام) بعد السجدتين إلى الركعة الثانية (فأطال القيام) الأول من الركعة الثانية (وهو دون القيام الأول) أي الأخير من الركعة الأولى (ثم ركع) الركوع الأول من الركعة الثانية (فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول) أي الأخير من الركعة الأولى (ثم رفع رأسه) من هذا الركوع (فقام) القيام الثاني من الركعة الثانية (فأطال القيام وهو دون القيام الأول) من الركعة الثانية (ثم ركع) الركوع الثاني من الركعة الثانية (فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول) يعني من الركعة الثانية (ثم سجد) سجدتين ولم يذكر التطويل في السجود في الركعتين (ثم انصرف) أي فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وسلم (و) الحال أنه (قد تجلت الشمس) أي صفت وعاد نورها (فخطب الناس) أي وعظ الناس وذكرهم خطبتين كالجمعة (فحمد الله) سبحانه وتعالى بتنزيهه من النقائص (وأثنى عليه)

ص: 36

ثُمَّ قَال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا. وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ

ــ

تعالى بوصفه بالكمالات يعني بدأ خطبته بحمد الله وثنائه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشمس والقمر) آيتان (من آيات الله) تعالى الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته أو على تخويف عباده من بأسه وسطوته (وإنهما لا ينخسفان لموت أحد) من الناس (ولا لحياته) وإنما يخوف الله سبحانه بكسوفهما عباده.

(فإن قلت): أي فائدة في قوله ولا لحياته وقد كان توهم انكسافهما لموت عظيم من العظماء؟

(قلنا) دفع به توهم من كان يتوهم منهم أن الانكساف يقع لولادة شرير اهـ ابن الملك وقيل ذكره تتميمًا للأقسام وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد أو ذكر لدفع توهم من يقول لا يلزم من نفى كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم اهـ من الإرشاد.

وقد أخرج البخاري عن المغيرة بن شعبة بسنده قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه من مارية القبطية (إبراهيم) بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة وجزم النواوي بأنها كانت سنة الحديبية اهـ قسط.

(فإذا رأيتموهما) أي إذا رأيتم انخسافهما أو إذا رأيتموهما منخسفين (فكبروا) الله سبحانه وتعالى عن شركة كل معبود سواه (وادعوا الله) سبحانه انكشاف ما نزل بكم (وصلوا) ركعتين في كل ركعة ركوعان كما مر آنفًا أو ركعتين كسنة الظهر (وتصدقوا) من أموالكم صدقة تطوع لأن الصدقة تدفع البلاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أمة محمد إن) نافية بمعنى ما (من) زائدة (أحد) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة تقدم النفي عليه (أغير) خبر المبتدأ (من الله) متعلق بأغير وغيرة الله صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نمثلها ولا نكيفها أثرها المنع من المعاصي وكراهته لها (أن يزني عبده) متعلق بأغير بتقدير من الجارة للمصدر المؤول وحذف من قبل أن المصدرية قياس مطرد وأو في قوله (أو تزني أمته) للتنويع لا للشك والمعنى ما من أحد أمنع من المعاصي من الله سبحانه وتعالى ولا أحد أشد كراهة لزنا عبده أو زنا أمته من الله تعالى.

ص: 37

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ"

ــ

قال الطيبي: ووجه اتصال هذا المعنى بما تقدم من قوله فكبروا وادعوا الله هو أنه صلى الله عليه وسلم لما خوف أمته من الكسوفين وحرضهم على الفزع والالتجاء إلى الله تعالى بالتكبير والدعاء والصلاة والصدقة أراد أن يردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب حدوث البلاء وخص منها الزنا لأنه أعظمها والنفس إليه أميل وخص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب اهـ من الإرشاد.

