المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌502 - (58) باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌472 - (28) باب: إحرام المتمتع يوم التروية إذا توجه إلى منى

- ‌473 - (29) باب: في الاختلاف في المتعة بالحج والعمرة

- ‌474 - (30) باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌475 - (31) باب: الوقوف بعرفات ونزول قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [

- ‌476 - (32) باب: جواز تعليق الإحرام وهو أن يحرم كإحرام فلان فيصير محرمًا مثل إحرام فلان

- ‌477 - (33) باب: الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌478 - (34) باب: من قال المتعتان خاصة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌479 - (35) باب: الاعتمار في أشهر الحج

- ‌480 - (36) باب: وجوب الدم أو بدله على المتمتع والقارن

- ‌481 - (37) باب: بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاجّ المفرد

- ‌482 - (38) باب: بيان جواز التحلل بالإِحصار وجواز القران واقتصار القارن على طواف واحد وسعي واحد

- ‌483 - (39) باب: الاختلاف فيما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌484 - (40) باب: استحباب طواف القدوم للحاج والسعي بعده

- ‌485 - (41) باب: بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي وأن المحرم بحج لا يتحلل بطواف القدوم وكذلك القارن

- ‌486 - (42) باب: في متعة الحج وجواز العمرة في أشهر الحج

- ‌487 - (43) باب: تقليد الهدي وإشعاره عند الإِحرام

- ‌488 - (44) باب: حديث من طاف بالبيت حل

- ‌489 - (45) باب: جواز تقصير المعتمر من شعره وأنه لا يجب حلقه وأنه يستحب كون حلقه أو تقصيره عند المروة

- ‌490 - (46) باب: الصراخ بالحج أي رفع الصوت بتلبيته

- ‌491 - (47) باب: الاختلاف في المتعتين

- ‌492 - (48) باب: إهلال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌493 - (49) باب: إهلال عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌494 - (50) باب: كم اعتمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وكم حج مع بيان زمانهنّ وكم غزا

- ‌495 - (51) باب: اعتماره صلى الله عليه وسلم في رجب

- ‌496 - (52) باب: فضل العمرة في رمضان

- ‌497 - (53) باب: من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة ومن أين خرج منهما

- ‌498 - (54) باب: استحباب المبيت بذي طوى والاغتسال فيه قبل دخول مكة ودخولها نهارًا وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك

- ‌499 - (55) باب: استحباب الرمل في طواف العمرة وفي الطواف الذي يعقبه سعي في الحج

- ‌500 - (56) باب: استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌501 - (57) باب: جواز الطواف على الراحلة لعذر واستلام الركن بالمحجن

- ‌502 - (58) باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر

- ‌503 - (59) باب: متى يقطع الحاج التلبية يوم النحر وبيان ما يقال يوم عرفة في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌504 - (60) باب: الإفاضة من عرفة بعد الغروب وجمع صلاتي المغرب والعشاء بمزدلفة والسير على هينته والإسراع إذا وجد فجوة

- ‌505 - (61) باب: التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها وتقديم الظعن والضعفة إلى منى

- ‌506 - (62) باب: بيان كيفية رمي جمرة العقبة والتكبير عنده وجواز الركوب فيه وكون حصاه بقدر حصى الخذف، وبيان وقت الرمي وكونها سبعًا

- ‌507 - (63) باب: في الحلاق والتقصير وأن السنة يوم النحر أن يرمي ثمَّ ينحر ثمَّ يحلق والابتداء في الحلق بالأيمن

- ‌508 - (64) باب: من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي واستحباب طواف الإفاضة يوم النحر

- ‌509 - (65) باب: النزول بالمحصب يوم النفر والترخيص في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية وفضل القيام بها

- ‌510 - (66) باب: التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وجلالها والاشتراك فيها وذبح الرجل عن نسائه ونحر الإبل قائمة

- ‌511 - (67) باب: استحباب بعث الهدي إلى الحرم وتقليده وفتل قلائده وأنه لا يلزم الباعث اجتناب ما يجتنبه المحرم

- ‌512 - (68) باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليه وبيان ما يفعل بالهدي إذا عجز في الطريق

- ‌513 - (69) باب: وجوب طواف الوداع على الآفاقي غير الحائض واستحباب دخول الكعبة والصلاة فيها لكل أحد محرمًا كان أو حلالًا آفاقيًا أو غيره