ثم كرر الندبة فقال (يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم) أي من عظمة الله تعالى وعظيم انتقامه من أهل الجرائم وشدة عقابه لهم وأهوال القيامة وما بعدها ما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره (لبكيتم) بكاء (كثيرًا ولضحكتم) ضحكًا (قليلًا) لتفكركم فيما علمتموه والقلة هنا بمعنى العدم كما في قوله (قليل التشكي) أي عديمه وقوله تعالى {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82] أي غير منقطع ثم قال: (ألا هل بلغت) وألا حرف تنبيه والاستفهام تقريري (وفي رواية مالك) بن أنس: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى بزيادة لفظة (آيتان) دون رواية عبد الله بن نمير فإن قيل: إن الخطاب في بكيتم وضحكتم إن كان للكافرين فليس لهم ما يوجب ضحكًا أصلًا وإن كان للمؤمنين فعاقبتهم الجنة مخلدين فيها وإن دخلوا النار فما يوجب البكاء بالنسبة إلى ما يوجب الضحك شيء يسير فينبغي أن يكون الأمر بالعكس قلنا: الخطاب للمؤمنين لكن خرج هذا الحديث في مقام ترجيح الخوف على الرجاء اهـ ابن الملك.

قال القرطبي: ذهب الجمهور إلى أن صلاة كسوف الشمس ركعتان في كل ركعة ركوعان على ما في حديث عائشة رضي الله عنها وما في معناه قال أبو عمر: وهذا أصح ما في هذا الباب وأما غيره من الروايات التي خالفته فمعلولة ضعيفة وأما الأحاديث الآتية بعد هذا التي تدل على أن في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع ركوعات أو خمس ركوعات على ما في حديث أُبيّ فقد قال بكل حديث منها طائفة من الصحابة وغيرهم ومن أهل العلم من ذهب إلى أن ذلك الاختلاف إنما هو بحسب طول مدة الكسوف وقصرها وفي هذا نظر اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 168) والبخاري (1046) وأبو داود (1190) والترمذي (561) والنسائي (3/ 137) وابن ماجه (1363).

ص: 38

(1971)

(0)(0) حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ" وَزَادَ أَيضًا: ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ فَقَال: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ".

(1972)

(0)(0) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ. فَقَامَ وَكَبَّرَ

ــ

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(1971)

(0)(0)(حدثناه يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي معاوية لمالك بن أنس (و) لكن (زاد) أبو معاوية لفظة (ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما بعد فإنَّ الشمس والقمر من آيات الله وزاد) أبو معاوية (أيضًا ثمَّ رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يديه فقال اللهم هل بلغت).

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

(1972)

(0)(0)(حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرني) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (ومحمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي أبو الحارث المصري ثقة من (11)(قالا: حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لهشام ابن عروة (قالت) عائشة: (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم بالمدينة سنة الحديبية كما جزم به النواوي.

(فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرة إلى المسجد) لا إلى الصحراء لخوف الفوات بالانجلاء والمبادرة إلى الصلاة مشروعة (فقام وكبر) تكبيرة الإحرام

ص: 39

وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ. فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَويلَةً. ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَويلَةً. هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى. ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا. هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ قَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمَّ سَجَدَ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطَّاهِرِ: ثُمَّ سَجَدَ) ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ

ــ

(وصف الناس) بالرفع فاعل أي اصطفوا (وراءه) صلى الله عليه وسلم وصف يتعدى ويلزم.

قال العسقلاني: ويجوز النصب في الناس والفاعل محذوف فالمراد به النبي صلى الله عليه وسلم أي جعلهم صفوفًا وراءه (فاقترأ) مبالغة في قرأ أي فقرأ (رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة) في قيامه نحوًا من سورة البقرة بعد الفاتحة والتعوذ ولأبي داود قالت: فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة (ثم كبَّر) للركوع (فركع ركوعًا طويلًا) مسبحًا فيه قدر مائة آية من البقرة (ثم رفع رأسه) من الركوع (فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قام) من الركوع (فاقترأ قراءة طويلة) في قيامه (هي) أي تلك القراءة (أدنى) أي أقل (من القراءة الأولى) نحوًا من سورة آل عمران بعد قراءة الفاتحة والتعوذ ولأبي داود: قالت: فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران (ثم كبر) للركوع الثاني (وركع ركوعًا طويلًا هو أدنى) وأقل (من الركوع الأول) مسبحًا فيه قدر ثمانين آية (ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد) مسبحًا قدر مانة آية (ولم يذكر أبو الطاهر) في روايته لفظة (ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى) أي الأخيرة (مثل ذلك) أي مثل ما فعل في الركعة الأولى لكن القراءة في أولهما كالنساء وفي ثانيهما كالمائدة وهذا نص الشافعي في البويطي قال السبكي: وقد ثبت بالأخبار تقدير القيام الأول بنحو البقرة وتطويله على الثاني والثالث ثم الثاني على الرابع وأما نقص الثالث عن الثاني أو زيادته عليه فلم يرد فيه شيء فيما أعلم فلأجله لا بعد في ذكر سورة النساء فيه وآل عمران في الثاني نعم إذا قلنا بزيادة ركوع ثالث فيكون أقصر من الثاني كما ورد في الخبر اهـ.

والتسبيح في أولهما قدر سبعين وفي الرابع خمسين قال الأذرعي: وظاهر كلامهم استحباب هذه الإطالة وإن لم يرض بها المأمومون وقد يفرق بينها وبين المكتوبة بالندرة

ص: 40

حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ. ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ. فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ

ــ

أو يقال: لا يطيل بغير رضا المحصورين لعموم حديث: إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف وتحمل إطالته صلى الله عليه وسلم على أنه علم رضا أصحابه أو أن ذلك مغتفر لبيان تعليم الأكمل بالفعل (حتى استكمل أربع ركعات) أي ركوعات في ركعتين يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كل ركعة بركوعين وسمى الركوع الزائد ركوعًا باعتبار المعنى اللغوي وإن كانت الركعة الشرعية إنما هي الكاملة قيامًا وركوعًا وسجودًا اهـ قسط (و) سجد (أربع سجدات) في ركعتين كما هو المعتاد في كل صلاة وفائدة ذكره بيان أن الزيادة منحصرة في الركوع دون السجود وهذا قول الأئمة الثلاثة وأما الأحناف فيقولون تؤول رواية تلك الزيادة على رفع بعض القوم رؤوسهم من طول الركوع ثم عودهم إليه فعندهم صلاة الكسوف على الأصول المعهودة في الصلوات لما رواه أبو داود عن قبيصة بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانجلت الشمس فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة قال ابن الهمام: وهي الصبح فإن الكسوف كان عند ارتفاع الشمس قيد رمحين والأخذ بهذا أولى لوجود الأمر به وهو مقدم على الفعل اهـ من بعض الهوامش.

(وانجلت الشمس) بنون قبل الجيم أي صفت (قبل أن ينصرف) من صلاته (ثم قام) أي خطيبًا (فخطب الناس) أي وعظهم وذكرهم وهذا دليل لمن قال: من سنة صلاة الكسوف الخطبة وهم الشافعي وإسحاق والطبري وفقهاء أصحاب الحديث وخالفهم في ذلك أبو حنيفة ومالك وقالا: إن هذه الخطبة إنما كان مقصودها زجر الناس عما قالوا من أن الكسوف إنما كان لموت إبراهيم وليخبرهم بما شاهده في تلك الصلاة مما اطلع عليه من الجنة والنار اهـ من المفهم (فأثنى على الله) سبحانه وتعالى أي وصف الله سبحانه وتعالى (بما) أي بوصف (هو) أي ذلك الوصف (أهله) أي لائق بالله تعالى من سائر الكمالات (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى أي دليلان على وجود الحق سبحانه وقهره وكمال الإلهية وقد خصهما بالذكر لما وقع للناس من أنهما ينخسفان لموت عظيم وهذا إنما صدر عمن لا علم عنده ممن ضعف عقله واختل فهمه فرد النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 41

لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ". وَقَال أَيضًا: "فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ". وَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ

ــ

عليهم جهالتهم وضمن ذلك الرد على من قال بتأثيرات النجوم ثم أخبر بالمعنى الذي لأجله ينكسفان وهو أن الله تعالى يخوف بهما عباده لأن ذلك مذكر بالكسوفات التي تكون بين يدي الساعة ويمكن أن يكون ذلك الكسوف منها ولذلك قام صلى الله عليه وسلم فزعًا يخشى أن تكون الساعة وكيف لا وقد قال الله عز وجل {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 7، 8] وخص هنا خسوفهما بالتخويف لأنهما أمران علويان نادران طارئان عظيمان والنادر العظيم مخوف موجع بخلاف ما يكثر وقوعه فإنه لايحصل منه ذلك غالبًا فلما وقع فيهما من الغلط الكثير للأمم التي كانت تعبدهما ولما وقع من الجهال من اعتقاد تأثيرهما اهـ من المفهم.

(لا ينخسفان لموت أحد) من الناس كإبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم (ولا لحياته) أي حياة أحد من الناس وولادته كولادة شرِّير ذكره تميمًا للمقابلة كما مر (فإذا رأيتموها) أي رأيتم الكسفة في أحدهما أو رأيتم تلك الآية وهي المدلول عليها بقوله آيتان وفي بعض النسخ (فإذا رأيتموهما) أي كسوف الشمس وخسوف القمر (فافزعوا) بفتح الزاي أي التجؤوا وتوجهوا (للصلاة) أي إلى الصلاة المعهودة الخاصة السابق فعلها منه صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة لأنها ساعة خوف وفي رواية البخاري (فافزعوا إلى الصلاة) فاللام هنا بعنى إلى (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أيضًا فصلوا حتى يفرج الله) سبحانه وتعالى بضم الياء وتشديد الراء المكسورة من فعل المضعف أي حتى يكشف الله سبحانه ويرفع (عنكم) ما نزل بكم من الكسوف قال القاضي يجب تطويل القراءة ما لم تنجل فإن أتم الصلاة بسنتها قبل أن تنجلي لم يلزمه إعادة الصلاة بسنتها وللناسي أن يصلي ركعتين أفذاذًا كسائر النوافل وإن انجلت وهو في الصلاة فقيل: يتمها بسنتها وقيل: بركعة واحدة كسائر النوافل اهـ أبي.

واستنبط من قوله (فافزعوا) أن الجماعة ليست شرطًا في صحتها لأن فيه إشعارًا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها أو إخلاء بعض الوقت من الصلاة نعم يستحب لها الجماعة اهـ من الإرشاد.

(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (رأيت في مقامي) أي في مكاني (هذا كل شيء وعدتم) في الآخرة أي أخبرتم به على سبيل الوعد أو الوعيد يعني الجنة والنار ثم يحتمل أن يكون رؤية عين برفع الحجب بينه وبينها كما كشف له عن المسجد

ص: 42

حَتَّى لَقَدْ رَأَيتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدِّمُ. (وَقَال الْمُرَادِيُّ: أَتَقَدَّمُ) وَلَقَدْ رَأَيتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيتُمُونِي تَأَخَّرْتُ

ــ

الأقصى حين كان يصفه وقريش تسأله عنه اهـ.

(حتى) والله (لقد رأيتني أريد) أي لقد رأيت نفسي مريدة (أن آخذ قطفًا) أي عنقودًا (من) عنب (الجنة) أي مريدة أخذ قطف من ثمار الجنة والقطف بكسر القاف وسكون الطاء هو ما يجتنى من الثمار والجمع قطوف قال تعالى {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} أي ثمارها قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع (حين رأيتموني جعلت) أي شرعت أن (أقدم) نفسي أو رجلي هو بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة من التقديم بمعنى أتقدم هذا لفظ غير المرادى (وقال المرادي: أتقدم) من تفعَّل الخماسي (و) الله (لقد رأيت جهنم يحطم) من باب ضرب أي يكسر ويحرق (بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت) عن مقامي إلى جهتكم فيه التأخر عن مواضع العذاب والهلاك وفي المفهم: قوله (يحطم) أي يكسر بعضها ويسقط كما يفعل البحر والحطم الكسر يحتمل أن يريد بذلك أن بعضها يأكل بعضًا وبذلك سميت جهنم الحطمة والرجل الحطمة وهو الأكول اهـ منه.