- ‌514 - (70) باب نقض الكعبة وبنائها والجدر وبابها والحج عن المعضوب والصبي

الفصل: ‌502 - (58) باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر

‌502 - (58) باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر

(2959)

- (1241)(171) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَال: قُلْتُ لَهَا: إِنِّي لأَظُنُّ رَجُلًا، لَوْ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مَا ضَرَّهُ. قَالتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ اللهَ تَعَالى يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. إِلَى آخِرِ الآيَةِ. فَقَالتْ: مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ:

ــ

502 -

(58) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر

2959 -

(1241)(171)(حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قال) عروة (قلت لها) أي لعائشة (إني لأظن) أي لأحسب (رجلًا) يعني حاجًّا أو معتمرًا وكذا المرأة (لو لم يطف) ويسع (بين الصفا والمروة) هما جبلا السعي اللذان يسعى من أحدهما إلى الآخر والصفا في الأصل جمع صفاة وهي الصخرة والحجر الأملس والمروة في الأصل حجر أبيض براق (ما ضره) ذلك في حجه أو عمرته أي ترك السعي بينهما فيصح حجه أو عمرته بلا سعي بينهما (قالت) لي عائشة (لم) قلت ذلك يا ابن أختي؟ وهو بكسر اللام وفتح الميم للاستفهام بحذف ألفها، قال عروة (قلت) بضم التاء أي قلت لها للاستدلال على ظني إنما ظننت ذلك (لأن الله تعالى يقول) في كتابه ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} إلى آخر الآية) [البقرة: 118] ومفهوم هذه الآية أن السعي ليس بواجب إذ مدلول رفع الجناح ليس إلا الإباحة فاحتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح ويزداد المستحب بإثبات الأجر ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك (فـ) ردت عليه عائشة رضي الله تعالى عنها حيث (قالت ما أتم الله) سبحانه (حج امرئ) ولا امرأة (ولا عمرته لم يطف) ذلك المرءُ ولم يسع (بين الصفا والمروة) والجملة الفعلية صفة لامرئ (ولو كان) المقصود والمراد بالنص (كما تقوله) وتزعم من عدم الوجوب (لكان) النظم الكريم

ص: 229

فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَان ذَاكَ؟ إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ أَنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَينِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ. يُقَالُ لَهُمَا: إِسَافٌ وَنَائِلَةُ

ــ

والتركيب العزيز (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا النافية في قوله أن يطوف أي لا جناح في ترك الطواف بهما وكانت الآية تدل على رفع الإثم عن التارك فتكون نصًّا في سقوط الوجوب، أما بدون لا فهي ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة بعدم الإثم عن الفاعل ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفى الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم يفعلون ذلك في الجاهلية أن لا يستمر ذلك في الإسلام فجاء الجواب مطابقًا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر كمواظبته صلى الله عليه وسلم عليه في كل نسك مع قوله:"خذوا عني مناسككم" أفاده العسقلاني، قال الأبي: احتج عروة على عدم الوجوب بالآية لأنها دلت على رفع الحرج عن الفاعل، ورأى أن رفع الحرج عنه يحمل على عدم الوجوب فعارضته عائشة بأن رفع الحرج أعم من الوجوب والندب والإباحة والكراهة، والأعم لا يدل على الأخص على التعيين وإنما يتم الاستدلال بالآية لو كانت التلاوة أن لا يطوف بهما لأنه يكون معنى الآية حينئذ رفع الحرج عن الترك وهي خاصةٌ عدمَ الوجوب اهـ ثم قالت عائشة (وهل تدري) وتعلم يا عروة (فيما كان ذاك) أي في أي سبب كان ذاك أي نزول هذه الآية، وإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها لحملها على ما الموصولة، ونظيره ما مر من حديث بما أهللت على ما ورد في بعض الروايات (إنما كان ذاك) أي نزول هذه الآية (أن الأنصار كانوا يهلون) أي يحجون (في الجاهلية لصنمين على شط البحر) أي على طرفيه (يقال لهما إساف ونائلة) قال القاضي عياض: هذا وهم وغلط فإنهما ما كانا قط على شط البحر، وإنما كانا على الصفا والمروة، إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر اهـ وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال "كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما إساف ونائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما" الحديث، وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال: قالت الأنصار: إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، وروى الفاكهي وإسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد

ص: 230

ثُمَّ يَجِيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ يَحْلِقُونَ. فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَينَهُمَا. لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. إِلَى آخِرِهَا. قَالتْ: فَطَافُوا

ــ

صحيح عن الشعبي قال: كان صنم بالصفا يدعى إساف، ووثن بالمروة يدعى نائلة فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما فلما جاء الإسلام رُمي بهما وقالوا: إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم فأمسكوا عن السعي بينهما قال: أنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، وذكر الواحدي في أسبابه عن ابن عباس نحو هذا، وزاد فيه يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمُسخا حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عُبدا، والباقي نحوه، وروى الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه، وفي كتاب مكة لعمر بن شَبَّة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية قال: قالت الأنصار: إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية فنزلت، ومن طريق الكلبي قال: كان الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم فنزلت فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية هذه اهـ فتح الملهم. وقال ابن الكلبي: مناة صخرة لهذيل، وأما إساف ونائلة فلم يكونا بجهة البحر وإنما هما فيما يقال رجل اسمه إساف بن عمرو وامرأة اسمها نائلة بنت وهب زنيا في الكعبة فمُسخا حجرين فنُصبا عند الكعبة، وقيل على الصفا والمروة ليتعظ الناس بهما ثم حوّلهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصقًا للكعبة والآخر بزمزم، وقيل جعلهما معًا بزمزم ونحر عندهما وأمر بعبادتهما فلما فُتحت مكة كسرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ أبي، وفي القاموس وإساف ككتاب وسحاب صنم وضعه عمرو بن لحي على الصفا ونائلة على المروة وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة أو هما إساف بن عمرو ونائلة بنت سهل فجرا في الكعبة فمُسخا حجرين فنُصبا ليتعظ الناس، وكان إساف على صورة الرجل، ونائلة على صورة المرأة ثم عبدتهما قريش فلما فتحت مكة كسرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من بعض الهوامش (ثم يجيئون) أي تحضر الأنصار مكة (فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون) رؤوسهم (فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية) أي تحرزًا من موافقة نسكهم للعمل الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية (قالت فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} إلى آخرها قالت) عائشة (فـ) لما نزلت هذه الآية (طافوا) بينهما، قوله (للذي كانوا يصنعون

ص: 231

(2960)

- (00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أبِي. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى عَلَيَّ جُنَاحًا أَنْ لَا أَتَطَوَّفَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ [البقرة: 158]. فَقَالتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَان:

ــ

في الجاهلية) هذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا شيئًا كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع وهذا بخلاف ما تقتضيه رواية أبي أسامة الآتية بعدها وكذا سائر أحاديث الباب من طريق الزهري فإنها كلها متفقة على أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة إنما وقع لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية ويقتصرون على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك، قال الحافظ؟ فيحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري واشتراك الفريقين في الإسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعًا من أفعال الجاهلية فيُجمع بين الروايتين بهذا، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 144]، والبخاري [1643]، والترمذي [2965]، والنسائي [5/ 238].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2960 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي قال قلت لعائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لأبي معاوية (ما أرى) بفتح الهمزة أي ما أظن أن (عليّ جناحًا) أي ذنبًا في (أن لا أتطوف) ولا أسعى في حجي (بين الصفا والمروة) هما علمان للجبلين بمكة (قالت) عائشة (لِمَ) قلت هذا الكلام؟ قال عروة (قلت) أنا لها (لأن الله عز وجل يقول) في كتابه العزيز ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) أي من أعلام مناسكه ومتعبداته أتم (الآية فقالت) عائشة (لو كان) معنى هذه الآية (كما تقول) وتزعم يا عروة من نفي الجناح في ترك الطواف بينهما (لكان) النظم القرآني

ص: 232

فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. إِنَّمَا أُنْزِلَ هذَا فِي أُناسٍ مِنَ الأَنْصَارِ. كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا، أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذلِكَ لَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هذِهِ الآيَةَ. فَلَعَمْرِي! مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

(2961)

- (00)(00) - حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ:

ــ

(فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا النافية (إنما أنزل هذا) القرآن (في أناس) جاهليين (من الأنصار كانوا إذا أهلوا) أي إذا أرادوا إهلال الحج (أهلوا) أي أحرموا ولبوا (لمناة في الجاهلية فـ) من أحرم لها فـ (لا يحل لهم) في اعتقادهم في جاهليتهم (أن يطوفوا بين الصفا والمروة) تعظيمًا لصنمهم حيث لم يكن في المسعى، وكان فيه صنمان لغيرهم وهما إساف ونائلة المذكوران من قبل وسيأتي رواية قولهما، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة، ومناة بفتح الميم وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوف هي صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي بجهة البحر كانوا يعبدونها، وقيل هي صخرة لهذيل بقديد، وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق، وقال الحازمي: هي على سبعة أميال من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة اهـ فتح الملهم (فلما قدموا) أي الأنصار (مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك) الذي يفعلونه في الجاهلية من عدم طوافهم بين الصفا والمروة (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فأنزل الله تعالى) في شأنهم (هذه الآية) المذكورة إبطالًا لما عليهم في الجاهلية، ثم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها تأكيدًا لكلامها (فلعمري) أي فلحياتي قسمي (ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة) ولا عمرته لأن السعي ركن من أركانها.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2961 -

(00)(00)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن ابن عيينة قال ابن أبي عمر

ص: 233

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا أَرَى عَلَى أحَدٍ، لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، شَيئًا. وَمَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطُوفَ بَينَهُمَا. قَالتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، يَا ابْنَ أُخْتِي! طَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ. فَكَانَتْ سُنَّةً. وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ، الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ، لَا يَطُوفُونَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ سَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو

ــ

حدثنا سفيان قال) سفيان (سمعت الزهري يحدّث عن عروة بن الزبير قال قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة (ما أرى) أي ما أظن (على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئًا) من الجناح أو الدم (وما أبالي) أي ما أكترث أنا في حق نفسي (أن لا أطوف) أي عدم طوافي (بينهما) أي بين الصفا والمروة (قالت) عائشة لعروة (بئس) وقبح (ما قلت يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر الصديق من نفي الحرج في ترك الطواف بينهما ومن عدم مبالاتك في تركه لأنه (طاف) وسعى (رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما (وطاف المسلمون) بينهما (فكانت) فريضة السعي بينهما (سنة) شرعية شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فكيف تقول ذلك الكلام (وإنما كان) الشأن في الجاهلية (من أهل) بالحج أو بالعمرة من الأنصار (لمناة الطاغية) صفة إسلامية لمناة وصفت بها باعتبار طغيان عبدتها، والطغيان مجاوزة الحد في العصيان، ويجوز إضافة مناة إلى الطاغية فيجر بالكسرة الظاهرة للإضافة ويكون الطاغية وصفًا للفرقة وهي الكفار أفاده في عمدة القاري (التي) صفة ثانية لمناة (بالمشلل) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر، ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر، وقال البكري: هي ثنية مشرفة على قديد، وقال السفاقُسيّ: هي عند الجحفة والله أعلم، ومن الموصولة في قوله من أهل لمناة مبتدأ أو اسم كان، وجملة قوله (لا يطوفون بين الصفا والمروة) خبر المبتدإ أو خبر كان (فلما كان) أي جاء (الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسليم عن ذلك) الذي يفعلونه في الجاهلية (فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو

ص: 234

اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية [البقرة: 158] وَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قَال الزُّهْرِيُّ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. فَأَعْجَبَهُ ذلِكَ. وَقَال: إِنَّ هذَا الْعِلْمُ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوفُ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: إِنَّ طَوَافَنَا بَينَ هذَينِ الْحَجَرَينِ مِن أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَال آخَرُونَ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ بِالْبَيتِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. قَال أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ: فَأُرَاهَا