وقوله (وقد رأيت في منامي هذا) الخ هذه الرؤية رؤية عيان حقيقية لا رؤية علم بدليل أنه رأى في الجنة والنار أقوامًا بأعيانهم ونعيمًا وقطفًا من عنب وتناوله وغير ذلك ولا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا.

ووجدنا كما دل عليه الكتاب والسنة وذلك أنه راجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكًا خاصًّا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما كما قد خلق له إدراكًا لبيت المقدس فطفق يخبرهم آياته وهو ينظر إليه ويجوز أن يقال: إن الله تعالى مثل له الجنة والنار وصورهما له في عرض الحائط كما تتمثل صور المرئيات في المرآة ويعتضد بما رواه البخاري من حديث أنس في غير حديث الكسوف قال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار متمثلتين في قبلة هذا الجدار) رواه البخاري (749) وفي لفظ آخر: (عرضت علي الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي) رواه البخاري أيضًا (540) وقال في مسلم: (إني صورت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا الحائط) رواه مسلم (2359) من حديث أنس ولا يستبعد هذا حيث إن الانطباع في المرآة إنما هو في الأجسام الصقيلة لأنا نقول: إن ذلك شرط عادي لا عقلي ويجوز أن نخرق العادة وخصوصًا في مدة النبوة ولو سلم أن تلك الشروط عقلية فيجوز أن تكون تلك الأمور

ص: 43

وَرَأَيتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ"

ــ

موجودة في جسم الحائط ولا يدرك ذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (أن آخذ قطفًا من الجنة) وقطف الثمرة ما يقطف منها أي يقطع ويجني وهو هنا عنقود من العنب كما قد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى اهـ من المفهم.

(ورأيت فيها) أي في النار عمرو (بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء بن قمعة بفتحات بن إلياس الخزاعي ولحي لقب أبيه واسمه مالك وهو الذي كناه في الحديث الآخر بأبي ثمامة وقد جاء في رواية أخرى: عمرو بن عامر الخزاعي وفيه دليل على أن بعض الناس معذب في نفس جهنم اليوم عافانا الله منها وجميع المسلمين والله أعلم.

وكان عمرو هذا أول من غيَّر دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي فيما ذكر ابن إسحاق وهو الذي عنى الله تعالى بقوله {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103](وهو) أي عمرو بن لحي (الذي سيب السوائب) أي أرسلها وأعتقها وخلّاها تذهب حيث شاءت والسوائب جمع سائبة: الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ثم خُلِّي سبيلها مع أمها على حكمها وهي البحيرة بنت السائبة وسميت بذلك لأنها بحرت أذنها أي شقت شقًا واسعًا وهذا قول ابن إسحاق وقال غيره: السائبة هي التي ينذرها الرجل أي إن برأ من مرضه أو أصاب أمرًا يطلبه فإذا كان ذلك أسابها فسابت لا ينتفع بها.

قال ابن إسحاق: والوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر قالوا: وصلت فكانت ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون الإناث إلا أن يموت شيء منها فيشترك فيه ذكورهم وإناثهم وقال كثير من أهل اللغة: إن الشاة كانت إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكرًا ذبحوه لآلهتهم وإذا ولدت ذكرًا وأنثى لم يذبحوا الذكر وقالوا: وصلت أخاها فيسيبون أخاها ولا ينتفعون به.

والحامي الفحل إذا ركب ولد ولده وقيل: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فلا يركب ولا ينتفع به ولا يمنع من ماء ولا كلإ اهـ من المفهم.

ص: 44

وَانْتَهَى حَدِيثُ أَبِي الطَّاهِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: "فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ". وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.