ــ

اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية ولو كانت) هذه الآية أي معناها (كما تقول) وتزعم من نفي الجناح في ترك الطواف بينهما (لكانت) هذه الآية أي نظمها وتركيبها المفيد لما زعمت (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا النافية (قال الزهري) بالسند السابق (فذكرت ذلك) الذي سمعته من عروة (لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني كان أحد الفقهاء السبعة في المدينة قيل اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثقة فقيه عابد، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (6) أبواب (فأعجبه) أي أعجب أبا بكر وأحبه (ذلك) الحديث (وقال) أبو بكر (إن هذا) الذي ذكرته عن عروة هو (العلم) المتقن المحقق، قال القاضي: وروي (إن هذا لعلم) بفتح اللام التي هي للتأكيد وتنكير للعلم كما وقع في صحيح البخاري قال: وكلاهما صحيح؛ ومعناه لعلم حق صواب والقصد استحسان قول عائشة رضي الله تعالى عنها وبلاغتها في تفسير الآية الكريمة اهـ، ثم قال أبو بكر بن عبد الرحمن (و) الله (لقد سمعت رجالًا من أهل العلم) والحديث (يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب) وهم غسان كما سيأتي التصريح به (يقولون) خبر كان (إن طوافنا بين هذين الحجرين) أي الصنمين إساف ونائلة اللذين كانا على الصفا والمروة (من أمر الجاهلية) وشغلهم (وقال) قوم (آخرون من الأنصار إنما أمرنا) أي أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز (بالطواف بالبيت) حيث قال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيتِ الْعَتِيقِ} (ولم نؤمر به) أي بالطواف (بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) الآية (قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها) بضم

ص: 235

قَدْ نَزَلَتْ فِي هؤُلاءِ وَهؤُلاءِ.

(2962)

- (00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَقَال

ــ

الهمزة وفتحها والضم أحسن وأشهر اهـ نووي أي فأظن هذه الآية (قد نزلت في هؤلاء) الأولين من العرب (وهؤلاء) الآخرين من الأنصار، وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا، قال القرطبي: وقد اختلف قول عائشة في سبب نزولها، واختلفت الرواة عنها في ذلك ففي بعض الروايات عنها أن أهل المدينة كان من أهل منهم لمناة لم يطف بينهما وكأن هؤلاء بقوا بعد الإسلام على ذلك الامتناع حتى أُنزلت هذه الآية، وفي بعضها أن من أهل لإساف ونائلة بالإسلام خافوا أن لا يكون مشروعًا لمن لم يهل لهما فرفع الله سبحانه تلك التوهمات كلها بقوله {فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ} وقد ذكر أبو بكر بن عبد الرحمن عند سماعه قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما يدل على سببين آخرين نص عليهما في معنى الحديث، ويرتفع الإشكال ويصح الجمع بين هذه الروايات المختلفة بالطريق الذي سلكه أبو بكر بن عبد الرحمن قال: فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء فنقول: نزلت الآية جوابًا لجميع هؤلاء الذين ذكرت أسبابهم ورافعة للحرج عنهم والله تعالى أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2962 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري (عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن الزبير قال سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عقيل بن خالد لسفيان بن عيينة (وساق) عقيل أي ذكر (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو ما حدّث سفيان عن ابن شهاب (و) لكن (قال) عقيل

ص: 236

فِي الْحَدِيثِ: فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ فَقَالُوا: يَا رَسُول اللهِ! إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَنْزَل اللهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} الآية [البقرة: 158]. قَالتْ عَائِشَةُ: قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الطَّوَافَ بَينَهُمَا. فَلَيسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَينَهُمَا

ــ

(في الحديث فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن طوافهم بين الصفا والمروة، والفاء في قوله (فقالوا) زائدة في جواب لما أي لما سألوه عن ذلك قالوا في سؤالهم (يا رسول الله إنا كنا نتحرج) أي نعد الحرج والذنب (أن نطوف) أي طوافنا (بالصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم صنمهم الذي بالمشلل أو المعنى نحترز الحرج ونخاف الإثم في طوافنا بين الصفا والمروة (فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (قد سن رسول الله) أي فرض وأوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) على من حج واعتمر (فليس لأحد) حج أو اعتمر (أن يترك الطواف بينهما) أي السعي بينهما، وفي بعض الهوامش قوله (كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة) أي نك أنفسنا من حرج هذا الطواف أي إثمه ونجانبه، قال في المصباح بعدما فسر الحرج بالإثم ما نصه: وتحرج الإنسان تحرجًا هذا مما ورد لفظه مخالفًا لمعناه، والمراد فعل فعلًا جانب به الحرج كما يقال تحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث، قال ابن الأعرابي: للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها قالوا تحرج وتحنث وتأثم وتهجد إذا ترك الهجود اهـ ومنها تحوب إذا ألقى الحوب وهو الإثم عن نفسه وتلوم إذا تربص بالأمر يريد إلقاء الملامة عن نفسه، قال المرقش:

يا صاحبي تلوَّما لا تعجلا

إن النجاح رهين أن لا تعجلا اهـ

وقولها (قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) قال القرطبي: سن بمعنى شرع وبين وهو ركن واجب من أركان الحج والعمرة عند جمهور السلف وفقهاء الخلف ولا ينجبر بالدم ومن تركه أو شوطًا منه عاد إليه ما لم يصب النساء فإن أصاب أعاد قابلًا حجة أو عمرة، واستدل للجمهور بأن الله تعالى قد جعله من الشعائر وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال "خذوا عني مناسككم" وبحديث أم حبيبة بنت أبي تجراة

ص: 237

(2963)

- (00)(00) وحدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَن عَائِشَةَ أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ الأنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، هُمْ وَغَسَّانُ، يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ. فَتَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكَانَ ذلِكَ سُنَّةَ فِي آبَائِهِمْ. مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَإِنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ حِينَ أَسْلَمُوا. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل فِي ذلِكَ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]

ــ

-بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف ثم هاء- الشيبية وهي إحدى نساء بني عبد الدار قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة وهو يقول: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" رواه أحمد [6/ 422]، غير أن هذا الحديث تفرد به عبد الله بن المؤمل وهو سييء الحفظ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2963 -

(00)(00)(وحدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لعروة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (أن الأنصار) الأوس والخزرج (كانوا قبل أن يسلموا) أي قبل أن يدخلوا في دين الإسلام، وقوله (هم) أي الأنصار تأكيد لاسم كان ليعطف عليه قوله (وغسان) أي كانت الأنصار وغسان قبل إسلامهم، وغسان قبيلة مشهورة من العرب (يهلون) أي يحجون (لمناة) التي بالمشلل (فتحرجوا) أي تأثموا (أن يطوفوا بين الصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم لصنمهم (وكان ذلك) أي ترك الطواف بين الصفا والمروة (سنة) أي عادة (في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة) تعظيمًا لصنمهم (وإنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن الطواف بهما (حين أسلموا فأنزل الله عز وجل في ذلك) أي في جواب سؤالهم عن ذلك الطواف {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} ) فقد تبين أن

ص: 238

(2964)

- (1242)(172) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. حَتَّى نَزَلتْ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية [البقرة: 158].

(2965)

- (1243)(173) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛

ــ

الحكمة في التعبير بذلك في الآية مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه يستمر في الإسلام فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر كما مر وقد يكون الفعل واجبًا ويعتقد المعتقد أنه منع من إيقاعه على صفة مخصوصة كمن عليه صلاة ظهر مثلًا فظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل فقيل في جوابه لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت فالجواب صحيح ولا يستلزم ذلك الوجوب ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفى الإثم عن التارك اهـ إرشاد الساري.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

2964 -

(1242)(172)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان (قال) أنس كانت الأنصار يكرهون أن يطوفوا) أي أن يسعوا (بين الصفا والمروة) لذينك الصنمين وحبًا لصنمهم (حتى نزلت) الآية ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والترمذي والنسائي اهـ تحفة الأشراف.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه:

2965 -

(1243)(173)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (عن ابن جريج) المكي (أخبرني أبو الزبير)

ص: 239

أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ، بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا.

(2966)

- (00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا. طَوَافَهُ الأَوَّلَ

ــ

المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي (لم يطف) أي لم يسع (النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه) أي الذين وافقوه في القرآن أو مطلقًا والصحابة كانوا ما بين قارن ومتمتع (بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا) يعني سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة يحسب الذهاب من الصفا مرة والإياب من المروة مرة ثانية.

قال النووي: ففي الحديث دليل على أن السعي في الحج أو العمرة لا يكرر بل يقتصر فيه على مرة واحدة، ويكره تكراره لأنه بدعة، وفيه دليل لما قدمناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، وقد سبق خلاف أبي حنيفة وغيره في المسئلة والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

2966 -

(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن بكر ليحيى القطان (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن سعيد عن ابن جريج (وقال) محمد بن بكر في روايته (إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول) بزيادة طوافه الأول وهو بدل مما قبله بدل الكل من الكل أي إلا سعيه بعد طوافه الأول الذي هو طواف القدوم فلا يعاد بعد طواف الإفاضة لعدم وروده.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 240