(1973)

(0)(0) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَال: قَال الأَوْزَاعِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَغَيرُهُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَعَثَ مُنَادِيًا "الصَّلاةَ جَامِعَةً"

ــ

(وانتهى حديث أبي طاهر) وروايته (عند قوله: فافزعوا للصلاة ولم يذكر) أبو الطاهر (ما بعده) أي ما بعد قوله: فافزعوا ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(1973)

(0)(0)(وحدثنا محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون ثانيه الجمّال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة من (10)(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي ثقة من (8)(قال) الوليد: (قال) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي أبو عمرو) الشامي ثقة من (7)(وغيره) أي وغير الأوزاعي معطوف على الأوزاعي أي قال كل منهما: (سمعت) محمد بن مسلم (بن شهاب الزهري) المدني (يخبر عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة الأوزاعي ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب وفائدتها تقوية السند الأول (أن الشمس خسفت) أي تغيرت من البياض إلى السواد (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في زمن حياته قال القسطلاني: الأصح أن الخسوف والكسوف المضافين إلى الشمس والقمر بمعنى واحد يقال: كسفت الشمس والقمر وخسفا بفتح الكاف والخاء مبنيًّا للفاعل وخُسفا بضمهما مبنيًّا للمفعول وانكسفا وانخسفا بصيغة انفعل ومعنى المادتين واحد أو يختص ما بالكاف بالشمس وما بالخاء بالقمر وهو المشهور على ألسنة الفقهاء اهـ والمراد استتارهما بعارض مخصوص والله أعلم.

(فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر (مناديًا) بأن ينادي (الصلاة) أي هذه الصلاة (جامعة) تجمع الناس في المسجد برفعهما على الابتداء والخبر وبنصبهما الأول على الإغراء والثاني على الحال أي احضروا الصلاة حالة كونها جامعة ويجوز رفع الأول ونصب الثاني وبالعكس كما بسطنا الكلام عليه في نزهة الألباب.

وفي بعض النسخ (بالصلاة جامعة) فيكون الإغراب على حاله فإن حروف الجر لا

ص: 45

فَاجْتَمَعُوا. وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ. وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَينِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.

(1974)

(0)(0) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُخْبِرُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ فِي صَلاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ. فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَينِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ

ــ

يظهر عملها في باب الحكاية اهـ أي فأمر مناديًا ينادي بالصلاة جامعة فنادى (فاجتمعوا) أي فاجتمع الناس لصلاة الكسوف (وتقدم) النبي صلى الله عليه وسلم (فكبر) تكبيرة الإحرام (وصلى) بهم (أربع ركعات) أي أربع ركوعات (في ركعتين و) سجد (أربع سجدات) في ركعتين أيضًا يعني في كل ركعة ركوعان وسجودان فصار جملة ما في الركعتين أربع ركوعات وأربع سجودات والله تعالى أعلم.

قال النواوي: وفي الحديث دليل للشافعي ومن وافقه على أنه يستحب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة وأجمعوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عائشة فقال:

(1974)

(0)(0)(وحدثنا محمد بن مهران) الرازي أبو جعفر الجمّال (حدثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي ثقة من (8)(أخبرنا عبد الرحمن بن نمر) بفتح النون وكسر الميم اليحصبي أبو عمرو الدمشقي روى عن الزهري في (خ م) فرد حديث ومكحول ويروي عنه (خ م د س) والوليد بن مسلم فقط وثقوه في الزهري وقال أبو داود ليس به بأس وقال ابن معين ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات وقال من ثقات أهل الشام ومتقنيهم وقال أبو أحمد الحاكم مستقيم الحديث وقال ابن البرقي: ثقة وقال في التقريب: ثقة لم يرو عنه غير الوليد من الثامنة (أنه سمع ابن شهاب يخبر عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن نمر لعبد الرحمن الأوزاعي في رواية الحديث عن ابن شهاب.

(أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر) أي رفع الصوت (في صلاة الخسوف بقراءته فصلّى) بهم (أربع ركعات) أي ركوعات (في ركعتين وأربع سجدات) في ركعتين كما هو العادة في الصلاة قال القرطبي: أخذ بظاهر هذا الحديث جماعة من السلف ومحمد بن الحسن وأبو يوسف وأحمد وإسحاق وفقهاء الحديث ورواه معن والواقدي عن مالك

ص: 46

(1975)

(869) - (9) قَال الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَني كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ،

ــ

فقالوا يجهر بها في صلاة كسوف الشمس ومشهور قول مالك الإسرار فيها وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والليث وسائر أصحاب الرأي متمسكين بقول ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها نحو سورة البقرة قالوا: ولو جهر لعلم ما قرأ وبما خرجه النسائي من حديث سمرة بن جندب ووصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف قال صلى فقام كأطول قيام قام بنا في الصلاة قط ما سمع له صوتًا وذكر الحديث وتأولوا الحديث الأول على أنه كان في خسوف القمر بالليل وخيَّر الطبري بين الجهر والإسرار عملًا بالحديثين اهـ من المفهم.

وفي بعض الهوامش: (قوله جهر في صلاة الخسوف) لعل المراد خسوف القمر كما هو المتبادر فإنه يكون بالليل وصلاة الليل جهرية فيكون المراد من المثلية الآتية في قوله (إن ابن عباس كان يحدث عن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس بمثل ما حدث عروة عن عائشة) المثلية في الكمية دون كيفية القراءة لكن قال فقهاؤنا: إن القمر خسف مرارًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم جمع الناس له دفعًا للفتنة اهـ.

ويؤيد إسرار القراءة في صلاة الكسوف رواية تخمينها بقدر سورة البقرة على ما يأتي ذكرها في حديث ابن عباس إذا كانت القراءة جهرًا لما احتيج إلى الحزر والتقدير وفي مشكاة المصابيح عن سمرة بن جندب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوفٍ لانسمع له صوتًا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وروي مثله عن ابن عباس كما في المرقاة اهـ.

ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ابن عباس بطريق العطف على السند الأول فقال:

(1975)

(869)(9)(قال الزهري) بطريق العطف على سنده في حديث عائشة (وأخبرني كثير بن عباس) وتقدير الكلام: وحدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم أخبرنا عبد الرحمن بن نمر أنه قال (قال) لنا (الزهري) أخبرني عروة عن عائشة (وأخبرني) أيضًا (كثير بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي أبو تمام بالتخفيف المدني روى عن أخيه عبد الله بن عباس في الصلاة وأبيه العباس في الجهاد ويروي عنه (خ م د س) والزهري وجماعة له في (خ) فرد حديث وكان صالحًا عابدًا فقيهًا سيدًا وقال في التقريب: صحابي صغير مات بالمدينة أيام عبد الملك وقال ابن حبان في الثقات: كان

ص: 47

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فِي رَكْعَتَينِ.

(1976)

(0)(0) وَحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَال: كَانَ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ. بِمِثْلِ مَا حَدَّثَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ

ــ

رجلًا صالحًا فاضلًا فقيهًا وقال ابن سعد: كان رجلًا صالحًا فقيهًا ثقة قليل الحديث (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى أربع ركعات وأربع سجدات في ركعتين) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في صلاة الكسوف وأبو داود في الصلاة والنسائي اهـ من تحفة الأشراف.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

(1976)

(0)(0)(وحدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي أبو محمد الأعور صدوق من (10) روى عنه (م) فقط (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي الأبرش ثقة من (9)(عن محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) مصغرًا أبي الهذيل الحمصي ثقة من (7)(عن الزهري قال: كان كثير بن عباس يحدث أن ابن عباس كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس) وساق كثير (بمثل ما حدث عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وقد سبق آنفًا بيان معنى المماثلة بين الحديثين وقد تقدم لك مرارًا أن ذكر المتابعة في الشواهد نادر.

وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان مدنيان وواحد طائفي وغرضه بسوقه بيان متابعة الزبيدي لعبد الرحمن بن نمر في رواية هذا الحديث أعني حديث ابن عباس عن الزهري.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان:

الأول حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات.

والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعةً واحدةً والله أعلم.

ص: 48